الكويت .. عسل نحل

الكويت .. عسل نحل

تصوير: فهد الكوح

تربية النحل في الكويت تمثل نوعا من التحدي ، فهذه الحشرات عاشقة الرحيق تعاني من قسوة حرارة الصيف وبرودة الشتاء ولكن للهواية عشاقها ومن يعشق يصبح قادرا على التحدي.

النحل أمة من أمم الله كرمها سبحانه وتعالى فأنزل سورة باسمها في كتابه الكريم, وألهمها أن تعيش حياتها وفق نمط أوحى به إليها, وجعل شراباً مختلفاً ألوانه وأنواعه يخرج من بطونها وفيه للناس شفاء, ويجود النحل بما حباه الله به في معظم البلدان مهما قست الظروف البيئية, برعاية الإنسان أو بعيداً عن رعايته, فكيف تعيش هذه الحشرة في الكويت في حرارة الصيف الملتهب أو في ظل برودة الشتاء, وهل إنتاجها من العسل مرض, ثم هل العسل هو المادة الوحيدة التي تنتجها الخلية?

بدأت رحلتنا مع النحل والعسل من الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية, أو بالأحرى من تربية النحل بها, وهي من الوحدات الأساسية الست التابعة لإدارة البحوث النباتية, والتقينا مراقب بحوث وقاية النبات الأستاذ عبد الله إبراهيم الذي حدثنا عن بدايات الاهتمام بإنتاج العسل في الكويت فأوضح أن ذلك بدأ في الخمسينيات وقد كانت هناك تجارب لمعرفة مدى نجاح النحل وإنتاجه في ظل الظروف الجوية المتقلبة خلال فصول السنة بدأت بأربع خلايا في محطة التجارب الزراعية في الرابية ثم زادت أعدادها باستيراد خلايا أكثر ومن مصادر أخرى وكانت نتيجة التجارب جيدة فقد وصل إنتاج الخلية إلى 15 كيلو جراماً من العسل سنوياً, وأخذ عدد المواطنين المهتمين يتزايد, وهم على اتصال بنا حيث نزودهم بالإرشادات من أجل حل أي مشكلة تواجههم في تربية النحل.

وعندما أنشئت الهيئة في 1983 جاء في أحد بنودها مايوصي بالاهتمام بتربية النحل وتطوير المناحل, وساعدت الهيئة المواطنين في مجالات عديدة ولعل أبرزها تزويد مربي النحل بالمعلومات حول الهيئات العالمية أو التجارية المهتمة بهذا المجال كما تزود الهيئة النحالين بشرائط الأبستان مجاناً لمقاومة الطفيليات العنكبوتية (الفاروا).

وفيما لو بقي الشريط مدة طويلة ملصقاً على الخلية فإنه يؤثر على إخصاب الملكة, كما أن الهيئة تقوم بعمل دورات تدريبية سنوية ولمدة أربعة أشهر متواصلة للمواطنين.

بدايات تربية النحل في الكويت

وعن بدايات قدوم النحل إلى الكويت قال النحال يوسف بن محمد النصف (أبو عمر) إن ذلك كان في الخمسينيات وأول من جلب النحل إلى الكويت محمد المهتدي وكانت الخلايا حينذاك للشيخ جابر الصباح.

ويعتقد أبوعمر أن العسل كلما تنوعت مصادره ازدادت فيه الفائدة وكلما اقتصر النحل في مرعاه على مصدر واحد (نبات واحد) كانت فوائده أقل ويستمد فكرته هذه من الآية القرآنية حيث قال جل جلاله: { فكلي من كل الثمرات}, وتمتاز الكويت بتنوع مزارعها ونباتها وهذا مايزيد في قيمة العسل الكويتي, ويقول أبو عمر ـ الذي يعتبر من قدماء مربي النحل حيث بدأ في 1974ـ إن للعسل علاقة بالبيئة وأنفع العسل للإنسان هو العسل المنتج في البيئة التي يعيش فيها, وحبوب اللقاح المخلوطة مع العسل تعتبر بمنزلة لقاح طبيعي يمنح جسم الإنسان المناعة ضد الأمراض التي تعتري الإنسان حين تزهر الأشجار, وعن النحل الذي يستورده نحالو الكويت يقول إننا نطلب على الأغلب النحل الكرينيولي والنحل الاسترالي ويشترط أن يكون سليماً خالياً من الأمراض.

