وزير الإعلام اللبناني باسم السبع وشوقي رافع

وزير الإعلام اللبناني باسم السبع وشوقي رافع

وزير الإعلام اللبناني باسم السبع سليل أسرة إعلامية، فقد أسس والده جريدة المساء يا بيروت، خلال الثلاثينيات، ثم أصدر جريدة "الهدف" في مطلع استقلال لبنان، تخرج في الجامعة اللبنانية ـ كلية الإعلام وعمل في صحف "اليوم"، "الشرق"، "السفير" التي أمضى فيها 17 عاما، احتل في معظمها منصب مدير التحرير، وكان أصغر مدراء التحرير سناً. انتخب عام 79 أمين السر لنقابة الصحافة اللبنانية، وفي عام 1983 أنتخب أمينا عاما مساعداً لاتحاد الصحافيين العرب، وفي عام 89 تم اختياره عضوا في مجلس إدارة تلفزيون لبنان. وفي عام 1992 ترك الصحافة إلى العمل السياسي، فانتخب نائبا عن دائرة جبل لبنان قضاء بعبدا، وفي عام 1996 أعيد انتخابه، ثم تم اختياره وزيراً للإعلام في أواخر عام 1996.

ويحاوره هنا الزميل شوقي رافع وهو خبير إعلامي وشغل منصب مدير التحرير في عدد من الصحف،من بينها "السفير" في بيروت و"الخليج" في الشارقة، و"صوت الكويت" في لندن، وأسس ورأس تحرير وكالة "يانا آراب برس" في واشنطن "1980 ـ 1986".

* أبدأ الحوار معك كزميل وليس كوزير. في عام 1976 كنا نعمل معاً في صحيفة "السفير"، وعندما فرضت الحكومة الرقابة المسبقة على الصحف كنا نجهز 6 صفحات إضافية من الجريدة، أحملها معي يوميا إلى مكتب الرقيب الضابط زاهي البستاني، وفي كثير من الأحيان لم يكن الضابط بستاني يكتفي بحذف 6 صفحات فقط، بل يزيد، وعندئذ كان لابد من تأمين صفحات وأخبار إضافية لأنه ممنوع ترك مساحة بيضاء، وفي تلك الأيام كان شتم الرقيب والرقابة طقساً يومياً تشارك فيه أسرة التحرير كلها وفي طليعتها أنت، ألا تعتقد أن هناك تناقضاً بين ذلك الموقف وبين أن تبدأ عهدك كوزير للإعلام بتشكيل لجنة للرقابة المسبقة؟

- في ظل التجربة الجديدة التي يخوضها لبنان وهي تجربة البث الفضائي طرح علينا أمر من اثنين: الأول أن تخضع هذه التجربة للرقابة المسبقة من خلال الأجندة الأمنية ومن خلال الأمن العام، والثاني أن نتعامل مع هذا البث الفضائي من خلال مراقبة وزارة الإعلام.

فأخذنا بالاتجاه الثاني في ضوء القول المأثور "أهل مكة أدرى بشعابها". وهكذا دخلنا في موضوع مراقبة البرامج السياسية المتعلقة بالبث الفضائي فقط، أي أن جميع أشكال البث التلفزيوني والإذاعي الأخرى القائمة في لبنان لا رقابة عليها ولا بأي شكل من الأشكال، لا رقابة بالمطلق.

لم نحذف خبراً واحداً

* يعني هل تريدون حماية العرب من الإعلام اللبناني؟

ـ نحن نريد أن نحمي علاقات لبنان الخارجية، انطلاقا من أنه ما يجوز في لبنان ليس بالضرورة يجوز تجاه الآخرين، فنحن بلد ينهض بمجموعة مسئوليات اقتصادية وانمائية وسياسية، نحن لا نستطيع أن نعرض هذه المسئوليات لأي شكل من أشكال الاهتزاز، لذلك قلنا إنه لابد أن نحدد مسبقا "مناعات" تحمي هذه المسئولية. هذه المناعات تتحقق من خلال مراقبة المواد السياسية في البث الفضائي، وقلنا أيضا إن هذه الرقابة تتم بواسطة وزارة الإعلام ومن خلال صحافيين يفترض أنهم صحافيون محترفون، ومن هنا تم تشكيل فريق مراقبة من الصحافيين العاملين في وزارة الإعلام، وقد باشر الفريق ممارسة مسئولياته منذ أشهر وحتى الآن أستطيع التأكيد أن هذه الفريق لم يحذف خبراً واحداً أو مادة سياسية واحدة.

حماية الأشقاء

إذن هل يمكن أن نستنتج بأن هناك نوعاً من الرقابة الذاتية وبالتالي ليس هناك أية ضرورة للرقابة الرسمية؟

ـ هذا الاستنتاج قد يكون صحيحاً، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك جهة معينة، قادرة أمام لحظة سياسية معينة على أن تمنع بث مادة إخبارية أو سياسية قد تكون مضرة لمصالح لبنان مع أشقائه العرب، أو قد تسيىء للعلاقات مع هؤلاء الأشقاء بشكل قد تهدد فيه المصالح الداخلية للبنان أىضا، وهنا أعطيك مثلاً بسيطاً:

هل لديك أدنى شك في أننا بلد يحتاج إلى مساعدة الأشقاء؟ نحن نحتاج هذه المساعدة، ولهذه المساعدة وجوه متعددة، اقتصادية وسياسية، إننا لا نستطيع أن نغامر بهذه المساعدة تحت وطأة أن هناك خبراً أو مادة أو حملة سياسية معينة، فإذا تقدمت دولة عربية لتساعد لبنان على بناء مرفق اقتصادي أو تنموي يخدم أبناء هذا الوطن. وبالمقابل إذا تقدمت مؤسسة أو جهة إعلامية وقررت أن تشن حملة على تلك الدولة، فإن النتيجة واضحة، إذ إن الضرر سوف يلحق بلبنان كله، وليس بالضرورة أن تكون أسباب الحملة موضوعية إذ إنها قد تكون خدمة لجهات معينة.

ـ هذا أمر أساسي، ولكن بالمقابل هناك قضية أخرى وهي أن الرقابة التي تمارس على البث الفضائي لابد أن تأخذ في الاعتبار المساحة الديمقراطية المتاحة لبلد مثل لبنان. هذا بلد ما يميزه هو وجهه الديمقراطي، والتعليمات المعطاة إلى الجهات المعنية بموضوع المراقبة تراعي هذا الأمر بدقة متناهية، لا رقابة تؤدي إلى تشويه وجه لبنان الديمقراطي أو تؤدي إلى تعطيل الأداء الديمقراطي للمؤسسات الإعلامية المعنية بالبث الفضائي، وبالمقابل لا بث فضائيا سياسياً من شأنه أن يعطل علاقات لبنان مع أشقائه العرب. هذه هي القاعدة التي نريد اعتمادها وتكريسها عبر الممارسة لتصل إلى مرحلة النضج بحيث تنتفي الحاجة إلى الرقابة تلقائياً.

رقابة على الرقابة

* يعني هل تمارس الوزارة رقابة على الرقابة؟

ـ كلنا يعرف أن البث الفضائي هو نوع من الإعلام الذي يفرض نفسه على الآخرين، إنه ليس إعلاما انتقائيا، بمعنى أنك تختار هذا النوع من الإعلام، على العكس هذا الإعلام هو الذي يختارك كمشاهد، يدخل عليك غرفة النوم، وبأية مادة إعلامية يختارها هو لا أنت. ولبنان في هذا المجال مازال طفلاً يحبو، نحن عمرنا في البث الفضائي لا يتجاوز ستة أشهر، تجربتنا لم تنضج، وبالتالي لا يمكن أن نصدر أحكاما قطعية بهذا الصدد.

