في حب نجيب محفوظ حسين عيد

في حب نجيب محفوظ

المؤلف: رجاء النقاش
كثيرة هي الكتب التي صدرت عن الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ، خاصة بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1988، وقليلة هي الكتب التي قدمت (إضافة) حقيقية أو (تناولاً) جديدا لعالم نجيب محفوظ، بحيث (تضيء) الطريق أمام القارئ، وتأخذ بيده (ليستمتع) وهو يقرأ تلك الأعمال. من هذا النوع الثاني، كتاب " في حب نجيب محفوظ " الذي صدر أخيرا للناقد المعروف رجاء النقاش الذي يصحبنا بأسلوبه السلس العذب في رحلة شائقة إلى عالم نجيب محفوظ، لنتابعه وهو يرسم لنا صورة (شخصية) للفنان، بما ضمنته من ملامح (عامة) كإنسان و(خاصة) كفنان.

اعتمد الناقد في إنجاز كتابه على ركيزتين أساسيتين.. الركيزة الأولى: علاقة (صداقة) وطيدة استمرت ما يقرب من خمسة وأربعين عاما، بدأت منذ مجيء رجاء النقاش لأول مرة إلى القاهرة عام 1951 من قرية " منية سمنود " إحدى قرى المنصورة، ليكمل تعليمه بكلية الآداب، وكان من أعز أهدافه أن يتعرف على نجيب محفوظ، بعد أن أصبح عاشقا له، منذ أن قرأ روايته " رادوبيس" في قريته تحت شجرة " جميز". وتحققت أمنيته عندما اصطحبه الناقد الكبير الراحل أنور المعداوي إلى " كازينو أوبرا "، وقدمه إلى نجيب محفوظ في ندوته الأسبوعية التي كان يعقدها في ذلك الوقت كل يوم جمعة، وازدادت تلك العلاقة قوة ورسوخا مع الأيام.

أما الركيزة الثانية التي اعتمد عليها الناقد الكبير في بناء كتابه فهي (حب) نجيب محفوظ، "فالحب هو المفتاح الأول للفهم والمعرفة"، وهو ليس حبا مطلقا من جانب واحد، بل هو يرتبط مع أعمال نجيب محفوظ بعلاقة جدلية، " فلو أن نجيب قد توقف عند مرحلة أدبية واحدة ، لتوقف الحب عند هذه المرحلة، وانتهى به الأمر إلى أن يصبح نوعا من الذكريات، ولكن نجيب محفوظ كان يتقدم ويتدفق يوما بعد يوم، كأنه " وردة " نادرة تجدّد عطرها وألوانها كل صباح".

ملامح عامة

أتاحت علاقة الناقد رجاء النقاش الطويلة بالأديب نجيب محفوظ، أن يقترب من شخصيته، وأن يتعرف على صفاته الشخصية عن قرب شديد. هذه الصفات والملامح وإن اشترك فيها مع العديد من البشر، إلا أنها شكلت جانبا أساسيا من شخصيته كفنان. ويمكن إنجاز هذه الملامح التي رصدها الناقد الكبير، فيما يلي:
- حرص على البساطة الكاملة في ملبسه ومظهره وسلوكه، شديد الصبر، صاحب بال طويل، وصدر واسع، ويتمتع بنفسية شديدة التسامح، أمين صادق مع النفس والآخرين، يثق في نفسه، ولكنها ثقة خالية من أي غرور، متواضع، لديه استعداد للرضا بما تأتي به الأيام، مع ميل للتفاؤل في أشد لحظات الحياة صعوبة وشدة.
- الوفاء للناس والأماكن، وهو ما يوضحه رجاء النقاش، حين يقول "ظل نجيب محفوظ يتردد أكثر من عشرين سنة على مقهى "عرابي " في حي الجمالية، وظل أكثر عن عشر سنوات يتردد على " كازينو الأوبرا ". وظل عشر سنوات أخرى يتردد على مقهى " ريش ". ولم يترك مكانا من هذه الأماكن إلا مرغما "، و" أكثر مجموعة ارتبط بها نجيب محفوظ وما زال مرتبطا بها حتى الآن هي مجموعة " الحرافيش "، وهم أصدقاؤه القدماء الذين يحبهم ويحبونه "

- ابن بلد، خفيف الظل، حاضر النكتة، سريع البديهة.

ملامح خاصة

إذا كان رجاء النقاش قد استطاع بحكم علاقته الطويلة بنجيب محفوظ، أن يقترب منه وأن يرصد ملامح عامة في شخصيته، قد يشترك فيها مع آخر، فأنه كنا قد حساس استطاع أن يكتشف عدداً آخر من ملامح خاصة انفرد بها نجيب محفوظ، وميزت شخصيته كفنان. ويمكن إيجاز هذه الملامح التي رصدها فيما يلي:
- محب وعاشق للغناء والطرب، "وهذا الميل إلى الغناء والطرب والتذوق.
الفني الرفيع عند نجيب محفوظ، هو سبب رئيسي آخر من أسباب تكوين شخصيته الإنسانية المهذبة المصقولة التي تحرص دائما على معاملة الناس بالحسنى، ومواجهة الحياة بالصبر وسعة الصدر، والنفور من الخصومات الحادة بينه وبين الآخرين".
- "بعيد"عن الامتلاء بنفسه. ذهنه ومشاعره تملك تلك النوافذ المفتوحة على الهواء والضوء"، "حريص كل الحرص على حسن الاستماع إلى الآخرين واحترام آرائهم حتى لو كانوا يختلفون معه أشد الاختلاف. ساعده ذلك على الوصول إلى هذه القدرة العالية في إدراك المتغيرات المتلاحقة في الفن والحياة".
- موهبة طبيعية عالية، وحساسية فنية عالية، وقوة ملاحظة بعقله ومشاعره معا، ووعي سليم يتطور الحياة والأساليب الفنية.
- " التكوين الأساسي الأول لنجيب محفوظ هو مزيج من مصطفى عبد الرازق (أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية الآداب التي التحق بها نجيب محفوظ في فجر شبابه) وسلامة موسى (الصحفي والمفكر الكبير في تلك الفترة). مزيج من النظرة المستنيرة إلى التراث العربي والإسلامي، والتطلع إلى التجديد الحضاري والدعوة إلى العدالة الاجتماعية ورد الاعتبار للجذور القديمة للشخصية المصرية.

لقد امتزج الأستاذان في شخص نجيب محفوظ للشخصية المصرية. وخرجت من هذا الامتزاج شخصية فكرية وأدبية جديدة، مليئة بالحيوية والاستقلال والموهبة.

- محب نادر لمصر، شديد الارتباط والإخلاص للمكان ويوضح رجاء النقاش أهمية هذه الصفة بقوله: " أن الأديب الحقيقي إنما يقيم عمله الفني على أساس الاختيار، وهذا الاختيار عادة نابع من تجاربه ومن الحياة التي يعرفها ويستطيع أن يجد فيها مادته الفنية التي يتفاعل بها تفاعلا صحيحاً"؛ لذلك "فقد التزم نجيب محفوظ من بداية إنتاجه الأدبي حتى الآن بالكتابة عن واختار مادته الأساسية من البيئة الشعبية في مدينة القاهرة، وهي البيئة التي عاش فيها وأحبها مصر، واختار مادته الأساسية من البيئة الشعبية في مدينة القاهرة ، وهي البيئة التي عاش فيها وأحبها وأخلص لها وفهمها أعمق الفهم".

- قدرة على مخاطبة الإنسان في وطنه إلى جانب قدرته على مخاطبة الإنسان في أي مكان، لأنه من " خلال إخلاصه العميق للبيئة العربية المحلية في مصر، تمكن عن الارتفاع في تصويره لهذه البيئة إلى المستوى الإنساني العام ".

ضوابط واعية

بعد أن رصد الناقد ملامح نجيب محفوظ العامة، التي قد يشترك فيها مع آخرين، ثم أضاف ملامح خاصة تميزه كفنان، وهي- جميعا- صفات لا يملك الفنان من أمرها شيئا، لأنها جزء من تكوينه، أضاف رجاء النقاش جانبا مهما من (الضوابط) التي يضعها الفنان (بوعي)، حتى يستقيم أمره ويستقر في عمله الفني. بدت هذه الضوابط تارة (كقرارات) ألزم نجيب محفوظ بها نفسه، وبدت تارة أخرى (كخبرات) استمدها من واقع مسيرته في الحياة والفن. ويمكن إنجاز هذه الضوابط كما يلي:

"التركيز على مهنة الكتابة، وفرض على نفسه- طائعا وسعيداً - قدراً عاليا من الاستغناء غن أي شيء آخر".

"حرص منذ بدايته الأدبية سنة 1932 ألا يكتب إلا باللغة العربية الفصحى ، ومن آرائه "أنه يكتب لكل العرب ولا يكتب للمصريين فقط"، وهذا الرأي عند نجيب محفوظ يعكس إحساسه القومي السليم، فهو يؤمن بأن الثقافة تقف في مقدمة عناصر التوحيد بين الأقطار العربية المختلفة ، وإن اللغة عنصر رئيسي من عناصر الثقافة العربية الواحدة".

- حرص على تنمية ثقافته على الدوام، فهو يتابع كل ما هو جوهري في الفن والفكر ، مما جعله كاتبا معاصرا على الدوام.

- المثابرة والدأب والانتظام في العمل.

- "الواقعية في النظر في الأمور، فلم يخدع نفسه أبداً، ولم يكن يتعلق على الإطلاق بأي أحلام صعبة أو طموحات مستحيلة".

-إيمانه الراسخ الأول الوحيد لأي نوع من أنواع النجاح"، "لذلك حرص على الاجتهاد في تقديم أفضل ما لديه، ثم يترك النتائج تأتي وحدها دون أن يجرى وراءها أو يرهق نفسه بما تحقق منها وما لم يتحقق".

- الرفض الكامل لأن يربط بين ما يكتبه وبين عملية النشر؛ لأنه "منذ بدايته لا يكتب بناء على طلب الخارج ، بل هو يكتب فقط ما يحس به وما يعبر عن تجربته، فإن لم يجد ما يكتبه توقف عن الكتابة ، فالدافع الأساسي للكتابة دافع داخلي، وليس دافعاً خارجيا".

- رفض طيلة حياته أن يعمل بالسياسة؛ لأن ذلك كان كفيلا أن يجره إلى دوامة عنيفة تعوق عمله الأدبي.

- وضع خطا فاصلا بين الأدب والصحافة ، ورفض العمل بالصحافة رفضا قاطعا برغم الإغراءات الكثيرة التي قدمتها إليه مؤسسات صحفية كبرى ليترك وظفينه ويتفرغ للعمل الصحفي.

- لم يتعجل الزواج وبناء أسرة حتى تجاوز الأربعين، حتى لا يربك حياته في مراحلها الأولى بمسئوليات قد تؤدى إلى تعطيله عن إعطاء أدبه ما يحتاج إليه من تفرغ واهتمام.

- وبعد أن تزوج حرص على أن يكون هناك فاصل دقيق بين حياته العامة وحياته الخاصة ، فالاختلاط بين الحياة العامة والخاصة كثيرا ما يؤدي إلى الاضطراب والفوضى في كل شيء.

- حرص على الاندماج مع الناس، ويوضح الناقد ذلك قائلا: " نجيب محفوظ من هؤلاء الفنانين العظماء الذين يعيشون بالعمق، ولا يعيشون بالعرض ، أي أنه لا يحب الحياة المزدحمة بالأشخاص والأحداث والأماكن الكثيرة، لأن هذا الازدحام يؤدى إلى السرعة في الفهم والشعور، بينما يؤدي الاختيار المحدود للناس والأماكن إلى العمق في المعرفة والإحساس".

رحلته الفنية

يحدد رجاء النقاش أهم إنجازات الروائي العربي نجيب محفوظ في مجال الرواية، فيقول: "بدأ نجيب محفوظ يكتب وليس أمامه طريق ممهد ومسبوق فصنع بجهده وعبقريته هذا الفن العظيم، الذي أصبح بفضله من فنون العرب الرئيسية وهو فن الرواية. ولم يكتف نجيب محفوظ بأن يحمل على كتفيه هم تأسيس هذا الفن، بل ثابر واجتهد وبذل جهداً غير عادي لتطويره حتى أصبحت كتاباته مقبولة ومحبوبة من الأجيال الجديدة التي ظهرت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات".

وعبر فصول القسم الثاني من الكتاب "الفن والإنسان في أدب نجيب محفوظ ". يرصد التطور الروائي للكاتب حين يقول: "منذ أن أنهى نجيب محفوظ الثلاثية المعروفة "بين القصرين وقصر الشوق والسكرية"، وهو يشق لنفسه طريقا جديداً في الفن والفكر على السواء ".

أما ملامح الطريق الجديد، فهي أولا في (الأسلوب) ؛ "فأسلوب نجيب محفوظ قد تغير إلى حد بعيد. لم يعد ذلك الأسلوب البطيء المتأني الذي لا تفوته كبيرة أو صغيرة بل أصبح أسلوبا سريعا، لا يقف أمام التفاصيل. إنه يتجه إلى العموميات أكثر "إنه أسلوب شعري: جمله قصيرة، مليء بالتوتر".

ويلح على الجانب الشاعر في أكثر من موضع: " فقد أصبح أسلوبه مليئا بالندى الشاعري الحلو، بعد أن كان موضوعيا قاسيا وأصبحت كتابته ذات موسيقى داخلية تتسرب إلى روحك تسربا عميقا".

وبعد أن أشار إلى ملمح التغير في (الأسلوب) ، يوضح ما صاحبه من تغير في (بناء) الروايات، فإذا نجيب محفوظ "ينتقل من الاهتمام بالتفاصيل إلى الاهتمام بالمشاكل الكلية العامة. ويتحول من ذلك الفنان الذي كان همه أن يعطينا أدق تفاصيل البيئة المحلية التي نعيش فيها، إلى فنان يعرض ويناقش مشكلة إنسانية عامة ، تعنى البيئة المحلية كما تعني الإنسانية كلها".

هنا، لا يتوقف عند رصد ملامح التغير في الطريق الجديد فقط ، بل هو يبحث جاهدا عن (تفسير) لهذا التطور، فنجده تارة في "أن نجيب محفوظ قد انتقل من النزعة الطبيعية التي سيطرت على إنتاجه حتى الثلاثية إلى شيء جديدا لا أجد اصطلاحا نقديا ينطبق عليه بدقة، ولكنني سأسمح لنفسي بأن اسمية باسم "الواقعية النقدية ". وهذا التطور من الناحية الفنية قد حمل معه تطورا آخر يسير إلى جانبه وينبع منه. فقد انتقل نجيب محفوظ من الإغراق في "المحلية" وبدأ يخطو خطوات أولى في طريق التعبير عن المشكلة الإنسانية العامة وبعبارة أخرى بدأ يسير في طريق "النزعة العالمية".

لم يكتف الناقد بهذا التفسير لتطور نجيب محفوظ. إنه يحفر عميقا محاولاً تلمس جوانب أخرى ، يعبر عنها بقوله: "في المرحلة الأولى من حياة نجيب محفوظ الفنية، وهي المرحلة التي انتهت بالثلاثية المعروفة كان نجيب محفوظ يجمع في شخصيته بين المؤرخ والفنان في نظرته إلى الواقع الذي يصوره، أما في المرحلة الجديدة التي جاءت بعد الثلاثية فقد أصبح نجيب محفوظ في نظرته إلى الواقع أشبه بالشاعر، ومهمة (المؤرخ الفنان) هي تسجيل الواقع تسجيلا أمينا دقيقا والكشف عن أسراره وخفاياه، أما مهمة الشاعر فهي التعبير عن هذا الواقع تعبيرا وجدانيا غنائيا".

تغيرات المرحلة الجديدة

ثم يرصد الناقد (ملمحا) آخر للتغير في المرحلة الجديدة ، حيت يقول: "ونستطيع أن نلاحظ التغيير الجديد عند نجيب محفوظ حتى من عناوين رواياته الأخيرة، فقد انتهت تماما نزعته إلى تسمية رواياته بأسماء الأماكن التي وقعت فيها، ومن أسماء رواياته الأخيرة: "أولاد حارتنا" و "اللص والكلاب" و "السمان والخريف" ثم "الطريق"..إلخ ، وكل هذه الأسماء تثير معنى في النفس دون أن تكتفي بالإشارة إلى مكان معين هو البيئة المادية للرواية ".

ويفسر مغزى هذا التغير، حين يقول: "إن نجيب محفوظ لا يهتم بتصوير هذه البيئة تفسيراً دقيقا واقعيا، مسرفا في دقته وواقعيته، كلا، إنه يرسمها رسماً عاماً، وفي خطوط قصيرة، ذلك لأن هذه البيئة لم تعد تعني شيئا في حد ذاتها، بل أصبح لها معنى رمزي" ؛ و "لأن الذي يهم الفنان هو أن يصور المدينة في نفس البطل أما المدينة الواقعية فلا تعنيه"، ثم يضيف رجاء النقاش ملمحا جديدا، بأن نجيب محفوظ "قد أصبح يميل ميلاً واضحاً إلى خلق بطل أساسي واحد في كل رواية، بينما في المرحلة الأولى يميل إلى عكس ذلك "، كما "أصبح لكل رواية مركز رئيسي تدور حوله وتتحرك بسببه ". وهو لا يكتفي برصد الملمح، بل يمضي كعادته ملتمسا (تفسيراً) له، ويرجع هذا الميل إلى أنه " من دون شك رغبة في التركيز الذي هو طابع المرحلة الجديدة في أدب نجيب محفوظ وهو يقوم بالتجميع والتقطير بدلا من رسم الصور ال (سكوب) للحياة والناس. وهو في هذا التركيز يقترب من طبيعة. الشعور والنظرة الشعرية". " ثم ينتقل إلى استكشاف ملامح (البطل الجديد) في روايات ما بعد الثلاثية ، فيقول " إن البطل الجديد عند نجيب محفوظ واحد من الذين يولدون ويخرجون عن الطابور العادي، ويقفون على تل مرتفع في الذكاء والحساسية ثم يكتشفون أن حياة الإنسان ليست "مستوية" كما تبدو من النظرة العادية. بل إنها تطل على هوة كبيرة مجهولة ". ويصل إلى نتيجة مفادها الإنسان عند نجيب محفوظ في مرحلته الجديدة إنسان له استقلاله الذاتي الخاص، إنسان له وجوده الداخلي الذي يتميز تميزا كاملا عن غيره، إنسان يمكن أن يوجد في أي مكان من العالم، لأنه بقلقه الخاص وهمومه الخاصة ينفصل عن بيئته بقدر ما يرتبط بصفته الإنسانية العامة أولا وقبل كل شيء.

ويوضح في تحليله لرواية "الشحاذ": أن البطل يريد أن يعرف، ونغمة البحث عن المجهول ترتفع في رواية الشحاذ ارتفاعا حاداً عنيفا. ولعل أعمق ما يجرى في داخلنا اليوم هو هذا الحنين إلى المعرفة".

يحلق الناقد في فضاء النص الأدبي، ليربطه بواقعنا المعيش حين يقول " في اعتقادي أن داخل رواية "الشحاذ" وفي أعماقها دعوة إيجابية كبرى تمس روح حضارتنا العربية كلها " ثم يستطرد: "إنها دعوة للإنسان العربي في مصر وغيرها لكي يقتحم الخطر ولا يقف عند الحدود الناعمة الساذجة للحياة، وإلا طمسته رياح التغيير الكبيرة العنيفة التي تهب على العالم. إن هذه الرواية أغنية من أجل " سوبر مان " عربي، من أجل إنسان يحلق في الفضاء وينزل إلى باطن الأرض. إن المعادل العلمي لرواية نجيب محفوظ المليئة بالشعر هي أن يكون في بلادنا جيش من العلماء يبحثون عن إجابة للأسئلة الكبرى الحائرة التي دارت في ذهن بطل الشحاذ ووجدانه، ولم يجد لها حلا فتحطمت حياته..ولكن بقي رمزاً عظيما للمحاولة. للجهد الكبير في البحث عن المجهول ". ونحن وإن قمنا بإطلالة (سريعة) من خلال منظور الناقد رجاء النقاش، على مرحلة مهمة من مراحل تطور كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، فإنها لا تغني أبداً- بل قد تحفز- عن قراءة متأنية، تستمع بأسلوب الناقد رجاء النقاش وهو يستكشف لنا مواطن الجمال في رواية "الحرافيش" أو وهو يثير قضايا أخرى تتعلق بأدبه..

 

حسين عيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





في الجمالية وسط الحي الشعبي الحسين كانت ولادة الروائي المبدع نجيب محفوظ





الأديب الكبير يغذي الشباب من نسغ تجربته في لقاء الجمعة