عاطف الطيب إنتاج غزير.. ووداع مبكر هاشم النحاس

عاطف الطيب إنتاج غزير.. ووداع مبكر

كان المخرج عاطف الطيب (47 عاما) كان يدرك بحدسه الداخلي دنو أجله - الذي جاء بغتة - فراح ينكب على عمله بكل طاقته في سباق مع الموت ليخرج 21 فيلما في 14 عاما ليكون بذلك أغزر أبناء جيله إنتاجا وأكثرهم عمقا حتى جاءه الرحيل المفاجئ في يونيو الماضي.

كان واحدا ضمن مخرجي الثمانينيات الذين شكلوا - في رأي - أنضج مجموعة من مخرجي السينما العربية حتى الآن ومنهم علي بدر خان ومحمد خان ورأفت الميهي وخيري بشارة وداود عبدالسيد. وكلهم خرجوا من عباءة الواقعية المصرية التي بدأها كمال سليم بالعزيمة (1939) وكامل التلمساني بالسوق السوداء (1945) ودشنها وأرسى قواعدها صلاح أبوسيف بمجمل أفلامه عامة (41 فيلما).

غير أن مجموعة مخرجي الثمانينيات كان لهم من الموهبة الفنية والخبرة الثقافية الجديدة ما أتاح لهم القدرة على تجاوز واقعية الآباء. ولعل أهم ما يميز أفلام عاطف الطيب أنها - فيما عدا - "قلب الليل" - تجري في الواقع المباشر الذي نعيشه وربما تمتد جذور بعض الأحداث التي نراها في أفلامه في عقد أو عقدين للخلف. ولكن ما نراه هو ما يحدث الآن في هذا العقد من الزمان، ولا يستثنى من ذلك فيلم "البريء" الذي اضطر - لأسباب رقابية غالبا - أن يكتب في مقدمته "وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر" حيث إن ما نراه مخطوطا بغير عناية على حائط الزنزانة في أحد مشاهده يؤكد أن الأحداث تجري في الماضي القريب جدا ولم تتجاوز نفس العقد وما زالت تلقي بظلالها على الحاضر المعيش.

والسمة الثانية التي تحدد واقعية عاطف الطيب في أفلامه وتؤكد تمسكها بالآنية والمباشرة هي أن المشكلة التي يتناولها في أفلامه ليست من نوع المشاكل العامة التي تقع في أي زمان ومكان ولكن المشاكل التي تعالجها أفلام عاطف تحكمها بشدة مواصفات المكان (هنا) والزمان (الآن)، ولا يرجع ذلك فقط لما يحمله كل فيلم من تفاصيل دقيقة لحياة الناس والمجتمع، الأمر الذي تشارك فيه الأفلام الواقعية عامة، ولكنه يرجع في المقام الأول لنوع المشكلة المطروحة التي يعالجها الفيلم. فهي دائما مشكلة لها خصوصيتها المرتبطة بالمكان والزمان ولا يمكن فصلها عنهما. وذلك فيما عدا خمسة من أفلامه هي : "الغيرة القاتلة"1981 و"الزمار" وكان من الطبيعي أن يخرجا عن هذا الإطار وهما من الأفلام المقتبسـة، و"أبنـاء وقتلـة" 1987 و"البدرون" 1987 وهما في قالب الميلودراما ويعتبران أقل أعمال عاطف قيمة. أما "قلب الليل" 1989 فهو من أهم أعماله لكنه يناقش مشكلة حرية الإنسان بشكل مطلق.

ويتميز عاطف الطيب بجرأة يندر توافرها لدى أقرانه أو من سبقوه في اختيار المشاكل التي يتناولها في أفلامه. فهو إلى جانب ما يوجهه من انتقادات اجتماعية عامة في أفلامه شأنه في ذلك شأن المدرسة الواقعية النقدية، نراه ينتقد بشدة البيروقراطية القاتلة في جهاز البوليس في فيلم "التخشيبة" 1984 وفي "ملف في الآداب " 1987 يكشف عن اختراق أصحاب النفوذ لجهاز بوليس الآداب بحيث يشل حركته. كما يكشف عن جانب من تلفيق الاتهام للأبرياء. والفيلمان سيناريو وحيد حامد. وفي "الهروب" 1991 سيناريو مصطفى محرم يدين جهاز الأمن الذي يشغل الرأي العام عن قصوره في مواجهة القضايا الأمنية الكبيرة بإثارة قضايا صغيرة مفتعلة، وفي "ضد الحكومة" 1992 سيناريو بشير الديك، يوجه اتهامه للوزراء عن القصور الجسيم في وزاراتهم الذي يرتكبه صغار الموظفين ويؤدي إلى إزهاق أرواح الأطفال الأبرياء. ولكن لعله يصل إلى ذروة هذه الجرأة غير المسبوقة عندما يتناول قضية غسيل المخ للمجندين من ناحية وسوء معاملة المعتقلين السياسيين وتعذيبهم حتى الموت من ناحية أخرى في فيلم "البريء" 1987 كما لم يكن أقل جرأة في فيلم " كشف المستور" 1994 عندما وجه انتقاداته لجهاز المخابرات الذي يبتز النساء ويفرض عليهن الدعارة للحصول على المعلومات باسم الوطنية.!!

الذاتية

كما تتميز أفلام الطيب - عن أفلام كل من سبقه وكل أقرانه بأنها - في أغلبيتها - تعبير ذاتي عن جيله، أو هي تعبير عن جيل الفنان من خلال خبراته الذاتية، فكل أبطال أفلامه رجالا ونساء من جيله تقريبا، فهم جميعا. بين شباب ما فوق العشرين ( في بدايات حياتهم العملية ) وحتى منتصف الأربعين. فيما عدا "أبناء وقتلة" حيث يمتد العمر ببطليه إلى ما بعد ذلك وهؤلاء الأبطال يمثلون جزءا من حياته الخاصة التي تدور حول محاور أساسية تتمثل في: تجربته بالتجنيد، ومشاركته في حرب 73، ومعاناته من فساد السلطة، ومعايشته بعيون مفتوحة لمرحلة الانفتاح.

وعلى هذا النحو يمكننا أن نرى عاطف الطيب نفسه في معظم أفلامه فهو "حسن" في "سواق الاوتوبيس "1983 الذي شارك في حرب 73 وخرج منها ليواجه إعصار الانفتاح بالمجتمع . وهو"على" في "الحب فوق هضبة الهرم "1986 الشاب الذي لا يجد ما يعينه على الزواج في ظل البطالة المقنعة المفروضة على هذا الجيل وسيادة القيم المادية للانفتاح، وهو"سبع الليل" المجند المخدوع في "البريء" 87. وهو ضابط المباحث في "ضربة معلم "1987 الذي يعي دوره ولا يستسلم لضغوط تاجر السلاح ومهرب المخدرات برغم ما يعانيه مع جيله من ضيق ذات اليد وهو سائق التاكسي في "الدنيا على جناح يمامة " الشاهد على الحال الانفتاحي في محاولته الفاشلة استغلال ابنة أخته القادمة من الخارج ومعها ثلاثة ملايين دولار. وهو"حسن" في "كتيبة الإعدام" 1989 الذي يحكم عليه ظلما بسرقة أموال الجيش الثالث أثناء حرب 73 ويخرج للانتقام من السارق الحقيقي الذي أصبح من كبار تجار الانفتاح. حتى "ناجي العلي" في الفيلم الذي يحمل اسمه كان نموذجا آخر من نماذج نفس البطل المتمرد على أوضاع مجتمعة الفاسد.

ولأن هذه الشخصيات الأساسية في أفلام عاطف الطيب هي جزء من عاطف الطيب نفسه بشكل أو بآخر ولأنها تمثله كما تمثل جيله . نراه يستعين بنفس الممثلين (وهم من جيله أيضا) في تأدية أدوارهم، حتى أن تسعة من أفلامه يقوم بالدور الرئيسي فيها اثنان من الممثلين فقط هما نور الشريف في: "سواق الأتوبيس" و "ضربة معلم" و "كتيبة الإعدام" و "ناجي العلي" و "ليلة ساخنة"، وأحمد زكي في "الحب فوق هضبة الهرم" و "البريء" و "الهروب" وضد الحكومة".

فكل أبطال عاطف الطيب تقريبا لا يقبلون الاستسلام للأوضاع المنحرفة المفروضة عليهم، فهم ليسوا شخصيات منسحقة، ربما يكونون مغيبين أو مخدوعين في البداية أحيانا. لكنهم لا يلبثون أن يستردوا وعيهم ويدخلوا في صراع عنيف مع هذا الواقع.

