الكم واللولب المزدوج أهم منجزات العلم أحمد مستجير

الكم واللولب المزدوج أهم منجزات العلم

في وداع القرن العشرين

العلم - كالفن - لهو ، لعب بالحقائق .
وليس لأية لعبة..
أن تدعي القدرة على حل أحجية الأحاجي :

"ما هي الحياة الحقة؟".
من قصيدة للشاعر د. هـ. أودن

عندما قارب القرن الماضي على الانتهاء ، في مثل أيامنا هذه منذ قرن ، كان عالم رجال الفيزياء عالما هادئا مريحا مرتبا، مكونا من قسمين : المادة والإشعاع. المادة تتألف من ذرات لا تنقسم ، يمكن أن تلتصق ببعضها البعض لتكون جزئيات. أما الإشعاع الكهرومغنطيسي ، كالضوء ، فهو ذبذبة في أثير ضوئي لموجات تشبه موجات الماء على سطح بحيرة. وقبل أن ينتهي ذلك القرن ، ظهرت سلسلة من الاكتشافات الجديدة كان لها أن تثير اضطرابا هائلا في هذا العالم الآمن .

اكتشف العالم الألماني فيلهلم رونتجن إشعاعا لم يكن معروفا قبلا ، أشعة إكس أو الأشعة السينية. كان إشعاعا ذا خصائص عجيبة ، ويمكن أن ينفذ خلال معظم المواد. وفي ظرف بضعة أشهر لا أكثر ، وحتى دون أن تفهم طبيعة هذا الإشعاع استخدم في الطب حيث تكشف به كسور العظام والأعضاء الداخلية من الجسم. حصل رونتجن بهذا الكشف على أول جائزة نوبل للفيزياء ، عام 1901 ، ولنا أن نعتبر أن هذا الكشف كان بحق هو بداية ثورة الفيزياء الحديثة. عام 1858 كشف نوع آخر من الإشعاع يسمى أشعة الكاثود. وصنف السير وليام كروكس هذه الأشعة عام 1879 بأنها جسيمات تحمل شحنة كهربائية سالبة. ثم ثبت أنها تيار من جسيمات تشكل جزءا من الذرات.

وفي عام 1896 اكتشف هنري بيكيريل أن عنصر اليورانيوم يصدر تلقائيا - فيما يسمى بالنشاط الإشعاعي - صورة أخرى من الإشعاع. وعلى عام 1900 كان الزوجان بيير و ماري كوري قد عزلا عناصر أخرى مشعة ، وكان الفيزيائي البريطاني إيرنست رذرفورد وقد عرف ثلاثة أنواع من الإشعاع تصدرها هذه المواد : أشعة ألفا ، وأشعة بيتا، وأشعة جاما. كان علم الفيزياء ، عند بداية قرننا هذا على شفا تحول خطير : الذرة على ما يبدو ليست مما لا يمكن تحطيمه - الإلكترون على ما يبدو يمكن أن يفصل من الذرة.

اتضح أن أشعة ألفا جسيمات سريعة الحركة ، كل منها يكافئ بالضبط ذرة هليوم أزيل منها إلكترونان - أيون هليوم موجب الشحنة. أما أشعة بيتا فهي مجرد إلكترونات. لكن أشعة جاما ظلت لفترة معضلة ، مثل الأشعة السينية. وفي 1905 أصبح من المعتقد أنها صورة مكثفة من الأشعة السينية ، إن تكن أكثر قدرة على الاختراق لكن ، ما هي الأشعة السينية ؟

في عام 1912 كان الكثيرون من العلماء يعتقدون أن الأشعة السينية هي نبضات قصيرة مكثفة من الإشعاع الكهرومغنطيسي تنتشر بطريقة تشبه طريقة انتشار الضوء . أما السبب في أنها تبدو إشعاعا مستمرا غير متقطع فهو أن هذه النبضات تتتابع بسرعة كبيرة. لكن السير وليام هنري براج حاول تفسير سلوك هذه الأشعة بأنها تيار من الجسيمات لا يحمل أي شحنة كهربائية ، واستمر الجدل في العقد الأول من هذا القرن فيما إذا كانت الأشعة السينية موجات أم هي جسيمات. وبعد عمل مكثف قام به ماكسر بلانك لتفسير نتائج قياسات دقيقة جدا لطيف الإشعاع الحراري وقع على فكرة أن الطاقة تنبعث أو تمتص في كميات متميزة . كانت هذه فكرة جديدة تماما ، حتى لقد كان من الصعب عليه هو نفسه أن يتقبلها، لكنها أخذت على أنها تعني أن الذرات تقبل الضوء أو تمتصه في وحدات مميزة ، ولا تعني أن الضوء لا يوجد إلا في وحدات مميزة. شخص واحد على ما يبدو قد أخذ الفكرة مأخذ الجد - نقصد فكرة أن الضوء قد يسلك سلوك تيار من الجسيمات. كان هذا الشخص هو ألبرت أينشتين .

في عام 1905 اقترح آينتشين تفسيرا للظاهرة الضوكهربية يفترض أن الضوء يأتي في حزم مميزة ، كجسيمات نسميها الآن فوتونات. كان من المفروض أن زيادة كثافة الضوء أو كميته لا بد أن ترفع سرعة انطلاق الإلكترونات من الفلزات عند سقوط الضوء عليها. لكن نتائج التجارب أوضحت أن سرعة الإلكترونات لا تتغير بذلك ، إنما يتزايد عدد الإلكترونات المنطلقة ، أما زيادة سرعة الإلكترونات المنفردة فلا تحدث إلا بزيادة تردد الضوء ، لا كثافته. قال آينشتين إن زيادة كثافة الضوء لا تعني إلا زيادة عدد الفوتونات المنطلقة في الثانية ، أما زيادة تردد الضوء فتعني زيادة طاقة كل فوتون ، فتشتد ضربته وتزداد سرعة الإلكترون المنطلق. كان تفسيره للشواهد يعلل كل تفاصيل الظاهرة الضوكهربية بطريقة عجزت عنها النظرية الموجية.

والأشعة السينية - في عام 1923 - ومثلها أشعة جاما هما صورتان من الضوء أكثر طاقة ، لكن هذه الصور الثلاث من الإشعاع تسلك سلوك الموجة أحيانا ، وسلوك الجسيم أحيانا أخرى : ذلك يتوقف على نوع التجربة التي نختارها للدراسة. لكن ، إذا كانت الموجات تسلك أحيانا سلوك الجسيمات ، فلماذا إذن لا تسلك الجسيمات سلوك الموجات؟ نشر ده برولي نتائج تجاربه عام 1921. تعطى الأشعة السينية أثناء العملية الضوكهربية كل كمها من الطاقة - ليس ثمة جمع بين موجة وجسيم يتحركان معا. الأشعة السينية ليست اقترانا لموجة وجسيم ، وإنما لها مزيج من خصائص الجسيمات وخصائص الموجات. ثمة معادلة لآينشتين تربط الطاقة المخزنة في كتلة المادة ، بسرعة الضوء. تقول المعادلة إن هذه الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء. وجسيمات الضوء - الفوتونات - اللازمة للظاهرة الضوكهربية ليس لها كتلة بالمعنى المفهوم ، لكنها تحمل طاقة ، وهذا يعني أن لها ما يسمى "كمية التحرك" ، وهذه خصيصة ترتبط عادة بالأجسام المتحركة ذات الكتلة. هي مقياس للدفع اللازم لإيقاف جسم متحرك ، أو هي ما يحتاج إليه الجسم كي يصل إلى سرعته. ثمة معادلة تقول إن كمية التحرك تساوي الكتلة مضروبة في السرعة. وهناك معادلة - تسمى معادلة بلانك - تعبر عن كمية الطاقة المحمولة في كم الإشعاع (أي الفوتون) ، وتستخدم ثابتا جديدا اسمه ثابت بلانك ، تقول إن الطاقة تساوي ثابت بلانك مقسوما على طول الموجة. أشار آينشتين إلى أن كل فوتون لا بد أن يحمل كمية تحرك يحددها حاصل قسمة طاقته على سرعته. واستنبط عام 1916 معادلة تربط كمية التحرك - وهذه خصيصة للجسيمات - بالتردد ، أي طول الموجة ، وهذه من خصائص الموجات.

ثم جاء لويس ده برولي فاقترح ، عام 1923 ، إن التردد ، أو طول الموجة ، الذي يرتبط بإلكترون ذي كمية تحرك لا بد أن يكون في مثل واقعية كمية التحرك المرتبطة بفوتون ذي طاقة. قال إن كل جسيم له كتلة وسرعة يرتبط به طول موجة. كلما ازدادت كتلة الجسيم قل طول موجته ، وكلما صغرت الكتلة ازداد طول موجة الجسيم ، وهذا هو السبب في ألا تبين ظاهرة الطبيعة الثنائية للجسيم والموجات في حياتنا اليومية.

وجهان للعملة نفسها

في عام 1927 جاء إثبات واقعية "موجات المادة" - التي قال بها ده برولي - عن أبحاث أجريت بالولايات المتحدة وبريطانيا. ثبت إذن أن ما نظنه ظاهرتين منفصلتين - الجسيمات والموجات - هما مجرد وجهين لنفس العملة. لم يعد يصلح إذن أن نسأل : هل الإلكترون - أو الفوتون - جسيم أم هو موجة؟ إن الاسم الفوتون أو الإلكترون أو الأشعة السينية هي مجرد أسماء نطلقها على ظواهر طبيعية مختلفة. فقد نقيس هذه الظواهر بالتجربة ، لنفسر نتائجها في صيغة سلوك جسيمات ، وقد نختبرها بشكل آخر ليكون أفضل ما يفسر النتائج هي قوانين الفيزياء التي تصف الموجات. اسأل سؤالا جسيميا تتلقى إجابة جسيمية ، ضع سؤالا موجيا وستكون الإجابة موجية لكن الظاهرة الطبيعية نفسها ليست في الواقع موجة أو جسيما ، إنها شيء يسمى "الموجسيم". الموجة كما نعرفها شيء منتشر ، والجسيم شيء محدد تماما يشغل مكانا محددا في زمن بعينه. كيف نصالح بين هاتين الصورتين المتعارضتين ، علينا أن نقوم بهذه المصالحة إذا كان لنا أن نعتبر الإلكترون موجة وجسيما في نفس الوقت. يمكننا أن نتصور دفعة صغيرة من الموجات ، تيارا من موجات يمتد مسافة قصيرة ، مسافة توازي مثلا حجم الجسيم. ليس من الصعب أن نشكل مثل هذه الدفعات الموجية في العالم الواقعي ، لكن ذلك لا يكون إلا بالسماح للموجات ذات الأطوال المختلفة من التداخل مع بعضها البعض ، وكلما صغرت الدفعة ازداد تنوع أطوال الموجات اللازم لحفظها كما يجب.

ثم جاء فيرنر هايزنبرج - الفيزيائي الألماني - وأعلن إنه من المستحيل أن نتمكن من قياس الموقع المضبوط تماما لجسيم صغير كالإلكترون ، ومن المستحيل أيضا أن نقيس حركته بالضبط . نستطيع من الناحية النظرية أن نقيس إحدى هاتين الخصيصتين ، وأن نرفع من درجة دقة القياس لنقترب منه - ولا نصل أبدا إلى - الدقة المطلقة. لكننا لا نستطيع أن نقيس هاتين الخصيصتين معا بدقة عالية في نفس الوقت. إن قياس الموقع بدقة عالية يعادل ضغط الدفعة ، وصغر دفعة الموجات يعني زيادة انتشار أطوال الموجات وبالتالي انتشار الحركة.

وقياس الحركة بدقة عالية يعادل أن نختار للإلكترون طولا موجيا محددا جيدا ، أي سرعة ، وهذا يعني أن يمتد الرتل الموجي عبر مسافة طويلة. ليس الأمر هو مجرد إهمال من المجرب في قياس الموقع وكمية الحركة في نفس الوقت. إن الجسيم ببساطة لا يمتلك قيمتين دقيقتين متزامنتين لهاتين الخصيصتين - كما يقول بول دافيز . ربما كان الإلكترون هو أكبر جسيم يمكن معه أن نتعامل مع ثنائية الموجة - الجسيم - والإلكترونات هي ما يحدد سلوك الذرات ويقرر أيها يتحد مع أيها لتكوين الجزيئات. اقترح إيرنست رذرفورد عام 1911 ان كتلة الذرة لا بد أن تتركز في نواة بمركزها . ثم قام نيلز بوهر ، الفيزيائي الدانمركي ، بتطوير أول نظرية معقولة تمزج فيزياء الكم مع صورة رذرفورد للذرة في نمط نظري توجد فيه الإلكترونات في سحابة حول النواة ، سحابة تشكل معظم حجم الذرة ولا تشترك في كتلتها إلا قليلا. ثم جاء إيرفين شرودنجر ليضع معادلة موجية تصف سلوك الإلكترون وتقدم نمطا مقبولا لطريقة عمله. وعلى نهاية العشرينيات من هذا القرن ، كان ثمة نمط لتركيب الذرة مقبول - ولا يزال - يقول :

تتألف نواة الذرة من نوعين من الجسيمات : البروتونات والنيوترونات ( ويسميان معا باسم النكليوتات ). للبروتونات شحنة كهربائية موجبة تعادل بالضبط نفس شحنة الإلكترون السالبة ، وتبلغ كتلته نحو 1836 ضعف كتلة الإلكترون ، أما النيوترون فهو متعادل كهربائيا ويزن 1839 ضعفا لكتلة الإلكترون. وتعرف وحدة الكتلة الذرية ( الدالتون ) بأنها 1 : 12 من كتلة نواة ذرة الكربون التي تحمل 12 نكليونا. والذرة متعادلة كهربائيا ، فكل بروتون في النواة يعادله كهربائيا إلكترون في السحابة المحيطة. وذرة الأيدروجين هي أبسط الذرات ، لنواتها بروتون واحد ولسحابتها الإلكترونية إلكترون واحد . ولما كانت السحابة الإلكترونية هي التي توفر وجه الذرة الذي ( تراه ) الذرات الأخرى ، كما توفر الوسيلة التي عن طريقها تتفاعل الذرات ، فإن عدد الإلكترونات في السحابة هو ما يحدد الخصائص الكيماوية للذرة ، أي يحدد إلى أي عنصر كيماوي تنتمي الذرة. وعدد الإلكترونات يساوي بالطبع عدد البروتونات بالنواة ( الذي يسمى العدد الذري ) ، فإضافة نيوترون إلى النواة يجعل الذرة أثقل ، لكنه لا يغير تقريبا من خصائصها الكيماوية. أما إضافة بروتون - وبالتالي أيضا إلكترون - فإنه يحول الذرة إلى ذرة مادة أخرى ، ذرة الأيدروجين مثلا إلى ذرة هليوم.

انتصار لنظرية الكم

كان لأعمال نيلز بوهر و لويس ده برولي وشرودنجر الفضل في تفسير ما يجري داخل سحابة الإلكترون ، وقد بنيت هذه الأعمال على الشواهد التي قدمها جدول مندليف الدوري للعناصر ، إذ اتضح أن ترتيب العناصر في الجدول يتوافق مع زيادة عدد البروتونات في النواة. وأمكن تفسير الخصائص الكيماوية في الجدول الذري بافتراض إمكان إيلاج إلكترونات على مسافات مختلفة من نواة الذرة في مواقع محددة جيدا تسمى القشرة. فالإلكترون الأوحد لذرة الأيدروجين يحتل أقرب قشرة إلى البروتون بالنواة ، وليس بهذه القشرة سوى موقع واحد آخر يمكن أن يولج به إلكترون آخر ، ليتحول الأيدروجين بذلك إلى هليوم ( بعد إضافة بروتون إلى النواة ). لا تحمل هذه القشرة أكثر من إلكترونين ، فإذا زاد عدد إلكترونات ( وبروتونات ) الذرة إلى 3 ، مضى الإلكترون الثالث إلى قشرة ثانية خارجية يمكنها ( مثل كل قشرة بعدها ) أن تحمل ثمانية إلكترونات ، لتقفل هذه القشرة إذا وصل عدد إلكترونات الذرة إلى 10 ( 2 + 8 ).

فإذا كانت أبعد قشرة عن النواة مقفلة ، كان العنصر مستقرا لا يتفاعل كيماويا. وإذا كانت تحمل إلكترونا واحدا غدت الذرة غير مستقرة على الإطلاق ، بمعنى أنها تنزع إلى التفاعل مع غيرها من العناصر كي تكون مركبات كيماوية ، أي أنها - بمعنى ما - تعطي هذا الإلكترون إلى ذرة أخرى لتعرض القشرة الداخلية المستقرة المشبعة بإلكتروناتها . تتعقد الأمور بعض الشيء في الذرات الأكبر ، إذ اتضح أن بعض القشرات الخارجية يمكنها أن تحمل أكثر من 8 إلكترونات ، كما أن بعض القشرات الخارجية المشبعة في بعض العناصر قد تسمح بدخول بعض الإلكترونات إلى القشرات الداخلية ، لتنتج عناصر لا تختلف عن بعضها كثيرا في الخصائص الكيماوية ( لتطابق قشرتها الخارجية ) وإن اختلفت في العدد الذري. وكان تفسير هذه الملامح المعقدة واحدا من الانتصارات العظيمة لنظرية الكم.

إذا كانت الإلكترونات عند بوهر جسيمات تدور حول نواة الذرة مثلما تدور الكواكب حول الشمس ، وإذا كانت النظم تسعى إلى أدنى حالة طاقة ممكنة ، فلماذا لا تنزلق الإلكترونات نحو النواة وتطلق طاقتها ؟ تقول نظرية الكم إن الإلكترونات لا تستطيع أن تفعل ذلك ، فالطريق إلى النواة ليس مجرد منحدر تنزلق فيه ، إنما هو سلسلة من الخطوات ، سلم ، يطلق فيها الإلكترون في كل خطوة ، في كل سلمة ، فوتون ضوء. تسمى السلم باسم منسوب طاقة ، ولأسباب ميكانيكية كماتية ، لا يستطيع الإلكترون أن يتخذ الخطوة الأخيرة بالسقوط في قلب الذرة ، في النواة. أنقذت فكرة ده برولي عن موجات الإلكترون ، ومعادلة شرودنجر الموجية ، أنقذتا النظرية الذرية ، وفتحتا الطريق لتفهم الوسيلة التي بها ترتبط الذرات ببعضها لتشكيل الجزيئات. علينا أن نعتبر أن سحابة الإلكترون المفرد المنتشرة تكون أكثف في بعض المواقع عنها في البعض الآخر ، فإذا أخذنا الإلكترون على أنه جسيم ، فإن هذا يعني أن احتمال وجوده في بعض المناطق ( أي في المنطقة الأكثف من السحابة ) سيكون أعلى منه في مناطق أخرى. لكن الأفضل أن نتصور الإلكترون كسحابة منتشرة حول النواة. والإلكترونات في المدار الأبعد تقضي " وقتا أطول " بعيدا عن النواة ، سحبها المدارية مركزة بعيدا عن النواة ، وارتباطها بالنواة لذلك سيكون أقل ، والإلكترونات ذات منسوب الطاقة الأعلى - أي تلك الأبعد عن النواة - هي الأسهل في الانفصال عن الذرة مقارنة بالإلكترونات الأقرب إلى النواة. ثم إن المعادلة الموجية الكماتية تتنبأ بالضبط بعدد الإلكترونات التي يمكن لكل قشرة أن تحملها.

البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية

إن من يصف ويدرس ما هو حي يفتش عن الروح أولا ، فلا يبقى بين يديه غير شظايا تفتقر - يا لوعتي - إلى رباط الروح

فولفجانج جوته ( في : فاوست )

في عام 1900 أعد علماء ثلاثة اكتشاف أعمال مندل التي نشرها عام 1865. كان الراهب جريجور مندل معاصرا لداروين . آه لو التقيا ! أثبت بأبحاثه على نبات بسلة الزهور خطأ " الوراثة المزجية " وقال بوجود وحدات منفصلة ، عوامل - متنحية وسائدة - تنتقل من الآباء إلى الأبناء ، فلا تمتزج عوامل الأبوين في النسل ، وإنما تبقى ثابتة وكل محتفظ بكيانه ، ينقلها الأبناء إلى نسلهم. لم يجهد مندل نفسه ليتأمل في الأساس الفيزيقي لهذه العوامل . كان المناخ العلمي على بداية قرننا هذا متعطشا لدراسة الكيفية التي تورث بها الصفات في الكائنات الحية. لم تكن الضجة الكبرى التي أثارها كتاب " أصل الأنواع " لداروين قد هدأت ،

وكانت فكرة جالتون - ابن عمة تشارلز داروين - عن التحسين الوراثي للإنسان تشغل الأذهان كثيرا وتتطلب التعضيد التجريبي. وكان الجو مهيأ لتقدم مثير في علم الوراثة ، فبعد اكتشاف الميكروسكوب في ثلاثينيات القرن الماضي ، اكتشف العلماء أن بداخل الخلية - نباتية أو حيوانية - توجد نواة تنقسم مع انقسام الخلية. ثم لاحظ العالم السويسري كارل فون نيجلي أن ثمة أجساما عضوية الشكل توجد في نوايا الخلايا النباتية.

واتضح أن لكل نوع من الكائنات عددا محددا من هذه الأجسام العضوية - الكروموزومات - التي توجد في أزواج. وفي عام 1883 أعلن العالم الألماني أوجست فايسمان عن اعتقاده بأن توارث الصفات يحدث من خلال ما أسماه المادة الجرثومية ( الجيرمبلازم ) وأن مادة الوراثة ليست سوى جزيئات كيماوية يمكن دراستها. ومن هنا نشأت فكرة البيولوجيا الجزيئية.

الجهاز الوراثي واللغة الوراثية

كان يوحنا فريدريخ ميشر الألماني قد اكتشف مادة الدنا عام 1865 ، وأطلق عليها اسم النكلين ، وقد وجدها في خلايا الخميرة والكبد والكلى والخصية وكرات الدم ، ثم اكتشف أن رأس الحيوان المنوي للسالمون يتكون أساسا من هذه المادة. لكنه مات وهو ما لا يزال يعتقد أن بروتين النواة هو أساس الوراثة .