* لماذا هذا الخوف من الإعلام الفضائي، ولماذا لا تطبق على هذا الإعلام قوانين المطبوعات، وهي تقضي بأن يحال إلى القضاء كل من يخالف هذه القوانين، ومن ضمنها كما تعرف بند يمنع الإساءة إلى رؤساء وقيادات الدول الشقيقة، لماذا لا تتركون القضاء وليس الرقابة ليحكم في هذه المسألة؟

ـ نحن لا نريد أن نصل إلى هذه المرحلة في بداية الطريق، ونقول إن الوقاية خير من العلاج. هنا نحن لا نتحدث عن الصحافة المكتوبة أو المرئية في الداخل، الرقابة على هذه الصحافة أمر مرفوض بالمطلق، ولكننا نتحدث عن الجمهور الآخر، الجمهور الذي يتوجه إليه الإعلام الفضائي في نماذج، هنا لنا مخاوف ولدينا محاذير، نخشى أن نستخدم بعض المنابر الإعلامية في لبنان لأهداف وغايات سياسية لها أبعاد أخرى خارج حدود لبنان، لذا كان لابد من وضع ضوابط، وحتى الآن فإن الوسائل الإعلامية المعنية تلتزم هذا النهج المتفق عليه والذي يكاد يتحول إلى شكل من الأعراف الإعلامية، وفي أحيان كثيرة فإن مؤسسات الإعلام نفسها، وبسبب خبرتها في مجال البث الفضائي، تلفت انتباهنا إلى قضايا نجهلها، إذ إن تلك المؤسسات باتت تعرف أنها تخاطب في الخارج جمهوراً عريضاً وواسعاً وهي تدرك أن المادة الإعلامية التي تقدم في لبنان ليست هي بالضرورة المادة التي يجب أن توجه إلى منطقة الخليج مثلا أو إلى المغرب العربي، فالقيم قد تختلف، وكذلك الأمر مع الأنظمة السياسية المختلفة، فيما ينطبق على الجمهور ينطبق على الأنظمة.

رقابة أخلاقية أيضاً

* يعني عدم المؤاخذة، أنتم لا تقومون بالرقابة السياسية فقط بل تتجاوزونها إلى الرقابة الأخلاقية؟

ـ الرقابة الأخلاقية أيضا ينص عليها القانون، ينص عليها في البث الفضائي والداخلي كذلك. وأنا سبق وحذرت منذ البداية، إذ مع بداية البث الفضائي حدث نوع من الفوران التلفزيوني الذي بهر الجمهور العربي للحظة معينة. لكن في المقابل وصلتنا ملاحظات كثيرة على هذا الفوران الإعلامي من مشاهدين عرب. وأنا من موقعي في وزارة الإعلام وصلتني رسائل كثيرة تنتقد عدداً من البرامج التي يبثها الإعلام اللبناني، وتعتبر أن هذا النوع من الإعلام يتعارض مع كثير من قيمنا العربية.

وقد سبق وقلت إن دور لبنان الإعلامي يفترض أن يكون أبعد وأكثر اتساعا ولا يقتصر على التسلية والترفيه، لسنا تلفزيونات للترفيه والتسلية فقط، أكثر من ذلك، قلت إننا نرفض أن يتحول لبنان إلى كباريه إعلامي، إن لنا دوراً يحمل رسالة سياسية واضحة وله وظيفة ثقافية وتربوية وحضارية واسعة، وقد أكدت على هذا الدور مجددا في الاجتماع الأخير لمؤتمر الفضائيات العربية الذي عقد في بيروت، وقد طرحت سؤالا اعتبره جوهريا، وهو: أية هوية ثقافية نريد للفضائيات العربية؟ وعندما تطرح هذا السؤال على الفضائيات العربية، فإننا من باب أولى أن نطرحه أيضاً على الفضائيات اللبنانية.

قلة الأدب

* الإعلام كما تعرف يا معالي الوزير، وبالذات الإعلام التلفزيوني بات صناعة عصرية ثقيلة، وهو موضع شكوى حتى فى أمريكا، وعندما شكا الرئيس كلينتون من إباحية بعض البرامج فإنه لم يلجأ إلى منعها، كما لم يطرح مسألة الرقابة عليها، وإنما دعا الأهل إلى استخدام "شيبس" يسمح لهم بالتحكم في البرامج التي يشاهدها أطفالهم، إذن، لماذا لا تتركون المسألة لقوانين العرض والطلب التي تحكم أية صناعة أخرى، من دون وصاية على المشاهد، فهو الذي يقرر ما يشاهده أو يرفضه؟

ـ حتى الصناعة تخضع لقوانين تضبطها. القانون الأخلاقي في كل أنحاء العالم يضع ضوابط تلحظ مسألة الأخلاق العامة. في القانون الفرنسي، والبريطاني نصوص واضحة تمنع التعدي على الذوق العام، أنت لا تستطيع أن تمنح نفسك حق الظهور على الشاشة للاعتداء على الذوق العام وعلى قيم الآخرين. من أعطاك هذا الحق؟

أنت تدخل بيوت الآخرين من دون استئذان، ولكن ليس مسموحاً لك أن تدخل من دون استئذان وأن تقلل الأدب داخل تلك البيوت أيضاً. بل ويمكن أن أقول أكثر من ذلك، إن ما يجوز في لبنان، من ضمن قيم المجتمع اللبناني لا يجوز بالضرورة في دول الخليج العربي، أنا لا أستطيع أن أفرض على المواطن الذي يعيش في جدة أو في أبوظبي أو في عجمان القيم نفسها التي يعيشها ابن بيروت أو ابن جونيه أو ابن أية بلدة لبنانية أخرى.

مسطرة للأخلاق

* ولكن هل تعتقد أنك قادر على وضع المعيار الأخلاقي وتحديده لكل مجتمع..؟

ـ المقياس تحدده التجربة الحضارية لكل شعب.

* طيب بعض المجتمعات أو الحكومات تريد المذيعة منقبة، البعض الآخر يرى في ظهور ركبة المرأة خروجا على الحشمة.. هل لديك مسطرة لقياس قلة الأدب أو الحشمة؟

ـ لا، اطمئن، وحتى إذا كانت هناك مسطرة فهي مسطرة واسعة، لكن لا أعتقد أنها من الاتساع بحيث تتحمل أن تعرض شبكة "سي. في. واحد" الفرنسية فيلما إباحيا "بورنو" وأن يبث هذا الفيلم على الفضائيات العربية، ليست هناك مسطرة عربية بهذا الاتساع. نحن لا نتحدث عن حدود ضيقة ولكن بالتأكيد هناك خطوط أخلاقية حمراء، وهناك قناعة شعبية، حتى على مستوى المجتمع اللبناني، بهذه الخطوط الحمراء. هناك أسئلة كثيرة تطرحها هيئات ثقافية ودينية واجتماعية وتربوية ونسائية حول دور الإعلام، وهل يجوز للسوق التجاري أن يتجاوز حدود الأخلاق بحيث يسيىء للقيم الاجتماعية، وهل يجوز لهذا الإعلام أن يعرض فيلماً أو برنامجاً عند الساعة السادسة مساء يمكن أن يسيىء لأخلاق الطفل؟ في فرنسا تعرض أفلام معينة تعتبر بمقاييس اللبنانيين والعرب مخلة بالآداب العامة، ولكن هذه الأفلام تعرض في ساعات معينة وفي وقت متأخر من الليل يكون الأطفال عادة فيه نياماً.

نحن أيضاً يمكن أن نعتمد هذا النوع من القيود على برامج معينة، بالطبع ليست برامج "البورنو" الغربية، هذه الأفلام ذات الإثارة الجنسية مرفوضة بالمطلق في مجتمعاتنا، سواء عرضت في الثالثة فجراً أو في الثالثة بعد الظهر.

الرقيب في الداخل

* الفضائيات لا تقتصر على لبنان ولا على العرب والمناقشة في هذا المجال شديدة، ومن المعروف أن الإعلام في لبنان كان رائداً باستمرار والسبب الحرية النسبية التي كان يتمتع بها، عندما تفرض على هذا الإعلام الفضائي قيوداً ألا تحد من قدرته على المنافسة؟

ـ هذه القيود ضئيلة جداً قياساً للمساحة الواسعة التي يتحرك فيها الإعلام، ولو لم تطرح معي موضوع الرقابة الآن كنت نسيتها، الجمهور أيضاً نسيها، فالرقابة عملياً لم تغير أي شيء في مضمون المواد الإعلامية السياسية التي تبث فضائياً.

* يعني الرقيب الذاتي صار يقوم بالمهمة من الداخل، ألا يحدث هذا في العالم العربي كله؟

ـ الرقابة الذاتية يعيشها كل إنسان بشكل من الأشكال، كلنا يكتب ويمارس مهماته ويفرض على نفسه أنواعا من الرقابة، ولا أظن أن هناك كاتباً أو إعلاميا. سواء كان عربياً أو غير عربي، لا يمارس على نفسه نوعاً من الرقابة الذاتية. هذا كلام بالمطلق، أما مبدأ الرقابة على الإعلام فهو بالتأكيد مبدأ غير مقبول. وفي تقديري فإن الإعلام العربي حقق في السنوات الأخيرة تقدماً كبيراً، وبالتالي فإن مساحة الرقابة المباشرة على هذا الإعلام تضيق يوما بعد يوم، كما أن مساحة الحريات تتسع تدريجيا وهو أمر تلاحظه على مستويات إعلامية مختلفة.

وهناك قضايا كبيرة تطرحها الفضائيات العربية ونشاهدها، وأستطيع أن أقول إن الحوار حول هذه القضايا يتمتع بنضج سياسي كبير.

* ألا تعتقد أن هذا النضج السياسي يمكن أن يظهر في الفضائيات اللبنانية، إذا أتيحت لها الفرصة، كما يحدث في الإعلام المطبوع حيث لا رقابة؟

ـ لبنان مازال في الخطوات الأولى على هذا الصعيد. لم يخرج الإعلام اللبناني فعلا حتى الآن من صدفة السياسات الداخلية، النقاش السياسي الدائر في تلفزيونات لبنان مازال في معظمه يدور حول الشأن السياسي الداخلي، بينما الفضائيات العربية سبقتنا إلى طرح قضايا أوسع بكثير من مساحاتها الداخلية، هذا أمر لابد من الاعتراف به ولابد بالتأكيد من تشجيع الإعلام اللبناني والفضائيات اللبنانية تحديداً على أن تتجاوز حدود الساحة السياسية الداخلية.

كسر الرجل

* لعل هذا الإعلام مضطر للتركيز على الداخل، ولنأخذ تجربة ميدانية لزميل منعه الوزير من دخول وزارته، قال له: سأكسر رجلك إذا دخلت الوزارة، والسبب أن محرراً في الصحيفة كتب عموداً انتقد فيه الوزير، وبالتالي مع وجود مسئولين من هذا النوع يصبح الهم السياسي الداخلي كبيراً.

ـ هذا إجراء شخصي. ليس له أية أبعاد سياسية، وأنا لم أسمع بهذه الواقعة، كما أن أحداً لم يحدثني بها، وفي كل الحالات ليس هناك سياسي في لبنان يمنع صحافيا من أن يؤدي دوره ويمارس مهنته، إذا وقع هذا المنع فهو يقع بطريقة شخصية.

ربما منع هذا الصحافي من دخول الوزارة ولكن أحداً لا يستطيع أن يمنع هذا الصحافي من العودة إلى مكتبه وكتابة كل تفاصيل القصة، بل ربما يكتب أيضاً مما يتجاوز الوقائع فيبدي رأيه في الوزير أو حتى في الرئيس، المنع من الكتابة أمر غير موجود في لبنان على الإطلاق.

شفافية ضرورية

* كيف يستطيع الإعلامي أن يمارس مهمته، إذا لم يوفر له المسئول أو السياسي شفافية معينة تتيح له الحصول على المعلومات. الإعلام يقوم بدور الرقيب على السلطة، وإذا لم تتوافر له المعلومة يغيب هذا الدور، وقبل فترة كشف عن فضيحة فقط. الوزير لم يقدم معلومات واضحة، أليس هناك في مجلس الوزراء حوار حول ضرورة الشفافية لمساعدة الإعلام بدلاً من تقييده؟

ـ بالتأكيد نحن لا نعيش في جنة ولا نعيش في مدينة فاضلة. ولكن بالتأكيد أيضاً نحن لا نعيش في جهنم، قد تكون هناك إشكالية في العلاقة بين الإعلام والسلطة أو بين الأجهزة الحكومية ولكن هذه الإشكالية ليست جديدة وليست وليدة السنوات الأخيرة من الحكم في لبنان وفي تقديري هي إشكالية مزمنة، ولكن مساحتها تضيق قياساً ومقارنة مع مراحل سابقة. في لبنان كل شيء مكشوف، يقولون لك "ما في حدا فوق رأسه خيمة" هذا صحيح. لبنان مفتوح على كل أنواع الكلام والنقد، رئيس جمهورية لبنان يُهان بكلام علني يقال على التلفزيونات ويكتب في الصحف، وإحدى نتائج الفوضى السياسية القائمة في البلد أخيراً أن رئيس الجمهورية أُهين ورئيس الحكومة أُهين ومقامات طويلة عريضة تُهان ونظام سياسي يُهان.. هذا موجود وأبيض على أسود، تشاهده في التلفزيون وتقرأه في الصحف، وأعتقد أن لبنان كل شيء يمكن أن يحكى فيه. بالطبع ربما تكون هناك قضايا غير متداولة.. ولكن السؤال هو: هل دور الإعلام في لبنان أن يرتبط بالفضيحة فقط، أن يرتبط بالمشكلة فقط، أم أنه يمكن أن يرتبط هذا الدور بالحل أيضاً؟ وفي رأيي فإنه نتيجة للمناخ السياسي القائم في البلد فإن هناك نوعاً من الأداء الإعلامي يصر ويركز، وبقطع النظر عن الظروف السياسية للبلد، على إطلاق الرصاص على هدف واحد.. هذا يحصل في الإعلام حالياً.

لست نبياً.. وأخطأت

* أنت عندما كنت زميلاً وصحافياً ألم تكن تفعل ذلك وتطلق النار.. ألم نفعلها جميعاً؟

ـ يمكن كنت أفعل ذلك، أنا لا أقول لا. أنا وسواي، ولكن دعنا نناقش إذا كان هذا الأمر صحيحاً وسليماً لبلد خارج من 20 سنة حرباً. أنا من الناس أحياناً ألوم نفسي على شيء يمكن أنني فعلته في السنوات الماضية.

* هل تشعر بالندم..؟

ـ هذا لا يعني أنني أتمسك بكل ما فعلته، هناك بالتأكيد أمور صحيحة قمت بها، وبالتأكيد فإن معظم ما كتبته كتبته عن قناعة، إنما أنا لست نبياً، وأنا لست معصوماً عن الخطأ، أنا متأكد أنني أخطأت في مكان ما، ربما أخطأ بحق إناس وربما أخطأ بحق البلد، لم يكن كل ما كتبته كلاماً منزلاً، إنما هناك الكثير مما كتبت لا يتناقض مع جوهر الكلام الذي أقوله الآن.

