عزيزي القارئ

مساحة للروح

عدد جديد, وعام جديد, وسؤال جديد, فأمام متغيرات تتوالى على عالمنا بسرعات إلكترونية, يصير طرح الأسئلة أخطر من حشد الأجوبة, خاصة في أمور الثقافة الإنسانية.

هناك تقدم مادي مؤسس على آخر معطيات العلوم والتقنية, لكن هل يواكب ذلك تقدم روحي يوازي تقدم المادة أو يكافئها أو يوازيها?

إجابة السؤال الواضحة تجيء بالنفي, بل إن التقدم المادي ـ التقني خاصة, وفوق التقني تحديدا ـ يجر معه سيلا من التردي الروحي يفرضه الأذكى والأدهى, وكثيراً ما يكون ذلك في أطر عدوانية ومدمرة, ابتداء من تسويق الرذيلة أو عبادة الشيطان عبر شبكات المعلومات وصولاً إلى ضرب اقتصاديات أمم مجتهدة في أسواق المال المحكومة بمعطيات حاسوبية.

لاشك أن التقدم المادي التقني هو فرصة للنمو الإنساني, عبر تحريره من الإنهاك اليومي في حله وترحاله, في معاشه واستجمامه, هذا لو لم يتم استغلاله في الطريق المضاد, نتيجة لطبائع الجشع والأنانية وحب الاستحواذ, لكن والأمر كذلك, ولان هذا السلوك (المضاد) بعض من الطبيعة البشرية, فإن الاتجاه المطروح للتساؤل ينبغي أن يشير إلى مساحة أو مساحات الروح, خاصة أن أحدث مكتشفات العلوم ـ في مجال الفيزياء الفلكية خاصة, والفيزياء الحديثة عامة, وهندسة الوراثة, تدفعنا دفعاً نحو سؤال الروح بكل أعماقه وإيحاءاته.

وفي هذا العدد الافتتاحي, ستلحظ عزيزي القارئ عناية ببعض من مساحة الروح, خاصة مع حلول هذا الشهر الكريم, شهر رمضان المعظم, أعاده الله على أمة المسلمين وجميع البشر باليمن والبركات.

ستجد عقلاً علميا يستلهم من عبادة الصوم أبعاداً باهرة لبيولوجيا الأخلاق, أي واقعيتها, وستجد في أعماق البشر ـ حتى الموغلين في الجرم ـ مساحة للخير يمنحها في أكثر الظروف يأسا كما في موضوع (رحلة عجيبة في جسد الانسان), وستجد لدى أبسط الناس رؤى ماثلة حتى في (حكمة الحمقى), وستجد غناءً للجمال الكوني تتردد أصداؤه في رحلة الراحل (عاشق الأعماق), وستجد تقنينا لهذا السعي في ملف (نصف قرن على إعلان وثيقة حقوق الإنسان), وستجده حيثما لم ندبر, لأن تلك قناعة هذه المطبوعة المعنية بثقافة الإنسان, ومن ثم, المعنية حتما بمساحات الروح.

ولعله لايفوتنا في هذا المفتتح أن نشير إلى محاولة للتجديد تظل هاجس هذه المطبوعة التي تدخل عامها الأربعين, وتتهيأ للاحتفال بعقودها الأربعة هذا العام, فثمة باب جديد يستقطر سطوره من خبرات الرواد والنابغين العرب في إطار (مرفأ الذاكرة), وثمة تجديد في باب (جمال العربية), وتجديد يلحق بنهايات مقالات العلوم يبقيها كاملة في حقل العلم.

عام جديد سعيد

وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر