إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

عيادات لتوليد النقود

كلنا يعرف الطرفة الشهيرة عن جحا الذي أعار جاره قدراً فأعاد الجار القدر في اليوم التالي ومعها قدر أصغر منها، وعندما سأل جحا جاره عن سر القدر الصغيرة، قال الجار: لقد ولدت قدرك عندي عندما استعرتها وها أنا أعيدها ومعها ابنتها.

وفرح جحا بالمولودة الجديدة وصار يعرض القدر على جاره يوميا لعله يستعيرها وتلد مرة أخرى، وعندما طلب الجار في إحدى المرات استعارة القدر، لبى جحا الطلب على الفور، ثم انتظر أياما والجار لم يحضر القدر، وعندما سأله جحا عما إذا كانت القدر تعاني من مخاض عسير أثناء الولادة، ضرب الجار كفاً بكف، وقال بأسى: ماتت القدر أثناء المخاض و.. البقية في حياتك. وعندئذ صرخ جحا: ولكن القدر لاتموت. ورد الجار: تصدق أنها تلد ولاتصدق أنها تموت؟!

ولعل المحتالين من إخواننا في القارة السمراء سمعوا الطرفة فانتشروا في دول الخليج وصولاً إلى لندن بحثاً عن جحا، وقد كانوا دائماً يجدونه، فقد قرأت أن 3 محتالين في دولة خليجية استطاعوا أن يقنعوا أحد التجار بأن الورقة المالية من فئة 500 درهم يمكن أن تلد ورقة من فئة 100 درهم، أما الورقة من فئة 100 دولار فيمكن أن تلد مثلها توأماً أي 200 دولار، ونجحوا بذلك في الحصول على مبلغ يزيد على 90 ألف دولار قبل أن يعلنوا وفاة القطع كلها بالجملة. وكنت أعتقد أن جحا لايمكن أن يوجد إلا في العالم الثالث أو في خليجنا الذي يفيض بأصحاب النوايا الحسنة، ولكنني اكتشفت أن جحا يمكن أن يكون بريطانياً ينحدر من صلب شكسبير، فقد أقنع الجيران السمر الأشقر البريطاني أن كل 100 جنيه إسترليني يملكها تساوي مائتين، وعندما تناولوا منه ورقة من فئة العشرين جنيهاً وضعوا لصقها ورقة بيضاء وصبوا محلولاً "سحريا" فإذا بالورقة البيضاء تصير، كما عصا موسى، 20 جنيهاً تسعى بين يديه، وضاعف البريطاني الأوراق النقدية إلى أن صارت ألفاً وإذا بها تعود بقدرة جار جحا ألفين بالتمام والكمال، ربما أن جحا البريطاني لم يكن يملك أكثر من 18 ألف إسترليني فقد نقدهم إياها كلها.. على أمل أن يصحو في اليوم الثاني على المبلغ مضاعفاً، ولكن الوباء كان قد سبقه فحصد الثروة كلها، ومعها المحتالون السمر.

وفي الحقيقة فإن في هذه الوقائع مايشبه السحر إذ كيف يمكن أن يقتنع إنسان عاقل بأن أحدهم قادر على أن يضاعف ثروته، بينما يبقى هذا الأحدهم فقيراً لايستطيع مضاعفة ثروته الشخصية. وأعتقد أن في القول المأثور "الطمع يعمي" الكثير من الصحة، فقد أخبرتني صديقة كيف خسرت 75 ألف دولار هي كل ماتملك، قالت إن صاحب مصنع جاءها وعرض عليها أن يدفع لها شهرياً 100 دولار عن كل ألف دولار تعيرها له وصدقته. أعارته في السنة الأولى ألفاً وفي الثانية 5 آلاف وفي الثالثة 10 آلاف وفي الرابعة 15 ألفاً وكان يدفع عن كل ألف كما وعد مبلغ مائة دولار، وعندما اكتشفت بعد 6 أشهر أنها قادرة على أن تحصل خلال عام واحد على كل مادفعته مع زيادة 20% نقدته كامل ثروتها، والبقية معروفة.

ومع وجود هذا العدد الكبير من آل جحا ليس مستغرباً أن يزيد عدد عيادات توليد النقود على عدد عيادات توليد النساء.

والبقية في حياتكم!

 

أنور الياسين