طرائف عربية

 طرائف عربية

عصر من غناء أم كلثوم وزكريا أحمد مثالا أم كلثوم والميكروفون

رحم الله أم كلثوم المطربة والإنسانة، رحلت عن دنيانا فخلت الساحة من الغناء الجميل. كانت أم كلثوم في عام 1932 مطربة تملأ السمع والبصر، تسجل الأسطوانة بخمسين جنيها وتوزع 15 ألف أسطوانة كل ثلاثة أشهر. تغني في حديقة الأزبكية أيام عزها الغارب، أمامها الخديو إسماعيل لتكون متنفساً للقاهرتين الإسلامية والأوربية التي أنشأها.

حبا الله أم كلثوم بصوت قوي ينفذ في الليل مثل شفرة الليزر، ويتضوع في وسط المدينة مسكاً وطرباً.

يروى أن إحدى المحطات الإذاعية الأهلية وضعت أمامها على المسرح ميكروفونا يساعدها على نقل الصوت إلا أنها عندما رأت الميكروفون أمامها غضبت غضباً شديداً وطوّحت به على طول ذراعها إلى الحديقة. ومما يروى عنها أنها عندما رضخت للغناء في الميكروفون، ولحظة أن غنت آهة من آهاتها الكبيرة تصدع الميكروفون وخرب، وانكسر قلبه.

حزن الشيخ

كان الشيخ زكريا أحمد فنانا إلى حد الوجع، وكان إنسانا عاش الحياة بحلوها ومرها، ورأى ما لم يره غيره. صعد للقمة وهبط، اغتنى وافتقر، أسعد ملايين العرب وقلبه مريض، مارس كل الفنون: مطرباً وملحناً ومؤلفاً وممثلاً. قدم للعالم العربي أم كلثوم فنقلها من مطربة ريفية إلى كوكب الشرق ومطربة للأمراء والملوك.

مات ولده محمد فجثم على صدره الحزن واشتعلت بقلبه نار الفراق حتى أنه ولشدة حزنه لم يذرف دمعة واحدة.

عندما زارته أم كلثوم ورأت حاله خافت عليه أن يموت، وأدركت بفطنتها أن الذي سيساعده بيرم التونسي، قالت: "ابعثوا لبيرم". كان بيرم التونسي بالإسكندرية ولم يكن يعرف شيئا، وعندما شد رحاله وعاد إلى القاهرة كان قد مر على حزن الشيخ ثلاثة أيام بلياليها.

حينما دخل بيرم لم يشعر به زكريا، عند ذلك أدرك بيرم أن عليه أن يهتدي إلى طريقة يخرجه بها من حزنه. كان بيرم يعرف مدى عشق زكريا للموسيقى والشعر والغناء، وحين جلسا معا بدأ بيرم ينظم شعرا:

"الأولة في الغرام والحب شبكوني"

وحين وصل إلى البيت الذي يقول:

حطيت على القلب إيدي وأنا بوّدع وحيدي

 

وأقول ياعين.. يا عين بالدمع جودي"

حتى انفجر الشيخ بالبكاء وقبض على عوده يدندن باللحن حتى اكتمل دور، 'الأوله في الغرام" حين ذلك انفجرا بالبكاء وظلا خلال يومين يبكيان.

فرح نبروه

كانت أم كلثوم في بداية مشوارها الفني تركب حمارا تنتقل به من قرية إلى قرية. وكانت أحيانا تركب قطار الدرجة الثالثة.

اتفق أحد الميسورين بقرية قرب نبروه على أن يحيي فرح ابنه، عبروا النيل إلى طلخا، وركبوا قطار الدلتا الصغير إلى نبروه، وركبوا من نبروه الحمير حتى القرية، وبعد تعب يهد البدن عبر الحقول والسكك الترابية، وعفرة الأرياف، وصلوا قبل هبوط الليل. كانت القرية خالية من ملامح الفرح، ولا تبدو عليها بهجة أو إحساس بالعرس، بحثوا عن صاحب الفرح، وحين اهتدوا إلى بيته وجدوا الصمت والسكوت، قرعوا عليه الباب فخرج ووقف خلف الباب الموارب وحين رآهم سألهم: خير

قال والد أم كلثوم: خير إن شاء الله؟ "أنت مش متفق معنا علشان نحيي عندك الفرح".

فقال الرجل بنطاعة: "ما أجلناه"؟!!

ـ "طيب مش تخبرنا".

فأجابهم الرجل باستعباط: "أقول إيه"؟ ما هي البلد كلها عارفة ثم صاح بعالي الصوت على جارهم وزعق فيه: ألا بحق يا محمد مش إحنا أجلنا الفرح؟ ورد محمد ببلادة أكبر: آه.

أشار صاحب الفرح: شفتم آهي كل البلد عارفة، وكانت أغرب "آهة" في حياة أم كلثوم التي امتلأت عبرالزمن بالآهات.

خفة دم الشيخ

كان الشيخ سيد مكاوي خفيف الروح وابن نكتة. حددت له الست أم كلثوم موعداً لإجراء بروفة على الأغنية الجديدة. حضر الشيخ متأخرا عن موعده، والموعد عند أم كلثوم له قداسته. قابلته غاضبة: إزاي يا شيخ سيد تتأخر؟ عندما أحس الشيخ بغضبها أجابها مبتسما: السماح يا ست، أصل أنا كنت اللي سايق العربية. كان الشيخ كفيفا، انفجرت أم كلثوم في الضحك وأخذته من يده.