"الضحك والآخر".. صورة العربي في الفكاهة الفرنسية

"الضحك والآخر".. صورة العربي في الفكاهة الفرنسية

المؤلف: حسن نرايس

تصدى بعض الكتاب والباحثين العرب من قبل لاستجلاء صورة الإنسان العربي عند الغرب. ولا يخفى أن هذا الموضوع الشائك- حينما يتم تناوله بشيء من التعميم- يبدو أشبه بتحصيل حاصل، إذ تقفز إلى الذهن مباشرة الميكانيزمات الفكرية الجاهزة التي يشتغل وفقها الذهن الغربي في هذا الصدد.

لذلك، لم يستطع أي من الكتاب والباحثين العرب الذين تناولوا الموضوع بالدراسة إخفاء تلك المرارة التي استشعروها جراء وقوفهم على التفاصيل الجارحة، بله المجحفة والمغلوطة شي كثير من الأحيان في تلك الصورة الجاهزة في الذهن الغربي عموما عن العرب، فدفعهم ذلك إلى عرض وتحليل- كل حسب منطقه وتوجهه- تلك الجوانب المكونة للصورة السلبية عن العرب عند الغرب.

هكذا وقفنا على مقالات متفرقة لكتاب عرب شي بعض الدوريات العربية والغربية، حاول أصحابها- كل حسب زاوية النظر التي لفتت انتباهه- دحض الجاهزية والإجحاف في الصورة العربية عند الغرب، ومنها تلك المقالات التي نشرتها مجلة "العربي" ذاتها على فترات متفرقة ومتباعدة تناول كتابتها بالأخص صورة العرب في الإعلام السمعي البصري بشقيه التلفزي والسينمائي "الأمريكي غالبا "، أو سلسلة مقالات لكتاب عرب في دوريات وصحف غربية مثل تلك المقالات التي دأب على كتابتها في فترة ما الكاتب المغربي الفرنكفوني "الطاهر بنجلون" في صحيفة "لومند" الفرنسية وبالأخص في السبعينيات عندما بدأت بوادر العنصرية في فرنسا تمس المهاجرين المغاربيين المقيمين في فرنسا.

والحق نقول إننا لم نعثر- في حدود اطلاعنا- على دراسة موثقة في شكل كتاب يزود المكتبة العربية بمادة نادرة وضرورية عن تفاصيل صورة العرب في الغرب، بالاعتماد على معطيات ميدانية مع إخضاعها للتحليل والمناقشة في ضوء ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي وإعلامي.

من هنا تأتي الأهمية النسبية لكتاب صادر أخيرا عن دار نشر "إفريقيا الشرق " بالدار البيضاء يحمل عنوان "الضحك والآخر" "صورة العربي في الفكاهة الفرنسية" للصحفي والباحث المغربي "حسن نرايس " المقيم في فرنسا.

يقع هذا الكتاب في نحو مائة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، تتصدره مقدمة لباحث وكاتب فرنسي يدعى "جان ديجو" له مؤلفات تتمحور شي مجملها حول دراسة الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، ومدخل وأبواب تتوزع عليها النكت والفكاهة حسب الأغراض التي قيلت فيها.

بالرغم من أن الهاجس المغاربي العربي في المخيلة الفرنسية هو الذي أملى على المؤلف بحثه، فإن ذلك لم يمنعه من توسيع استقرائه في العنصرين المذكورين، ليشمل صورة العربي من المحيط إلى الخليج في الفكاهة الفرنسية كما سنرى.

النظر إلى الذات

يورد مقدم الكتاب "جان ديجو" مقولة للروائي التونسي الفرنكفوني "مصطفى التليلي " قالها أثناء حوار صحفي أجري معه مؤداها: "النظرة إلى الذات محطمة هادمة " ليشرح "جان ديجو" دافع الفرنسيين النفسي في تبني صورة قد حية عن العرب حيث يقول: "نحن لا نحب النظر إلى أنفسنا وجهاً لوجه لأننا نرى حينها عيوبنا وأخطاءنا ودناءاتنا التي تخنفيها المظاهرة عادة عن الآخر الذي ينظر إلينا، إلا أننا غالبا ما نرمي بنظرتنا إلى الآخر بدل النظر إلى أنفسنا مباشرة..".

فكيف ينظر الفرنسيون يا ترى إلى العربي؟
قال الروائي الفرنسي المعروف "ستاندال " في سنة 1822:
"أتمنى لو كنت عربيا في القرن الخامس على أن أكون فرنسيا في القرن التاسع عشر".. "إنه موقف لمصلحة العربي لكن في القرن الخامس"! كما يلاحظ مقدم الكتاب "جان ديجو".

