ربما كان كتاب
ميكافيللي "الأمير" هو أشهر الكتب التي خطها الإنسان، وأكثرها رواجا، فهو كتاب مؤثر
لايزال يقرأ بعد خمسة قرون من نشره لأول مرة. ويقال إن عظماء مثل ونستون تشرشل
ومؤثرين مثل أدولف هتلر لم يكن الكتاب يبارح غرف نومهم!
شهرة هذا الكتاب
وتأثيره ليس لأن كاتبه هو ميكافيللى، ولا بسبب أن الأمير أو الأمراء الذين استهدفهم
ذلك الكتاب قد قرأوه أو حتى عملوا بنصائحه، فالكتاب كان مؤثرا، ولا يزال، لأنه سأل
أسئلة واضحة ومباشرة وفي الصميم من موضوعه، وحاول الإجابة عنها كما يعتقد لا كما
يتمنى الآخرون. وسواء كنت اليوم جزءاً من نخبة تختلط بأهل القرار، أو كنت واحداً من
العامة كل صلتك بمتخذي القرار هي ما تقرؤه عنهم في صحيفتك اليومية، أو ما تراه على
شاشات التلفاز، فإن الكتاب الذي نتناوله هنا يشجعك على أن تكون (ميكافيللي) آخر، أو
تأخذ مكانه في العصر الحديث وتعرض نصائحك وتطور أفكارك، فلربما وقعت هذه الأفكار
تحت نظر متخذي القرار فأخذوا بها، وصرت - وأنت لا تدري - (ميكافيللي) العصر
الحديث.
صراعات
شتى
الكتاب الذي بين
يدي كتاب ظريف في موضوعه وطريقة كتابته وصغير نسبياً في حجمه. وقد كتبه ثلاثة،
أحدهم أستاذ في مركز حل الصراعات في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، والاثنان
الآخران طالبان عند هذا الأستاذ. وعنوان الكتاب ببساطة هو (ما بعد ميكافيللي) وهو
ليس الكتاب الأول للمؤلف الرئيسي روجر فيشر، فقد استعرضت في مرة سابقة أحد كتبه هنا
في حديث الشهر، وكان تحت عنوان: (الوصول إلى
أن تقول نعم) Getting to say yes، وكان
وقتها أكثر الكتب انتشارا.
هذا الكتاب الطريف
والجديد صدر العام الماضي، وقد قرأته مرة، وهآنذا أعود لقراءته وعرضه هنا لأنني
وجدت أن بعض أفكاره قد تهم القارئ العام، وهو بالتأكيد يهم القارئ المتخصص، خاصة في
العلاقات الدولية أو في حل الصراعات بوجه عام حتى لو كان ذلك الصراع خلافات زوجية!،
وسواء كنت من أنصار فكرة أرسطو التي ظلت سائدة زمنا طويلا في التاريخ، والقائلة إن
الإنسان مدني بطبعه، أو من أنصار الفكر الحديث والفيلسوف الإنجليزي توماس هويس،
الذي كان أول من قال إن الفوضى هي الحالة الطبيعية لحياة الإنسان، وإن المجتمع
المنظم مجتمع (صناعي) بطبعه، فإن هذا الكتاب سوف يفتح لك آفاقا جديدة.
يقول المؤلفون إن
معظم أفكار الكتاب جاءت من مصدرين هما تدريس مادة الصراعات الدولية في جامعة
هارفارد، وكذلك من الحياة العامة، وكل نقطة أو موضوع يشيرون إليه نظريا يأتون بمثال
حي له من قضايا الصراع الدولي الحديث لتحليله مثل: جني إفريقيا (قبل حكم مانديلا)،
أو مشكلات الشرق الأوسط المتعددة والمختلفة، أو تلك الموجودة في شرق آسيا. والهدف
من الكتاب كما حدد كاتبه في مقدمته هو (تقديم النصائح والتدريب الفعلي في حالة ظهور
صراع خاصة عندما يكون دوليا). وذلك يتضمن الإلمام ليس بالسياسة ومدخلاتها فقط ولكن
أيضا بموضوعات معرفية مثل علم النفس والقانون الدولي وعلم الاجتماع.
والصراع المحتمل
ليس فقط دوليا بمعنى أنه يكون بين دولة وأخرى أو بين عدة دول، ولكنه يمكن أن يكون
صراعا داخل مجتمع واحد، ويمكن أن يكون إرهابا. ويذهب الكتاب ليقول إن كلا منا له
حالة صراعية مع البيئة التي يعيش فيها، كما الطلاب في سكنهم الجامعي ومع عائلاتهم
أو أصحاب المنازل التي يستأجرونها أو حتى مع ميكانيكي السيارة.
والسؤال المركزي
في محاولة حل الصراع سماء كان دوليا عاما، أو خاصاً، هو: من الذين تريد أن تؤثر
فيهم وتريد أن تغير وجهة نظرهم؟ وكيف يرى هؤلاء الأشخاص الخيارات المتاحة
أمامهم؟
وبرغم أن هذا
الكتاب عن الصراعات الدولية، فإنه يدّعي بوضوح إمكان استخدام قواعده وطرقه في حل
مشكلات وصراعات أخرى وهو ادعاء- كما سوف نرى - صحيح إلى حد كبير.
لماذا هذا
الكتاب؟
الكتاب من ستة
فصول قصيرة مع مقدمة، وفكرته الأساسية هي تقديم أفكار وطرق جديدة لحل الصراعات،
يخلط فيها بين أدوات الصدام الاجتماعي الحديثة ع وأهداف حل الصراعات الدولية. إنه
محاولة لتغيير أسس اللعبة الدولية ولعبة الصراعات المختلفة. وإنه- كما يقول مؤلفوه
- يسأل الأسئلة المحرجة كما سألها وأجاب عنها ميكافيللي قبل خمسة قررن. وتبرير هذا
الكتاب هو أن الصراعات (صناعة) نامية ومتزايدة، تتكاثر في عللنا ومن حولنا، ولو
نظرنا في خارطة العالم ووضعنا علامات مميزة في أماكن الصراعات فلسوف نجد أن هذه
الصراعات ستكون بعدد دول العالم، إن لم تكن أكثر، فهناك دول جديدة تظهر، ومصالح
مختلفة تتصارع وجماعات عرقية تطالب بحقوقها، وهناك أناس كثيرون يحتكون بغيرهم، كما
لم يحدث في التاريخ الإنساني من قبل، في بيئة عالمية متغيرة، وفي عالم يزداد
اعتمادا بعضه على بعض، والحلول التي كانت معقولة قبل عقدين من السنين لم تعد مقبولة
اليوم، وقد لا تكون مقبولة في الأسبوع القادم! ويشير الكتاب إلى العديد من المواقف
الدولية المتغيرة، كموقف الولايات المتحدة من الصين أو فيتنام، وموقف الفلسطينيين
من إسرائيل، كلها اختلفت عما كانت عليه قبل فترة وجيزة، هناك تبدل في المواقف
الدولية وتغير فيها، وهناك أشكال من الصراعات المختلفة أيضاً ولكنها دولية، كحرب
التجارة بين الدول الغنية، وحرب أسعار العملات، وارتفاع أرقام اللاجئين من دول
عديدة، وحتى ارتفاع درجة حرارة العالم، كلها قضايا تحتاج في حل، بل في أكثر من
حل.
إذا كانت العلاقات
الدولية تتغير بهذه السرعة، فلماذا لا نفترض أن الأعداء اليوم سوف يصبحون أصدقاء
غدا؟! والعكس صحيح. لذا لا بد من أن نعتمد على التفكير العلمي لحل المشكلات
الصراعية، ما هو الخطأ أو الأخطاء التي سبقت الصراع وكيف يمكن علاجها؟ سواء كان ذلك
من قبل الحكومات أو الناس العاديين. فتفاقم الصراعات ليس مرجعه غياب رغبة الناس في
أن يروا عالماً أفضل، عالم سلام وتسامح تنتعش فيه الديمقراطية وتحترم فيه حقوق
الإنسان، كما أن تفاقم الصراعات لا يرجع أيضا إلى غياب سياسة خارجية تسعى لذلك
العالم الأفضل، بل إن معظم الصعوبات تظهر على مستوى عملي، مستوى اتصالي وفهم خاطئ
للآخرين وعدم تقدير مصالحهم.
خطأ في
العلاج
الكتاب يفترض أن
الصراعات الدولية لا تعالج كما ينبغي، وإنما راجعت عناوين الصحف الكبرى في أي يوم
فسوف تجد أنه من الواضح أن الشعوب تقوم بردود أفعال لما يفعله الآخرون، بدلا من
العمل بطريقة هادفة لتحقيق المصالح والمنفعة. والحكومات أكثر ما تهتم به هو إظهار
نفسها أمام الرأي العام المحلي كصاحبة مواقف صحيحة تجاه مشكلة ما، ثم إصدار بيان
منمق تضع فيه اللوم على الآخرين، وفي معظم الأحيان فإن متخذي القرار الخارجي
ينشغلون بكيفية التعامل مع الأحداث بردود أفعال ثم تطمين الرأي العام الداخلي، بدلا
من انشغالهم بفهم الأسباب الحقيقية خلف المشكلة المثارة. إنه نقص في القدرات
العلمية والعملية، وهما نقيصتان يحاول الكتاب تحليلهما بجانب وصفه المفصل للأدوات
والوسائل لسد ثغرة هاتين النقيصتين، فالمهم هو القدرة على حل المشكلة لا قدرة رد
الفعل تجاه هذه المشكلة. القدرة الأولى هي قدرة عملية وخبرة، وكذلك علم منظم، أما
الثانية فهي رد فعل طبيعي وعشوائي في معظم الأوقات.
المستقبل كمحور
للأهداف
على شاشة
التلفزيون وفى صور الجرائد السيارة تشاهد طفلا بوسنيا لا يتجاوز السادسة من عمره
وهو يمشي على عكاز وقد قطعت إحدى رجليه، وخلفه أبوه ينظر بيأس وفي عيونهما معاً خوف
وقلق، لقد شاهدنا هذه النظرة من قبل على وجه امرأة صومالية يموت ابنها من الجوع، أو
على محيا مهجر كردي في شمال العراق أو في أماكن عديدة من العالم..ويوما بعد يوم
تظهر لنا أمثال هذه الصور من الألم الإنساني.. والسؤال لماذا تعرض علينا هذه الصور،
ولو كان علينا أن نتخذ خطوات عملية لتخفيف هذه الآلام ترى ماذا يمكننا أن
نفعل؟.
الفكرة في الكتاب
تقول إنه لو قمنا بتحرك كأفراد فيمكن أن نحدد الفارق بين التألم السلبي والعمل
الإيجابي. ليس ذلك في التو واللحظة، ولكن في المدى المتوسط والبعيد. إن تغيير
العلاقات الدولية ليس موقوفا - كما يرى المؤلفون - على الخبراء والنخبة، بل إن
الجميع معنيون - من أجل أطفالهم - بالعمل لعالم أفضل.
إن سقوط حائط
برلين، وانهيار الإمبراطورية السوفييتية، وتفشي الجوع في الصومال، واشتعال الحرب في
البلقان والحرب التجارية الدولية، كل هذا قد أوجد اهتماما بالموضوع الدولي خارج
حلقة المتخصصين، وحان الوقت كي تُرفد السياسة الخارجية بتفكير جديد. من هذه الأفكار
الجديدة التي يوردها الكتاب أننا لا نستطيع أن نحل كل المشكلات الدولية في عالم
يموج بالمشكلات، وليس هناك من يدعى أنه يعرف على وجه اليقين الحلول الأفضل لهذه
المشكلة أو تلك من بين معظم المشكلات الدولية الإقليمية العالقة. ليس هناك نقص في
الخيارات المعقولة أمام هذه المشكلات حتى تجد حلا، ولكن الفشل في عدم وجود ألية
للتفاوض تنقص قدرتنا على تركيب هيكل تفاوضي يقودنا من خطوة إلى أخرى في سبيل
النجاح. تصور لو أن مشكلة جنوب إفريقيا استمرت في دائرة الصراع وحاول طرفاها -
السود والبيض - حل المشكلة بالقوة، كم من عشرات الآلاف يمكن أن يفقدوا حياتهم؟، وكم
من بلايين الدولارات يمكن أن تتبدد؟ الخيار كان آلية تفاوض مرضية، ويحدد الكتاب
بشيء من التفصيل تكوين تلك الآلية في أربع خطوات على وجه التحديد: الأولى هي تحضير
قائمة لتحليل الصراع وتاريخه وتطوره ووجهة نظر المختلفين حوله. والثانية قائمة
بأدوات التحليل والإجابة عن سؤال مركزي هو لماذا يحل هذا الصراع؟. والثالثة وضع
وتطوير رؤية جديدة للحصول على نتائج. والرابعة هي خطة العمل.
نحن لا ننتظر أن
نخرج من كل ذلك بحلول محكمة ولا نفترض أن كل الصراعات يمكن أن تحل سلمياً، أو أن كل
المفاوضات يمكن أو لا بد من أن تصل إلى اتفاق، فذلك عالم مثالي غير موجود على أرض
الواقع، ولكن المطلوب هو التفكير بعقلانية، فأن يكون المريض غير عقلاني ليس ذلك
سببا كافيا لأن يكون الطبيب أيضا كذلك، وحتى حقيقة أن الأطباء يمكن أن يكونوا
عاطفيين أحياناً، إلا أنه من الصعب عليهم أن يظلوا هكذا دائما، فأداء عملهم مرتبط
إلى حد بعيد بالعقلانية وفى معظم الأوقات يمكن أن تنتج العقلانية أجوبة أفضل، ومن
الأوفق أن نستخدمها. فعندما نتطلع إلى المستقبل بتحديد الأهداف الحقيقية التي نريد
تحقيقها كدولة أو كأفراد ينبغي أن نتجاوز القضايا الصغيرة إلى الكبيرة
والأهم.
