أطفال رضع تحت الماء أكمل عبدالحكيم

أطفال رضع تحت الماء

من المدهش للكثير منا أن يرى أو يسمع عن رضيع لم يتجاوز عمره أسابيع ومع ذلك يغطس لعمق كبير تحت الماء  وهو غالق لفمه حابس لأنفاسه محدق في ماء البحر المحيط به دون خوف بل ربما نراه يفعل ذلك وعلى شفتيه ابتسامه فيها كل براءة الطفولة

تبدأ قصة أطفال الماء عندما اكتشف الرحالة الإنجليزي توماس كوك جزر هاواي في عام 1778 . حيث كتب يقول (لقد رأيت أطفالا في عمر شهور يسبحون على ظهورهم في الجدال الدافئة والبحيرات المالحة). ونفس السلوك الذي رآه توماس كوك في هاواى وجده رحالة آخرون لدى هنود (البوكر) الحمر القاطنين لكاليفورنيا، وبعض القبائل الإفريقية التي تعيش على ضفاف نهر الكونجو. وحاليا أصبح من المعروف أن البشر إذا ما توافرت لهم مياه دافئة وهادئة ،فربما يتعلمون السباحة قبل تعلمهم المشي. وحتى وقت قريب كانت القدرات المائية للأطفال الرضع متجاهلة من قبل الطب الحديث. وكانت نقطة التحول عندما نشرت الدكتورة مارليت ماكجرو نتائج دراسة في مجلة طب الأطفال الشهيرة، تحت عنوان (سلوك السباحة لدى الأطفال حديثي الولادة). وكانت تلك الدراسة هي ملخص ما كتبته وصورت عن 42 طفلا في السنتين الأوليين من أعمارهم. خضع كل واحد منهم لعدة جلسات من الدراسة والملاحظة وصل مجموعها للكل إلى 445 جلسة. ويعتبر الكم الهائل من المعلومات التي نتجت من تلك الجلسات ، هي الأساس الذي بني عليه فهمنا للسلوك المائي للأطفال الرضع.

وكانت نتائج الدراسة على النحو التالي: في المرحلة الأولى من النمو التي تبدأ من الأسابيع الأولى وحتى عمر أربعة شهور، يسلك الأطفال الرضع سلوكا مذهلا عندما تغطس وجودهم في الماء. حيث تنقبض وتنبسط الأطراف الأمامية والخلفية في حركة توافقية منتظمة، مع تحرك الجذع حركات جانبية تدفع الرضيع مسافات قصيرة في الماء. وتكون تلك الحركات أكثر انتظاما وفعالية عندما يغمر الرضيع تماما تحت الماء وبذلك ثبت أن الرضيع البشرى في تلك السن، قادر عند الغطس على حبس أنفاسه وإغلاق فمه دون أن تظهر عليه أي علامات ضيق أو حتى القليل من الكحة عند خروجه من الماء. ولوحظ أيضا في تلك السن أن الحركات السباحية والقدرة على حبس النفس يعضد كل منهما الآخر، فعندما لا توجد حاجة لحبس النفس وقت أن يغطس جسم الطفل دون رأسه، نجد أن الحركات السباحية تكون أقل انتظاما مما هي عليه عند الغطس التام.

أما في المرحلة الثانية من النمو التي تبدأ عند سن أربعة شهور، نجد أن الحركات السباحية التي كان يتقنها الرضع ويؤدونها بكفاءة تحت الماء، تبدأ في الاضطراب. حيث تقل حركتهم بوجه عام عند غمر أجسادهم فقط ، عما كانت عليه قبل سن أربعة شهور. وعند تغطيس وجوههم بالكامل في الماء نجدهم يحاولون الاعتدال على ظهورهم. ومع تقدمهم أكثر في العمر نجدهم يصارعون للخروج من الماء ، ويصبحون عرضة للابتلاع كميات كبيرة منه، والكحة الشديدة إذا ما غطست رءوسهم في الماء.

أما في المرحلة الثالثة من النمو التي تبدأ عند عمر سنتين ، يبدأ الأطفال في استعادة التحركات السباحية المنتظمة التي تمكنهم من الانسياب داخل الماء. إلا أن تلك الحركات تكون أقل تلقائية، بالمقارنة بتحركاتهم التلقائية في الأسابيع الأولى من أعمارهم .

ويمكن التمييز بسهولة بين مراحل النمو الثلاث السابقة الذكر ، وذلك بالشكل الذي تأخذه تصرفات الطفل وتحركاته ، عندما يغمر وجهه في الماء. وهو ما لا يمكن تمييزه عند وضع الأطفال على ظهورهم ، حيث يميلون للصراع والمقاومة بغض النظر عن أعمارهم .

سلوك أطفال الماء

وتعتبر الدكتورة مارليت ماكجرو رائدة دراسة سلوك الأطفال المائي، لكونها أول شخص يدرس ذلك السلوك في الوقت الذي تكون وجوه الأطفال مغمورة في الماء. وهو ما مكنها من تحقيق تلك الاكتشافات. وقد يتساءل البعض كيف قامت الدكتورة ومساعدوها، بإجراء تلك الدراسات وتدوين الملاحظات، في الوقت الذي كان بعض الأطفال يصارعون للخروج من الماء المغمور فيه وجوههم. والإجابة عن ذلك تكمن في حقيقة أن الباحثين كانوا مجموعة من الخبراء في التعامل مع الأطفال، ويدركون الوقت الذي يكتفون فيه بالمشاهدة والوقت الذي تتطلب الأمور فيه تدخلا سريعا منهم.

وتكمن أهمية تلك الاكتشافات في نقطتين: الأولى هي توضيح أن العلاقة المعقدة بين جزأي المخ (البدائي والمتطور)، هي التفسير الوحيد للمراحل التي يمر بها سلوك الرضع المائي. وبمعنى آخر فإن السلوك السباحي التلقائي الذي يلاحظ في الأسابيع، الأولى من العمر، ما هو إلا جزء من ردود أفعال بدائية تولد معنا، ويتحكم فيها الجزء البدائي من المخ. أما المرحلة الثانية التي تبدأ عند سن أربعة شهور، فهي نتيجة نمو مفاجئ وسريع للجزء المتطور من المخ ، التي يفقد الجسم عندها سلوك السباحة التلقائي الناتج عن الجزء البدائي من المخ، نتيجة تولي الجزء المتطور الزمام وإن كان لا يزال عاجزا عن التحكم في تحريك الجسم حركات إرادية منتظمة. ويعود السبب وراء اضطراب الطفل عند وضعه في الماء أثناء تلك المرحلة، إلى حدوث تغير في ميكانيزمات حركة الجسم، لتمكنه من الانتصاب بغرض المشي. ولذا فعند وضعه في الماء ورأسه لأسفل، تعمل الميكانيزمات الجديدة على إزعاجه لوضع الانتصاب الذي يكون الرأس فيه لأعلى. وفي المرحلة الثالثة  من النمو بعد سن عامين يبلغ التحكم من الجزء المتطور مرحلة متقدمة، تمكن الجسم من تعلم الحركات السباحية مثلها مثل أي حركات نتعلمها خلال حياتنا. وبذلك تلقي ملاحظات دراسة سلوك الرضع المائي، بالمزيد من الضوء على غرائز الإنسان الأساسية التي تنتج من الجزء البدائي من إلخ. وبرغم أن تلك الغرائز يتلاشى بعضها مع مرور السنين، إلا أنها قد تعاود الظهور بقوة إذا ما أصاب الجزء المتطور من المخ تلف شديد. كما هو الحال في إصابات الرأس الشديدة أو بعض الأمراض المخية. وبرغم أن العلاقة بين جزأي المخ علاقة معقدة، فهي علاقة أساسية في فهم السلوك الإنساني بوجه عام وما قد يصيبه من بعض الأمراض. فمثلا نجد أن فهمنا الحالي للوجود المشترك لجزأين وظيفيين في المخ، اللذين لا يتطوران في نفس الوقت وبنفس الطريقة، أفاد في تفسير بعض الحالات الطبية التي ظلت غير مفهومة الأسباب لوقت طويل. وفي الحالة المعروفة بوفاة الرضيع المفاجئة (وفاة المهد)، نجد أنه الوفاة تحدث في الغالب في الشهر الرابع. وهي الفترة الحرجة التي تتحول فيها السيطرة على الجسد ووظائفه الحيوية مثل التنفس ، من المخ البدائي إلى المخ المتطور وهو ما دفع بعض الأطباء إلى الشك في مسئولية ذلك التحول عن حدوث حالات وفاة المهد.

رد فعل الغطس

ومنذ الدراسة التي أجرتها الدكتورة ماكجرو، فهم علماء الوظائف الفسيولوجية المزيد عن (رد فعل حماية المجاري التنفسية)، والجوانب المختلفة لرد فعل آخر هو (رد فعل الغطس)، بما فيها حقيقة أن سرعة ضربات القلب تقل عند الغطس.

إلا أن التقدم الحقيقي كان عمليا أكثر منه علميا، وهو ما أدى إلى تمكن آلاف الأطفال حول العالم من التمتع بالسباحة والغطس بداية من أعمار صغيرة جدا، وفي ظروف آمنة تماما. وقد أصبح عدد متزايد من العامة على دراية بالإمكانات المذهلة للأطفال الرضع ، بفضل جهود الكثير من الرواد في هذا المجال الحديث. ومن أولئك الرواد فيرجينيا هنت ، حيث يعتبر كتابها (تعليم الرضيع السباحة)، واحدا من أهم المراجع في ذلك المجال. وكانت هي المنظمة الرئيسية للمؤتمر الدولي للأطفال المائيين ، الذي عقد في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيلوس الأمريكية . وحضرة مدربو السباحة من جميع أنحاء العالم ، الذين أتوا من اختصاصات مختلفة مثل الطب العام والطب الرياضي والتمريض وعلم النفس وحتى علم الأجناس البشرية. وعرض خلال فترة المؤتمر العشرات من شرائط الفيديو ، ظهر فيها الأطفال الرضع وهم يسبحون تحت الماء بينما يحدقون في الكاميرا، وعلى وجوههم مظاهر الارتياح التام والمتعة لوجودهم تحت الماء. ومن الحقائق التي ظهرت في هذا المؤتمر أن جميع الأطفال- بغض النظر عن إلى أي جنس بشري أو بلد ينتمون - يتصرفون بنفس الشكل  عند وضعهم تحت الماء. وحتى مدربو السباحة الذين أتوا من مشارب واختصاصات مختلفة ، كانوا يستخدمون نفسر. الألفاظ لتعبير عما يحدث.

وكان الرأي الذي اتفق عليه الخبراء في المؤتمر، أن المعلم الرئيسي يجب أن يكون الأم، التي يجب أن تزرع في الطفل التكيف مع الماء منذ الأسابيع الأولى. وإذا كانت الأم لا تجيد السباحة، فيفضل أن يكون المعلم البديل هو الأب. وتحتاج- الأم أو الأب في البداية إلى الطمأنينة والإرشاد من مدرب سباحة متخصص وخبير وفي الغالب يبدأ تدريب الأطفال قبل بلوغهم سن الشهرين. ولا بد أن يبدأ التعليم في حمام المنزل، وأن تكون درجة حرارة الماء معتدلة (حوالي 37) وهي درجة حرارة الجسم. وتبدأ آلام بوضع رضيعها على كتفها اليسري (يشعر الطفل بضربات قلب الأم التي تولد عنده إحساسا بالاطمئنان). ثم تغطسه بحيث يصل الماء أذنيه ولمدة دقيقتين، تقوم الأم خلالهما بمداعبة الطفل برفق مع المسح بيديها على جسده. وإذا بدأ الطفل في الاضطراب ، يغير الوضع بعد أن تترك له فرصة الرضاعة لفترة قصيرة، ثم يعاد إلى الوضع الأول. ويلي تلك المرحلة أن تجلس الأم وتضع طفلها أمامها، بينما تسند رأسه ورقبته بيد واحدة ، وتستخدم اليد الأخرى في مداعبته. ثم تقوم بتحريكه للأمام والخلف ، وذلك لأن الأطفال يحبون الحركة بوجه عام مع الإحساس بالماء ينساب حولهم. وهو ما سيولد لدى الطفل الإحساس بالأمان في الماء، ويجعله يربط بينه وبين اللعب. وفي الغالب يستغرق الدرس الأول من خمس إلى عشر دقائق ، ثم يزاد وقت الدروس اللاحقة تدريجيا حتى تصل إلى نصف ساعة في المرة. ويمكن تكرار الدروس يوميا، مع تخفيض درجة حرارة الماء تدريجيا حتى تصل إلى درجة (32)، وهي في الغلب درجة حرارة المياه في حمامات السباحة الكبيرة. وإذا تم البدء في تدريب الطفل مبكرا، فيمكن أن يصل إلى مرحلة التعلم في حمامات السباحة عند سن شهرين. وعند وصول تعليم الطفل إلى تلك المرحلة، يجب أن يوضع تحت إشراف مدرب سباحة متخصص وخبير في هذا المجال.

فوائد السباحة

ولمعرفة الفوائد التي يجنيها الأطفال من تعليمهم السباحة في تلك السن المبكرة، أجريت دراسة ضخمة ومعقدة شملت 165 طفلا للملاحظة لمدة عامين. وقسم الأطفال إلى عدة مجموعات حسب الفروقات الموجودة بينهم في عدة نقاط. مثل الفترة التي بدأوا فيها تعلم السباحة، أو إذا كانوا لم يتعلموا السباحة على الإطلاق. بالإضافة إلى ما إذا كانوا يتلقون تدريبات جمبازية أثناء فترة الدراسة أم لا. وكونت مجموعة للمقارنة من أطفال لا يتلقون دروسا في السباحة والغطس أو الجمباز. وعند بداية الدراسة خضعت جميع المجموعات إلى تقييم لقدراتها الحركية، من حيث القدرة على التوازن والسرعة في الجري وإمكانات القفز لمسافات طويلة. وذلك بهدف مقارنة قدرات كل مجموعة في البداية، وملاحظة التغيرات التي ستطرأ عليها في نهاية الدراسة. وأثناء الدراسة التي استمرت عامين تمت مراقبة وملاحظة قدرات التحكم في الإمكانات الحركية، والسلوك الاجتماعي والصفات العامة لشخصية الطفل. كما تم إجراء مقابلات مع الآباء لتقييم أسلوبهم في تنشئة الطفل، وتوقعاتهم من أطفالهم وكيف يسعون لتحقيقها. كما وضع في الاعتبار ملاحظة التفاعل بين الأم وطفلها في كل حالة، لملاحظة أي تطورات تحدث في أبعادها وشكلها قبل وبعد الدراسة.

ومع العدد الكبير للأطفال الذين خضعوا للدراسة والمتغيرات الكثيرة التي خضعت للملاحظة، نتجت كمية هائلة من المعلومات والبيانات. حيث تم تحليلها باستخدام طرق إحصائية، ونتج عن ذلك الكثير من الحقائق المثيرة. فقد وجد الباحثون أن الأطفال الذين تعلموا السياحة من صغرهم، كانوا متفوقين على أقرانهم في جميع المجالات التي خضعت للاختبار. الإمكانات العقلية حقق أولئك الأطفال نتائج أفضل من غيرهم، في كل اختبارات الذكاء التي خضع لها الجميع. وفي القدرات الاجتماعية أظهر هؤلاء الأطفال رغبة أكبر في إنشاء علاقات مع الآخرين وقدرات أكبر على التكيف مع المتغيرات المحيطة بهم. بالإضافة إلى أنهم كانوا أكثر استقلالية وأقل جبنا، وذوى قدرة مدهشة على التعامل مع المواقف الغريبة المفاجئة.

وهناك دراسة أخرى أجريت في فنلندا لمدة تسعة شهور، وركزت على التغيرات في القدرات الحركية بين مجموعتين فقط من الأطفال. المجموعة الأولى علمت السباحة والغطس مرتين أسبوعيا، والأخرى لم تكن ممن أصبح يطلق عليهم الأطفال المائيون. ووجدت تلك الدراسة أن الأطفال المائيين تمتعوا بقدرة أكبر على فرد جميع أطرافهم. وكان بإمكانهم الحفاظ على وضعهم الرأسي عند الجلوس أو المشي بمساعدة شخص آخر. بينما كانت المجموعة غير المائية أفضل في الحفاظ على الحركات الأفقية. وعند وصول المجموعتين إلى سن الزحف على البطن تلاشت الفروقات بينهم. وكان الهدف الأساسي من هاتين الدراستين هو اكتشاف الفوائد الكامنة للنشاطات المائية المبكرة للإنسان. وقد أمدتنا بالكثير من الأجوبة عن نمو وتطور الأطفال. ويأمل الأطباء في استغلال النشاطات المائية تلك في مساعدة الأطفال المعوقين. ويمكن في هذا المجال تقسيم الأطفال المعوقين إلى ثلاث مجموعات. الأول وهي التي يمكن تدريبها مثل الأطفال الأصحاء ولكن بسرعة أبطأ. كحالات العته المغولي والعمى والعيوب الخلقية بالعمود الفقري والمصابين بأمراض العضلات والتشوهات في الأطراف والتخلف الحركي. والمجموعة الثانية هم الأطفال الذين لا يسمح لهم طبيا بالغطس، مثل المصابين بأمراض أو عيوب خلقية في القلب. أما المجموعة الثالثة فهم الأطفال المسموح لهم بوجه بالسباحة ، بشرط أن يوضح أخصائي العلاج الطبيعي المتابع لهم لآبائهم كيفية العناية بهم في الماء ، مثل حالات الشلل المخي ومرضى ضعف العضلات.

 

أكمل عبدالحكيم 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




أطفال رضع تحت الماء