أما الفكاهي الفرنسي الراحل "كولوش" فقال منذ بضع سنوات: "أضحك.. أضحك لأن قداسة البابا يزور الدول العربية، وسأضحك أكثر إن سرقوا دراجته النارية"!.

إن أول عناصر صورة العربي عند الفرنسيين يرتبط بالسرقة، هذا ما اكتشفه مؤلف الكتاب من خلال ما تجمع لديه من نكات وسكيتشات "هزليات ".. نكات شائعة وفكاهيات ينسجها الفكاهيون عن العربي.. العربي المهاجر المقيم والعامل بفرنسا تحديداً وهو في الأغلب الأعم مغاربي أي من بلدان المغرب العربي.

ويحذر المؤلف قارئه قبل عرض ما جمعه من نكت وهزليات بالقول: "إذا كنت عزيزي القارئ تصاب بصداع الرأس وأنت تقرأ أشياء سلبية عن صورة العربي، وإذا كان التهكم على هاته الصورة يحز في نفسك ويغضبك، وإذا كنت لا ترضى برؤية العربي في وضعية دونية، وأخيراً إذا كنت من أولئك الذين يشمئزون إذا ما تفوه الفرنسيون بكلمة عربي.. أنصحك، بل أتوسل إليك ألا تقرأ هذا الكتاب ".

وهو تحذير مبرر بالنظر إلى التهكم الداكن والسخرية اللاذعة والتعريض الجارح مما تكشف عنه النكت والهزليات التي تيسر للمؤلف جمعها من التداول المجتمعي والفني "!". في فرنسا.

أنواع النكات

قسم الباحث "حسن نرايس" النكت والهزليات إلى خمسة أنواع حسب تصنيفات تعيينية على الشكل الآتي.

أولا: السرقة، لأن صورة العربي مقترنة بدءا باللصوصية كما سلف. ثانيا: العاطل المتبطل، الذي لا يجد شغلا لأنه عربي، ثالثا: التلميذ العربي "الكسول " الذي لا يجتهد في دراسته. ورابعا: العربي الثري الذي تتعدد زوجاته ويبدد أمواله. وخامسا: المرأة العربية المغلوبة على أمرها.

يستنتج الباحث "حسن نرايس" بسرعة أن: "صورة العربي في الفكاهة الفرنسية هي صورة العربي في المخيلة الفرنسية" مرتكزا على السؤال التبريري التالي: "أليست الفكاهة مرآة للمجتمع الذي تظهر فيه وتتطور داخله وتتداول- بضم التاء الأولى- بين أفراده؟".

ثم يعفي- أي الباحث- نفسه من البحث الموازي في الأسباب غير الموضوعية التي رفدت الصورة العربية في المخيلة الفرنسية.. الأسباب التي نجدها كامنة في معطيات تاريخية وسياسية واقتصادية وإعلامية.. التي هي بمنزلة الأرضية، حيث استقامت العلاقة الناشزة بين الفرنسيين والعرب، وبدلا من ذلك نجد الباحث "حسن نرايس " يعفي نفسه من تقليب هذه الأسباب بين وجهات النظر المتعددة للطرفين- أي الفرنسيين والعرب- ويحيل الظاهرة إلى تخصصات بعيدة شيئا ما عن الموضوع، حيث يقول في الصفحة 32 من كتابه: ".. وكيفما كان الحال فإننا لا نعتبر هذا العمل تحليلا سوسيولوجيا أو بسيكوسوسيولوجيا "!" بل سنترك هذا وذاك للراسخين في علم الاجتماع وعلم النفس- إن وجدوا- ونكتفي بأن نقدم للقارئ شهادة محصورة في المكان، ونتمنى أن تكون كذلك في الزمان فهيا بنا"!.

هكذا يستريح "الباحث " بسرعة من عناء مناقشة جوانب موضوعه بأناة وترو ويسرع رأسا في ترجمة النكت والهزليات التي تجلد العربي " القارئ " بملامح من صورته السلبية في الفكاهة الفرنسية.

ونحن وإن كنا لا ننفي الأهمية التوثيقية "النسبية" المحايثة لتلك المادة الشعبية المتداولة في الحكي الفرنسي اليومي عن صورة العربي في فرنسا، فضلا عن إحالاتها المضمونية، فإن ذلك لا يغنينا عن حفريات معرفية موازية مفتقدة في الكتاب الذي بين أيدينا من شأنها أن تضع هذا الحكي اليومى فى سياقاته التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، حتى تكتمل عناصر البحث وتتوضح مستغلقاته.

نسجل إذن هذا القصور أو النقص في الكتاب، ونستجيب لدعوة مؤلفه في قراءة الجلد المعنوي الذي تكيله لنا الفكاهة الفرنسية عبر نكاتها وهزلياتها.. ولنبدأ "بالعربي اللص":

"إن أول ما نتذكره بهذا الصدد هو زيارتنا- يقول المؤلف لمسرح مقهى المحطة لمشاهدة الفكاهي الساخر إسماعين "من أصل جزائري " كانت القاعة مملوءة عن آخرها عندما خاطب الكوميدي جميع الحاضرين:

- هل يوجد في القاعة فرنسيون؟

- نعم

- وهل يوجد عرب داخل القاعة؟

- نعم

- فليرفع الفرنسيون أياديهم اليمنى! حسنا.. وليرفع الفرنسيون أياديهم اليسرى!.. هيا يا عرب فتشوا الجيوب!.

ملأ الضحك جنبات المسرح مختلطا بتصفيقات أوقفها- إسماعين- قائلا: إنني أمزح أليس كذلك يا محمد؟ إننا نمزح! أرجع حافظة النقود يا محمد! كم يوجد بداخلها؟ "!

أما إحدى النكت فتقول:

- سؤال: كيف نسمى عربيا راكبا على دراجة نارية؟

- جواب: سارق!

- سؤال: وكيف نسمي لصا هاربا على دراجة نارية؟

- جواب: لص!

وتقول أخرى:

سأل محمد رشيدا داخل السجن:

- ما الذي فعلت حتى أتوا بك إلى هنا؟

- وجدت حافظة للنقود..

- عنصريون، أرموك في السجن لأنك وجدت حافظة للنقود؟

- نعم لكن العجوز لم تضيعها!

وأخرى:

"عاد محمد إلى مدينة "نيس" بعدما قضى بضعة أيام في باريس، سأله أصدقاؤه عما أعجبه في العاصمة فقال:

- المترو في أوقات الازدحام"!

وتذهب نكتة أخرى أبعد مما سبق، حيث تعمم السرقة على النحو التالي:

"على متن الطائرة سأل فرنسي المضيفة:

- من فضلك يا مدام ألسنا بممدد التحليق فوق دولة عربية؟

- نعم ولماذا هذا السؤال؟

- لا غرابة إذن فقد سرقوا ساعتي" (!).

إنه غيض من فيض عن "العربي اللص" فماذا عن العربي العاطل؟

"دخل عربي عاطل إلى المكتب الوطني الفرنسي للشغل وخاطب الموظفة: من فضلك يا مدام، أبحث عن عمل فهل لديكم شغل لي؟

- بالطبع- أجابت الموظفة- سنجد لك قريبا عملا مناسبا حيث ستتقاضى أجرة مرتفعة وسنجد لك حتى السكن بالقرب من مكان عملك!

- هل تتهكمين علي يا مدأم؟

- نعم لأنك أنت الذي بدأت بالتهكم مني "!.

وهي تورية واضحة بالعربي " المتبطل الكسول " الذي لا يكلف نفسه عناء البحث عن عمل بل "يطمع "دائما في العيش على الإعانات الاجتماعية!.

أو "إنها المهزلة إذن أن يبحث العربي عن شغل، وإنه التهكم والاستفزاز إذا طالب بحقه شي العمل " كما يعلق المؤلف "حسن نرايس".

لنقرأ نكتة فرنسية أخرى عن "العربي العاطل ":

"دخل محمد إلى المكتب الوطني للشغل، وتوجه نحو الموظفة قائلا: أبحث عن شغل من فضلك يا مدام، لدي تسعة أطفال فقاطعته الموظفة: وهل تعرف القيام بشيء آخر غير هذا؟ ".

أما عن "العربي الثري" فتشيع بين الفرنسيين النكتة التالية، وقد ذاعت على لسان الفكاهي الفرنسي "كولوش".

"رأيت واحداً مننهم "أي الثري العربي " يدخل إلى أحد الفنادق بمدينة كان، رأيته حين أصيب في يده وهو يفتح الباب.. وعندها صاح شي وجه مرافقه:

- هيا بسرعة. اشتر لي مستشفى"!.

... والمرأة العربية

أما عن المرأة العربية وهي تحديدا المرأة المغاربية التي تعيش إلى جانب زوجها في حي عمالي بإحدى ضواحي المدن الفرنسية الكبيرة مثل باريس ونيس وبورده عن مثل هذه المرأة تشيع نكات من قبيل هذه.

"قدمت فاطمة نصائح لابنتها المقدمة على الزواج، فكان من بين ما قالت لها: اسمعي يا ابنتي يجب عليك ألا تنسي هذه النصيحة التي ستفيدك في حياتك: لا تتناقشي إبك! "
ونكتة أخرى:

"رمى محمد بقايا السجائر في سلة قمامة صائحا في وجه زوجته: أنا الذي يقوم بكل شيء في هذا البيت! ".

وأخرى:

"عم تتحدث امرأتان عربيتان في بهو عمارة من عمارات الضواحي؟

- عن الجارة! "

ولم تعف النكات والهزليات في الفكاهة الفرنسية حتى أبناء المهاجرين العرب، حيث خصتهم بقسط من السخرية الداكنة والتعريض الجارح من قبيل.

"قالت معلمة لتلاميذها: أريد أن يعطيني كل واحد منكم مثالا توجد فيه عبارة "دون شك ".

- أندري: دخل أبي إلى البيت ضاحكا، دون شك ربح في تجارته.

- ميشال: أخذ أبي بندقيته ونادى الكلب، سيذهب دون شك إلى الصيد.

- محمد: استيقظ أخي الأكبر مبكراً هذا الصباح سيذهب دون شك إلى المكتب الوطني للشغل".

وفي ذلك تعريض جارح بمشكل البطالة التي يعاني منها المغاربيون وأبناؤهم في الديار الفرنسية..

وإليك نكتة أخرى:

"قال محمد لمعلمته: ليس هناك قلم، فقالت له: من الأفضل أن تقول: ليس لدي قلم، ليس لديها قلم إلى آخره.. فقاطعها محمد قائلا: أين إذن كل تلك الأقلام؟ أقسم أنني لم أسرقها!".

هكذا تمس الفكاهة الفرنسية حتى سلالة العربي المهاجر..

لا يسع المجال لعرض كل النكت والهزليات في الفكاهة الفرنسية على صورة العربي والتي تضمنتها كتاب "الضحك والآخر" للباحث "حسن نرايس".. غير أننا نعود فنؤكد ضرورة الحيز الاستهلالي لمناقشة وتحليل المعطيات التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أفرزت المؤشرات الساخرة التي عرضها المؤلف مكتفيا بمناقشتها عرضيا.

والحال أن الخلفية الجامعة للتاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، من شأنها لو اعتمدت كأرضية لمبحث الكتاب، أن تلقي أضواء تفسيرية وتعليلية للصورة السلبية عن العربي المضمنة في الفكاهة الفرنسية.

يقدم التاريخ الاستعماري الفرنسي في الدول العربية الكثير من الشواهد على العلاقة الصراعية والعدائية، التي استحكمت بين الطرفين لا سيما في المغرب العربي، حيث اضطرت الجزائر- مثلا- إلى تقديم مليون شهيد إبان ثورتها الشهيرة من أجل الاستقلال.

إن الشروط إياها كانت أساسا لما تلاها في بداية منتصف القرن العشرين، حين بدأت الهجرات المكثفة من بلدان المغرب العربي وباقي البلاد الإفريقية بتشجيع من الدوائر السياسية الفرنسية وأرباب المشاريع الاقتصادية، لحاجة بلادهم إلى الكوادر العمالية القابلة للتأهيل لإعادة بناء الاقتصاد الفرنسي وبالأخص بنياته التحتية التي تتطلب الأيدي العاملة بكثافة، وبذلك كانت الأعباء مزدوجة: إعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية والاستجابة للطموحات الاقتصادية الجديدة.

ثمة مراحل- إجمالا- كان حريا التوقف عندها، ومساءلة حقائقها لأهميتها في مبحث ميداني، كالذي اضطلع به الباحث "حسن نراس" لمنح الأساسي المنهجي لكتابه، وليفهم القارئ- على الأقل- المفارقة الكبيرة بين فتح فرنسا أحضانها للمهاجرين المغاربيين والأفارقة عموما في سنوات الخمسينيات والستينيات، واستقبالها لهم بشتى تسهيلات الإقامة والعمل والاندماج، وبين المد العنصري الحالي الذي خرج كالمارد من قمقمه في منتصف سنوات السبعينيات، ويشهد حاليا تناميا مقلقا، من مؤشراته تنامي القوة السياسية لحزب "الجبهة الوطنية" الذي يتزعمه العنصري "جان ماري لوبين " إلى حد الحصول على نسبة 15 في المائة من أصوات الفرنسيين في الانتخابات التشريعية الأخيرة.. وتضخم اتهام العرب بالمسئولية عن المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية في أذهان الفرنسيين، بتغذية من ادعاءات سياسية واعلامية مغرضة.

 

 

مصطفى حيران

 
  




غلاف الكتاب