مرجع في تربية النحل

وفيما يبدو ومن خلال أحاديث النحالين يتضح أن لديهم معلومات وإرشادات حول تربية النحل ومعظمهم يعيد ما اكتسبه من هذه المعلومات إلى الدورات التي تقيمها الهيئة وبالتحديد إلى الدكتور محمد عطية عويس المتخصص في تربية النحل, وقد سبق أن توزعت مقالاته بهذا الشأن على صفحات الدوريات من صحف ومجلات وما إلى ذلك.

وحين التقينا هذا المرجع الذي يكاد يكون شاملاً فوجئت بأن لديه ذخيرة علمية وعملية في هذا المجال وعلى وجهه ترتسم علامات الجد وهو مرتد لباس العمل شأنه شأن باقي العاملين وصادف لدى زيارتنا مجيئه من مناحل الهيئة وبدأ بالحديث عن النحل وإنتاجه وحياته في ظروف البيئة الكويتية فقال: في 1989 كانت هناك مشاريع لتربية النحل ولكنها ليست متطورة إلا أنها تعطي كميات كبيرة جداًً من العسل وذلك نظراً لقلة الطوائف واتساع مساحة المراعي, وكانت الطوائف تهلك سنوياً بسبب قسوة الظروف البيئية وقلة الخبرة, وهذا في العرف الاقتصادي يطلق عليه سوء إدارة لأنه من المفروض أن يبقى رأس المال ثابتاً ويزداد بربحه, وهذا ما دفعنا للتعرف على متطلبات النحل في ظل الواقع, وإثر الدراسات والتجارب تبين أن تربية النحل في الكويت ممكنة ولكن لو استطعنا التغلب على بعض الظروف وذلك لأن الكويت تخلو من سلالات نشأت في جو حار, وبعد المقارنة تبين أن أجواء الصعيد قريبة حرارتها من حرارة الكويت ولذلك جلبنا منها الكرينيولي المحلي والمربى في مصر, ولله الحمد نجحت تربيته في الكويت ولذلك بدأنا في توجيه النحالين إلى كيفية معاملتها ليتقوا اللسعات خاصة وأن الكرينيولي المحلي يتصف بالشراسة, كما استمر الاستيراد من استراليا ولكن من أكثر مناطقها حرارة وبدأ النحل يتلاءم شيئا فشيئا مع الحرارة, ولكي يبقى النحل حيا يجب أن تكون درجة الحرارة في الخلية حوالي 43ْ مئوية أيما كانت حرارة الجو, والنحل بطبيعته يكيف الخلية بهذه الدرجة, ومن الواضح أن برنامج عمل النحل متوائم مع الجو, ففي الصيف ينطلق النحل للعمل حتى قبل الساعة السابعة صباحاً ويتابع نشاطه بعد الخامسة مساء.

أنواع العسل وأوان قطفه

وإذا وجدت النحلة غذاء كثيراً فإنها تفرز من العسل ما يكفيها ويزيد للتخزين, ولذلك فهي تحتاج إلى مرعى كاف لتجلب منه حبوب اللقاح والرحيق الكافي لإفراز كميات العسل, وفي الكويت يعتبر الصفصاف أهم أنواع النبات التي يعتمد عليها النحل ويطرح النحل عسله في أوائل مايو, ويتصف عسل الصفصاف بأنه من الأنواع ذات الجلوكوز المرتفع ورطوبته مرتفعة أيضاً والنحل لايستطيع إنضاجه بسبب رطوبة الجو.

ومع حلول يوليو يقطف النوع الثاني من العسل وهو عسل الكينا (الكافور) ويتسم هذا العسل بأنه لزج ومهدئ للأعصاب لاحتوائه على الكافور, وفي الخريف يجمع النحل الرحيق من نبات السدر, وعسل السدر من الأعسال الممتازة لونه داكن ولايتسكر بسهولة ونسبة الجلوكوز فيه منخفضة.

وفي مزارع الوفرة والعبدلي نوع رابع من العسل ينتج من جراء جني النحل لنبات البرسيم الحجازي ويسمونه بالإنجليزية (Al Alfa _ Alfa) وتنتج منه كميات كبيرة ولكنه يحتاج لظروف معينة من الحرارة والرطوبة.

وتربية النحل في الكويت أصبحت هواية الكثيرين وحرفة للبعض, ونظراً لتزايد الخلايا في الكويت فإنه من الواجب وضعها بمواقع محددة ومتباعدة عن بعضها لكيلا تحصل المنافسة ويتكدس النحل ويقتتل على المرعى أو يقنع بالقليل ويكتفي بأن يتغذى دون أن يعطي مردوداً مرضياً, وبعد أن طبقت نظرية التوزيع أخذت الخلايا تعطي حتى عشرين كيلو جراما من العسل وقد يصل إنتاج بعضها إلى الأربعين سنوياً, ومواصفات العسل الكويتي عالمية وعن بعض الأفكار الخاطئة حول الغش في العسل يقول الدكتور عويس: إن تغذية النحل بالسكر في أوقات محددة شتاء أمر ضروري, وذلك لأن النحل يجهد نفسه ليدفئ مسكنه, فلو فتحنا الخلية لوجدنا النحل متجمعاً في إحدى الزوايا وباقي الخلية حرارتها مثل حرارة الجو فيماتصل درجة الحرارة بين النحل إلى 43ْ, فالنحل يحتاج إلى طاقة ليعدل درجة الحرارة وهذه الطاقة تجعل النحل محتاجاً الى كميات من العسل وإلا فإنه سيموت, وبما أن العسل مرتفع السعر فإننا نعطيه البديل, ومع بداية الربيع نعطيه السكر لتنشط الملكات بعدما تبين لنا أن تغذية الملكات بالسكر أفضل منها بالعسل وقبيل موسم العسل نوقف تغذية النحل بالسكر ولايلبث مخزونه في الخلية أن ينفد مع موسم إزهار الحقول فيبدأ يعتمد على الرعي وجني الرحيق ليتغذى ويخزن الفائض عسلاً, وأما الغش بسكر الجلوكوز السائل فهذه مشكلة ولمعرفتها يمكن أن ننظر من أعلى الوعاء الزجاجي إلى العسل فلو ظهر القاع واضحاً جداً فإن العسل ليس جيداً.

عسل.. ولكن؟

ويضيف النحال الأستاذ توفيق المشاري وهو مشرف على أكثر من 1000 خلية وهو واحد من المحترفين والمهتمين بجمع المعلومات عن تربية النحل وإنتاج العسل, وقد استطاع أن يوزع الخلايا التي يمتلكها في مختلف أرجاء الكويت, على أسطـح المنازل والمدارس وفي الحدائق, ويعتبر من الذين لديهم خبرة في معرفة منتجات الخلية: إن التفريق بين العسل الأصلي, والعسل المغشوش يكون غالباً في المختبرات المعتمدة في وزارة الصحة أو وزارة الزراعة أو في المختبرات العالمية كالمختبر الموجود في السعودية ويعطي ذلك المختبر نوعين من الفحص: الأول يكون سريعاً ويشتمل على نسبة الماء وحبوب اللقاح والشمع, ومعروف أن نسبة الماء لو زادت على 20% فإن العسل يكون مغشوشاً وسيتعرض للتخمر, ولله الحمد أن العسل الكويتي قد تصل فيه نسبة الماء أحياناً إلى 12% ويكون عندئذ شديد اللزوجة وهذا ما يمتاز به على الغالب عسل يوليو.

