طرائف عربية

طرائف عربية


مواقف متعارضة
زحام ولا أحد:

كلما صعد فوح الطبيخ إلى أنف البخيل تنهد وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.امرأته تُعد المائدة، وتزينها وتضيف لها ما يفتح الشهية، وحين جلسا ـ هو وامرأته ـ يأكلان. فقال: ما أطيب هذا الطعام، لولا الزحام! طعمه في فمي ألذ من الحياة نفسها. قالت امرأته: أي زحام ها هنا يا رجل؟ إنما أنا وأنت! قال: كانت أمنيتي، ومشتهى نفسي وحبي الكبير أن أكون أنا والقدر وحدنا.

جمع من باطل:

وقعت الفتنة أيام ابن الزبير بالبصرة فكانت مثل قطع الليل، يخشى الأخ أخاه، وتخاف الأم من زوجها، وحل الحزن على المدينة، وتفشت المخاوف بين الناس.

مر أبوالأسود على مجلس ابن قشير. فقال: على ماذا أجمع الله أمركم في هذه الفتنة؟ قالوا: لم تسألنا يا أبا الأسود؟ قال: لأخالفكم، فإنكم لم تجتمعوا على حق.

هل أمك امرأة؟:

قال أبو الحسين: جاءني يوما جعفر الشق وقد ماتت والدتي فعرفته فبكى، وقال: ماتت كبيرتي ومربيتي، وهو كان أكبر منها بأربعين سنة، ثم قال لغلامه: يا بشرى، قم فجئني بعشرين ديناراً فأتاه بها. فقال: خذها فاشتر بعشرة دنانير كفنا وتصدق بخمسة دنانير على القبر واصرف الخمسة الباقية فيما يحتاج إليه من تجهيزها.

ثم قال لغلام آخر: امض أنت يا لؤلؤ إلى فلان صاحبنا لكي يأتي ويغسلها. قال أبوالحسن: استحييت منه وقلت: يا سيدي ابعث للجارة تغسلها. فقال: يا أبا حسين كيف يدخل عليها من لا نعرفه؟ قلت: كيف وهي جارتنا. فقال وقد اشتد في طلبه: لا والله لا يغسلها إلا فلان! فقلت: وكيف يُغسل رجل امرأة؟ فقال: هل أمك امرأة؟ والله لقد نسيت.

غفلة تُطير العقل:

مر رجل بحمال وعلى كتفه عصا في طرفيها "زنبيلان" قد كادا يحطمانه، في أحدهما قمح وفي الآخر تراب. فقال الرجل: لم فعلت هذا؟ قالت: عدلت القمح بالتراب لأنه كان قد أمالني إلى أحد جنبي، فأخذ الرجل زنبيل التراب وقلبه وقسم القمح نصفين في الزنبيلين. وقال: الآن فاحمل، فحمله فخف عليه، ونظر للرجل بإعجاب ودهشة، وقال: ما أعقلك من شيخ!.

حمارالأحلام:

أتى رجل لكعاً لسمسار حمير فقال:

اشتر لي حماراً أبلج، له رأس أملس، حكيم إذا صمت، غير مزعج إذا نهق، ليس بالصغير المحتقر، ولا الكبير المشتهر، إن أشبعته شكر، وإن أجعته صبر، وإن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام ترفق، لا يصدم بي السواري، ولا يدخل بي تحت البواري، إن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام. فقال له سمسار الحمير وقد ضاق صدره منه، وملأه الغيظ: انتظرني قليلا، فإن شاء الله ومسخ ابن أبي ليلى القاضي حماراً اشتريته لك.

حتى لا أُضرب بالمقرعة:

زار رجل الخصيب ابن عبدالحميد وهو أمير على مصر طالبا منه خلعة من مال، أو هدية من هدايا الأمراء، لكن الخصيب صرفه ولم يعطه، وحين غادر الرجل وتوجه في طريقه قابله أبو الندى اللص ـ وكان قاطعا للطريق شرساً لا يعرف الله ولا يخاف الناس. قال أبوالندى: من أين جئت يا رجل. أجابه: من عند الخصيب بن عبدالحميد. فرد عليه: وما العطايا التي أعطاها لك الأمير. فأجابه: لم يعطني شيئا. فضربه قاطع الطريق مائتي مقرعة ليجعله يعترف بما معه، وستره عنه. ومرت الأيام وجاء الرجل مرة ثانية لابن الخصيب فصرفه دون أن يعطيه شيئا. وقف الرجل هنيهة من زمن يتأمل الأمير ثم قال: جعلت فداك أيها الأمير، عليك أن تكتب لأبي الندى أنك لم تعطني شيئا حتى لا يضربني مرة أخرى مائتي مقرعة.

عند ذلك ضحك الأمير وأعطاه العطايا.

جاسوس ميت:

كان أحمد بن طولون حاكم مصر شديد الفراسة واسع الحيلة وكانت عداوته للموفق مضرب الأمثال، وكان شديد الحساسية من الجواسيس يعرفهم من رائحتهم. أطل من قصره يوماً، فإذا بجنازة قد مرت عليه. فصاح غاضباً: عليّ بالنعش ومن فيه. فأحضروه، فقال: قم يا متماوت، ثم دعا بالسيف وقال: اضربه في مقتل. فنهض الميت من نعشه مفزوعاً صارخاً: رحم الله مولاي، العفو عند المقدرة. أجابه ابن طولون: أنت جاسوس الموفق، وأمر الرجال أن يأخذوه. قالت الحاشية: من أين علمت ذلك؟ فقال: رأيت القوم ليس عليهم كآبة من مات لهم ميت، ورأيتهم يطوفون بالقصر، ونظرت إليه في النعش فرأيت رجليه قائمتين، ورجل الميت تسترخي، فحكمت أنه حي، فلما حضر رأيته يسارق النفس فصحت القضية.