وأبطال عاطف الطيب في صراعهم مع الواقع قد ينتصرون كما في "ضربة معلم" حيث ينجح الضابط الصغير في النهاية في أن يضع الأب وعصابته داخل قفص الاتهام وقد يغتالون بيد أعدائهم بعد أن يئسوا من حصارهم أو شل حركتهم كما في "ناجي العلي"، وقد يظل الصراع معلقا بين الطرفين كما في "الحب فوق هضبة الهرم" حيث يصر كل من "على" وزوجته على أن يظلا في الحجز حتى يثيرا قضيتهما على الرأي العام.

ولكن أبطال عاطف الطيب في معظم الأحوال يظلون مرفوعي الرأس، كما في "سواق الأتوبيس "و" البريء" و "ضربة معلم" و "ناجي العلي" حتى "كشف المستور" ويبقى أن أهم ما يتميز به معظمهم هو شهامة ابن البلد.

إن مثل هذه السمات الإيجابية للشخصيات قد تكون منزلقا لتقديم شخصيات نمطية زاعقة، كما أن ما تميزت به أفلام عاطف الطيب من واقعية مباشرة تتناول الأحداث الجارية والمشاكل الحية المثارة قد يؤدي إلى فقدان الموضوعية أو فقدان القدرة على التحليل والتعمق مما تتيحه معالجة الأحداث البعيدة.

والارتباط الشديد بتفاصيل المكان وبيئته الاجتماعية قد يؤدي بالعمل الفني إلى الاختناق بالمحلية الضيقة أو الانزلاق إلى العروض الفلكلورية. كل ذلك يمثل منزلقات تهدد العمل الفني وهي كفيلة باستلاب روحه وفقدان قيمته ولكن ما كانت أفلام عاطف الطيب كذلك.

كان لعاطف الطيب من الموهبة ما يحميه من هذه المنزلقات، بل ويحولها بين يديه إلى عوامل قوة درامية في العمل السينمائي ومن ثم استطاع أن يقدم لنا مجموعة من أنضج أفلامنا العربية شكلا ومضمونا ومن أكثرها جاذبية. وكان لها من الخصوصية ما يمثل إضافة لفن الفيلم العربي، ويجعل من عاطف الطيب برغم غيابه السريع عنا رائدا من رواد السينما العربية في مصر.

سواق الأتوبيس

وقد حصل الفيلم الأول "سواق الأتوبيس" على جائزة العمل الأول في مهرجان قرطاج الدولي (تونس 1983) وحصل نور الشريف عن تمثيله في نفس الفيلم على جائزة مهرجان نيودلهي (الهند 1983). وحصل فيلم "الهروب" على الجائزة البرونزية لمهرجان فالينسيا الدولي 1990. كما حصل الفيلم الأخير منها "ليلة ساخنة" على الجائزة الفضية لمهرجان القاهرة الدولي 1995، وحصل نور الشريف أيضا على جائزة التمثيل لنفس المهرجان. وذلك في جانب الجوائز المحلية العديدة التي فازت بها هذه الأفلام.

وفيما يلي نقدم عرضا سريعا للفكرة الرئيسية لكل منها على أمل أن يلمس القارئ بنفسه ما تحمله من المواصفات المميزة لواقعية عاطف الطيب:

في "سواق الأتوبيس" 1983 - سيناريو بشير الديك - يفاجأ حسن "نور الشريف" بتراكم الضرائب على ورشة الأب التي تركها منذ زمن ليشارك في حروب اليمن و67 والاستنزاف والعبور 73. وفي محاولته إنقاذ الورشة بتوفير المبلغ المطلوب قبل أن يتم الحجز عليها وعرضها للبيع يكتشف خيانة "عوني" زوج أخته الذي تركه مع والده في الورشة فعمل عله سرقتها وإهمال شأنها. وعندما يلجأ إلى زوجي أختيه في بور سعيد ودمياط - وقد أصبحا من كبار تجار الانفتاح - طالبا منهما رد الجميل للورشة التي احتوتهما أيام النكسة وعاشا على خيرها، يتخاذل كل منهما عن مد يد المعونة ويضطر "حسن" - للحصول على جزء من - المبلغ المطلوب - أن يبيع التاكسي الذي يعمل عليه وإن كلفه ذلك طلاق زوجته! وينجح "حسن" في آخر لحظة في توفير بقية المبلغ المطلوب لإنقاذ الورشة من مجموعة أصدقاء الجيش الذين شاركوا معه في الحرب، بالإضافة إلى ثمن شبكة "أخته الصغيرة. ولكن الأب يموت قبل أن يصل إليه "حسن" بالمبلغ. غير أن "حسن" الذي رأيناه في أول الفيلم لا يأبه بسارق السيدة وهو يجري أمامه، نجده في نهاية الفيلم عندما تتكرر نفس الحادثة يلحق بالسارق ويكيل له اللكمات وهو يصرخ من أعماقه باللعنة في نفس ممدود "يا أولاد الكاااالب"... ولا بد أن المشاهد يعرف من يقصدهم بلعنته.

الحب فوق هضبة الهرم

في "الحب فوق هضبة الهرم" 1986 المأخوذ عن رواية كاتبنا الكبير (نجيب محفوظ) وسيناريو (مصطفى محرم) نرى الشاب " علي " "أحمد زكي" خريج الجامعة الذي سبق أن اختار له مكتب التنسيق كليته، وهي غير الكلية التي أحب الدراسة بها، واختار له مكتب القوى العاملة الوظيفة التي يلحقه بها، وهي غير الوظيفة التي أرادها أن ترتبط بدراسته، يقضى وقت عمله في قراءة الجرائد وشرب الشاي أو التسكع في الشوارع "والبحلقة" في الفتيات.

ويحدث أن تلحق بنفس مكتبه موظفة جديدة "آثار الحكيم" ويقع في حبها، وتبادله الحب. لكن ظروفه المادية - التي هي ظروف كل الشباب من أمثاله - تجعل الزواج بها أمرا مستحيلا. ومع ذلك فهو يخطبها وتتعقد الأمور خاصة بتدخل أمها مما يضطره إلى الابتعاد عنها حفاظا على كرامته. لكنه لا يلبث أن يعود إليها ويقررا الزواج سرا، مما يوقعهما في مشاكل جديدة.

ويفشل "على" في إيجاد المكان المناسب لممارسة حقه في الحب معها فيلجأ إلى منطقة الأهرام حيث يقبض عليهما البوليس بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام. وفي نقطة البوليس حيث يقبل والد كل منهما يحاول أن يفض المشكلة بطريقته، لكن "علي" وزوجته يرفضان حل المشكلة ويصران على تقديمهما للمحاكمة لعرض قضيتهما على الرأي العام، وينتهي الفيلم بترحيلهما داخل سيارة السجن ويطلان من خلف قضبان نافذتها الضيقة على الهرم الذي يبدو محصورا داخلها.

ملف في الآداب

في "ملف في الآداب" 1987 - سيناريو وحيد حامد - نرى ضابط الآداب الشاب صلاح السعدني الذي ينجح في ضبط أحد أوكار الدعارة، يتعرض لضغط أصحاب النفوذ الذين يخترقون الجهاز، ويحرمونه القيام بواجبه، ويطلقون سراح المتهمين برغم تلبسهم بالجريمة التي شاهدناها بأعيننا.

ويلجأ الضابط إلى الاستعانة بأحد المرشدين. يهدد بفتح ملفه السابق إن لم يدل على من يعرفه من المنحرفات. المرشد "وحيد سيف" يعمل "جرسونا" في كافيتريا بوسط البلد. أثناء تقديمه الطلبات لإحدى زبائن الكافيتريا نكتشف أنه يعمل قوادا لها. ويبلغ الضابط عن ثلاث من الفتيات يترددن معا على الكافيتريا. ويصدر الضابط أوامره بمراقبة الفتيات الثلاث.

الفتيات الثلاث يعملن بوظائف صغيرة بوسط البلد وقد تعودن معا على هذه الكافيتريا لتناول بعض المشروبات أو الوجبات الخفيفة ثم دخول السينما لقضاء الوقت الفاصل بين فترتي العمل الصباحية والمسائية. حيث يصعب عليهن الذهاب إلى بيوتهن والعودة. مديحة "مديحة كامل" من بين الفتيات الثلاث تأمل في الزواج من كمال " أحمد بدير" زميلها في العمل الذي يلاحقها بخجل في الكافتيريا.

