خصوبة الإنسان في خطر

خصوبة الإنسان في خطر

رغم الانفجارات العلمية المرتبطة بهندسة التناسل, وآخرها صرعة الاستنساخ, فإن هناك خطراً حقيقياً يتهدد خصوبة البشر.

تتسابق الدراسات المختلفة في شتى بقاع الأرض للتفنن في إيجاد الوسائل المختلفة لمنع الحمل, فمنها ما هو خاص بالمرأة عن طريق الوسائل التي يصل تأثيرها إلى شتى أنحاء الجسم كالحبوب, والحبوب تحت الجلد, والحقن طويلة المدى أو الوسائل الموضعية بشتى أنواعها كاللوالب وأغطية عنق الرحم والحاجز المهبلي أو قاتلات الحيوانات المنوية بأشكالها المختلفة كالمحاليل والكريمات والدهانات, وقد يصل الأمر إلى التعقيم الكامل بربط الأنابيب جراحيا أو عن طريق المناظير الجراحية ومنها ما هو خاص بالرجل كحبوب الرجال, والتعقيم الجراحي بربط الحبل المنوي.

كذلك يتعالى صراخ الكثير من الدول المسماة بالعالم الثالث مما يسمى بالانفجار السكاني, وتتسابق الدراسات والأبحاث لإيجاد أنجع الوسائل للحد من التكاثر البشري وإيجاد القوانين المختلفة التي ترغم الأسر ذات الخصوبة العالية على إيقاف الانجاب.

كل ذلك يحدث دون أن تقوم الجهات المعنية بهذه الأبحاث أو المؤسسات الدولية التي ترعى هذه الأبحاث أو الدول التي تطبق فيها هذه الأبحاث بدراسة الأمر بعناية وبدقة ودون أن تسأل نفسها الأسئلة التالية: هل تحتمل خصوبة الجنس البشري كل هذا؟.. هل خصوبة الإنسان في زيادة مطردة تستدعى تحجيمها؟.. ما هو الشكل الذي ستكون عليه خصوبة الجنس البشري بعد قرن أو قرنين من الزمان بهذه الوسائل أو من دونها؟.

لن نتناول الأمر من الناحية الفقهية أو الاقتصادية فلهذا الأمر رجاله ولكننا سنطرق الأمر من الناحية البيولوجية البحتة, وسنترك الدراسات العلمية المتخصصة تتولى الرد, ثم نترك الحكم للجميع بعد أن نضع بين أيديهم هذا الجانب الغائب من الحقيقة المرة:

خصوبة الرجال

(1) أجمعت مختلف الدراسات المتعلقة بالنمو الجسماني في المراحل العمرية المختلفة أن هذا النمو في تقهقر مستمر, فلو قارنا بين طالب المرحلة الثانوية في نهاية التسعينيات ونظيره في أواخر الخمسينيات من هذا القرن سوف نجد العجب العجاب, فعلى حين نجد الأول قزما, خفيف الوزن, ضعيف البنية العضلية, ضعيف الأداء نجد الآخر قد كان فارع الطول, متوسط الوزن, قوي البنية قوي الأداء ويستطيع المراقب أن يرى الفارق بين شباب الابن وشباب والده, وكذلك تلاحظ الأسرة الفارق الجسماني بين الأخ وشقيقه الذي يصغره بعشر سنوات مثلا.

(2) من الملاحظ أيضا أن سن البلوغ للذكر في تقهقر مستمر فعلى حين كان الذكر يبلغ الحلم في الثانية عشرة من عمره في البلاد الحارة والمعتدلة وحوالي السادسة عشرة في البلاد الباردة نجد أن هذه السن قد تقهقرت كثيرا في الآونة الأخيرة فقد تصل إلى سن العشرين أو ما فوق ذلك.

(3) أما الخطير والدقيق في الموضوع فهو أن الخصائص العامة للسائل المنوي للذكر في انحدار مستمر, لذا فقد أجرى فريق من العلماء برئاسة البروفيسور (كاكابك) المتخصص في أبحاث التكاثر البشري بكوبنهاجن الدنماركية دراسة ضخمة على السائل المنوي للذكر منذ ثلاثينيات هذا القرن حتى الآن مقارنا بينها من حيث الحجم, وعدد الحيوانات المنوية في المليمتر المكعب, ونسبة الحيوانات المتحركة بعد جمع العينة مباشرة ونسبتها بعد 4 ساعات من جمعها وعدد الحيوانات غير السوية (المشوهة) وعدد كرات الدم البيضاء والحمراء وزمن تجلط السائل المنوي.

