الكمبيوتر وكيل.. بلا توكيل ! السيد نصر الدين السيد

الكمبيوتر وكيل.. بلا توكيل !

السكرتيرات، والوكلاء، ومدراء المكاتب.. وظائف يشغلها الملايين من البشر، لكن آخر إنجازات البرامج الحاسوبية تقول بإمكان الاستغناء عنها. وإنها لتطورات تثير الدهشة، وتفجر أحرج الأسئلة.

"إن المشكلة (المعلوماتية) التي نواجهها اليوم هي أننا لم ننجز حتى الآن إلا الجزء الأول فقط من "ثورة المعلومات" كما يتمثل في غزارة إنتاجها، وفي يسر التوصل إليها. أما الجزء الآخر الذي سيتعين علينا إنجازه فهو زيادة قدرتنا على استخلاص ما يهمنا من هذا الفيضان المعلوماتي المتاح لنا".

بهذه الكلمات يعبر بول سافو P.Saffo مدير معهد المستقبل بولاية كاليفورنيا الأمريكية عن واحدة من أهم المشاكل التي تواجه أهل الحضارة الجديدة.. حضارة الحاسوب...، وهي مشكلة "الحمل المعلوماتي الزائد" Information Overload. وهي المشكلة التي نشأت من قصور قدرات الإنسان الإدراكية المحدودة عن ملاحقة ومتابعة واستيعاب فيض المعلومات دائم التجدد الذي يحيط به أينما كان. والحق أن "ثورة المعلومات" قد حققت في مرحلتها الأولى للإنسان الشيء الكثير . فهي في مجال "غزارة الإنتاج" قد وفرت له كما هائلا ومتنوعا من "برمجيات" Software الحاسوب مكنته من "معالجة" معارفه وخبراته، أيا كان نوعها أو شكل التعبير عنها، وسواء اقتصرت هذه المعالجة على مجرد تحرير النصوص التي توثق آراءه وأفكاره، مثل برمجيات "معالجة الكلمات Word Processing أو "النشر المكتبي" Desktop pub - lishing، أو امتدت لتعنيه على تصنيفها وتبويبها وحفظها كـ "منظومات إدارة قواعد البيانات" Data - base Management Systems، أو اتسعت لتساعده على تحليلها وتكوينها وتطويرها واستخلاص الجديد منها مثل برمجيات "التحليل الإحصائي" و"المحاكاة" Simulation و"معالجة الأفكار" Ideas Processing.

ولقد واكب التطور الهائل في أدوات إنتاج المعلومات تطور مماثل في مجال "تيسير التوصل" إليها ، تطور أتاح لغير المتخصصين تطويع قدرات الحاسوب الفائقة، فاليوم، وعبر ما يعرف بـ "بينيات المستخدم الرسومية" "GUI" Graphical User Interfaseوما قد يصحبها من قوائم Menu مليئة بالخيارات، يمكن للمستخدم العادي تشغيل أعقد البرمجيات واسترجاع ما يريده من معلومات تختزنها ذاكرة الحاسوب وذلك بمجرد الإشارة إلى "الأيقونة" التي تمثل البرمجية على شاشة الحاسوب. ولم يكتف المطورون بهذا بل عملوا بهمة على إكساب الحاسوب القدرة على فهم اللغة الطبيعية للإنسان، منطوقة كانت أو مكتوبة، حتى يمكنه استخدامها مباشرة في التواصل مع الحاسوب. وعلى الرغم من هذا التنوع الشديد في أساليب تواصل الإنسان مع الحاسوب، إلا أن بناءها قد قام على أساس ما يطلق عليه المتخصصون مجازا "التناول المباشر" Direst - manipulation ويعني هذا المجاز أن الإنسان مسئول مسئولية مباشرة وكاملة عن "إدارة" عملية تنفيذ المهمة أو المهام، التي يوكلها للحاسوب وذلك من الألف للياء. فهو في البداية "صاحب القرار" في اختيار أنسب البرمجيات لتنفيذ المهام المطلوبة، وهو متخذ "المبادأة" بتنشيط هذه البرمجية أو تلك عبر إحدى وسائل التواصل مع الحاسوب، وهو فوق ذلك كله المسئول عن "مراقبة ومتابعة" مراحل التنفيذ المتعاقبة ليطمئن على سلامة عملية التنفيذ. وهكذا تصبح "البلادة" Passivness هي السمة المميزة والغالبة على أساليب التواصل مع الحاسوب القائمة على مجاز "التناول المباشر".

مجاز جديد

وقد أدى إنشاء "طرق المعلومات السريعة" - (يطلق هذا التعبير على مجموع الشبكات الحاسوبية التي تتشابك مع بعضها البعض عبر قنوات الاتصالات. وتعتبر شبكة ال "إنترنت" Internet بمنزلة اللبنة الأساسية لشبكة طرق المعلومات السريعة العالمية) - التي تربط بين مراكز إنتاج وحفظ المعلومات أيا كان مكانها على سطح كوكبنا، وشيوع استخدامها إلى تمكين ملايين البشر من الحركة الطليقة في "كون معلوماتي" زاخر بمحتوياته من شتى المعارف. وهو كون مترامي الأطراف يأخذ رواده إلى "تيه معلوماتي" يزيد من وطأة "الحمل المعلوماتي الزائد" عليهم ويؤكد الحاجة الماسة إلى الدليل الحاذق الخبير بدروبه المتشابكة. وكانت استجابة صناعة البرمجيات سريعة كعادتها فوفرت لرواد الكون المعلوماتي العديد من "أدلة طرق المعلومات وقصاصي أثرها" على هيئة برمجيات متخصصة تساعدهم على ارتياد أنحائه واكتشاف مجاهله والتوصل إلى المعارف التي يريدونها. إلا أن هذه الأدلة، هي الأخرى، كانت تعيبها "بلادة" طرق التواصل المبنية على أساس مجاز "التناول المباشر".

وبالطبع لم يكن هذا التيه المعلوماتي مرضيا لعلماء الحاسوب فسارعوا للبحث عن مجاز جديد لطرائق تواصل الإنسان مع منظومات الحواسب يتجاوز أوجه قصور المجاز القديم. وقدمت دنيا الأعمال المجاز الجديد متمثلا في مفهوم "الوكيل" Agent . والوكيل في دنيا الأعمال هو "أي كيان، فردا كان أو مؤسسة، مفوض للقيام بمهام محددة بالنيابة عن كيان آخر". وبالمثل فإن الوكيل الحاسوبي هو "كيان برمجياتي Software enity مستقل بنفسه يخصص لتنفيذ مهام محددة بالنيابة عن صاحبه". وكما هو الحال بالنسبة للوكلاء في دنيا الأعمال، فإن على وكلاء دنيا الحاسوب التمتع بالعديد من الصفات التي من أبرزها : "الاقتدار" Competency، "المرونة" Flexibility ، و"الموثوقية" Trutiness. أي أن على وكيل دنيا الحاسوب أن يكون "مقتدرا" لديه قدر كاف من المعرفة ومن المهارات التي تمكنه من تقرير متى وكيف يمكنه العمل لصالح صاحبه ودون الرجوع إليه، بل وتجعله قادرا على التحاور مع صاحبه وإسداء النصح وتقديم المشورة عند حاجته إليها. هذا وتعتبر "المشاركة النشطة" Participate Activety في تنفيذ المهام الموكلة إليه من العلامات الدالة على اقتداره وأنه ليس مجرد أداة بليدة مثله في ذلك مثل برمجيات الحاسوب التقليدية. أما ثانية تلك الصفات فهي صفة "المرونة" Flexibility التي تمكن وكيل دنيا الحاسوب من "تشكيله" بالشكل الذي يراه صاحبه ملائما له. وبالطبع على الوكيل الحاسوبي أن يكون من "أهل الثقة" ليطمئن صاحبه أنه سوف يقوم بما يوكله إليه من مهام خير قيام. وهكذا ظهر في دنيا تواصل الإنسان والحاسوب مجاز جديد يقوم على مفهوم "الإدارة غير المباشرة" Indirect management وهو المفهوم الذي يعني أن مسئولية التواصل مع الحاسوب لم تعد ملقاة بأكملها على عاتق الإنسان، بل أصبحت مسئولية مشتركة بين الإنسان ووكيله الحاسوبي. فهما يتحاوران ويتعاونان معا على بدء التواصل وعلى استمراره بينهما، ويقومان معا بمراقبة تطور الأحداث وتنفيذ المهام. أي أن المجاز الذي يقوم عليه الأسلوب الجديد هو أن الوكيل الحاسوبي ليس إلا "مساعد خصوصي يتعاون مع الإنسان في إطار بيئة عمل مشتركة بينهما". هذا ويعمل مطورو الوكلاء الحاسوبيين بهمة على تحسين منتجهم وطأة الحمل المعلوماتي الزائد على صاحبه. ومن أبرز تلك المهام : "تصفية المعلومات" Information Filtering فينتقي منها ما يهم صاحبه ، و"استرجاع المعلومات" Information Retrieval التي يطلبها صاحبه أيا كان موقعها، و"إدارة البريد الإلكتروني" الذي يصل إليه، وتنظيم لقاءاته، وتقديم العون له على اختيار ما يفضله من كتب وأفلام ومقطوعات موسيقية. كما يسعى هؤلاء إلى رفع "درجة ذكاء" IO ما ينتجونه من وكلاء ليتمكنوا من تقديم المشورة لأصحابهم بل وحتى تعليمهم وتدريبهم، ومعاونتهم على العمل المشترك مع الآخرين.

والآن حان وقت اللقاء مع "وايلد فاير Wildfire"، و"وايلد فاير" هي "وكيلة" حاسوبية حسناء...!؟.. طورتها إحدى الشركات الأمريكية المتخصصة في هذا المجال. وها هي نماذج من الحوارات التي دارت بينهما وبين صاحبها رجل الأعمال.

الحوار الأول : يجلس رجل الأعمال في سيارته أمام حاسوب يظهر على شاشته الوجه الباسم لـ "وايلد فاير".

- وايلد فاير .

* صوت أنثوي ناعم : هآنذا .

- أرجو أن تحولي جميع المكالمات التليفونية الخاصة بي على تليفون السيارة.

* حسنا.

- والآن ما هي رسائل البريد الإلكتروني التي تلقيتها منذ الأمس.

* هناك 23 رسالة.

- أرجو أن تلخصي وتستعرضي لي أهم ما جاء بها بخصوص الموضوع (س).

* حسنا ها هو.

- هل يمكن أن تذكري لي ملخصا عما نشر بخصوص هذا الموضوع في وسائط الإعلام المختلفة ؟

* ها هي..

- والآن أرجو إرسال تقييمكم لهذا الموضوع لوكيل السيد (ص).

* هل ترغب في مشاهدة فيلم عند عودتك للمنزل ؟

- بالطبع... فلتنتقي لي أحد الأفلام التي أفضلها .

* تم تجهيز الفيلم ... هل ترغب في الاستماع لبعض الموسيقى أثناء عودتك إلى المنزل ؟ .

- عظيم... أنت تعرفين أيها أفضله.

أما الحوار التالي فدار بين إحدى نسخ "وايلد فاير" التي يقتنيها أحد كتاب القصة القصيرة.

يجلس الكاتب أمام حاسوبه ليدور بينه وبين نسخته الخاصة من "وايلد فاير" الحوار التالي :

- وايلد فاير .

* هآنذا.

- أرجو منك اتمام كتابة هذه القصة لي .

* صوت ينم عن الدهشة، لم أفهم جيدا ماذا تعني بهذه العبارة ...!... أرجو إعادتها مرة أخرى.

- أرجوك كتابة هذه القصة من أجلي.

* باستغراب : ما الذي يمكن أن أفعله من أجلك بالضبط...! ..؟

- لا عليك.

* أوكي OK

وهكذا تشي الحوارات السابقة بما يمكن أن تفعله "وايلد فاير" وبما لا يمكنها فعله. والآن يسعى مطورو "الوكلاء الأذكياء" إلى زيادة قدرتها لتكون رهن إشارة الإنسان. وبعد.. ما رأيك في اقتناء أحدهم أو إحداهن...!؟.

 

السيد نصر الدين السيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات