في مطبخك: البصل.. غذاء ودواء بشار جعفر

في مطبخك: البصل.. غذاء ودواء

فوائد البصل معروفة وذائعة الصيت منذ القدم، ولكن العلماء ما زالوا يكتشفون فيه جديدا، فهل نعاود النظر إلى هذا الغذاء القديم المتجدد؟

يعتبر البصل من النباتات ثنائية الحول، وأحياناً ثلاثية الحول. حيث تتشكل في السنة الأولى أبصال أو بصيلات القزح، وفي السنة الثانية يعطي الأبصال الأمهات الناتجة من زراعة بصيلات القزح، وهي التي تستخدم في الطعام أما في السنة الثالثة - إذا كان الهدف هو الحصول على البذور - فتتطور السيقان الزهرية وتتكون البذور. هذا وينتمي البصل إلى فصيلة الزنبقيات وهو من نباتات النهار الطويل، لذلك فإن طول النهار يؤثر في تكوين الأبصال والبذور.

وتنجح زراعة هذا المحصول في جميع أنواع الأراضي، من الرملية إلى الطينية الثقيلة. ولكن تجود زراعته في الأراضي الرملية الناعمة والصفراء الخفيفة الخصبة، وقرب ساحل البحر.

يوجد نبات البصل في كل بيت لذلك لا يجهله أحد. له رائحة وطعم مميزان، وذلك بسبب وجود الزيوت العطرية الطيارة التي من أهمها، (أليك بروبيل ديسلفيد 5C3H7. S. S. C3H ). هذا، ويحذر من استعمال البصل بعد تخزينه مقطعاً، لأنه يتأكسد وتتكون منه مادة سامة، لذلك يجب أن يستعمل طازجاً.

ويحتوي البصل على مواد غليكوسيدية أهمها: سيلارين أ، وسيلارين ب، وتشكل المادة الأولى الجزء الأكبر والرئيسي من المواد الفعالة. والمادتان المذكورتان هما المادتان اللتان يرجع إليها مفعول النبات في علاج أمراض القلب، فهما مقويتان له، وتساعدان على تحسين ضرباته وتنظيمها. كما يحتوي البصل على فيتامين (C) المضاد للتعفن المنشط، بالإضافة إلى الهرمونات الجنسية المقوية للرجال، ومادة الكلوكنين (وهي تشبه الأنسولين) الذي يضبط السكر في الدم، لذا فالبصل من الأدوية المفيدة لمرضى السكر. كما يعتبر البصل مدراً للبول، ويستعمل في حالات الاستسقاء.

القيمتان الغذائية والطبية

للبصل أهمية كبرى في تغذية الإنسان، حيث تستعمل الأبصال كلها في التغذية ما عدا الجذور. وتعود القيمة الغذائية لمحصول البصل إلى احتوائه على كمية كبيرة من المواد الكربوهيدراتية والآزوتية والبروتينية والدهون والأملاح المعدنية (كالسيوم، فوسفور، حديد، صوديوم، بوتاسيوم...)، بالإضافة إلى البروتينات والفيتامينات وخاصة فيتامين (C). وقد ثبت أن البصل يحتوي على مضادات حيوية أقوي من البنسلين والسلفات والأورمايويسين، لذلك فهو يشفي من أمراض كثيرة ويقتل كثيرا من الجراثيم الخطيرة .. هذا ولا تعود قيمة البصل الغذائية لاحتوائه على المواد المذكورة سابقا، فحسب، بل على المواد العلاجية والفوائد الطبية الموجودة فيه.

فقد وصف الأطباء العرب نبات البصل، حيث قال عنه الرازي: إذا خلل البصل قلت حرافته وقوى المعدة وزاد في الشهية للطعام. أما ابن البيطار فقد أشار إلى أن البصل ملين للمعدة ومدر للبول. أما الأنطاكي فقد قال عن البصل: إنه يقوى الشهية ويذهب اليرقان ويدر البول والحيض ويفتت الحصى. وقد ذكر في مجلة "كل شيء بالفرنسية" أن العالم الطبيب (جورج لاكوفسكي) قد حقن بمصل البصل كثيرا من المرضى، ولا سيما مرضى السرطان، وحصل على نتائج باهرة. أما (ديوسكوريدس) فقد وصف البصل منقوعا في الخل المخفف لعلاج أمراض القلب. وكان المصريون القدماء يحبذون النبات ويعتبرونه طاردا للشيطان أو الأرواح الشريرة. وقد عثر على تذكرة طبية لهذا النبات في احدى البرديات المصرية القديمة.

ومن الأمراض التي يعالجها البصل نذكر ما يلي مع كيفية الاستعمال: في حال التهاب الرئة توضع لبخة بصل مسخن فوق الصدر والظهر مع لفها بقماش وذلك قبل النوم يوميا. وقد ثبت نجاح هذا العلاج في مداومة الالتهاب الرئوي.

أما في حالة الإصابة بالروماتيزم فينصح بتدليك مكان الألم ببخار البصل مع زيت الزيتون مساء ويتم ذلك عن طريق تقطيع بصلة في وعاء يحتوي على الماء، وتترك حتى الغليان، ثم يوضع المكان المصاب فوق الوعاء ويدهن بزيت الزيتون (يدلك). وينصح أيضا في الصباح - لإتمام المعالجة - بأخذ معلقة صغيرة من الزعتر المخفف المعجون مع العسل ولمدة 6 - 7 أيام. وفي حال تعرض الشخص للصداع، يغلي مبشور البصل مع القرنفل المطحون والمعجون بزيت الزيتون، ثم يترك حتى يبرد ويدلك به مكان الصداع مع شر معلقة منه قبل النوم، وذلك حتى زوال الصداع. أما بالنسبة للسعال، فيطبخ البصل في ماء مغلي مذاب فيه سكر نبات حتى يتم عقده (أي يكون مثل العسل). تؤخذ ملعقة بعد كل وجبة طعام، وللأطفال ملعقة صغيرة ثلاث مرات يوميا (بعد تعبئته في قارورة).

هذا وقد أشار البعض إلى أن للبصل دورا في معالجة السرطان، وذلك عن طريق أخذ قشرة البصل بعد تجفيفها جيدا في الشمس، ثم تطحن القشور المأخوذة المجففة مع قدرها وزنا من لحاء البلوط، ويتم العجن مع العسل. تؤخذ ملعقة من ذلك بعد كل وجبة طعام مذابة في عصير جزر يوميا لمدة شهر متوال. وبعد ذلك يستنشق بخار البصل قبل النوم لنفس المدة. أما إذا كانت هناك إصابة بالدوالي فينصح بوضع لبخة بصل مبشور مع قدرها من نبات السمفوطن (وهو نبات يكثر على ضفاف الترع والأنهار)، بعد فرمها ويضمد عليهما معا بعد خلطهما من المساء إلى الصباح يوميا لمدة أسبوع، وفي ذلك غاية الفائدة.

هذا ويستخدم البصل لمعالجة تورم الأصابع في الشتاء، وذلك عن طريق وضع لبخة البصل المسخن على اليد أو القدم المصابة مساء قبل النوم وحتى الصباح، ثم تنزع وتغسل اليد أو القدم وتدهن بزيت الزيتون مع التدليك.

وفي حالة الأكزيما، يؤخذ عصير بصل ومثله معه من الزعتر البري، ويصنع كريم من ذلك ويدهن به بعد مسح الأكزيما بمحلول خل مخفف جدا، يكرر ذلك يوميا مع الحمية من مثيرات الحساسية والإكثار من أكل الفواكه والخضار الطازج وخميرة الخبز والعسل.

ولمعالجة أمراض الكلى والحصى، تؤخذ بصلة دون أن تقشر ويحش (ويغمد) فيها طحين نوى البلح بعد تحميصه كالبن وتسوى بذلك، ثم تؤكل مرة واحدة يومياً لمدة أسبوع. إن ذلك يقضي على الالتهابات الكلوية ويطرد الحصى والأملاح.

أما بالنسبة للبول السكري، فتؤكل بصلة يوميا، حيث إنها تخفض السكر. ويساعد في ذلك أكل جذر من نبات الكرنب، فهو يقضي على هذا المرض بإذن الله.

أما بالنسبة للمصابين بالشقيقة، فيؤخذ كوب عصير بصل توضع فيه عشبة السرخس المذكر بلا غسل حتى تتشبع، ثم توضع في قطعة من الشاش، وتوضع بعد التصفية على الشقيقة لمدة خمس دقائق، ثم تحفظ في الثلاجة ويكرر ذلك حتى زوال الشقيقة.

ولأمراض العيون أيضا يستعمل البصل، وذلك بمزج قدرين متساويين من عصير البصل والعسل، حيث يقطر ذلك في العين صاحبا ومساء. ويفيد ذلك في معالجة الماء الأبيض في العين، وذلك مجرب وفعال. ويوصف البصل أيضا في حالات الإمساك والمغص الكلوي، وذلك ببشر بصلة في لبن ثم يشرب، فإن ذلك يفك الإمساك بلا إسهال، ويضبط حركة المعدة من أول مرة. أما بالنسبة للمغص الكلوي، فيجب أن تشرب ملعقة بصل وملعقة خل ممزوجين، حيث ينتهي المغص خلال دقائق.

هذا ويجب أن نشير إلى أن آخر ما اكتشف من قبل العلماء من فوائد البصل، أنه يساعد على تهدئة نوبات الربو. فقد اكتشف العلماء في ألمانيا الغربية أن عصارة البصل تهدئ نوبات الربو. وقد أعلن الباحث الألماني (توماس باير) وزملائه عن وجود مواد كيميائية محيرة سموها بالمركبات الثيوسلفيناتية، وهي مركبات لها رابط كبريت - كبريت في الجزيء وذرة أو كسجين واحدة متصلة به. أما المجموعة العضوية المرتبطة بكل ذرة كبريت فهي أما ان تكون بروبيل أو بروبينيل. وهو ما يشير إلى أن هذه تنبع أيضا من حمض البروبينسلفنيك.

وأظهرت الاختبارات التي أجريت على فئران التجارب أن نوبات الربو عندها تتوقف عند أخذ هذه الأجزاء من عصارة البصل عبر الفم. ولقد صنع العلماء ثيوسلفينات أخرى في المختبر لها مجموعة عضوية أبسط ترتبط بذرتي الكبريت فجأت مماثلة في فاعليتها في وقف نوبات الربو. وهو ما يوحي بأن الموقع الناشط في كل هذه المركبات هو: S )O( - S في الجزيء.

هذا ويمكن أن يستعمل مزيج العسل وعصير البصل عن طريق شرب فنجان صباحا وآخر مساء، ويستمر ذلك عدة أشهر، وهو علاج مفيد للغاية ومجرب. هذا بالإضافة إلى أمراض أخرى عديدة يمكن أن يعالجها نبات البصل ومنها: الزكام، الإنفلونزا، الذبحة الصدرية، سوء الهضم، طرد الديدان، أمراض الأذن، تساقط الشعر، الدوخة، هبوط ضغط الدم، القوة والنشاط وغيرها.

وهكذا فقد تبينت لنا فوائد هذا النبات الذي سمي بالكرة الذهبية لما فيه من منافع وافرة. وسبحان الله المنعم وحده على عباده. والحمد لله.

 

بشار جعفر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات