"أميستاد" السفينة المجهولة في تاريخ العبودية

"أميستاد" السفينة المجهولة في تاريخ العبودية

بخروج فيلم ستيفن سبيلبرج الجديد (أميستاد) إلى العروض العالمية, يفتح المخرج المعروف بعض صفحات التاريخ غير المعروف. موضوعه هذه المرة الرق وأبطاله إفريقيون وبيض.

لكنه فيلم يمشي على خطوات (لائحة شـيـنـدلر), لا من حيث إنه دراما من تاريخ الإنسانية في المقام الأول, بل من حيث تطويعه لأحداث التاريخ.

عندما أطلق ستيفن سبيلبرج فيلم (لائحة شيندلر) في العام 1994, اختلف البعض حول تقديرهم لهذا العمل الذي يبحث في تاريخ (الهولوكست) بناء على ما ورد في كتاب وضعه توماس كينيلي. معظم النقاد وأبناء الوسط السينمائي والإعلامي وقفوا مع الفيلم من دون تردد. جيفري كاتزنبيرج, الذي كان رئيس الإنتاج في شركة والت ديزني والآن أصبح شريك ستيفن سبيلبرج في الاستديو الجديد الذي أسساه وديفيد جيفن باسم (دريمووركس), قال حينها:(هذا الفيلم سيؤثر في كيف سيفكر وسيتصرف الناس على هذا الكوكب. في وقت معين سيذكرنا هذا الفيلم بالجانب المظلم وسوف يفعل ذلك بطريقة الانقضاض كلما ارتفع رأس ذلك الوحش الأخضر الصغير. لا أريد أن أحمل الفيلم الكثير, لكني أعتقد أنه سيجلب السلام على الأرض والإرادة الطيبة للإنسان. وسوف يتبناه الصالحون لكي يجعلوه قدوة لمسيرة الشئون العالمية).

ولم يكن الجميع على قدر حماس كاتزنبيرج الذي لا يريد تحميل الفيلم أكثر مما يستطيع انما ذلك لا يمنعه من المضي ليبشر به بني الأرض بسلام دائم وليعتبر رسالته قدوة لإدارة شئون العالم. فالمنتقدون, وهم القلة بالمقارنة, كانوا على نوعين: نوع لم تبهره الهالة الإعلامية ووجدوا في الفيلم ما يكفي من الثغرات التاريخية والفنية على حد سواء, وهؤلاء كانوا بدورهم قلة القلة, ونوع كان يطلب المزيد من أمارات الأسى والتذكير بالفواجع وعلى نحو اعتاد عليه في أفلام سابقة.

أحد هؤلاء ناقدة في صحيفة (لوموند) الفرنسية اسمها دانييل ميـمان التي كتبت تشكو:(نرى دخانا لكنه ليس دخان محرقة, بل دخان قطار. نرى نفاثات معلقة (Showers) لكنها لن تبث الغاز بل الماء. كل الجثث التي نراها لا نعرفها, وكل الذين نعرفهم ينقذون. وهذا ليس النحو الذي يمضي عليه التاريخ).

(أميستاد), الفيلم الجديد لستيفن سبيلبرج وأحد ثلاثة أعمال قام بإخراجها تباعا منذ (لائحة شيندلر) (هي "جيروسيك بارك ـ 2: العالم المفقود" و"أميستاد" وقريبا (إنقاذ الجندي رايان) هو من ذلك النوع التاريخي الذي يسبر المخرج المعروف غوره كلما أراد أن يرتاح من الافلام الترفيهية الكبيرة (والأكثر درا للمال) التي يحققها. قبل (لائحة شيندلر) كانت له محاولتان في هذا الخصوص.

في العام 1985 قدم (اللون الأرجواني The Colour Purple عن رواية لأليس وولكر وبعده بعامين قدم (امبراطورية الشمس) The Impire of the sun عن رواية لجي ج. بولارد. كلاهما ابتعد عن نطاق سلسلة أفلام سبيلبرج الترفيهية التي كانت قد شقت طريقها بنجاح كبير منذ منتصف السبعينيات بفيلم (الفك) Jaws

ويطالعنا (اللون الأرجواني) بما يمكن اعتباره دفتر مسودة للفيلم الحالي (أميستاد) من حيث تعامل سبيلبرج مع دراما تقع في مجتمع الأفرو ـ امريكيين. فأحداث ذلك الفيلم, الذي رشح إلى إحدى عشرة جائزة أوسكار لكنه لم ينل أيا منها, تدور حول حياة عائلة سوداء تعايش وضعها الداخلي ومحيطها الاجتماعي وقسوتهما في النصف الأول من هذا القرن.

ومهما يكن من أمر الغاية التي توخاها سبيلبرج من تحقيق فيلم يخلو من (الأكشن) وينتقل به للحديث عن فئة من الناس أبعد بكثير من اهتمامه المباشر كما أبداه حتى ذلك الحين, فإن النقد الأمريكي لم يرحب عموما بتلك الخطوة واعتبرها خاوية من الشعور الحقيقي. وفي الحقيقة فإن (اللون الأرجواني) من تلك الأعمال التي لا تروي عطش الباحث عن القيمة الدرامية والإنسانية, بل تذكر دوما بكم كان من الأجدى والأصدق لو أن مخرجا أسود (لنقل غوردون باركس او سبايك لي) هو من أتيحت له عملية تحقيق هذا الفيلم.

إعادة صنع من فراغ

(امبراطورية الشمس) بالمناسبة لم يكن على مثل هذا الهوان. سبيلبرج تعامل بصورة أفضل مع قصة الصبي الذي يخسر اهله في الوقت الذي يحتل فيه اليابانيون مدينة شانغهاي الصينية خلال الحرب العالمية الثانية. انه أفضل أفلام سبيلبرج إلى اليوم من حيث إنه أيضا الفيلم الوحيد بين تلك (الجادة) التي لم يبد أن المخرج فيها أخفق في معالجة المشاعر الإنسانية على نحو مجرد من الغايات التجارية.

وثمة محاولة ثالثة له في هذا المجال سبقت (لائحة شيندلر) و(أميستاد) لابد من التعرض اليها في هذا التمهيد هي (دائما) Always (1989). هذا الفيلم العاطفي هو الوحيد الذي اقتبسه سبيلبرج من فيلم آخر هو (رجل يدعى جو) A Guy Named Joe حول روح طيار تعود إلى المطار الذي كان يعمل فيه لتشجيع صديقه على الوقوع في حب المرأة التي تركها وحيدة بموته.

لكن إذا لم تكن نسخة العام 1943, التي أخرجها فكتور فليمنغ (ذهب مع الريح) قد حققت غايتها بنجاح ولم تثمر إلا عن فيلم عاطفي غير مثير, فإن نسخة سبيلبرج كانت شبيهة بهذه النتيجة وغير متعمقة. والمشاعر العاطفية التي تبدو رهينة بالمحاولات الدؤوب لسبـيلبرج, وهي محاولات لا يخـلو منها (أميستاد) كما سـنرى (ولم يخل منها ايضا (لائحة شيندلر)), توظيفها لتحقيق غاية إثارية على حساب العمق المتوخى من مواقفها المختلفة.

(أميستاد) يأتي من هذا الصلب. قصة جرت أحداثها الواقعية في العام 1839 وطوتها الأيام بحيث ندر أن يُشار إليها حتى ضمن تاريخ الحياة السياسية والاجتماعية للأفرو ـ أمريكيين.

هناك كتب عن الموضوع بلاريب.

باربرا تشايس ـ ريبو وضعت في العام 1989 كتابا بعنوان (صدى الأسود) وهي تعتقد بقوة أن فيلم سبيلبرج الجديد هذا مقتبس عن روايتها تلك. اعتقاد راسخ دفعها في الحقيقة إلى رفع دعوى قضائية ضد المخرج/ المنتج سبيلبرج والمنتجة ديبي آلين وضد كاتب السيناريو ديفيد فرانزوني بتهمة اقتباس عملها من دون إذن (سأعود إلى هذه الن قطة لاحقا).

وهناك كتابان سابقان هما (أوديسا سوداء) (لماري كايبل ـ 1971) و(تمرد على متن أميستاد) (هوارد جونز ـ 1987), والكتب الثلاثة نفدت من الطبع منذ سنوات.

(أميستاد) الفيلم حالة غير نادرة بالنسبة للنحو الذي يعالج فيه ستيفن سبيلبرج أعماله (غير التجاربة). انه يبحث عن السبل في جعلها أكثر استقطابا للجمهور الغفير على أي حال.

الخطأ ليس هنا, بل إنه في خلال ذلك نجـده يضحي بالمادة في نواحيها الإنسانية والاجتماعية المتعمقة, لمصلحة سهولة ولوج ما تطرحه والخروج منه.

وقائع الفيلم

المشهد الأول في فيلم (أميستاد) هو لمحاولة العبيد السود الذي كانوا على متن السفينة تحرير أنفسهم من تلك القيود التي تكبلهم في الجزء السفلي من تلك السفينة الإسبانية.

وكانت السفينة قد ابتاعت هؤلاء العبيد (53 منهم تحديدا) من إفريقيا بعدما خطفوا من قراهم فيما يعرف اليوم بـ (سيراليون) لتنقلهم إلى كوبا. لكن العبيد, بقيادة سينك (جيمون هونسو) يستولون على السفينة وهي في عرض البحر ويقتلون كل بحارتها الإسبان والبرتغاليين باستثناء ملاحين اثنين. المتمردون يطلبون منهما إعادتهما إلى إفريقيا, لكن البحارين إذ يتظاهران بذلك نهارا, كانا ينحرفان ليلا حتى دخلت السفينة المياه الاقليمية الامريكية لولاية (لونغ ايلاند).

يُلقى القبض عليهم ويقدمون إلى المحاكمة على أساس أنهم اتباع إسبانيون تمردوا على متن سفينة إسبانية وارتكبوا جرائم قتل عليها. لكن الموضوع يثير أمريكيا أسود (تحرر من الرق سابقا) اسمه ثيودور جودسون (يؤديه مورغان فريمان) الذي يجد وشريكه الأبيض تابان (ستيلان سكارغارد) الموضوع حافزا على ممارسة دعوتهما محاربة الرق فيختاران محاميا شابا لا خبرة له في هذا المجال اسمه بولدوين (ماثيو ماكوهوني) للمرافعة عن السود الذين كانوا ىُقادون إلى المحكمة مكبلين بالأصفاد والسلاسل.

ربح المحامي القضية في المحكمة الأولى, لكن رئيس الجمهورية آنذاك مارتن فان بورين (نايجل هوثورن) أمر باستبدال القاضي واعادة المحاكمة مذعنا بذلك إلى طلب سياسيي الجنوب الأمريكي الذين كانوا يهددون باستغلال القضية صوب اعلان الانفصال عن الاتحاد الفيدرالي الأمريكي.

نتيجة حكم المحكمة الثانية لم تختلف عن الأولى في نهاية مطافها, مما دفع الرئيس الخائف على مصالحه الانتخابية إلى تحويل القضية إلى المحكمة العليا. هنا يتدخل الرئيس السابق جون كوينسي آدامز (أنطوني هوبكنز) الذي كان محاميا متقاعدا ويقرر مساعدة المحامي الشاب في قضيته بعد أن وصلت إلى مرحلتها الحاسمة. وينتهي الفيلم بنجاحه وعودة سانغ ومعظم رفاقه على متن سفينة أمريكية إلى شرقي إفريقيا.

جانح كالسفينة

هذه هي القصة كما يرويها الفيلم.

إنها تحتوي على مقدمة تروي ـ بمشاهد عنيفة ـ ما حدث على متن السفينة.

ثم ثلاثة فصول لثلاث محاكمات متوالية تتخللها مشاهد بين المرافعات تتيح للمشاهد معرفة ما الذي كان يحدث خارج المحكمة من مواقف بين الأطراف الأمريكية.

قليلة هي المشاهد المخصصة للحديث عما كان يحدث من مواقف مع وبين وفي داخل الأنفس البشرية المعتقلة.

عمليا, باستثناء الفصل الأخير حيث تقع المحكمة الثالثة والتي يحسن سبيلبرج توظيفها لناحية ما تمثله من حسم مطلق للقضية (اما بفوز الدفاع او بفوز المدعين), فإن الفيلم مباشرة من بعد فصل البداية, يمر في حالة هبوط وفتور. صحيح أن الموضوع الذي يطرحه مهم (وأكثر أهمية مما ورد في "اللون الأرجواني") لكن الصحيح كذلك أنه دراميا غير مثير.

ما كان على سبيلبرج وكاتبه أن يعمدا اليه هو خلق مناسبات أكثر تستطيع فيها الشخصيات السوداء ـ سينك من ناحية وثيودور جودسون من ناحية أخرى ـ الحديث عما يخالجها من مشاعر.

طبعا نرى (مشاعر) هؤلاء مترجمة إلى صراخ سينك في المحكمة مطالبا بحريته, ونراها في مشهد يذكر ثيودور بتاريخه, لكن لا وجود لحدة حقيقية لتلك المشاعر. ثيودور يبدو كما لو أن المجتمع من حوله تقبله على ما هو عليه وانتهى الأمر. سينك لا وجود له إلا من خلال ترجمة حضوره الجسدي إلى ثورة وجموح مذكرا إيانا بما قاله ناقد مرة وهو أن السينما الأمريكية في الخمسين سنة الأولى من القرن على الأقل تعاملت مع الرجل الأسود إما على أنه (حصان فحل) أو (شخص ممحو الإرادة وضعيف الشخصية تماما يثير الضحك حتى يأمن عاقبة الآخرين ويتودد إليهم).

حسب هذا التصنيف فإن سينك, كما أداه هونسو, حصان فحل. وكاميرا سبيلبرج ليس لديها وقت لسبر غور شخصيته على نحو حقيقي وفعال. انه صاحب قضية حقة, بلا ريب, لكنه حالة أكثر منه شخصية. وضع وليس موقفا. وحتى إذا ما كانت تلك المشاهد القليلة التي يلتقي فيها المحامي بولدوين والرئيس أدامز مع سينك تقصد تقديمه على الأساس المطلوب, فإنها تخفق في ذلك لأن سبيلبرج يتعامل مع كل ما يدور من دون لبنة ثقافية وبلا عمق إنساني واقعي.

هناك أكثر من مشهد دال على هذا الرأي, أكثرها نموذجية ذلك المشهد الذي نرى فيه المحاميين يجلسان معا لفحص وترتيب ملف الدعوى, بينما يبعث اليهما سينك باسئلة قانونية بخصوص وضعه. الغاية هي تصوير حقيقة أن مرافعة الرئيس استندت إلى أقوال أدلى بها سينك إليه (وهذا يظهر في المشهد الأخير للمرافعة الثالثة عندما يعلن الرئيس انه لم يأت بما لم يصدر عن سينك نفسه), لكن معالجة سبيلبرج ذات رنة كوميدية تظهر تكرار وصول المرسال باسئلة سينك الذي يبدو وقد تعلم القانون من فرط ما قضاه في السجن من فترة زمنية.

وهناك شخصية المحامي الشاب بولدوين في ثاني دور للممثل الشباب ماكوهوني كمحام (من بعد دوره في "وقت للقتل") فهي هشة وسريعة العطب. على هذا الصعيد من المثير جدا ملاحظة الكيفية التي كُتبت فيها الشخصية وقُدمت. بولدوين, في الفيلم, شاب بحاجة إلى الخبرة يندفع للعب دور المحامي لحاجته إلى العمل. لاحقا يؤمن بما يقوم به. هذا كله جيد, وتقليدي بالنسبة للنحو الذي تكتب فيه معظم الشخصيات الامريكية حيث إن القناعة لا تولد قبل الفيلم بل خلاله. لكن حتى على هذا المستوى فإننا نشاهد محاميا اثارته القضية وليس رجلا لديه حد من الصراع في داخله (كما كان الوضع عليه في فيلمه الأول "وقت للقتل").

كان من الأقوى تقديم شخصية محام لديه قناعة مسبقة مع مساحة من الفراغ تستغل في تصوير مواجهة بينه وبين القوى المعادية له سواء خلال المرافعات أو خارجها. المجتمع الأمريكي غائب تماما عما يحدث, باستثناء تصويره وجوه بعض الناس في المحاكمة أو خارج القاعة. وهناك مشهد صغير واحد فقط نرى فيه ما يعبر وينبئ عن معارضة ما للمحامي بولدوين هو عندما يضرب مجهولا على رأسه ويهرب حال خروجه من المحكمة. المشهد من السرعة والتهميش بحيث يكاد أن يُنسى تماما (في الواقع تذكرته بعد نهاية المقال وكان علي أن أعيد كتابة جزء منه لكي أحضره).

ولسبب غير مفهوم فإن سبيلبرج يقدم الممثل ماثيو ماكوهوني بصورة شبيهة بصورة الممثل رتشارد دريفوس الذي مثل تحت ادارة سبيلبرج في ثلاثة أفلام هي (الفك) و(لقاءات قريبة من النوع الثالث) و(دائما).

حدث أو لم يحدث

أما بالنسبة لشخصية ثيودور فإن طرحها هنا للتحليل يتعلق بحقيقة أنها لم تكن أصلا موجودة في التاريخ. لم يكن هناك تيودور جودسون مطلقا. اذن ما السبب في أن الفيلم يبتدعها?

دراميا, وجودها أفضل من عدمه, فالمقصود بها هو أن تمثل عنصر التوازن فلا يبدو الفيلم عن مجموعة من البيض أنقذت حياة السود وهو ما يبدو الفيلم عليه بالرغم من وجود تلك الشخصية بسبب عدم وجود فعل حقيقي يستطيع ثيودور القيام به. ولولا أن مورغان فريمان يجد مساحة محدودة ليعكس الموهبة التمثيلية الكبيرة التي له لبقيت الشخصية أكثر هامشية مما هي عليه.

ومشهد المحاكمة الأخيرة, ذلك المشهد الذي يترافع فيه الممثل أنطوني هوبكنز (أحد ثلاثة ممثلين بريطانيين في الفيلم إلى جانب نايجل هوثورن وبيت بوستلوايت), جيد بوجود هوبكنز فيه وحسن توزيع اللقطات عليه. لكن محور مرافعته كان ما تعلمه من لقاءاته مع سينك وكيف مكنه ذاك من قوة المنطق أمام القضاة الذين جلسوا أمامه.

هذا ايضا جيد, باستثناء أنه في الواقع لم يلتق أدامز بسينك مطلقا.

لكن اذا كان هذا ما استطاع الكاتب كشفه من الحقيقة, فما الذي غاب عنه وعن مئات ألوف الناس من المشاهدين? إلى أي حد مزج سبيلبرج الحقيقة بالخيال ليخرج فيلما (مسليا)?

الجواب: إلى الحد الذي يؤدي الى التزوير في مقتضيات التاريخ.

فكّر في المشهد الذي يدور بين السياسي الجنوبي وبين رئيس الجمهورية فان بورن والذي يهدد فيه الأول بانفصال الجنوب وقيام حرب أهلية إذا ما سمح الرئيس للعبيد المحجوزين بالخروج أبرياء من المحاكمة.

في أكثر من مشهد من الفيلم (بينها مشهد المحاكمة الأخير) هناك الإيحاء بأن حادثة أميستاد كانت التمهيد للعصيان الجنوبي والتحذير بأنها السبب الرئيسي الذي أدى إلى الحرب الأهلية الأمريكية.

هذا في واقعه عنصر يراد به شحن الموضوع المختار بأهمية إضافية ولو مفبركة. فالحرب الأهلية انطلقت بعد 22 سنة ولم أجد في المراجع التاريخية ما يؤكد أن موضوع سفينة (أميستاد) وما نتج عنه من محاكمات ونتائجها كان إيذانا ودافعا او حافزا رئيسيا للحرب الأهلية. بل إن بعض المراجع لا يذكرها كمرجع, ناهيك عن ذكرها على الإطلاق.

هذا يكشف عن أن أسلوبه في تقديم مغامرات (انديانا جونز). بيع المشاهد ما يثيره ويحفزه حتى ولو لم يكن واقعيا. الادعاء بأن القضية فجرت الحرب الأهلية حتى ولو لم تفعل. اختلاق اللقاءات بين الرئيس أدامز وسينك حتى ولو لم تقع. تصوير ما يحدث على أنه وقائع تاريخية وإن كان مجرد شطحات خيالية.

طبعا من مقتضيات كتابة فيلم روائي عن حدث ما استخدام المخيلة وقت الحاجة. لكن هذه الحاجة يجب الا تطمس معالم التاريخ أو تزور فيه. وما يكشفه كل ذلك أن المخرج الذي لا يعرف كيف يستخرج الأهمية القصوى التي في طيات الموضوع يعمد إلى تزيين الحقيقة من أجل تحويل الفيلم إلى بريق ساطع واجهته الأصلية البريق وليس ما وراءه.

محاكمة سبيلبرج نفسه

في دعواها, تبين الكاتبة باربره تشايس ـ ريبو أنها تقدمت بسيناريو إلى سبيلبرج قبل نحو عشر سنوات ورفضه. لكنها اكتشفت لاحقا وجود نحو ثلاثين مشهدا مأخوذة بالكامل من قصتها, بالإضافة إلى شخصية مورجان فريمان (ثيودور جودسون), وبالإضافة إلى إيضاح أن اسم سينك الحقيقي هو (سنغبي) وهو ما لم يرد في المراجع والكتب الأخرى ما يعزز أن صاحبة المشروع الأصلي ديبي آلن وكاتب السيناريو فرانزوني عمدا إلى روايتها أو إلى السيناريو الذي كتبته وقدمته (ولم يُرجع لها) على الرغم من نفيهما لذلك.

حين كتابة هذا التحليل في أواخر الشهر الأول من العام, تجري محاكمة أخرى بطلها سبيلبرج اذ قام مؤلف اسمه هوارد كسلر برفع دعوى على المخرج سبيلبرج وشركة انتاجه وكاتب السيناريو مايكل كريتون مفادها أن هؤلاء سرقوا فيلم (تويستر) (الذي أنتجه سبيلبرج عن طريق شركته آمبلين) من رواية له بعنوان: (اقبض على الريح).

لا رأي لنا غير رأى المحكمة, لكن ألا يثير ذلك بعض الريبة على الأقل?

 

محمد رضا

 
  




لقطة من الفيلم





انطوني هوبكنز أفضل ما في أميستاد





المخرج/ المنتج ستيفن سبيلبرج مع مورغان فريمان اليمن وانطواني هوبكنز





المنتجة ديبي آلين





ماثيو ماكوهوني في أميستاد