نكبة العرب الثانية

* هل تريد الاعتذار وبمفعول رجعي.. عن بعض ما كتبت؟

ـ لا أتذكر الأشياء كلها، وما أعتذر عنه قليل، وفي الأساس أنا خرجت من الصحافة عندما شعرت بالعجز عن الكتابة، في عام 1990 قررت الخروج من المهنة لسبب بديهي، وهو أنه في ذلك العام وقعت النكبة العربية الكبرى الثانية بعد نكبة فلسطين وهي نكبة الخليج وحرب الخليج، شعرت بعد تلك النكبة "غزو الكويت" أن لا معنى لكل ما يجري ولا معنى لكل ما يكتب، انكفأت عن الكتابة لمدة تتجاوز الستة أشهر، ثم خرجت من الصحافة، بالعمق هذا ما حدث معي، شعرت أيضاً بالندم تجاه الكثير من الأمور التي مرت بها بلدي، أنا عشت كل مراحل المحنة بالبلد، رأيت الحرب كيف مرت على كل شارع، على كل قرية وبلدة، رأيتها في عام 75 وفي ،82 رأيتها كيف دخلت على الطوائف، على النظام السياسي، على مؤسسات الدولة، على مؤسساتنا الخاصة، كيف دخلت حياتنا وعششت فينا، دمرتنا قطعة قطعة، وإلى أن تمكنا من لملمة حالنا وإعادة تركيب شخصيتنا أخذنا وقتاً كبيراً وسوف نأخذ وقتا أطول. حولتنا الحرب إلى قطع مكسورة، من منا لم يكسر؟ أنا من الناس الذين لم يغادروا البلد، بقيت فيه، لملمت حالي وشخصيتي، وفي هذه الأثناء، صار عندي شعور عميق بضرورة الرأفة بهذا البلد، أنا أخاف على البلد، أخاف أن أقسو عليه حتى بالكلمة، وأنا أقول ومنذ زمن أن دور الإعلام هو الرأفة بهذا البلد، فهو يحتاج إلى بعض الحنان بالمعنى العميق، بالمعنى السياسي وليس العاطفي لأنه بلد مهشم تحمله بين يديك، أنت لا تستطيع أن تقذفه من بين يديك إلى الأرض، عليك أن تداريه، فهو طالع من شيء كبير، وليس صحيحاً ما يقال من أنه لو حصل في دولة ثانية ما حصل في لبنان لكانت انتهت تلك الدولة، إن ما حصل في لبنان كان قادراً على إنهاء الأرض والبشر والحجر.. ومع ذلك بقي لبنان.

وأنا أعتقد أننا تعرضنا لمحنة كبرى، نحن قطعنا، ليس قطعتين بل قطعاً ونتفا كثيرة تصعب لملمتها، ثم إن الحرب لم تدخل علينا بالجملة ودفعة واحدة، بل بالمفرق وبالتقسيط، كانت تدخل البلد منطقة منطقة تكسرها وتدمرها لتنتقل إلى منطقة أخرى وشارع آخر وزاروب آخر، ثم أنها دخلت حياتنا كذلك بالمفرّق. يوم يقطعون عنك الماء فتمد حبلاً طويلاً من البشر يحملون الغالونات ليملأوها بالماء، ويا يوم يقطعون عنك الكهرباء فتجد الدنيا كلها تعلق في الأعلى وفوق الأعمدة شرائط وغابات من الأسلاك، كي نزيل تلك الأسلاك استغرقنا سنتين ومازال بعضها معلقاً، شهور كثيرة مرت قبل أن ننجح في إزالة نظام الوقوف طوابير أمام صنابير المياه وأمام الأفران وشهور كثيرة مرت قبل أن ننجح في إزارلة السواتر والحواجز والمطبات من الشوارع والطرقات. ليس البلد وحده ما لحقه الدمار بل نظام حياة اللبنانيين، اللبنانيون مطالبون اليوم أن يعيدوا تأهيل نظام حياتهم وليس نظامهم السياسي فقط.. إذ إن بقايا اللا قانون مازالت تحكم حياتهم والبلد.

صحيح أننا خرجنا من ذلك الخراب الكبير الذي بقي سائداً حتى عام 1992 وأن لبنان بدأ يتحرك على أرضية من الاستقرار الداخلي وهو ما مكنّه من رفع الحظر الأميركي ولكن الصحيح أيضاً أنه لابد من تحقيق هذا الاستقرار وللإعلام في هذا المجال دور كبير يستطيع أن يلعبه.

 

 



 
  




باسم السبع





شوقي رافع