عندما أعيد اكتشاف أعمال مندل كان من المعروف أن نواة الخلية تحمل الجهاز الوراثي ، وأن الكروموزومات البروتينية لها علاقة بالوراثة. بدأت إذن ، وفي حمية ، ثورة هائلة من التجارب الوراثية ، قادها توماس هنط مورجان منذ عام 1910 بأعماله الرائدة بجامعة كولومبيا على حشرة ذبابة الفاكهة ( دروسوفيلا ميلانوجستر ) ، وهي حشرة صغيرة سهلة التكاثر لها أربعة أزواج من الكروموزومات . أثبت مورجان أن الكروموزمات هي الأساس المادي للوراثة ، تصطف عليها الجينات ( الاسم الجديد لعوامل مندل ) مرتبة على طولها مثل حبات العقد ، وإن الكروموزوم يمثل مجموعة ارتباطية واحدة من الجينات ، وأن ثمة تبادلا قد يحدث بين فردي كل زوج من الكروموزومات ( واحد من كل زوج في الفرد يأتي عن الأب والآخر عن الأم ).

وبحلول عام 1922 كان مورجان وفريقه قد حللوا نحو 2000 جين على كروموزومات الدروسوفيلا الأربعة. وظل الجميع يعتقدون أن البروتينات هي أهم الجزيئيات بالنسبة للوراثة.

شيء غريب اكتشفه البكتريولوجي البريطاني فريدريك جريفيث . اكتشف أن بكتيريا الالتهاب الرئوي الميتة يمكن أن تحيل البكتيريا الحميدة من عائلة نيموكوكوس إلى بكتيريا ممرضة! اعتقد جريفيث أن البكتيريا الميتة توفر بروتينا ما يسبب هذه الظاهرة المحيرة ، ليترك الأمر لإيفري وبعض زملائه.

درس إيفري وزملاؤه الظاهرة ، ونشروا عام 1944 بحثا بمجلة الطب التجريبي تقول بوضوح وصراحة إن الحامض النووي الديؤكسي ريبوزي (الدنا) هو المسئول عن تحول البكتيريا. لأول مرة يعرف أن الدنا هو المسئول عن توريث الصفات . لكن الأمر تطلب تسع سنوات حتى يقبل معظم العلماء هذه الفكرة : حتى عام 1953 ، عندما نشر جيمس واطسون وفرانسيس كريك بحثا قصيرا، من 900 كلمة ( حصلا به على جائزة نوبل ) بمجلة نيتشر البريطانية عرضا فيه تائج بحثهما عن تركيب جزىء هذا الحمض النووي .

كان هذا البحث ، كما يقول واطسون ، " هو أكثر الوقائع أهمية في علم الحياة منذ كتاب داروين " ، وقد أثبت ما سبق أن أكده فرانسيس كريك من " إنه من الممكن حقا أن تفسر مجالات غامضة - كطبيعة الحياة - عن طريق الفيزياء والكيمياء ". كانت قصة هذا الكشف مثيرة حقا ، ولقد كتبها جيمس واطسون نفسه في كتاب عنوانه " اللولب المزدوج " (صدر في عام 1968) شرح فيه تفاصيل الحوادث - حتى الشخصي منها - التي قادت في نهاية الأمر إلى كشف سر لولب دنا المزدوج ، كما كتبها أيضا رفيقه فرانسيس كريك في كتاب عنوانه "يا له من سباق مجنون" (صدر عام 1988).

بدأ بهذا البحث التشريح الكمياوي لمادة الوراثة للتعرف على التركيب الجزئي لها. وتحول علم الوراثة من علم يتعامل فقط مع الصفات التي تتباين فيها الأفراد ، إلى علم يتعامل أيضا مع مادة الوراثة ذاتها. إذا كان لنا جميعا خمسة أصابع ، فإن هذه الصفة لم تكن لتدخل في مجال علم الوراثة.. إلى أن يظهر شخص يحمل ستة أصابع مثلا ، أما بعد أن أصبح في إمكاننا أن نعرف التركيب الجزئي للجهاز الوراثي فلنا أن نبحث عن الجينات التي تسبب ظهور خمسة أصابع لكل منا ! ثم أخذ علم الوراثة يتحول شيئا فشيئا بعيدا عن الدروسوفيلا نحو كائن وحيد الخلية يسهل التعامل الجزئي مع مادته الوراثية : نحو بكتيريا القولون ، التي تتضاعف بالانقسام مرة كل 30 - 40 دقيقة.

نموذج الدنا الذي توصل إليه واطسون وكريك نموذج جميل جميل. جزئ الدنا عبارة عن لولبين متعانقين ، حبل طويل من جديلتين كل منهما تلتف حول الأخرى ، حبل من بلايين الذرات المترابطة. تخزن البيانات الوراثية - أو المعلومات - داخل هذا الجزئ عن طريق ترتيب هذه الذرات. تتكون الجديلة من ملايين عديدة من وحدات تحت ميكروسكوبية عديدة تسمى النوتيدات ، كل منها مؤلف من جزأين : تركيب مسطح يسمى القاعدة يقع في اتجاه الجديلة الأخرى ، ثم ركيزة للجديلة والركيزة تتكون من جزأين : سكر خماسي ومجموعة فوسفات. أما القواعد التي تنتظم رأسيا على السكر فمنها أربعة أنواع : الأدنين (أ) ، والثايمين (ث) ، والجوانين (ج) ، والسيتوزين (س). ولما كان بكل نوتيدة قاعدة واحدة فمن الممكن أن تسمى باسمها. وترتيب توالي هذه القواعد على الجديلة يعني المعلومات. وترتبط كل قاعدتين متقابلتين في الجديلتين برباط أيدروجيني ضعيف ، بحيث لا يقترن السيتوزين (س) إلا مع الجوانين (ج) ولا يرتبط الأدنين (أ) إلا مع الثايمين (ث).

وينقسم الشريط الطويل من الدنا إلى جينات (عوامل مندل) ، كل له بداية وله نهاية. وفي الجين توجد البيانات في صورة كلمات لا حروف ، وتسمى الكلمة في اللغة الوراثية باسم "الكودون" ، والكلمة الوراثية من ثلاثة أحرف متوالية ( ومنها 64 كلمة لأن لدينا أربعة أحرف فقط ) يشفر معظمها للأحماض الأمينية.

ولما كان عدد الأحماض الأمينية عشرينا فإن بعض الكودونات يشفر لنفس الحمض الأميني ، وبعضها هو إشارات بدء أو استهلال ، وكودون بدء الجين مهم بالطبع لإمكان القراءة الصحيحة.

والتعبير عن الجين يعني أن ينتج عنه البروتين الذي يشفر له - والبروتين هو تتابع من البوليبتيدات ، وهذه هي تتابع أحماض أمينية. يبتدئ الأمر بعملية تسمى عملية النسخ ، إذ يرتبط إنزيم يسمى إنزيم بلمرة الرنا (والرنا حمض نووي يشبه الدنا فيما عدا أن جديلته أقصر وأن الريبوز فيه غير منزوع الأكسجين يوجد في صورة جديلة واحدة وإن قاعدة اليوراسيل تحل فيه كل الثايمين ) يرتبط بنوتيدة دنا قرب أحد طرفي الجين ، ثم يتحرك على طول الجين بين الجديلتين، مفسخا اللولب ، وصانعا لسلسلة من الرنا مكملة لسلسلة الدنا . فإذا كانت أول نوتيدة - مثلا - هي س وضع بمساعدة الإنزيم القاعدة ج ، ويستمر الأمر هكذا إلى أن يصل الإنزيم إلى نهاية الجين ، فيخرج ، وتحرر سلسلة الرنا هذه (ويسمى هذا الرنا باسم الرنا المرسال) ، لتنفذ من جدار النواة إلى السيتوبلازم حيث تتم عملية الترجمة ، وذلك بأن يرتبط الدنا المرسال ، ابتداء من كودون البدء ، بجسم من أجسام الريبوزومات الموجودة بالسيتوبلازم . يسبح بالسيتوبلازم نوع آخر من الرنا يسمى الرنا المترجم يقوم بجلب الأحماض الأمينية إلى جسيمات الرنا المرسال لتصف الأحماض واحدا واحدا حسب الشفرة التي نقلت عن الدنا ، أي ان الأحماض الأمينية ستتابع حسب الترتيب الذي يفرضه دنا النواة ، لتتكون بذلك السلاسل النوتيدية التي تمنح البروتين خصائصه الكيماوية والفيزيقية المتفردة سس. أما الشيء الغريب حقا فهو ما وجد من تشابه مذهل في الكودونات التي تكون الرنا المرسال في البكتيريا والبرمائيات والثدييات ، الأمر الذي يشير - كما يقول نيرنبرج "إلى أن معظم أشكال الحياة على الأرض - إن لم تكن كلها - تستخدم نفس اللغة الوراثية تقريبا ، وإلى أن هذه اللغة قد استخدمت فترة لا تقل عن خمسمائة مليون سنة - ربما مع بعض تحويرات كبيرة معدودة".

