وداعا للعدسات.. ومرحبا بالليزر

وداعا للعدسات.. ومرحبا بالليزر

كان اكتشاف الحسن بن الهيثم الطبيب الفيزيائى العربي المسلم منذ ألف عام للعدسات نصرا عظيما ونقلة نوعية كبرى في علم البصريات وتصحيح أسواء الانكسار, منذ ذلك التاريخ نحتت مئات الأشكال من العدسات وصحح البصر لملايين من الناس ولولاها لكانت الحياة قاتمة محدودة غائمة للكثيرين الذين يعانون من قصر البصر ومد البصر وحرج البصر (استجمتزم) ولولاها لما تقدم العلم, ولما اخترعت أعداد هائلة من الأجهزة التي تعتمد على العدسات كالمناظير, والمجاهر الضوئىة والإلكترونية, والتلسكوبات والمراصد الفلكية, وآلات التصوير ولولاها لما تقدم علم الفضاء, ولما ازدهر الطب التشخيصي, ولما تقدمت الجراحة الدقيقة, ولولاها لما أبدع العلماء الذين يعتمدون على النظارة إما للرؤية البعيدة أو للقراءة ورؤية الأشياء القريبة بوضوح.

تساقط العدسات والمشارط

مع تقدم الحياة وتطورها أصبح لبس النظارات عائقا أمام الكثيرين, وبخاصة عندما تكون العدسات عالية الدرجة سميكة مفرطة التقعر فتضفي تغيرا على الوجه وتشويها للمنظر, إضافة لتحدد الساحة البصرية, ورؤية الأشياء أصغر من حقيقتها وأبعد, وقد تعيق بعض الأعمال لدى الطيارين والغطاسين, ورجال المطافي, والطباخين, والممثلين, والمحاربين, والجراحين, والرياضيين, وكل الذين يعملون في ظروف رطبة يتكاثف فيها بخار الماء, وهي لاتنسجم مع جمال وجه الكثيرات من النساء اللواتي يفضلن إزاحتها عن الوجه واستبدالها بوسيلة أخرى تحسن البصر دون أن تشوه المنظر, وهنالك فئة من الناس لايستطيعون وضعها على الوجه وإركازها على الأنف والأذنين بسبب عائق شكلي في الأذنين وجسر الأنف, وقد كان اكتشاف العدسات اللاصقة وتطورها ورواجها سببا في التخلي عن النظارة من قبل الكثيرين الذين يعانون من أسواء انكسار البصر, فالعدسات اللاصقة تصحح بصر المريض دون أن تظهر سر مرضه, ومع أن العدسات اللاصقة قد تطورت وتحسنت كثيرا, فإنها بحاجة ماسة إلى الرعاية والعناية والتنظيف والتعقيم, وكثيرا ما أدى الإخلال بنظام تعقيمها وحفظها إلى اختلاطات مزعجة من الالتهابات والتقرحات, مما يتطلب استبدالها إضافة إلى احتمال انكسارها وفقدها وما يترتب عليه من إعاقة وإرباك في العمل.

في عقدي السبعينيات والثمانينيات راجت عملية قطع القرنية الشعاعي التي ابتكرها وطورها العلماء الروس لتصحيح قصر البصر. وفيها تقطع على القرنية ـ بسكين ماسي مايكروني ـ حزوز نصف قطرية غير نافذة تتشعع عن منطقة مركزية في القرنية لاتنالها القطوع, فيصبح سطح القرنية أقل تحدبا وأكثر استواء, فيتصحح حسر البصر, ومع أن العديد ممن خضعوا لهذه العملية تحسنوا وصححت أسواء الانكسار البصري لديهم فإن العملية سقطت في اختبار الزمن لأنه حدث مع الزمن شطط وإفراط في التصحيح, فالذي كان يعاني قبل العملية من حسر البصر أضحى بعد العملية بسنوات مديد البصر يعاني من صعوبة المطابقة ولايستطيع الرؤية الجيدة ولا القراءة إلا بالنظارات المقربة.

لذلك كان اختراع أجهزة الليزر المصححة للبصر منذ أوائل التسعينيات فتحا طبيا بصريا رائعا, فشعاع الليزر القوي الناتج عن تسخير مزيج من غاز الأرجون والفلور والموجه بإشعاعات ذات أمواج قصيرة (فوق البنفسجية) يستطيع أن يذيب الأنسجة المعرضة لفترة من الزمن مدروسة ومحسوبة, فهو يستطيع أن يبدد ويبخر وينحت ما يشبه العدسة في القرنية وحسب ما يريده الجراح, فيصحح البصر لدى المصابين بدرجات خفيفة أو متوسطة من قصر البصر, وهو كذلك يستطيع أن يصحح الاستجمتزم المنتظم وهو اختلاف قوة الانكسار في اتجاه قطرين متعامدين في القرنية, نتيجة اختلاف في درجة تحدب القرنية على هذين الاتجاهين.

