إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

إدمان "التيتانيك"

هل يمكن أن يقال شيء آخر عن فيلم "التيتانيك" بعد كل قيل ؟ لقد تحول من مجرد فيلم إلى ظاهرة. أو حمى عالمية . وأصبح هناك ما يمكن أن نطلق عليهم " مدمنى التيتانيك" هؤلاء الذين شاهدوا الفيلم أكثر من خمس مرات مصطحبين معهم فى كل مرة لفات "الكلينكس" بدلا من أكياس "الفيشار" التقليدية . لقد تخطى الفيلم حاجز المليار دولار وأصبح واحداً من أكبر الأفلام التى حققت إيرادات فى تاريخ السينما، وحصاداً لجوائز الاوسكار. وهذا ليس بغريب على الهوس الذي انتاب المتفرجين. ففى المكسيك ينامون أمام باب السينما. وفى جنوب فرنسا حضر الفيلم عدد أكبر من عدد السكان مما يعنى أنهم قد شاهدوه أكثر من ثلاث أو أربع مرات. وقد كان إنتاج الفيلم بكلفته الضخمة مغامرة كبرى. لم يبتسم المنتجون إلا بعد 53 يوما من عرضه عندما وصلت الإيرادات إلى 625 مليون دولار. واتسعت الابتسامةمع تواصل الإيرادات. ورغم أن طول الفيلم يفرض على دور العرض ثلاث حفلات فإن المقاعد دائما كانت ممتلئة. وكان نعظم المشاهدين من النساء "60% مقابل 40% رجال" اللواتى تقل أعمارهن عن 25 عاما. ورغم إنه فيلم "البطل الميت" فإن هذه النهاية الحزينة لم تمنع تدفق المشاهدين. وليس سبب النجاح هو روعة الإخراج والتمثيل واستخدام وسائل الإبهار. فقد أصبحت هذه من مسلمات السينما الأمريكية. وكان الحقيقى فى الأثر الذي يتركه هذا الفيلم فى النفس، وما يثيره من قضايا. فهو فيلم له أكثر من جانب. يمكن نعده فيلما رومانسيا يقوم على الحب. ويمكن اعتباره مأساة تاريخية. ويمكن أن نرى فى السفينة رمزاً لكل طبقات العالم. الطبقة الارستقراطية فى الأعلى، والمهاجرون الحالمون فى الوسط، والعمال الضائعون وسط المحركات حرمة تحرر المرأة فبظلة الفيلم "روز" تتحول من مجرد فتاة أرستقراطية جميلة تنفذ ما يملى عليها إلى إنسانة تملك القدرة على تقرير مصيرها واختيار من تحب ومن تكره، وبالتالي فإن عشرات المشاهدات يشعرن بأن روز تتحرك تحت جلودهن.

ويرى الرجال في الفيلم دليلا على كبرياء الرجل حتى وهو يواجه الموت وقدرته على البذل والتضحية، حتى فى أحلك اللحظات. كما أن بطل الفيلم ليوناردو دي كبريو يثير إشكالية أخرى. فقد قالت عنه بطلة الفيلم "كيت وينسلوت" إنه "أجمل رجل شاهدته في حياتها" والكثيرات تشاركها فى هذا الرأى . ويرى النقاد أن هذا الجمال فيه الكثير من الطابع الأنثوى الذي يضفي الإحساس بأنه يملك روحا حساسة تقارب أرواحهن. وهو إحساس له جذورهفي القرن التاسع عشر، وإلى الافتتان الأنثوي بالطراز الذي كان يمثله اللورد بايرون الشاعر المعروف. وفي الفيلم لا يقوم البطل بمشاعر الغرام بقدر ما يقدم المساعدة للبطلة ، بحيث تصبح مخلوقة لها قيم ومبادئ تسعى إلى تحقيقها .

وفي رأيي أن أحدأهم أسباب نجاح الفيلم هو شعور "الإزاحة النفسية" الذي يحدثة فى داخلنا، فنحن نشعر بالراحة لأننا لسنا ضمن أفراد هذه الكارثة.

وتجعلنا مشاهد القيامة والموت التي تتراءى أمامنا نحس من كل التوترات ومخاوف الموت والفجيعة ، وفى رأيي أن هذا الشعور هو السبب الرئيسي وراء انتشار ظاهرة إدمان "التيتانيك" وهو أخف وطأة من ظواهر الإدمان الأخرى.

 

 

أنور الياسين