وخلص من هذه الدراسة إلى النتائج الموضحة بالجدول المنشور ص 194:

خصائص السائل المنوي

1930

1960

1990

* الحجم

3 ـ 7 سم3

3 ـ 5 سم3

2- 4 سم2

* عدد الحيوانات/مم3

90ـ 120 مليونا

40-80 مليونا

20-40 مليونا

* الحركة بعد الجمع مباشرة

80- 95%

65- 80 %

60- 75 %

* الحركة بعد 4 ساعات

65%

60 %

50 %

* الحيوانات المشوهة

15- 20 %

15- 20 %

20- 30 %

* كرات الدم الحمراء والبيضاء

-

-

5-10/HPF

* زمن التجلط

30 دقيقة

35 دقيقة

45 دقيقة

من هذه الدراسة يتبين أن جميع الخصائص الحيوية للمني الذكرى في انحدار مستمر وفي هذا ما فيه من مستقبل مجهول لخصوبة الذكر.

خصوبة النساء

(1) ما ينطبق على الذكر ينطبق على الأنثى فيما يتعلق بالنمو الجسماني, وتقهقر سن البلوغ.

(2) من المعلوم أن عدد البويضات الأنثوية ثابت منذ ولاده الأنثى وغير متجدد على العكس من الحيوانات المنوية فهي في تجديد مستمر وعلى هذا فإن:

أ ـ عدد هذه البويضات في تناقص مستمر مع تقدم السن التي تنتهي تماما عند سن اليأس, لذا فإن فرص الحمل في تناقص مستمر حتى تكاد تكون منعدمة عند سن اليأس.

ب ـ الشيخوخة المطردة لهذه البويضات فكل يوم يمضي يضاف إلى عمر هذه البويضات فمثلا السيدة التي تبلغ من العمر أربعين عاما فإن عمر البويضات الموجودة لديها هو أربعون عاما, وتقدم العمر كما يصيب الإنسان الكامل بأمراض مختلفة فإنه كذلك يؤدي الى بعض التغيرات في البويضات والتي تنعكس في اضطرابات مختلفة أثناء الحمل أو أمراض وراثية وغير وراثية بعد الولادة مما يقلل فرص تمتع الطفل بالصحة الكاملة.

ج ـ إذا أضفنا ما سبق إلى تقهقر سن البلوغ يتضح لنا أن خصوبة الأنثى في تناقص مطرد.

(3) تزايد الاضطرابات على جميع أنواعها في دورات المبيض, ودورات الأرحام الشهرية وهذا ينعكس بصورة أو بأخرى على الخصوبة عموما وإمكان الحمل خصوصا.

وبالإضافة إلى تقدم سن اليأس مقارنا بما كان عليه الأمر منذ خمسين عاما مثلا, وإلى تقهقر الأداء الأمومي عموما نظرا لمشاكل المرأة العاملة بأنواعها والتي تنعكس بكل تأكيد على خصوبتها نجد أن خصوبة الأنثى في تقهقر مستمر أيضا, ولا نعرف إلى أين ينتهي.

عوامل شتى

إذا أردنا أن نبحث في هذه العوامل بعمق فنحن بحاجة إلى المجلدات الضخمة ولكننا سوف نعرج سريعا على أهم هذه الأسباب.

أولا: الأمراض السرية: (STDS): لاشك أن هذه الأمراض التي تنتشر بسرعة كبيرة في الأوساط المختلفة نتيجة للإباحية وعدم الالتزام بقواعد الخلق الحميد لاشك أنها تشكل خطورة بالغة على الخصوبة عموما, ويكفينا مثلا ما يسمى بعدوى الكلاميديا (Chlamydia cachomatis) والتي تقع على رأس الأمراض السرية في الآونة الأخيرة وتكمن خطورتها فيما يلي:

(1) أنها صعبة التشخيص لأنها تأتي في صورة أعراض بسيطة كالرشح وارتفاع بسيط في درجة الحرارة مع شعور بالإجهاد.

(2) أنها تؤدي إلى انسداد تام ودائم في قناتي فالوب على الناحيتين مما يؤدي إلى عقم دائم.

وتؤدي هذه الأمراض في مجملها إلى ما يسمى بوبائيات العقم والمثال الأشهر على ذلك ما يسمى بالحزام الإفريقي للعقم (African Belt of Infertlity) والذي يضم مجموعة الدول الاستوائية التي تتناقص فيها معدلات الخصوبة إلى أدنى مستوى وذلك للانتشار الواسع للأمراض السرية هناك.

ثانيا: تقدم عمر الزواج عموما سواء بالنسبة للذكر أو للأنثى للأسباب الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.

ثالثا: العامل البيئي: وما له من تأثير مباشر على صحة الجنس البشري عموما وعلى خصوبته خصوصا.

رابعا: انحدار مستوى الخدمات الصحية الأولية فعلى حين تنفق المليارات من أجل أبحاث هي من قبيل الترف العلمي يفتقد الملايين من البشر الخدمات الصحية الأساسية.

مما سبق يتضح لنا أن خصوبة الجنس البشري في خطر فلسنا بحاجة إلى وسائل جديدة لمنح الحمل بقدر ما نحن في حاجة إلى دراسة مستفيضة للخصوبة البشرية وأسباب تقهقرها المستمر.

هذا الجانب الآخر من الحقيقة الذي يجب علينا أن نعيه جيدا لعلنا نستفيق.

 

علي بديوي محمد