نظرة طائر على فضاء الفكر محمد جابر الأنصاري

نظرة طائر على فضاء الفكر

في وداع القرن العشرين
قرننا المرتحل بين بداية ونهاية

لا بد من الإقرار بأنها مغامرة خطرة، محاولة السفر في الفضاء الفكري لقرن مراوغ، ماكر، صاخب. لكنه ثري، مثير، شائق. كالقرن العشرين!

مغامرة لا تقل خطرا عن مغامرة الحياة ذاتها، والمعاناة ذاتها، في ثنايا هذا القرن المتقلب و"الانقلابي" سواء في بدئه، أو في منتصفه أو في منتهاه!

المواعيد "الألفية" في وعي البشرية وتراثها وأساطيرها تحمل الكثير من التوقع والتنبؤ والتطير والأمل.. فموعد القيامة "ألفان لا يأتلفان" كما ورد في بعض المأثورات..وكل "ألفية" ولها تداعياتها التفاؤلية أو التشاؤمية في تراث الأمم.. أو قل: "التشاؤلية" لما تحمله من توجس بين خير وشر.

وها نحن الآن أمام "الألفين".. وهما على وشك أن يأتلفا بعد سنين أربع.. (سنة 2000)... هذا "إن" ائتلفا...!!!

وقد يتطير البعض من هذه السنين الأربع المؤدية لائتلاف الألفين. ومن الأرجح أنها سنوات لن تكون سهلة ولا يسيرة على العرب والمسلمين، وعلى هذه المنطقة من العالم. فهذا "أوان الشد" على رأي الحجاج. (ومازال الحجاج مقيما حيث أقام).

ولكن البشرية المتقدمة، مع هذا، صارت تتحدث وتخطط لعام 2010 -وعام 2015 - وعام 2025 - وعام 2050 وتربط هذه المواعيد المستقبلية. بعد الألفين. إما بتضاعف عدد البشر على ظهر هذا الكوكب المنهك، أو ببروز اليابان باعتبارها القوة العظمى الأولى، أو بتحول الاقتصاد الصيني إلى أضخم اقتصاد قومي في العالم، أو بزيادة عدد الملونين على عدد البيض للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة (بعد عام 2050) بما سيجعل من العملاق الأمريكي عملاقا ملونا أقرب إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم الثالث وعالم الجنوب منه إلى أمة القارة الأوربية البيضاء... هذا إذا بقي "عملاقا" حتى ذلك الحين.

من الواضح أن معظم هذه التنبؤات هي لصالح القوة الصفراء في آسيا القصية، وهي نذير شؤم للقوة البيضاء الغربية.. فيما عدا مستقبل "أوربا الموحدة" التي قد تسمح لها عقلانيتها وليبراليتها ونظمها الديمقراطية المنفتحة المرنة بتجاوز مصاعب التراجع والتصدع في الحضارة الغربية وقيمها، ومجتمعاتها، وقواها بحيث تجدد ذاتها وتبقى قوة أساسية.

غير أن هذا كله حديث المستقبل. وعلينا نحن في هذا المقام أن نجري حديث الماضي منذ مطلع هذا القرن. ولكن هل ابتعدنا عن موضوعنا حقا بحديثنا عن أوربا في مواجهة العالم، وعن الأبيض في مواجهة الأصفر؟..

ولكن ألا يبدو لنا القرن العشرون في نهايته وكأنه "قرن ثورة الألوان" جميعا على اللون الأبيض في العنصر والحضارة والقوة والذوق وكل الأشياء؟

إنه قرن "الانقلاب" بامتياز، أعني أنه قرن انقلابي الطابع والهوية..
ولكن متى بدأ القرن العشرون حقا ؟

لم يبدأ القرن العشرون في تقديري عام 1900 ولكنه تأخر إلى عام 1914 بقيام الحرب الكونية الأولى. أما السنوات السابقة لبدء الحرب من هذا القرن فهي تنتمي في روحها وفكرها وامتدادها الذهني والنفسي لعالم القرن التاسع عشر، في أوربا خاصة، حيث تقرر مصير القرون الأربعة الأخيرة من تاريخ العالم (منذ القرن السابع عشر). فقد ظل الاعتقاد المطلق بتواصل التقدم والعقلانية وتهذيب الطبيعة البشرية سائدا إلى أن وقعت الحرب الكونية.

إذن، ببداية الحرب الأولى بدأ القرن العشرون كتميز نوعي. كما سنوضح. كما أن القرن العشرين لن ينتهي عام 2000 كما هو متوقع حسابيا. لقد انتهى عام 1989 بانهيار جدار برلين ثم سقوط الاتحاد السوفييتي. هكذا فإن العمر الحقيقي لقرننا هذا ينحصر بين 1914 عام الميلاد، و 1989 عام الرحيل.. والحقبة التي يحياها عالمنا منذ 1989 هي بداية تمهيدية للقرن الحادي والعشرين... فهكذا سيكون، في البدء، لونه وطعمه وسيماؤه.. هذا القادم الجديد.

وعليه فإن قرننا العشرين المرتحل هذا قد عاش فقط بين 1914 - 1989 ، أي أنه بلغ من العمر 75 عاما (ثلاثة أرباع القرن زمنا).. ولكن ما أطولها وأحفلها وأصخبها بين سقوط الإمبراطوريات الصينية، والعثمانية، والهنغارية. النمساوية في بداياته... وسقوط الإمبراطورية السوفييتية، والمعسكر الشيوعي، والأيديولوجية الماركسية في لحظة النهاية.

بدأ بسقوط الأباطرة الكلاسيكيين.. وانتهى بسقوط الأباطرة الراديكاليين..مرورا بسقوط شمس الآريين.. فاللهم مالك الملك..

نظريات البداية

ولكي تنتظم رحلتنا في مدار هذا القرن، بين بداية ونهاية، لنرسم أولا خريطته الفكرية، بما يسمح به حيزنا هذا، أي بشكل تقريبي، وباقتصار على المعالم الرئيسية والانعطافات الكبرى، التي كان بها القرن العشرون هو إياه.

إنها إذن "نظرة الطائر" المتعجل في الفضاء الفكري للقرن: بدأ القرن العشرون وثلاث نظريات "علمية". هكذا كان يفترض. تحتل المشهد الفكري الأوربي، وخلفه المشهد العالمي المنبهر بذلك الفكر وقارته الجذابة، القوية، الباهرة... كانت هذه النظريات الثلاث هي:

الداروينية في علم الأحياء والتاريخ البيولوجي للكائنات الحية بما في ذلك تطور الكائن الإنساني ذاته، وهنا كان خطرها والاحتدام الفكري الذي أثارته بين المعسكر القائل بالتطور الطبيعي المادي للكون والإنسان.. والمعسكر القائل بالخلق الإلهي الروحي كما أجمعت على ذلك الديانات السماوية والدعوات الروحية.

الماركسية في علوم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والسياسة وهي نظرية مادية أخرى حاولت أن ترد المجتمع الإنساني وتاريخه ومستقبله إلى جدلية مادية وتاريخية تقارب وتماثل . في العلوم الاجتماعية. حتمية القوانين الطبيعية في الفيزياء والفلك والأحياء وغيرها من علوم الطبيعة. والمفارقة أن الماركسية دعوة ثورية تدعو إلى تغيير جذري، لكنها ترده في الوقت ذاته إلى حتمية مقررة. وهنا مكمن الجانب الرجعي التحجري فيها الذي لم ينكشف إلا بعد منتصف القرن. ومن خلال التناقض بين حتميتها وثوريتها انزرعت. فكريا. جذور سقوطها المدوي الذي شهدناه في نهايات القرن، بعد أن تصور الكثيرون في الثلاثينيات، ثم في الخمسينيات أنها على وشك أن تحسم مصير العالم وتقذف بالقوى الرأسمالية في مزبلة التاريخ، حسب خطابها المتداول. أما ما حدث فكان على العكس من ذلك، وكان مفاجأة الأيديولوجيا لذاتها.. مفاجأتها غير السارة!

الفرويدية في علم النفس الإنسانية والنظر إلى التكوين الداخلي الذاتي للكائن البشري وطبيعته الغريزية: وهي كالداروينية والماركسية تستند إلى مفهوم مادي (جنسي) للفرد الإنساني في الأساس، وإن حفرت في طبقات اللاوعي وتأثيراته الخفية في السلوك البشري، الذي ردته بدوره إلى الدافع الجنسي.

وقد انطلقت هذه النظريات الثلاث في تكوين الإنسان (داروين) وتطور المجتمع (ماركس)، وطبيعة النفس (فرويد) من علم الفيزياء في الطبيعة والفك، وهو علم تطور في القرون السابقة للقرن العشرين وخاض معاركه الشهيرة ضد التصور الديني المسيحي في أوربا بالاستناد إلى تحليل المادة الطبيعية تحليلا علميا تجريبيا، اختباريا ومختبريا، لاستخراج خصائصها وقوانينها، كما هي على مستوى الطبيعة، باستقلال أو حتى بتناقض مع المفاهيم الكنسية للمعتقدات المسيحية والغيبية (الميتافيزيقية) بعامة، حيث تم الفصل والبينونة بين الفيزيقيا أي الطبيعة والميتافيزيقيا أي ما وراء الطبيعة واقتصر تركيز البحث العلمي والفكري، وإمكانات اليقين المشترك بين العقول على المستويات الطبيعية وحدها وصارت الميتافيزيقيا والأفكار والتصورات الماورائية، في المفهوم الأوربي الحديث بعامة، قصرا على قناعات الإنسان الفردية وتجاربه الذاتية دون التقيد بمرجعية اعتقادية جمعية شاملة، ومن أهم كوامن القوة في هذه النزعة العلمية الحديثة واستمرارها قدرتها على تجاوز ذاتها باستمرار وتصحيح نظراتها واستعدادها لتقبل أي نقد يوجه إليها من خلال منهجها وكشوفها المتتابعة ذاتها، بما ميزها عن أي منظومة ذهنية أخرى في التاريخ البشري لا تملك القدرة على نقد الذات وتجاوزها.