الحاج رشاد "فريد شوقي" زميل كمال في العمل ينصحه بدعوة مديحة وصديقتيها للغداء (على أكلة سمك) في منزله لعرض الشقة على مديحة بطريق غير مباشر، مما يرفع قيمته في نظرها، خاصة أن الشقة في وسط البلد قريبة من محل عملها. ويدعو كمال أحد أصدقائه للحضور كما يدعو الحاج رشاد. لكن البوليس الذي كان يتابع حركات البنات ويعلم بموعد الدعوة يهاجم الشقة لحظة تناولهم الغذاء ويقبض عليهم بتهمة الدعارة ويقوم الضابط بتلفيق محاضر الإدانة حتى يحكم عمله ويجبر كلا منهم - على حدة - على التوقيع ويقدمهم للمحاكمة التي تثبت براءتهم في النهاية. ولكن يبقى لكل منهم ملف في الآداب. ويبقى السؤال كيف يمكن أن يجري كل هذا داخل مثل هذا الجهاز الحساس؟

البريء

في "البريء" 1987 - قصة وسيناريو وحوار وحيد حامد - نرى سبع الليل "أحمد زكي " الفلاح الساذج الذي يطلب للتجنيد ويتم توظيفه بعد غسيل المخ والتدريب اللازم - حارسا- بأحد السجون المعزولة داخل الصحراء، التي تضم المعتقلين السياسيين وداخل السجن نرى بعين المخرج التسجيلي تفاصيل التعذيب والمهانة التي يتعرض له أصحاب الفكر المعارض للسلطة. ويشارك سبع الليل في تعذيبهم لأنهم - كما قيل له - أعداء الوطن. وعندما يلحق بالسجين الهارب ويقتله ينال ترقية في رتبته ويمنح إجازة.

ويحدث أن تأتي مجموعة جديدة من المعتقلين ويشارك سبع الليل كالمعتاد في استقبالهم بالضرب المبرح. لكنه يفاجأ باكتشـاف حسين ابن العمدة وصديقه الحميم بينهم ( وكان هو الذي افهمه أن الجندية دفاع عن الوطن ) فيصيح في زملائه أن يتوقفوا عن الضرب فلا بد أن هناك خطأ ما، لأن حسين لا يمكن أن يكون من أعداء الوطن. وعندما يناوله القائد كرباجا ليواصل ضرب حسين يرفض أمر قائده فيتعرض للسجن والتعذيب مع حسين الذي لا يتحمل التعذيب ويموت. ولأنهم في حاجة إلى أمثال سبع الليل، وتغطية للموقف، يكتفي القائد بعقابه بالسجن لمدة محددة وتخفيض رتبتـه. ويعود سبع الليل إلى طابور الحراسة. وعندما يأخذ موقعه فوق أحد الأبراج، يلاحظ قدوم فوج جديد من المعتقلين، فتثبت اللقطة على وجهه وهو يهم بالصراخ فزعا عليهم. وذلك في النسخة المجازة رقابيا. أما النسخة الأصلية فتنتهي بأن يرفع رشاشه ليحصد به ضحايا الجهل وانعدام الوعي قبل أن يبدأوا في تعذيبهم للقادمين.

ضربة معلم

يقدم لنا "ضربة معلم" 1987- تأليف بشير الديك - الضابط الصغير رفعت "نور الشريف" الذي يقف وحده في مواجهة الحوت الكبير شاكر " كمال الشناوي" تاجر السلاح ومهرب المخدرات الذي يريد أن يهرب ابنه القاتل من يد العدالة مستخدما كل إمكاناته بشراء المحامي والمستشار، وقدرته على اختراق جهاز الأمن، حتى أنه ينجح في إجبار رئيس رفعت الضابط الكبير "صلاح قابيل" على الاستقالة. ويحاول أن ينفذ إلى رفعت وأسرته بإغداق المال. ولكن الضابط رفعت يطارد الابن في كل مكان ويرفض الخضوع لتهديد الأب أو إغرائه. غير أن سلطة الأب الواسعة وإمكاناته التي يحاصر بها رفعت تفرض عليـه تغيير تكتيكه فيتظاهر بقبول الرشوة والخضوع لطلب الأب والاتفاق على تدبير حملة خادعة يتم فيها القبض على الابن والعثور على قطعة سلاح مضللة، ثم كتابة محضر للواقعة على نحو يفسد القضية ويمنح الابن البراءة.

وبرغم أن الإجراءات تجري وفق الاتفاق، تختطف عصابة الأب زوجة رفعت ضمانا لمواصلة الإجراءات كما اتفق عليها وزيادة للضغط عليه. لكن رفعـت بعد أن وضع الابن في الحجز وبدأ يكتب المحضر وقد جمع حوله الأب وأخاه والمحامي والمستشار، يذكر حقيقة المؤامرة التي دبرها معهم ويوجه لهم تهمة الرشوة.