سكاكين ضوئية

لقد كان نجاح التصحيح بالليزر والمسمى PRK ـ أي تصحيح البصر بقطع القرنية الضوئي ـ مقدرا بالاستغناء الكلي عن التصحيح بالنظارات والعدسات اللاصقة قد وصل إلى 98% ولكن تتطلب العملية هذه مرور بضعة أيام قبل أن يستعيد المريض بصره, إضافة إلى ما قد يعانيه من آلام عينية نتيجة الحرق بالليزر, فالعملية هي في الحقيقة ـ حرق منظم مدروس مبدد لسطح القرنية.

أما في حالات قصر البصر العالي فلابد من إجراء جراحي إلى جانب التصحيح بالليزر, وهي العملية المسماة ليزك Lasik أي التصحيح بالليزر المرافق لعملية تحوير القرنية, وفي هذه الحالة لاتطبق أشعة الليزر على الطبقات السطحية بل على الطبقات الوسطى من السدى القرني, إذ تشطر القرنية بسكين دقيقة مايكرونية أوتوماتيكية بشكل قرص رقيق شفاف لايزيد سمكه على 160 ميكرون (مايكرون = واحد من ألف من المليمتر), يبقى عالقا على القرنية في بعض أطرافه وهنا يقلب القرص وينحى جانبا ثم تطلق أشعة الليزر المدروسة المصححة للبصر فتنحت وتبخر من القرنية ما احتسب في ذاكرة البرمجة في جهاز الليزر حسب الدرجة المراد تصحيحها من قصر البصر أو مد البصر أو الاستجمتزم, والتصحيح هذا قد لايستغرق إلا ثواني معدودات وقد يصل إلى الدقيقة أو يتجاوزها قليلا وذلك حسب قوة سوء الانكسار المراد تصحيحها, وبعد ذلك يعاد القرص ليغطي السطح الذي عولج بأشعة الليزر, فيلتئم دون خياطة, هذه العملية لاتسبب آلاما شديدة للمريض كالأولى والمريض يستعيد البصر الجيد بشكل أسرع من العملية الأولى.

لننتظر قليلاً.. ونترقب

لقد غدا التصحيح بأشعة الليزر علاجا جيدا فعالا أمينا ونصرا كبيرا للذين ابتلوا بقصر البصر العالي, ولكن أشعة الليـزر لاتزال عاجزة للآن عن تصحيح حرج البصـر غير المنتظم والذي يسمى (القرنية المخـروطية) Keratoconus, وفي هذه الحالة لابد من العدسات اللاصقة الأكسجينية أو إجراء عملية ترقيع القرنية.

وبالرغم مما حققه الليزر حتى الآن من انتصارات ونجاحات باهرة معتمدة, وبالرغم من حماس جراحي العيون وانبهار المرضي بالنـتائج المعـطاة, فإن العملية مازالت في طورالحداثة ويتطلب الأمر مرور سنوات طويلة حتى نقول إن التصحيح يقف على أرضية صلبة لاجدال فيها, وأن البصر لم يتراجع وأنه لم تطرأ اختلاطات ولا تأثيرات سلبية على العين مع مرور الزمن نتيجة تلك العملية.

ونحن إذ نقف على أبواب انتهاء القـرن العشريني وانغـلاق الألف الثاني للميلاد, نعلم جيدا أن مئات الألوف مـن المرضي الذين اسـتردوا البصر الجيد بواسطة أشعة الليزر يلوحون وهم بثقة يهتفون: وداعا للنظارات التي ابتدعت منذ ألف عام.

 

سري سبع العيش

 
  




عدسات لاصقة صافية ملونة





عملية قطع القرنية بسكين من الماس: (ع) العدسة البلورية في العين (س) سكين مايكرونية من الماس





التصحيح بأشعة الليزر: (ق) سطح القرنية قبل المعالجة بأشعة الليزر أكثر تحدبا (ب) بعد المعالجة بأشعة الليزر أصبح سطح القرنية مبسطا





عملية الليزك: قطع قرص من القرنية وأزيح جانبا ثم طبقت أشعة الليزر بعد ذلك يرد القرص ليغطي كاملا السطح الذي اجريت عليه شاعة الليزر (ش) أشعة ليزر موجهة على القسم العميق من القرنية (ق) قرص القرنية السطحي





عملية الليزك: قطع قرص من القرنية وأزيح جانبا ثم طبقت أشعة الليزر بعد ذلك يرد القرص ليغطي كاملا السطح الذي اجريت عليه شاعة الليزر (ش) أشعة ليزر موجهة على القسم العميق من القرنية (ق) قرص القرنية السطحي