من مطلقات العلم إلى نسبيته

لذلك استطاع ألبرت اينشتاين، عالم القرن العشرين الأكبر بامتياز (المتوفى 1955 أن يصحح مفهومات أساسية في نظرات جاليليو ونيوتن إلى الطبيعة والكون في نظرية النسبية التي تخطت الثنائيات والضديات العلمية الكلاسيكية بين الطاقة والمادة، وبين المكان والزمان، وأثبتت برؤية علمية جامعة تستند إلى تعددية الأبعاد المكانية في الزمان إمكانية التفاعل والتحول بين هذه الثنائيات العلمية. والفلسفية وصولا، عبر وحدة المعرفة، إلى وحدة الكون والحقيقة وسيبقى إنجاز أينشتاين هذا 1905 من أهم الثورات العلمية والفكرية في القرن العشرين، سواء على الصعيد النظري أو التطبيقي. وإذا كانت نظرية أينشتاين قد أثبتت أنه لا مطلق في العلم من خلال نسبية المكان -في- الزمان، فإنها أثبتت بالمقابل أن التغيير والصيرورة -لا الثبات- هما أساس الوجود وكل الظواهر في هذا العالم. وستبقى (فلسفة التغيير) من أخطر معطيات القرن العشرين، للخير أم للشر.

ولأن النزعة العلمية المادية حققت لأوربا -عبر الكشوف والمخترعات والتكنولوجيا- الكثير من التقدم الاقتصادي والصحي والعمراني الشامل، بالإضافة إلى ما وفرته لها من قوة السيطرة على العالم، فإن هذه الديانة المادية الجديدة. إن صحت التسمية. تضمنت معجزاتها الأرضية الملموسة من داخلها. إن جاز التعبير أيضا. بما قدمته لأصحابها من منفعة وقوة ومتعة، وصارت مصدر تفكيرهم ومبعث سلوكهم على مختلف المستويات من طبيعية واجتماعية ونفسية واعتقادية، والمعيار الذي يحكمون به على الكون بعامة، المادي وغير المادي، على السواء. ومن هذا الخلط والتضخيم والتجاوز لهذه النزعة العلمية المادية، والثقة الأولية المطلقة والزائدة بها في الوعي الأوربي. فيما يقع تحت مجهرها، وفيما لا يقع. ستتولد معظم الأزمات الفكرية والروحية التي شهدها القرن العشرون تباعا، وسيصبح تاريخه الفكري عبارة عن تحفظات وتراجعات وتعديلات في المشهد الأوربي ذاته لهذه النزعة العلمية. المادية المفرطة، خاصة في المجالات الروحية والاعتقادية والأخلاقية القيمية والإنسانية النفسانية التي لم تقبل الاندراج في خانة العينات المختبرية والإحصائية، البيولوجية والفيزيائية والكيميائية، للمادة الملموسة والمحسوسة التي مثلت وحدها ميدان الانتصارات الحقيقية للعلم الحديث وابنته الشرعية الباهرة: التكنولوجيا.

ملحظ..للعقل العربي

وهذا يعني أنه لا بد لنا من التنبه والملاحظة، في الوقت ذاته، إنه ما تراجع هذا العلم الاختباري المادي في المجالات الإنسانية والروحية المحض، بقدر ما واصل مسيرته المتصاعدة دون تراجع في مجال البحوث والكشوف العلمية والاختراعات والتطبيقات التكنولوجية وجوانب "التنظيم" المؤسسي والمجتمعي وكل ما يتعلق بالوسائل والأدوات والوسائط الملموسة في حياة المجتمع والإنسان، وهذا ملحظ لا بد من تأكيده للعقل العربي المعاصر وللعرب في زماننا هذا بالذات. فإذا كان العلم الحديث وتقنياته ومنظوماته قاصرا في المجال الروحي والأخلاقي، وليس من الصواب تحكيمه فيها، أو اعتماده مرجعية لها، فإن هذا العلم لا يمكن الاستغناء عنه في مجالات الحياة العلمية والعقلية والتنظيمية كافة، ولن تحافظ أية أمة على وجودها إذا لم تمتلك ناصيته ومقوماته ومنطقه العقلي التحليلي والنقدي في مجالاته المشروعة. ويمثل التقدم الهائل في علوم وتقنيات الكمبيوتر والحاسوب والروبوت بالثورة المعلوماتية المنبثقة عن ذلك، فضلا عن ثورة الاتصالات الفضائية وآفاقها، والقفزات الهائلة غير المسبوقة في التقنية الحيوية ،والهندسة الوراثية، يمثل هذا كله شواهد دافعة ومتجددة على أن العلم الحديث والتكنولوجيا ظهرا ليبقيا ويتقدما باطراد وبلا توقف، وذلك بعد أن تخلصا من ادعاءات اليقين الفلسفي والاعتقادي المطلق الذي ارتبط، بداية، بالانطلاقة الأولى لظاهرة العلم الحديث. وقد شهد القرن العشرون مختلف أنواع الانتكاسات والتراجعات - من انهيار الإمبراطوريات القديمة والأيديولوجيات الحديثة إلى انهيار المثل والأخلاق والمبادئ- لكن شيئا واحدا ظل ثابتا ومؤكدا في خط سيره. ويبدو أنه سيظل ثابتا ومؤكدا أيا كانت مستجدات القرن المقبل أو مفاجآته. أنه تقدم العلم والتكنولوجيا.. في مجالاتهما المشروعة.. بلا توقف وبلا تراجع. وهذا الملحظ درس ثمين لمن يريد استخراج الدروس من فلسفة التاريخ: تأتي حركة تاريخية ما في كل حقبة من حقب التاريخ، بمختلف عناصرها التي تبدو للوهلة الأولى متداخلة لا انفصام بينها. ثم يبدأ الفرز التاريخي على أرضية الواقع عبر التجربة البشرية. فإذا التوائم المكونة لتلك الحركة. ولو كانت توائم سيامية. تنفصل عن بعضها تدريجيا إلى أن تتباعد ويموت من يموت ويحيا من حي عن بينة. ويذهب الز بد جفاء، أما ما ينفع الناس فيبقى في الأرض. هكذا بقي العلم والتقنية وتراجعت الفلسفات المادية المسرفة التي بدت في البدء وكأنها جزء منه. وتلك آلية تاريخية لا بد من تبينها عندما ننظر في عناصر أية ظاهرة، حيث يتداخل الحي مع الميت، والنهار مع الليل. يجب ألا يفوتنا التمييز والفرز بين أي توأم وآخر في أية ولادة تاريخية. وتلك هي فكرة الجدل الديالكتيكي التي أورثها القرن التاسع عشر (هيجل) للقرن العشرين، والتي تتضمن انشقاق الكائنات التاريخية عن أصولها الواحدة لتصبح خلقا جديدا، وتتصارع - تفاعلا- فيما بينها، إلى أن يبقى الأصلح ويسود... ثم يتولد منه نقيض فيبدأ جدل جديد.. وهكذا. سنة الله في خلقه (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي). وعليه فإن فكرة الجدل الديالكتيكي يجب ألا يتخوف منها العقل المسلم إذا جردت من مدلولها المادي الضيق الذي حبستها فيه الماركسية، وعادت إلى فضائها الفكري الطليق كما طرحها العقل الإنساني المؤمن، كما في فلسفة هيجل مثلا، فالماركسية أساءت إلى الفلسفة بعامة، مثلما أساءت الأفكار الإلحادبة المادية إلى العلم ذاته. ولا بد لعقلنا المسلم، في نهاية قرن وبداية آخر، من نظرة تمييزية بين الأشياء كي لا يفوته الجيد منها تحت مظنة الرديء.

الإيمان.. لمواجهة التنين والوحش

بانتهاء الحرب العالمية الأولى وبدء مرحلة ما عرف بفترة ما بين الحربين أصبحت أوربا كائنا آخر. فبعد ما أظهرته الطبيعة الإنسانية المتحضرة في أوربا من فظائع ونكوص في تلك الحرب اتضح ان فكرة التقدم في السلوك الإنسان المتحضر ليست مسألة مفروغا منها كما شاع الاعتقاد حتى عام 1914، وإن العقل الإنساني مهما أوتي من علم لن يضبط المشاعر والعواطف، ولن يحدد الغايات، وإن أبدع بعلمه التقني الوسائل والأدوات..فقد أطل وحش الكهوف الحجرية من جديد في إهاب الجنتلمان الأوربي.. وتحولت مدن الحضارة المادية إلى: تنين متمدد يشرب البحر ويبتلع البر دون أن يشبع، كما وصف ميخائيل نعيمة مدينة نيويورك.

وفي عام سكوت المدافع (1918)، كان فيلسوف التاريخ شبنجلر يصدر في ألمانيا كتابه المدوي (انحدار الغرب( The Decline of the West) وكان مغزى الرسالة واضحا، والكتاب يقرأ من عنوانه. وبعدها بأربع سنوات (1922) أصدر الشاعر الإنجليزي الكبير ت.س. إليوت مرثيته الشهيرة للحضارة المادية الجديدة وإنسانها بعنوان: الأرض اليباب أو الخراب (The Waste Land) والديوان يقرأ من عنوانه أيضا.

من ناحية أخرى، حاول الفيلسوف الفرنسي بيرجسون إدخال دفعة روحية في مجرى التطورية الداروينية المادية بنظريته في الدافع الحيوي Etan Vital الذي استقبلته الأوساط الإيمانية والدينية في الغرب (وكذلك في الشرق الإسلامي) بارتياح كبير، لأنه أعطى بعدا إيمانيا متعاليا لعملية التطور وفكرته، بما يبعدها عن الحتمية الإلحادية المادية التي ارتبطت بها في البداية.

أما جوستاف يونج، رفيق فرويد في منحى علم النفس التحليلي، فقد خرج على شيخه أيضا، معلنا. عبر دراسات مطولة. أن اللاشعور المؤثر في الإنسان وسلوكه ونفسانيته مرده إلى الروحاني والغيبي والديني في أعماق الطبيعة البشرية (وليس مرده إلى الجنسي والشبقي والشهواني كما ذهب فرويد)، وإن كبت الحاجة الدينية في أعماق الإنسان الحديث هو أساس "عصابه" النفسي وعقده الأخرى، وليس مرده إلى الحاجة الجنسية (التي وصلت إلى حد الثورة الجنسية الإباحية الكاملة في ستينيات القرن).. هكذا كانت محاولة العودة الإيمانية في أواسط القرن واضحة على أكثر من صعيد، ولدى العقول والنفوس الكبيرة ذاتها التي نشأت في مطلع القرن نشأة علمانية مادية في توجهاتها الأساسية.

ومن جانب آخر، حاول أبرز المفكرين الداروينيين في القرن العشرين، وهو أدولس هكسلي، إعطاء الفلسفة التطورية بعدا أخلاقيا يتسامى نحو روحانية جديدة في (العالم الجديد الشجاع) The New Brave World محاولا، بهذه الحماسة المتجددة، احتواء نزعة التشاؤم في أوربا القرن العشرين. ولكن عبثا كان يحاول، حيث أصبح للعبث. في الفلسفة الوجودية والأدب الوجودي لسارتر ولكامو. بناء فلسفي ونفساني وأخلاقي متكامل. وجاءت تجربة الحرب الثانية (1939 و1945) وفظائعها لتعمق هذا الشعور العبثي The Absurd وتجعل منه فلسفة أجيال بأكملها، وصار جمهور المسرح الأوربي في ليالي الصقيع الروحي معلقا ومجمدا في انتظار غودو..الذي يأتي ولا يأتي!

مرحلة الوهم الكبير

وكانت فترة "ما بين الحربين" مرحلة الوهم الكبير في تاريخ القرن حيث اختلطت الرؤية وضاعت البوصلة وانقسمت أوربا على نفسها، ليس في الحدود والسياسة فحسب، بل في الأعماق النفسية والضميرية والأخلاقية، كذلك.

ففي قلب أوربا، على الجانب الألماني من الحدود، كان الألمان يعانون الهزيمة والأزمات والشعور المر بالهزيمة أمام الحلفاء الذين فرضوا عليهم تسويات مذلة في مؤتمر فرساي للسلام (1919 ) الذي لم ير فيه الألمان سلاما أو عدلا، بينما كان الفرنسيون بعد انتصارهم في تلك الحرب، وتعويضهم الهزائم التي عانوها أمام الألمان في القرن التاسع عشر، يعيشون في تاريخهم تلك الحقبة التي أسموها: الحقبة الجميلة La Belle Epoque، حيث كانت أيام باريس ولياليها استعراضا ترفيهيا بلا توقف للرقصات الجميلة، والأزياء الجميلة، والرغائب الجميلة، والأحلام الجميلة التي لم يوقظهم منها إلا صوت الدبابات النازية وهي تجتاز خط ماجينو الفرنسي الذي كان رمزا لوهم فرنسا الكبير في تلك الحقبة. ويصل هتلر إلى الشانزليزيه ويضع قوس "النصر" الفرنسي تحت صليبه المعقوف.

وعلينا هنا أيضا أن نستخلص من هذا المشهد التاريخي أهم دروسه:
لا يمكن أن تستمر حياة آمنة، هنيئة، رخية على جانب من الحدود، بينما على الجانب الآخر في الجوار حياة مضطربة، تعيسة، تتحفز للانتقام. هذه ظاهرة قد تدوم لبعض الوقت لكنها لن تدوم الوقت كله. ولا بد من علاجها - عربيا وخليجيا، وبين عالم الشمال وعالم الجنوب، وفي كل بلد - إذا كان لمقومات السلم والاستقرار والرخاء أن تسود.

علينا أن نتأكد أيضا من أن سلام الشرق الأوسط الجاري حاليا ليس نسخة مكررة من سلام فرساي عام 1919 الذي أطاحت به "الأصولية النازية"! وعلينا أن نتأكد، بالمثل. إن هذه الحقبة الشرق. أوسطية ليست حقبة ما "بين الحربين"، بل حقبة "آخر الحروب" كما نحن موعودون، وإنها. عربيا وخليجيا بالتحديد. ليست حقبة "الوهم الكبير" الذي عاشته أوربا بين حرب وحرب أفظع، ذلك ان مشاعر الإحباط العربي، اليوم، لا تقل عن مشاعر الإحباط الألماني بعد "سلم" فرساي.

هذه وقفة لا بد منها، إن كان ثمة معنى لهذا "الاتعاظ" الذي نحاول استخلاصه من التجارب الفكرية للقرن العشرين.

بداية النهاية

استطاع اليسار والماركسية بين الحربين، وبعد الحرب العالمية الثانية، أن يمثلا - فكريا وأيديولوجيا- النزعة "التفاؤلية" الأساسية على المشهد الأوربي ، مقابل الوجودية، والسوريالية، والدادية والبوهيمية.. إلخ، بما كانت تدعو إليه الماركسية من قيم نضالية وتحررية ملتزمة.

ولكن مشهد الدبابات الروسية في المجر كان بداية النهاية. وشجب سارتر، المتعاطف مع اليسار، هذا الحدث، كما انشق روجيه جارودي على قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي ابتعد بدوره عن موسكو. غير أن هذه التصدعات الخارجية في الواجهة السوفييتية لم تكشف بوضوح - بعد - مدى الصدع الداخلي العميق في النظام الشيوعي، وإن أسهمت إدانة خروشوف لعهد ستالين في رفع شيء من الغشاء والغشاوة. غير أن بعض الانتصارات العالمية المؤقتة لموسكو في ذلك الحين أجلت الانهيار إلى حين. أما أخطر ظاهرة في مجال لفت الأنظار إلى الانهيار المقبل فقد تمثلت في ظهور "ليخ فاونسا" من بين صفوف العمال في بولندا ليحتج على النظام. حاول كثير من المفكرين اليساريين تهوين الأمر واعتبار الأمر فقاعة برجوازية صفراء..أو مجرد مؤامرة أخرى.. وكنت في ذلك الحين أتابع ذلك المشهد (1980) وأنا مقيم في فرنسا. وسألت نفسي: ماذا لو ظهر ليخ فاونسا روسي في موسكو؟ إن فاونسا البولندي قد تقمعه روسيا ولكن من سيقمع فاونسا الروسي إن ظهر مع حركته العريضة؟ وكان هذا قبل أن يتسلم جورباتشوف السلطة بسنوات. وكتبت في حينه (1981): في بولندا مازالت تتفاعل حركة من أهم خصائصها تجاوز أعمق ركائز النظام الماركسي، نحو نظام آخر، لا يمكن تحديد معالمه منذ الآن، لكنه سيكون مختلفا بكل المقاييس عن النظام القائم ليس في بولندا وحدها، ولكن في المعسكر الشرقي كله.. فها هم العمال يتحركون ضد "دولة العمال".. (كتاب المؤلف: العالم والعرب سنة 2000، ص 15 وص 22).

وكان مثل هذا التنبؤ في ذلك الحين بمثابة هرطقة بالنسبة لمثقفي اليسار، واليسار المراهق بالذات، الذي شهدنا من صغائره ما عبر في الواقع عن السقوط الأخلاقي لهذا التيار قبل سقوطه الفكري والسياسي.

وتوالت أحداث الانهيار في المعسكر الشرقي، كما هو معلوم، وبما لا يحتاج إلى بيان.

مفارقة القرن... الساخرة

غير أنه إذا كان مشهد الانهيار الشيوعي مشهدا حقيقا لا شك فيه، فإن علينا أن نعود قبل مشهد النهاية، نهاية القرن، إلى فترة مراجعة النفس في المجتمعات الليبرالية بأوربا الغربية منذ الخمسينيات لنميز بين خطين متباينين: خط القلق والضياع الفكري والأخلاقي الذي عرضنا له في أوساط قطاعات غير قليلة من مثقفي أوربا الغربية، وخط البناء السياسي والتنموي المتدرج والمتصاعد بهدوء، عن طريق الأحزاب الديمقراطية، لإعادة بناء ما صدعته الحرب الثانية، وللعمل من أجل بناء أوربا الموحدة على المدى البعيد برؤية تاريخية أرى أنها من أنضج الرؤى السياسية التي تمخض عنها فكر القرن العشرين وأكثرها إبداعا وبعد نظر. ففكرة أوربا المتحدة هي أهم اختراع استراتيجي وحضاري توصل إليه الأوربيون لحماية أنفسهم في وقت تحرر فيه العالم من أوربا وبرزت قواه الصفراء والملونة

وقد كانت أوربا بعد الحرب الأولى أمتين :أوربا المنتصرة وألمانيا المهزومة فترة ما بين الحربين، وقف يوم الخامس من سبتمبر 1929. قبل عودة الأمتين إلى حرب جديدة بعشر سنين. رئيس الوزراء الفرنسي. في حينه. أرستيد بريان (BRIAND) ليدعو إلى قيام الولايات المتحدة الأوربية وذلك في عصبة الأمم بجنيف. ورغم أن دعوته في ذلك الحين قوبلت ببرود شديد، ووصف دبلوماسي أوربي تلك الجلسة بأنها: مراسم دفن من الدرجة الأولى، إلا أنه يعد اليوم بفخر أبرز الآباء المؤسسين لفكرة الوحدة الأوربية. وقد يكون في هذا المشهد عزاء لمن بقوا من دعاة الوحدة العربية، الذين يشعرون هم أيضا بأحاسيس الدفن عندما يبشرون بفكرتهم اليوم. ولكن إذا كان للحظة الآنية منطقها، فإن للتاريخ على المدى الأطول منطقه المختلف تماما.

وأيا كان الأمر فيجب ألا تفوتنا المفارقة التاريخية الساخرة التي يشي بها تاريخ هذا القرن: فالمجتمعات الشيوعية التي لم يكن مباحا في فكرها وأدبها غير التعبير عن التفاؤل بانتصار الواقعية الاشتراكية العتيدة، انتهت بالتصدع والانهيار، أما المجتمعات الليبرالية التي بالغ مثقفوها في التعبير عن قلقهم وضياعهم، ونفسوا عن مكبوتهم كله، فقد استطاعت بناء نفسها، وتحقيق خيار تاريخي بالتدرج نحو وحدة أوربية شاملة. ذلك درس، من دروس القرن جدير بالتأمل أيضا، وذلك مظهر آخر للجدل الديالكتيكي الحقيقي. لا الجدل المزعوم. الذي تتفاعل فيه عناصر السلب والإيجاب ليتحقق البقاء للأصلح.

مأزق الرأسمالية مع.. ذاتها

أخيرا يجب التمييز بين ال "يوفوريا" التي اجتاحت العالم الرأسمالي بعد سقوط الشيوعية وتمثلت فكريا في بالونة فوكوياما بشأن نهاية التاريخ (بسيادة الرأسمالية الليبرالية)، وسياسيا في شعار (النظام العالمي الجديد)، وبين الاحتمالات الحقيقية، الأكثر عمقا، لطبيعة التحولات الاستراتيجية والحضارية المتوقعة بين نهاية هذا القرن وبداية القرن المقبل.

وعلينا أن نتذكر بهذا الصدد الحقائق التالية:

أن القرن العشرين لم يشهد حربا كبرى بين الرأسمالية والشيوعية، وكل الحروب الكبرى كانت بين الرأسمالية ذاتها من أجل أسواق العالم .

أن اقتصار المشهد العالمي على القوى الرأسمالية وحدها لا يعني بالضرورة نهاية التاريخ كما زعم فوكوياما، فالصراع يمكن أن يستمر بين هذه الرأسماليات ذات الطبيعة التنافسية حتى الصعيد الأيديولوجي بحيث تطور كل رأسمالية أيديولوجيتها الخاصة بها لتميز ذاتها. أما صراعها في مجال الاقتصاد والمصالح فمسألة لا تحتاج إلى أدلة.

أن رأسماليات عالم اليوم والغد يفصل بينها للمرة الأولى في تاريخ العالم، فاصل حضاري وعنصري خطير. فالرأسماليات الأوربية والأمريكية تنتمي إلى الحضارة المسيحية الغربية والجنس الأبيض، أما الرأسماليات اليابانية والآسيوية الأخرى الصاعدة فتنتمي إلى الحضارة الشرقية البوذية والجنس الأصفر. فإذن للمرة الأولى في تاريخ العالم ستكون المواجهات الرأسمالية غير منحصرة في التنافس الاقتصادي، بل ستمتد لتشمل التنافس الحضاري والديني والعنصري. فهل هي إذن نهاية التاريخ أم بداية جديدة لتاريخ آخر من نوع أكثر جدة، وربما أشد حدة؟!

في مايو 1988 كتب كاتب هذه السطور في دراسة مستقبلية حول نهوض اليابان وآثاره: إن الجديد، جديد القرن الحادي والعشرين، هو إنه للمرة الأولى منذ ثلاثة قرون لن تكون جميع القوى الرئيسية في قمة التوازن العالمي منتمية إلى الجنس الأوربي الأبيض أو إلى الحضارة الأوربية الغربية.. (كتاب المؤلف، العالم والعرب سنة 2000 ص 138 ).

وتمت الإشارة في هذا السياق إلى صعود القوى الاستراتيجية. الحضارية الجديدة في الشرق الأقصى واحتمالات المواجهة بينها وبين الغرب.

هذه الفكرة عندما عبر عنها بروفيسور هارفرد الأمريكي، ديفيد هنتجتون، بعد خمس سنوات (1993) تحت عنوان (صراع الحضارات). تم تسويقها في الإعلام الغربي كفتح فكري مبين!.. وذلك مظهر من مظاهر الاختلال الفكري في القرن العشرين عاينته بالتجربة بين فكر غربي يحتل لنفسه، بقوة دولة، مكان الصدارة. وبين فكر "آخر" محكوم بالتهميش والإبعاد والنفي أيا كان إسهامه وسبقه. (وبالطبع، فإن معظم المثقفين العرب مشوا في الزفة كعادتهم..)

القرن.. الماكر!!

.. ثم ألم أقل لكم من البداية إنه قرن ماكر.. (وفي التاريخ مكر يتخطى كل الماكرين!).

قرن بدأ بأقبح أنواع الإلحاد والمادية.. وانتهى بأفظع أنواع التعصب والأصولية!.. بدأ بالشك إلى حد الإنكار السافر وانتهى بالقطع إلى حد التطرف النافر. قرن بدأ بإسقاط إمبراطوريات الأباطرة.. وانتهى بإسقاط إمبراطوريات البروليتاريا! قرن بدأ بـ "كشف الحجاب" ثم بالثورة الجنسية والإباحية الاستعراضية المطلقة.. وانتهى بعودة الحجاب وإعادة المرأة إلى البيت بل ووضع النقاب عليها.. بعد أن عراها تماما..! قرن بدأ بإجراء دعوات الحكومة العلمانية.. وانتهى بأصرح دعوات الحكومة الدينية..! قرن أشرقت شمسه من الغرب (الأوربي)..وتغرب اليوم في الشرق (الآسيوي!).إنه القرن الذي سيدخل التاريخ وهو يمشي على رأسه، لكثرة تقلباته! قرن إن سألته عن فلسفته في التاريخ سيقول لك ساخرا: أنظر رقاص الساعة في حركته المتطرفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ثم قل لي ما فلسفته ؟ ولكن حذار أن تصدق ما يقوله هذا القرن الماكر! فما قاله يعبر عن نصف الحقيقة، ويعبر عن المتحول والمتغير في التاريخ، فحسب. أما الثوابت فلم تزدها متغيرات القرن إلا قوة.. ثبت العلم وثبتت التقنية ومعهما الفكر الحر.

انتصرت الديمقراطية والليبرالية ومعهما مفهوم الاقتصاد الحر المنضبط بالمسئولية الاجتماعية.

ثبتت الحقوق الإنسانية وانعقد الإجماع عليها.. وثبتت، قبل كل شيء وبعده، حاجة الإنسان إلى الإيمان بالله وبالدين الحق في قيمه الجوهرية القائمة على الرحمة والتسامح والمحبة والصفح والغفران.

كتب المفكر الوجودي المؤمن بول تيليك Tillich في سبعينيات القرن: "في بداية حضارتنا الغربية اخترنا "العقل" بديلا وحيدا عن التقاليد والاعتقادات الموروثة. كان ذلك قرارا عظيما وشجاعا وقد أعطى الإنسان بالفعل كرامة جديدة. لكننا باتخاذ ذلك القرار استبعدنا الروح مصدر طاقة الحياة وحيويتها..لقد كبتنا قوة الروح وأذللناها..والآن عندما هرمت حضارتنا انطلقت قوى الروح الحبيسة لتدمر إسار العقل وتفقدنا الاتزان.

وقد قررت حضارتنا أن تبني لذاتها مجتمعا علمانيا.. كان ذلك عظيما أيضا وكنا بحاجة إليه، فقد أزال سلطان الكهانة المتحكمة باسم الدين ولكن هذا القرار ذاته حرمنا من أعمق ما يمنحه الدين: الشعور بالمعنى اللامتناهي بالحياة وامتلاك سر الوجود وجوهره.. والآن في نهاية عصرنا العلماني نشعر بالاقتراب من الهاوية لافتقارنا إلى ذلك الإيمان المنقذ المخلص".

وكان آخر ما كتبه فيلسوف التاريخ في عصرنا أرنولد توينبي: "يبدو أن الخلاص الوحيد للإنسان في عصر الكمبيوتر هو الصفاء الروحي الداخلي.. ذلك الصفاء الإيجابي المحب الذي لا يمكن تحقيقه بإدمان المخدرات أو الاستسلام للتعصب والعنف.." وأوجز شاهد آخر (ف. هابولد) الصورة بقوله: "شيء ما يحدث في العالم، إن جميع المؤسسات وجميع أنظمة الفكر من علمانية ودينية قد وصلت درجة التمازج والانصهار.. لقد اهتزت الأسس القديمة.. ولا يمكن أن تسع الدنان العتيقة الخمرة الروحية الجديدة، ونحن على وشك المرور بقفزة من تلك القفزات التطورية الهائلة التي تمر بحياة الإنسان العقلية والروحية".

.. تلك "الثوابت"، وهذه النظرة، هي عدة الإنسانية لدخول القرن الحادي والعشرين.

 

محمد جابر الأنصاري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




سيغموند فرويد





كارل ماركس





فى وداع القرن العشرين





تشارلز داروين