الهروب

في فيلم "الهروب" 1991- سينـاريـو وحـوار مصطفى محرم - نـرى منتصر "أحمد زكي" ذا الجذور الصعيدية الذي يقوم بتزوير تأشيرات السفر لمن يرغب في العمل بالبلاد العربية، لكنه يـرفض أن يخدع أبناء بلدته بتأشيرات مزورة عندما يلجئون إليه، وعندما يتخلص منه زميله بدس قطعة حشيش له له غرفته حتى يقوم بالتزوير ويلتهم الغنيمة وحده. يهرب منتصر من السجن وينتقم منه بقتلـه خاصة أنه ساعد على إفساد زوجته وتهريبها. وعندما يعده صديقه برد مبلغ الألفي جنيه التي استدانها منه ويتواعدان بمحطة المترو تحت الأرض. يكتشف أن البوليس يحاصر المكان فيقفز داخل المترو قبل أن يتحرك مباشرة ويحاول صديقه أن يمسك بـه فيقع تحت عجـلات المترو.. ويصبح منتصر أسطورة رغما عنه.

يختفي منتصر لدى بلدياته الذين يحتضنونه بالقاهرة إلى أن يعد نفسـه للسفر إلى تركيا ليلحق بـزوجته.. ولكن عنـدما يقبض البوليس على أمه... يسلم نفسه. ويصله خبر موت أمه في السجن فيهرب ليحضر جنازتها.

ورغم أن البوليس يقبض عليه بعد الجنازة إلا أنـه يسهل لـه عملية هروب جديدة على أن يضعه تحت المراقبة. وذلك لإثارة الرأي العام بهذا السفاح الأسطورة لتغطيـة قصورهم في القبض على المرأة الحديدية التي هربت بما جمعته من أموال، بالإضافة إلى التشويش على ما يجري في الجامعة من مظاهرات. وعندما يحاول منتصر أن يفلت من رقابتهم يطلقون عليه النار هو والضابط سالم بلدياته الذي كان يحاول أن يقنعه بتسليم نفسه.

ناجي العلي

أما فليم "ناجي العلي" 1992 - سيناريو بشير الـديك - فهـو عن فنـان الكـاريكـاتير العربي الفلسطيني. يتابع حياته بدءا من خروجه مع أهله من قريته بالجليل الأعلى في فلسطين ضمن الخروج الكبير 1948 وعمره عشر سنوات. ليعيش في مخيمات اللاجئين بعين الحلوة جنوب لبنان. حتى اغتياله في لندن في أغسطس 1987، مرورا بما توالي عليـه من تقلبات متنقلا. بحثا عن حريته ما بين لبنان والكويت ثم لندن. شاهدا علي ما تمر به أمته من انتكاسات، مسجلا رأيه فيما يراه بريشته في رسومات نقدية لاذعـة. ألمر الذي أدي إلى اغتياله في النهايـة. والفيلم إذ يتابع هذه الحياة الغنية لهذه الشخصية ويكشف عن تداخلها مع حياة أمته يقدم لنا صورة حية عن حياة ناجي وتاريخ هذه الأمة معا في هذه المرحلة المضطربة.

كشف المستور

وفي آخر هذه المجموعة "كشف المستور" 1994 يعود عاطف الطيـب مع كاتب السيناريو وحيد حامد إلى فضح الفساد لأحد الأجهزة السيادية. وينتقد بشدة سلوكها الشائن في توظيف للنساء بالدعارة للحصول على معلومات. ويضاعف من اتهامه حينما نرى هذا الجهاز يطارد سيدة اعتزلت عملها وتأمل في حياة شريفة هادئة مع زوجها. لكن الجهاز يحاول إجبارها على العودة للعمل باسم الوطن!! ويهددها بالفضيحة، بما لديه من وثائق عنها، ولما كانت تظن أن هذه الوثائق قـد تم تدميرها كما أكد لها رئيسها السابق في الجهاز لتبدأ حياة شريفـة فهي تقـرر الانتقام من هذا الـرئيس الذي خدعها. وفي رحلتها للبحث عنه نكتشف معها مظاهر الفساد الجديدة التي يمارسها الجنود القدامى والمحدثون لهذا الجهاز، ومنها تربية خلايا التطرف. ولأنها علمت أكثر من اللازم بمظاهر الفساد يتم اغتيالها في النهاية.

رحم الله عاطف الطيب بقدر ما أمتعنا به من أفلام استنارت بها عقولنا.

 

هاشم النحاس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




عاطف الطيب إنتاج غزير ووداع مبكر





المخرج عاطف الطيب يضبط آلة التصوير





مشهد من فيلم ليلة ساخنة إخراج عاطف الطيب