التحليل
الصحيح
ما يسميه
المشغولون بالشؤون الدولية ب (العلاقات الدولية) ما هو في الحقيقة إلا تراكم ردود
أفعال لفترات طويلة من الزمن، مع أكوام من القرارات الدولية. فالمفتاح الأساسي
لمعرفة لماذا تحدث الأشياء كما تحدث هو معرفة لماذا هناك جنرالات ومخربون ووزراء
خارجية وآخرون يقومون باتخاذ القرارات كما نراها تُتّخذ. فعندما نحلل- كمثال -
صراعاً كالصراع الفلسطيني / الإسرائيلي علينا أن نبحث في أضابير تلك القرارات
المتعلقة بالقضية من مؤتمر بازل إلى وعد بلفور مرور بكل تلك التراكمات من القرارات،
فجمع المعلومات وتنظيمها وتحليلها لمعالجة الصعوبات في العلاقات الدولية أقل خطورة
وأقل تكلفة لفهم دقائق حل الصراع المعني.
لا بد من إلقاء
نظرة قريبة وفاحصة على عمليات اتخاذ القرار وعلينا أن نفصلها إلى قسمين هما: أولاً
مفاهيم متخذي القرار، خلفياتهم وخبراتهم أهدافهم والخيارات المتاحة أمامهم، وهل هم
أشخاص أو لجان أو إدارات في بيروقراطية كبيرة؟. وثانياً من يستطيع أن يقدم أفضل
مشورة لمتخذي القرار هؤلاء وهنا تتسع رؤية الكتاب ليقترح أن المشورة يمكن أن تقدم
من هيئات وأفراد متخصصين وآخرين لديهم الاهتمام بالمشكلات على أن الشرط الأهم أن
لديهم القدرة على التحليل الصحيح.
إن تطوير المشورة
لمتخذي القرار هو حجر الزاوية في اتخاذ القرار الصحيح، حيث لا يوجد شخص واحد يعرف
كل مدخلات ومخرجات نتائج قرار ما، وكلما انفرد هذا الشخص باتخاذ قرار ما، كان قراره
يحتمل الخطأ أكثر من الصواب، وتطوير المشورة يحتاج إلى استخدام نتائج علوم عديدة.
ومن العبث التساؤل عما إذا كانت الظروف الاقتصادية أم السياسية أكثر أهمية في صراع
ما، كلاهم مهم وربما كان غيرهما من العوامل مهما أيضا. ولا يوجد جواب شاف لسؤال ما
إذا كان القانون أم الطب النفسي أكثر أهمية في موضوع إعطاء مشورة لقاضى أحداث،
ولكننا نقدم نفس السؤال الواحد لعلمين مختلفين (القانون والطب النفسي) لنحصل على
مشورة مشتركة من الخبرتين. في كل ما نقوم به من نشاط هناك مشورة ما، كل ما في الأمر
أننا في بعض الأوقات لا نلاحظ هذه المشورة. هناك مشورة للاعبي كرة السلة ومشهرة
للاعبي كرة القدم وحتى عندما تأخذ عائلتك للعشاء عادة ما تسأل أطفالك ماذا يفضلون
أن يأكلوا؟! فلماذا إذن يعمد بعضنا، وفي القضايا الكبرى، إلى عدم طلب
المشورة؟!
القيمة العملية في
المشورة تمكننا كأفراد وكمجموعة أو حكومة من أن نقلب الفكرة بدقة أكبر، ويمكن أن
نحدد أهدافا مختلفة لقرارنا عما حددناه في البداية، ونستطيع أن نحلل المشكلات
المتوقعة للوصول إلى الأهداف المتوخاة يشكل أدق. أخذ المشورة في حد ذاته فن، فأنت
تستطيع أن تستفيد أفضل من الاستشارة والمستشارين أن عرفت قدراتهم، فإن كرست وقت
عالمين في الاقتصاد ليفكرا في كيفية صنع طائرة فهذا يعنى أن قدرتهما لم تستغل بشكل
جيد، بينما لو كرست وقتهما في مشورة للصانع كيف يبني الطائرة بتكاليف أقل فقد
استفدت من خبرتهما ووقتهما على وجه أفضل.
معظم الناس ليسوا
ضباطاً ولا خبراء في الاقتصاد ولا وزراء خارجية، ولكنهم يستطيعون أن يؤثروا ولو
بشكل طفيف في قرارات يمكن أن تفيد العالم من حولهم، ويقدم لنا التاريخ أمثلة عديدة
لملاحظات قدمها أناس عاديون وغيرت العالم. في الحالة العادية يمكن أن تؤثر من خلال
اتصالاتك المهنية أو ممثليك أو المؤسسات التطوعية، وربما عن طريق نشر وشهر وجهة
نظرك يمكن أن تقدم المشورة بشكل غير رسمي، لأشخاص مهمين.
ومعظم الدراسات
وكتب التعليم الجامعي تنظر إلى المشكلات الدولية من كرسي المتفرج، وتتوجه للوصول
إلى هيكل تفسيري على أساس أن المعلومات الأساسية خير وأجدى من المعلومات الفرعية،
والمعلومات الكمية (العددية) أكثر نفعاً من المعلومات الكيفية، هذا حكم من جراء
تأثير العلوم الطبيعية ومناهجها. محلل العلاقات الخارجية يحتاج إلى أن ينظر إلى
العوامل الكيفية والعلاقات الترابطية، فالأشياء لا تحسب إلا إذا أردت حسابها،
الأبحاث إلا تسعى إلاّ خلف المعلومات الرقمية فهي تسعى إلى معرفة عدد الجثث وعدد
المعدات العسكرية ومبالغ المساعدات الخارجية، إنها بشكل مباشر تقول لنا عما هو
قائم، والمراد أن تؤثر فيما سوف يأتي وتفسر لنا كيف وقعت الحروب الماضية ولا تقول
لنا ما هو متوقع فلا تساعدنا في تحقق ما هو مطلوب. المراقبون والمتفرجون يطلبون من
اللاعبين أن يلعبوا بأعلى مستوى ولكنهم لا يعرفون عوامل التعويق الحقيقية في
الساحة، ونحن نحاكم الأشياء بنتائجها لا بوقائعها وظروفها القهرية.
طبيعة خاصة لكل
اختيار
في صراع دولي أو
اجتماعي، جماعي أو فردي، فإن متخذي القرار في ذلك الصراع يمكن التأثير فيهم، سواء
كانوا موظفين عاملين أو مديرين أو إعلاميين أو إرهابيين، فقط علينا أن نعرف نوع
القرار الذي يتخذونه، وخلفية أسباب تصرفهم على النحو الذي تصرفوا به. أي متخذ قرار
له خيارات مختلفة وعلينا التركيز على نوع الخيارات ومتخذها، لماذا يقوم بفعل شيء
محدد ويحجم عن فعل شيء آخر؟. حتى نعرف ذلك على وجه الدقة علينا أن نتقمص دور الآخر.
في هذه الحالة يمكن أن نرصد العناصر غير المحسوبة كعوامل العناد والسمات الشخصية
ذات الطبيعة الخاصة لمتخذ القرار، ولا نترك توقعنا المسبق أو إرضاءنا للنفس يحددان
ما نتوقعه من الآخرين، فعلينا أن نتصور أنفسنا مكانهم، خياراتنا نحن تختلف عن
خيارات أعدائنا وربما تؤثر فينا بسبب نفسي أو بيئي أو اقتصادي أو وراثي لكنها ليست
بالضرورة مؤثرة في العدو أو المخالف لنا في الطبيعة والرأي. كل إنسان له خبرة سابقة
في مواجهة الخيالات والوصول إلى نتائج عقلية وطرق خاصة في التصرف. الولايات المتحدة
مثلا نظمت حملة خليج الخنازير ضد كوبا سنة 1961 لأسباب تاريخية عديدة، ولكن من وجهة
نظر الرئيس جون كنيدي شبه الخاصة، فإن الحملة نظمت لأنه اتخذ القرار وهو يشعر
بإهانة شديدة من قبل كاسترو.. هناك سبب قد يكون شخصيا لكل حادثة حتى في العلاقات
الدولية. وإن لم يكن السبب شخصيا فإن طابع الخيار يحمل لا شك قدرا من التأثير
الشخصي.
طلاب القانون
عندما يدرسون قضية ما فإنهم غالبا ينظرون إلى الخيارات المتاحة أمام القاضي الذي
عليه أن يتخذ القرار والحكم في وقت محدد. ولو أن النظام الدولي ليس منظما ومنضبطا
كما هو القانون والنظام القضائي في دولة ما، إلا أننا يمكن أن ندرس العلاقات
الدولية كما ندرس القانون حيث نعتمد على الحقائق الموضوعية ونقدم خيارات
محتملة.
كن فاعلا لا مستجيبا
لفعل
من الصعب أن نصل
في مكان ما - في نهاية المطاف - إلا إذا فكرنا إلى أي مكان نريد الوصول؟ الهدف يجب
أن يحدد بصورة دقيقة. هذه الحقيقة تجاهلتها الإدارة الأمريكية سنة 1979، ففي ربيع
ذلك العام قررت الولايات المتحدة عن طريق الكونجرس أن تتخذ موقف الإدانة ضد النظام
الجديد في طهران - بسبب الإعدامات التي تمت بعد الثورة - وكان ذلك ردة فعل دون هدف
محدد أعقبها ردة فعل أخرى، فخلال أربع وعشرين ساعة قامت أكبر مظاهرة في طهران ضد
الولايات المتحدة وعلى أثرها احتلت سفارة الولايات المتحدة في طهران، وأعقب ذلك
أزمة دولية استمرت لفترة طويلة سميت بأزمة "احتجاز الرهائن الأمريكيين"، تلك كلها
كانت مجموعة من ردود الأفعال، عادة في ظروف الفعل تكون ردة الفعل سريعة ومتوترة
وعاطفية، وينسى الجميع بعد فترة أو يتجاهلون الجذور والأسباب الحقيقية للمشكلة، كل
طرف - ببساطة - يستجيب لفعل الآخر بردة فعل!
اختيار الهدف
بأناة
ليس مهما فقط أن
نختار الأهداف ولكن يجب أن نختارها بأناة وبطريقة محترفة، أحد المفاهيم المهمة
لإدارة الأزمة هو اختيار أهدافنا بدقة. وسوف نحقق. إنجازات إذا اخترنا هدفاً محدداً
- على الأقل لأنفسنا - فالأهداف العامة والفضفاضة لا تأتي بنتيجة، مثل إعلانات
إنهاء العنف، والاستسلام غير المشروط، والقضاء على الجوع، والتحرر من الخوف.. إلخ!
هذه الأهداف يمكن أن تريح الجمهور ولكنها لا تتحقق في الواقع. وقد يحسن أن نختار
أهدافا متواضعة بسيطة يمكن تحقيقها بشكل ملموس بدلا من الشعارات الكبيرة التي تظل
رنينا في الهواء. في تخطيطنا للأهداف المبتغاة علينا أن نسأل أنفسنا مثل هذه
الأسئلة: ما هي الموارد المتاحة تحت يدي؟ هل هي عسكرية، اقتصادية، نفسية؟ ومن هم
الذين يجب أن نقنعهم لتحقيق هذه الأهداف؟ وهل هؤلاء الأشخاص يمكن أن يقنعوا؟ وبأي
الوسائل؟.
في سنة 1979 -
1980 تبنى جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة - آنذاك - "أزهار الحديقة" وتعني أنه
من أجل متابعة مشكلة الرهائن استراتيجية أسماها "أزهار الحديقة" وتعني أنه من أجل
متابعة مشكلة الرهائن الأمريكان في طهران لزم الرئيس البيت الأبيض وترك متابعة
الانتخابات الرئاسية الجارية آنذاك. هذا الهدف كان من المستحيل تحقيقه (إطلاق
الرهائن) لأن الموارد والوسائل التي كانت تحت يدي الرئيس آنذاك غير قادرة على تحقيق
ذلك الهدف. وكان على كارتر أن يعتمد على قرارات في طهران من أجل إطلاق الرهائن وهذه
القرارات ليس له عليها سلطان! وعن طريق تنظيم محور حياته حول الرهائن أصبح الرئيس
نفسه رهينة، وفقد سباق الرئاسة لصالح رونالد ريجان.
يرى الكتاب أن
كارتر كان يمكن أن يحدد أهدافا هو قادر على تحقيقها - على الأقل إعلاميا - كان يمكن
أن يرفع شعار أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن مبادئها ولن تكافئ التهديد أو
تتنازل للمختطفين، ويمض في حياته اليومية. مثل هذه الأهداف يمكن تحقيقها بسهولة،
لأن الموارد والقدرات لتحقيق الهدف كانت بيده لا غيره. كان يمكن أن يتبع التكتيك
الذي قامت به الولايات المتحدة عندما احتجز. الكوريون الشماليون إحدى البوارج
الأمريكية - بعد حرب فيتنام مباشرة - وقتها أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تخضع
(للإرهاب الدولي) وبعد أحد عشر شهرا - أطلق الكوريون الشماليون تلك البارجة
بملاحيها.
أفضل طريقة لتحديد
الهدف هي أن نستطيع تحقيقه بذاتنا وبوسائلنا، وأفضل الوسائل لتأكيد الفشل هي تحديد
أهداف يستطيع المعادون أن يفشلوها، وحتى نتفادى هذا المطب علينا أن نحدد هدفا
محايدا وفي الغالب التعايش مع الصراع وتحديد أهداف جزئية وجانبية تقودنا إلى الهدف
الأكبر. التعامل مع خلافاتنا بشكل ناجح وبطريقة سليمة وبأقل التكاليف، والتكاليف
الأقل في الصراع هي بحد ذاتها أهداف جيدة يجب الحرص عليها.
إبان الحرب
الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تقرر في الستينيات - بعد أن وجد
الجميع أن لديهم رءوسا نووية يمكن أن تدمر العالم أكثر من مرة - تقرر أن تقوم فرق
بالتفتيش على التجارب النووية واقترح الأمريكان أن تكون فرق التفتيش من عشرة أشخاص،
واقترح السوفييت أن تكون من ثلاثة أشخاص، وفشلت المحادثات بسبب ذلك، ومن ثم تكبد
الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بلايين الدولارات لتصعيد السباق النوري. لم
تفشل المحادثات لأنهم اختلفوا على كيف ومتى ولماذا، في آخر مثل هذه الأسئلة
الجوهرية، بل على موضوع جانبي، ثم خسر الاقتصادان، السوفييتي أولاً والأمريكي
ثانيا، الكثير من الموارد لإتمام ذلك السباق. في المفاوضات وحتى لا تجعل مشكلة
صغيرة تعطل مسيرة الحوار والوصول إلى حلول توفيقية عليك بتجزئة المشكلة، وكل مشكلة
صغيرة لها حلول مناسبة، فالنجار لا يستخدم المنشار من أجل أن يثبت مسمارا، أنه
يستخدم المطرقة في ذلك. كما أنه يخشى عندما يكون في صندوق أدواتك مطرقة فقط أن تبدو
لك كل مشكلة وكأنها مسمار!. كل مشكلة لها حلول نوعية مناسبة وأدوات مناسبة. العلم
بالأداة النافعة للحل - وحل مشكلة صغيرة من ضمن المشكلة الأكبر - يشجع ويدفع للحماس
ويزيد القدرة على حل المشكلة الأكبر. وأي أداة تستخدمها ولأي حل، تلك إجابة تعتمد
على الخبرة والعلم والمعلومات.
التعامل مع
الاختلاف
كل الخلافات
الدولية - دون استثناء - يعتقد كل من طرفيها أنه على حق. والقدرة على مراجعة
التفكير في ضوء رؤية جديدة هي قدرة نادرة، وحتى نحصل على هذه القدرة علينا أن نعرف
كيف ينظر الآخرون إلى العالم، ونعرف دوافعهم وعواطفهم ورغباتهم. القدرة هنا تعني
قدرتنا على وضع أنفسنا مكان الآخرين والنظر من وجهة نظرهم للمشكلة، فنحن غالبا
نتعامل مع الصراع - إن كنا طرفا فيه - بضعف لأننا أسرى تفكيرنا ونظرتنا أحادية
الجانب. فعندما نرى امرأة تحمل طفلا نفترض أن المرأة هي أم الطفل، ولكن عندما نلاحظ
أن لون جلد الطفل يختلف عن لون جلد الام يتبادر إلى أذهاننا شي ء آخر، وعندما نشاهد
بعد لحظات رجلا يشير في الام والطفل وهو بلون الطفل نغير رأينا مرة ثالثة.
فالافتراضات البدهية المسبقة خطرة غالبا على أي حكم سريع على الأمور. وهناك مثل
روسي يقول إن كل شخص يرى العالم من فوق برج قريته، والعالم بالطبع مختلف عن ذلك.
توقعاتنا تختلف لأن خبرتنا تختلف، ولأننا عادة ما نختار من خيرتنا ما يهمنا ونختزن
في خبرتنا أيضا ما يهمنا.
فالبعض يرى أن
الإرهابيين في بلد ما مجرمون، ويراهم البعض الأخر مقاتلين من - أجل الحرية، ونحن
عادة ما نتوجه إلى جمع الشواهد التي تؤيد وجهة نظرنا المسبقة ونتجاهل المعلومات
والحقائق التي تتنافى مع ذلك. التعامل مع الصراعات يعنى التعامل مع الطريقة التي
يفكر بها الآخرون والقضية ليست هي هل تصورهم صحيح أو خطأ، لكن القضية هي فهمنا
لأسباب الصراع فهما حقيقيا، وبمرجعية الحقائق الموضوعية. في حالة الصراع - خاصة إذا
كان يتسم - بالعنف - فإن الشعور يطغى على الفكر، والمشاركون في مثل هذا الصراع
يكونون مستعدين لخوض المعارك أكثر مما هم مستعدون للتعاون معاً. العنف عادة ما يقود
إلى العنف.
الغاضبون دائما
يفشلون في سماع الرأي الأخر، ومن المحتمل أن يضعوا أسوأ التفسيرات حول الكلمات
والأفعال والإشارات لشخص أو دولة ينظر إليها على أنها عدو، وإذا كنا نريد أن نعرف
ما يدور في أذهان الآخرين فلا بد من أن نحسب حساب العواطف والدوافع التي ربما
تتداخل في عقول الآخرين، خاصة إذا كان اتصالنا يتم بطرق غير مباشرة.
أهمية معرفتنا
بالآخر هي جمع المعلومات الخاصة بكيفية رؤيتهم للأمور. ما هو الشيء المهم وغير
المهم بالنسبة لهم. قد لا نستطيع على وجه الدقة معرفة كل ذلك، ولكن النتيجة تستحق
الجهد. نستطيع أن نحصل على هذه المعلومات من كتاباتهم، ومن أقوالهم، وهذه كلها
تمكننا من تقمص أدوارهم.
تمت تجارب من هذا
النوع حول كيف يفكر السوفييت في أفغانستان، وعرضت الأفكار على سوفييتي منشق فقال:
"لقد نسيتم شيئا مهما وهو أن البحرية السوفييتية غاضبة لأن معركة أفغانستان قد حولت
كل الموارد للقوات البرية والطيران السوفييتي" إذا قدرنا بالضبط تصورات أعدائنا
فإننا يمكن أن نقدم بالضبط تصوراتنا حول مواجهتهم وكمفاوضين ترتفع صدقيتنا لديهم
ونجعلهم يتحركون خارج وجهات نظرهم تلك، كي نستوعب أبعاد الصراع الذي نحن طرف فيه
علينا أن نلاحظه من ثلاثة وجوه - على الأقل - الأول أن نحدد طبيعة مشاعرنا،، هل نحن
غاضبون؟ هل نفقد السيطرة؟، هل نقوم بردود أفعال؟ هل نبتعد عن النقاط المهمة إلى
النقاط الجانبية؟ ثم ما هي أهدافنا؟ وما هي مصالحنا وما هي المخاطر التي نراها
ماثلة في سعينا؟. وعلينا ثانيا أن نلاحظ الوضع من وجهة نظر الشركاء في الصراع، كيف
تبدو الأشياء من ذاك الطرف؟ ولو كنا هناك ما هي أهدافنا؟ وهل نشعر بالغضب المبرر أو
غير المبرر؟. وثالثاً حتى نحصل على موقف متوازن علينا النظر إلى الوضع من وجهة نظر
محايدة، كيف يتصرف الطرفان، هل هو تشاحن أو خلاف حاد أو صراع؟ حتى نفهم أي صراع لا
بد من النظر إليه من هذه الزوايا الثلاث.
انظر للمصالح خلف
الأقوال
تبادل الأدوار
والنظر من وجهات مختلفة لا يتيح لنا فقط فهم وجهات نظر الآخرين ولكنه أيضاً يعطينا
فرصة قد توصلنا ردود الأفعال الدولية إلى مصيدة حقيقة إذا سار متخذو القرار خلف
عواطفهم. للمناورة عن طريق توضيح الحاجات والاهتمامات الواقعة خلف الواجهة. في أي
صراع تقليدي نواجه بإشارات وبيانات من كل الأطراف: ماذا ستفعل أو لا تفعل وما هي
مطالبها؟، وطلبات الأطراف هنا غير متوافقة مع بعضها، وهو وضع عسير المعالجة وهناك
توجه طبيعي للإصرار على هذه المواقف.
علينا أن نبحث خلف
واجهة البيانات الرسمية لنتعرف المصالح الحقيقية التي يريدها الطرفان. علينا أن
نتطلع خلف مواقف الطرفين إلى المصالح المشتركة. فعندما يكون كلا الراكبين في سفينة
إنقاذ صغيرة يريدان الوصول إلى البر، وعندما تستعر خلافاتهما حول من يأكل الجبن ومن
يأكل الخبز، فإن الصراع يكون متحركا في دائرة مدمرة. في بعض الأوقات يكون اختلاف
الفهم واختلاف الأولويات سببا يجعل الكعكة تبدو أكبر للجميع.
كمثال على ذلك لو
أن صاحب أسهم يعتقد أن الأسواق عالية الأسعار، وأن الوقت وقت بيع، وآخر يعتقد أن
الأسعار منخفضة والوقت وقت شراء فإن الوسيط ليس عليه أن يحاول توحيد وجهة نظر
البائع والمشتري حيث إن احتمال إتمام الصفقة يكون راجعا إلى اختلاف في الفهم
واختلاف في التوقعات.
تقديم أفكار
حيوية
قيمة هذا الكتاب
أنه يدعو إلى تقديم أفكار جديدة في خضم الصراعات الدولية، ويدعونا جميعا - حتى
المواطن العادي - للمساهمة في هذه الأفكار، ويسوق لنا الأمثلة من الواقع المعيش على
أهمية تبني مثل هذه المنطلقات.
الفرق بين أن ننظر
في الأمور بسطحية أو بمنظور واسع تقدمه لنا هذه القصة الإيطالية: فقد سُئل ثلاثة من
العاملين في قطع الصخور ذات يوم قائظ ماذا يفعلون، فرد الأول: أنا أنحت هذه الصخور
لجعلها في الحجم المناسب. ورد الثاني: أنا أكسب عيشي من هذا العمل. ورد الثالث:
إنني أبني كاتدرائية!
هناك فرق بين أن
نشتبك ونقع في حبائل القضايا الصغيرة وبين أن نتطلع إلى القضايا الأكبر، ولكنه توجه
إنساني غالب أن نخوض في القضايا الصغيرة حتى على المستوى الدولي. فليس من السهل أن
تطلب من طفل قرأ قصة قصيرة عن فيل أن يمتنع عن التفكير فيها. ومهما كانت الخبرة
والمشورة جيدة ومعقولة فإن آلاف المستشارين والعديد من الناصحين والحكماء تذهب -
حكمتهم أدراج الرياح، لأنهم ببساطة لا يستطيعون تحويل تلك الحكمة إلى فعل، فالإقناع
له أخلاقيات مختلفة.
هذا الكتاب الجميل
الصغير الحجم يتركنا نتحسر على أن القضايا الدولية العالقة مازالت تحصد الأرواح
البريئة، ومازالت الصراعات مستمرة في كل مكان..ينما الحكمة
غائبة.