والفحـص الثاني يأخذون فيه كمية من العسل لتبقى عندهم ثلاثة أيام ويعطـونك تفصيلات أيضاً لمحتوياته من الأنزيمات والسكريات بأنواعهـا والبروتينات بالاسم والنسبة, مبيناً النسبة المثلى لكل من المحتويات, وبناء على المقارنة يعطى العسل الدرجة وبناء على الدرحة يزداد سعره أو ينخفض.

ويبتسم بذكاء صاحب الخبرة ويقول: إلا أن هناك فحوصات سريعة يمكن من خلالها معرفة نسبة الماء إن زادت على الحد مثل الاختبار بقلم الكوبيا وعيدان الثقاب, وهي فحوصات غاية في السهولة تقتصر على غمس عود الثقاب (الكبريت) في العسل ثم محاولة إشعاله فإن اشتعل فإن نسبة الماء عادية وإن لم يشتعل فإن نسبة الماء مرتفعة, عند ذلك ابتسمت وقلت للأخ أبي محمد هذا إن لم يكن الكبريت مغشوشاً!!

ويجمع الدكتور عويس والأستاذ توفيق على أن التخزين والنقل يفسدان العسل ما لم يكونا بشكل صحيح, ويشير الدكتور عويس بأصبعه محذراً: إياك أن تعرض العسل للأشعة أو الحرارة لأن ذلك يكسر بعض أنزيماته وحاول أن تحفظ العسل بدرجة حرارة لاتزيد على 25 درجة مئوية, والطريف أن بعض الناس يحكمون على العسل المتجمد أو المتسكر بأنه مغشوش, وهذا الكلام مغالط للحقيقة العلمية, لأن العسل الطبيعي ما لم يسكر في ظروف معينة يشك في أمره, فالعسل هو ماء مذاب فيه السكر بنسبة 20% ماء وما يتبقى سكريات, وإن انخفضت الحرارة فإن كمية الماء لاتتحمل السكر وهنا يترسب السكر, وإن رفعنا درجة الحرارة بحمام مائي عاد العسل إلى طبيعته, وإن كنا لانريد للعسل أن يحبحب أو يتسكر فهناك طرق عديدة أبرزها وضعه في عبوات صغيرة وتخزينها في الثلاجة والسحب منها بقدر الاستهلاك والطريقة الثانية هي أن يخلط في الخلاط وهنا يصير مثل الكريمات.

ويقول الأستاذ المشاري: إن ما يفسد العسل هو التسخين والفلترة, فالعسل الرخيص يكون مسخناً ومصفى بفلتر ضيق جداً بحيث لايسمح لكميات الشمع أو حبوب اللقاح بالنزول مهما كانت دقيقة, وبذلك لايبقى إلا العسل المصفى, وبعض الشركات لأنها تعلم أن المستهلكين ينظرون إلى العسل الصافي على أنه غير مغشوش فإنها تقوم بتسخين العسل وتصفيته وبذلك يفقد العسل الأنزيمات المهمة وحبوب اللقاح والشمع وهذه كلها عناصر مفيدة جداً, وتبقى الخبرة التي اكتسبها كبار السن من مربي النحل وتجار العسل فهؤلاء يحكمون على العسل من خلال شكله ولزوجته وتذوقه, وقد يأتي رخص العسل في بعض الأحيان من جراء زيادة الإنتاج في الدول الأخرى فتصدره مكتفية بربح قليل جداً.

نحل وأعسال كالذهب

وبناء على فوائد العسل مع منتجات الخلية الأخرى (غذاء الملكة ـ البروبلس ـ الشمع ـ حبوب اللقاح) فإن البعض اتجه نحو التطبيب بالعسل, وتواجهك الصحف الإعلانية بأسماء العديد من أولئك المهتمين, وهم على حق بذلك فغذاء الملكة مثلاً يقول عنه النحال (المشاري) إنه ذو لون أصفر شاحب ورائحة قوية وطعمه حامضي ويتكون من 66% ماء و4% غلوسيدات و10% بروتينات و6% الليبيدات ولايزال ما مقداره 4% مجهولاً من نسبة المكونات, وفيه الفيتامينات والأملاح المعدنية والهرمونات, ويفيد غذاء الملكة في تغذية اليرقات الشغالات خلال اليومين الأولين وتتغذى به اليرقات الملكية خلال 14 يوماً ولاتعرف الملكات غيره غذاء, وزيادة تغذية اليرقات به هو ما يجعلها أنثى حقيقية ذات جهاز تناسلي قابل للقاح, في حين أن العاملات من النحل هن إناث كاذبات عقيمات أي لايمكنهن أن يبضن, هذا عدا أن الملكة تعيش مايزيد على خمس سنوات فيما لاتعيش العاملات أكثر من بضعة أسابيع, وحالما شعر الإنسان بفوائد هذا الغذاء امتدت إليه يده, وقد أخذ يربي طوائف معينة من أجل هذا المنتج خصيصاً, فكان يبعد الملكة عن الطائفة ويضعها في قفص, وتبدأ الشغالات بإفراز الغذاء الملكي على البيوض الجديدة لتتخلق منها ملكات تختار الطائفة إحداها, ولكن النحال يفاجئ الخلية باستخراج هذه البيوت الملكية ليستولي على هذا الغذاء الغالي بطريقة دقيقة ونظيفة ويعيد بعدئذ الملكة المسروقة إلى خليتها, وهكذا.

ويضيف الدكتور عويس: يطلق على الغذاء الملكي (معيد الشباب) فهو يصلح كثيراً في جسم الإنسان ويساعد على التنشيط العصبي ولكن شريطة أن يؤخذ بكميات قليلة ومحدودة لكيلا يعطي مفعولاً عكسياً, ويجب المحافظة عليه في درجات حرارة منخفضة جداً أو مزجه بالعسل وإلا فإنه يفقد خواصه, ولقد بدأت الأبحاث الطبية تكشف مفعول سم النحل وأثره على جسم الإنسان, وفوائده في الحقيقة

مدهشة وقد توقفنا مع أحد النحالين المهتمين أيضاً وهو السيد رياض الدوسري الذي كان قادماً لتوه من أمريكا, وبينما كان يقضي إجازته الصيفية هناك كان يلاحق آخر ما توصلوا إليه في مجال النحل ومنتجاته, وحدثنا عن العلاج بلسع النحل هناك, لقد كان اللسع علاجاً شعبياً غير مضمون النتيجة ولكن بعد الأبحاث الحديثة ثبت بما لاشك فيه أن هذا النوع من العلاج مفيد للتخلص من أمراض عديدة أبرزها الروماتيزم, ولقد شاهدت عيادات متخصصة تعالج بلسع النحل, وتعرفت على أحد الأشخاص وكان مصاباً بالروماتيزم لدرجة أنه كان عاجزا عن المشي وخضع لعلاج كبار المختصين ولم يفلحوا في إعطائه العلاج الشافي, فتوجه إلى مختصين بالعلاج بلسع النحل ولم تنقض أكثر من ستة أشهر حتى عاد ماشياً ففوجئ به الطبيب! وتبين أيضاً أن كثيراً من أمراض المفاصل والعظام ينجح علاجها بلسع النحل ولكن اللسع ليس متاحاً أمام الجميع فله محاذير يجب أن يعرفها المعالج المتدرب, وإلا فإنه يسبب الحساسية للإنسان. وقد أثبتت التجارب أن سم النحل يحتوي على أحماض عديدة وعلى كميات من البروتينات والزيوت تفيد في علاج بعض الأمراض الجلدية وعرق النسا وارتفاع ضغط الدم وأمراض الغدة الدرقية.

ويضيف النحال رياض الدوسري حول تربية النحل في أمريكا بأنهم يعتمدون أيضاً على المردود الآخر للنحل وهو ناتج عن دوره في تلقيح المحاصيل والثمار, وقد لانتصور أن الفواكه والثمار اللذيذة والمفيدة, للنحل دور كبير فيها, وفي أمريكا يستأجر المزارع خلايا النحل ليضعها في مزرعته أثناء المواسم لتقوم النحلة بتلقيح الأزهار, ولو نظرنا إلى تفاحتين الأولى لقحت زهرتها عن طريق نحلة والثانية عن طريق الريح لوجدنا الأولى أكبر وطعمها أحلى ونكهتها أطيب وشكلها أجمل وكثير من المحاصيل الاستراتيجية التغذوية قد تنخفض بنسبة محصولها فيما لو لم تلقح أزهارها بالشكل اللازم.

وكان لقاؤنا السيد الدوسري في المكتب الخاص بالنحل في النادي العلمي وبحضور السيد توفيق المشاري الذي أضاف إلى فوائد النحل للنبات بأن النحلة تمتص الرحيق وهو المادة السائلة السكرية التي تفرزها غدد خاصة موجودة في قاعدة الأزهار وتشكل بتلات الزهرة مايشبه الوعاء الذي يخزن الرحيق وذلك لجذب النحل, فإن جف السائل بسبب الحرارة فإن ذلك خسارة للزهرة, وإن امتصته النحلة فإن الفائدة تنعكس على الزهرة لأن النحلة غالباً ما تحمل حبوب اللقاح حيث يتم تلقيح الزهرة ثم تنغلق الزهرة لتتحول إلى ثمرة, وهكذا فإن النحلة في الوقت الذي تأخذ فيه الرحيق تهب للزهرة الحياة.

وفي النادي العلمي قام الأعضاء بتزيين المكتب المخصص للجنة مربي النحل بصور رائعة تحكي إبداع هذه الحشرة الصغيرة وتصور منتجاتها وأنشطتها وكيف تلاءمت مع أجواء الكويت حيث تنتشر الخلايا على أسطح المنازل والمدارس وفي الحدائق, وكان هذا مما أثار دهشتي, فكيف لايخشون من مهاجمة النحل للصغار أو الكبار ولسعهم وعن هذه المسألة قال النحال المشاري: النحل أنواع متعددة منها الشرس والأقل شراسة والوديع الهادئ, ومن يفكر بوضع النحل في الأماكن الآهلة بالسكان لابد له أن يتوخي الحذر الشديد ويختار النوع الهادئ الوديع, وهذا مايحدث معنا بالضبط, ولكن يبقى النحل أيا كان, مهما بلغت درجة هدوئه يدافع عن طائفته حين يتعرض للهجوم البشري كيفما كان.

وللنحل أعداء كثيرون يحاولون التسلل إلى الخلية ولعل أخطر الأعداء (دودة الشمع) وعدو النحل الدبور الأحمر وهناك قمل النحل وذئب النحل وفراشة السمسم والذبابة الحدباء, وأبرز أولئك الأعداء هو طائر الوروار وهو معروف في الكويت بالخضيري ويسمى بالإنجليزية (صائد النحل), وكذلك بعض الزواحف التي تحاول أن تعتدي على إنتاج الخلية ومن الأعداء أيضاً النمل.

ويحدثونك عن البروبليس!!

وفيما لو دخل مخلوق غريب الخلية فإن النحل يهاجمه ليقتله, وفيما لو لم يستطع إخراجه, فإن العاملات تجمع من براعم الأشجار وحبوب اللقاح مادة تلف بها الجسم فيبقى عمراً كاملاً دون أن يتعفن أو تنشط البكتريا فيه وقد استطاع الإنسان أن يستفيد منه لما له من تأثير على الفطريات وقد قيل إن له تأثيرا في معالجة السرطان ونظراً لأهميته في التعقيم فقد دخل في كثير من أنواع الصابون والكريمات وغير ذلك وهذا على حد قول الدكتور محمد عطية عويس.

وقبل أن نغادر النادي العلمي وبعدما تصفحنا بعض الكتب المعنية بالنحل وتربيته وبالعسل وإنتاجه كان لنا لقاء مع الأستاذ سعيد الأصبحي مدير عام النادي وقد حدثنا عن لجنة مربي النحل واهتمام النادي بهذا المجال فقال: يهتم النادي العلمي الكويتي بالاختصاصات العلمية وتوجد في النادي روابط ولجان وإحدى هذه اللجان لجنة مربي النحل وهي لاتزال نواة صغيرة عمرها لايزيد على السنة, وتضم مجموعة من الشباب المجدين وممن لديهم اهتمام بتربية النحل, ويتجمعون في النادي من أجل تبادل الخبرات والآراء في مهنتهم أو هوايتهم, ولقد تشكلت لجنتهم حالما شعر النادي بعلاقة هذا الجانب بالعلوم الحيوية, ويهدفون أيضاً إلى تعريف الناس بأهمية تربية النحل وإنتاج الخلية في الوقت الذي يخاف فيه الآخرون من لسعة النحل. وتوجد في النادي بعض المناحل أيضاً, ونسعى بجد للاتصال باتحاد النحالين العرب واتحاد النحالين العالميين ونسعى أيضاً لتطوير هذه اللجنة إلى رابطة.

وبناء على فوائد العسل مع منتجات الخلية الأخرى, وبناء على دوره في العلاج فقد كانت زيارتنا إلى محل عسل العويد لنراقب أساليب العلاج قدر المستطاع عن كثب, وكان لنا حديث مبسط ومفيد مع المشرف على أساليب العلاج وصاحب المحل محمد العويد الذي امتدح العسل الكويتي وخص عسل السدر لما له من نتائج صحية, وقال إن العسل كله مفيد ولكن بشرط أن نتناوله بأساليب صحية لأن تناوله العشوائي يعطي نتائج ولكنها متفاوتة,فهو يفيد في علاج أمراض الجهاز الهضمي ويختلف تناول العسل في هذه الحالة عن الذي يشكو من ضغط الدم أو البلغم أو أمراض الجهاز التنفسي وما إلى ذلك.

ويتحدث العويد عن نفسه فيقول بدأت في هذا الجانب بعد قراءات في كتب عنيت بالعسل وأهميته, ولقد سافرت إلى بعض الدول واستفدت كثيراً من السادة الأطباء والخبراء.

ونلاحظ إقبالاً مميزا على العلاج بالعسل, والزائر لديه الاقتناع بهذا العلاج وأمله بالشفاء كبير, وأثبت هذا العلاج جدارته في التخلص من أمراض كثيرة كالبلغم والجهاز الهضمي وبعض الالتهابات والربو والسعال والتهاب العيون وضعف المبايض وضعف وقلة الحيوانات المنوية والأكزيما والصدفية والأمراض التي تسببها البكتيريا والفطريات, ولمسنا فائدة مميزة فيما لو مزج العسل بالبروبليس, وكان له فعاليته في معالجة فطريات الفم والتهاب اللثة, وفيما كان العسل مع شمعة فإنه يفيد من أجل الجيوب الأنفية.

ولكن أسعارالعسل المستخدم للعلاج مبالغ فيها إلى حد ما, وهذه حقيقة لايمكن إنكارها, والاهتمام بنقل وتخزين العسل وإنتاجه هذا ما يجعله يحافظ على سماته الطبية, ويقال إن العسل الداكن تكثر فيه المعادن, ويتنوع العسل بين بلد وآخر وأكثر الفائدة تجنى من عسل البلد الذي يقطنه الإنسان, ويفضل الذين يتاجرون بالعسل كعلاج بيعه بعد فحصه بالمخابر, فمسألة الثقة لاتكفي في معرفة العسل.

بينما كنا في محل العويد للعلاج بالعسل كان السيد جمال صالح يراقب أحد العاملين وهو يخلط له خلطة العسل من أجل علاج والدته التي تعاني من مرض السكر, وقد أخبرني بأن أمه لمست نجاح هذا العلاج ولذلك داومت عليه, والعويد يقول إننا نقدم لها العسل

ممزوجاً بكمية محددة من غذاء الملكات.

الخلايا تتوزع في الكويت

خلال تنقلنا بين المناحل المنتشرة في مختلف أرجاء الكويت كنا نشاهد مدى الاعتناء بالخلايا فهي مظللة إما بالأشجار أوعرائس العنب وما شابه ذلك من ظلال طبيعية أو مظللة بما يشابه خيام البادية, والأرض حول الخلايا تكون مرطبة بالماء لتخفف حدة الحرارة وبعض النحالين يحاول تظليل الخلايا بقطع الكتان والخيش المبلل بالماء, وقد حدثنا أحد العاملين في هذا المجال منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهو عبد الحميد عبده عن تأثير الحرارة على النحل فقال إن الحرارة تحد من جني النحل للرحيق وبذلك يقل إنتاج الخلية كما أن بعض النحل المسن يموت بسبب الحرارة, والملكة تتوقف عن وضع البيوض, ولذلك يحاول النحالون التغلب على حرارة الجو بأساليب متعددة كرش الأرض بالماء وتظليل الخلايا ووضعها بعكس اتجاه الشمس لكي لاتذيب الحرارة الشمع, كما أن الكثيرين يضعون مصدات للرياح الحارة ويحاولون زراعة المكان الذي سيوضع فيه النحل بنباتات معروفة بفائدتها.

وكم كان المنظر عجيباً حين كنت أشاهد النحالين ينفثون الدخان من مداخن خاصة على باب الخلية فيستكين النحل ويلجأ للخلية وبعد ذلك يفتحونها ويحملون الإطارات المرصوفة بالعيون السداسية المليئة بالعسل المختوم بالشمع أو الإطارات التي غطيت بلون يميل إلى البني وفيها تقطن اليرقات الكثيرة قبل خروجها لترى نور الحياة, وعلى الإطارات تتكدس أعداد هائلة من النحل, فلا يخشاها النحال ويحمل الإطار دون أن يغطي يديه أو يقي وجهه بقناع, ولكن كانوا يحذرونني من تحريك يدي أو رأسي فيما لو اقتربت إحدى النحلات مني لكي لا يهاجمني النحل بعد ذلك, إن ذلك يدل على أن هذه المهنة فيها أنواع خاصة من المعاملة والمهارة يكتسبها النحال مع طول الممارسة.

وفي مواسم قطاف العسل يحمل النحالون الألواح المغطاة بالشمع المختوم على العسل ليضعوها بالفراز وهو إناء أسطواني الشكل فيه مكان للألواح, ولكل فراز سعة معينة وبعد أن يدور الفراز بسرعة معينة يدوياً أو كهربائياً يسيل العسل بالطرد المركزي من العيون الشمعية السداسية الشكل ومن صنبور أسفل الفراز الذي يشبه البرميل ينسكب العسل ليحمل إلى المنضج وهو وعاء على شكل قدور كبيرة مغطاة بقطع من القماش الناعم (الشاش الأبيض) ويوضع العسل على القماش الأبيض ذي المسامات الدقيقة لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام بعدها يكون قد تجمع العسل في القدر صافياً فيما يحوي القماش البقايا من شمع ويرقات وما إلى ذلك, وهذه العمليات تتم عادة داخل غرف خاصة بالفرز والإنضاج, ويسكب العسل الصافي في أوانٍ زجاجية.وبينما كنت عائداً من رحلتي الاستطلاعية هذه كنت أتذكر ما أودعه الدكتور صبري قباني في كتابة (الغذاء لا الدواء) عن العسل وكيف استخدمه قدماء المصريين في التحنيط, وعندما أرسل جثمان الإسكندر الأكبر إلى مقدونيا كان مغطى بالعسل وذلك منعاً للتفسخ, وقبل أن يوجد التبريد كانت اللحوم تحفظ طازجة بتغطيتها بالعسل, وورد عن سليمان الحكيم أنه قال لقومه: (اذهبوا وفتشوا عن العسل واستعملوه) ولكن الكويتيين لم يفتشوا عن العسل فقط بل فتشوا عن مصدره وجلبوا سلالات النحل وعملوا ما بوسعهم لتتلاءم مع الظروف البيئية في الكويت.

 

 

جمال مشاعل