بحلول عام 1969 كانت معظم تفاصيل الشفرة الوراثية قد حلت. ثم ظهر كشفان غريبان في البكتيريا : أولهما أن ثمة حلقات من الدنا تسمى البلازميدات توجد داخل البكتيريا وتستطيع أن تتحرك بحرية بين الخلايا البكترية ، فيخرج الواحد منها من بكتيرة ليدخل أخرى ويسكبها ما يحمله من صفات وراثية. وثانيهما أن ثمة إنزيمات بالبكتيريا تسمى إنزيمات التحديد أو البتر - تستخدمها في مقاومة ما يصيبها من فيروسات (فاجات) وذلك بأن يقطع الإنزيم منها المادة الوراثية للفاج في مواضع يحددها تتابع بذاته من القواعد على دنا الفيروس ( هناك - مثلا - إنزيم لا يعمل إلا إذا وجد بدنا الفيروس التتابع ج ج أ ث س س ، فيقطعه بين حرفي ج ، وثمة إنزيم آخر يقطع الدنا ما بين أ ، ج إذا وجد التتابع س ث ج س أ ج ). وقد اكتشف العلماء حتى الآن ما يقرب من 300 إنزيم مختلف ، وهي تصلح جميعا لقطع دنا أية كائنات عند وجود التتابع الصحيح من القواعد. ثمة إنزيمات أخرى تسمى إنزيمات الوصل أو الليجيزات تستطيع أن ترتق الأجزاء المقطوعة من الدنا. يمكن إذن أن نقطع بلازميدا في موقع معين ثم نولج به جينا غريبا قطع من كائن آخر. يمكن إذن أن نجري : التطعيم الجيني ، أي الهندسة الوراثية - إيلاج جين من كائن في الجهاز الوراثي لكائن آخر لا يمت له بصلة ، على أن يعمل هذا الجين - بالطبع - في موقعه الجديد مثلما كان يعمل في موقعه الأصلي . تمت الأولى من هذه التجارب عام 1973 ، وهذا تاريخ بدء تقنية الهندسة الوراثية.

فتح على مصراعيه أمامنا عالم جديد غريب ! عالم يؤكد وحدة الحياة على مستوى الدنا يمكن فيه تحريك المادة الوراثية بين نبات وحيوان ، بين إنسان وبكتيريا ، كل حي لكل حي نسيب. فتحت أمام كل حي كنوز من المادة الوراثية يمكن أن يغترف منها ما يشاء ، أو قل ما نشاء. تمكن الإنسان من قدرة رهيبة لم يحلم بها يوما ، يمكن أن يوجهها لمصلحته. تمكن من تقنية يمكن بها أن يغير عالم الحياة بأكمله. لم تعد الحياة كما كانت قبلا. أفكارنا ، فلسفتنا في الحياة ، نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الكائنات الحية الأخرى ، كلها لا بد أن تتغير. أصبح في مقدورنا أن ندفع أي كائن حي كي ينتج مواد لم يسمع بها أبدا ، أن نضفي التاريخ التطوري لكائن على كائن آخر غريب عنه تماما ، أن نخلع عليه صفات ربما لم يسبق له حتى أن أدرك وجودها. أصبح في مقدورنا أن نشرح الجهاز الوراثي للإنسان -. وغيره من الكائنات - إلى آخر ذرة فيه. أن نستبدل بالمادة الوراثية المعطوبة في الإنسان نظيرتها السليمة ! اقتربنا من أعماق أعماق مادة الوراثة !

صدمة البيولوجيا الجزيئية

إن قائمة منجزات البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية أطول من أن نتمكن من عرضها. لقد أصبح في مقدورنا أن ننتج نباتات تدافع عن نفسها ضد الحشرات ، لقد نقل جين إلى نبات القطن من إحدى بكتيرات التربة ينتج مادة تقتل يرقات دودة ورق القطن نستغني به عن رش المبيدات الحشرية التي لوثت بيئتنا وأجسادنا. لقد غدا في إمكاننا أن ننتج نباتات تسمد نفسها بذاتها ، ثمة مشروع لنقل مجموعة الجينات التي تثبت الأزوت الجوي في البقوليات إلى خلايا بعض النباتات النجيلية. تمكنا من أن ندفع البكتيريا إلى إنتاج الإنسولين الآدمي ( ومثله الإنترفيرون ) ، فقد نقل جين الإنسولين البشري إلى بكتيريا أ. كولاي لتنتج منه كميات تسويقية ، أصبح في مقدورنا بالتطعيم الجيني أن ننتج فاكسينات آدمية ، فقد نقل مثلا جين من فيروس الالتهاب الكبدي إلى الخميرة ، وتكاثرت الخميرة وأنتجت كميات ضخمة من بروتينات الفيروس استخدمت لإنتاج فاكسين إذا حقن في الإنسان سبب استجابة مناعية ، أمكن عزل الجين الخاص بإنتاج منشط بلازمينوجين الأنسجة ، وهذا بروتين طبيعي بجسم الإنسان مهمته إذابة جلطات الدم بالشرايين ، ثم أدمج هذا الجين في المادة الوراثية للبكتيريا فأنتجت عقارا أسمي " أكتيفيز " ، يخفض الوفيات بنسبة 50% إذا حقن في غضون أربع ساعات من النوبة القلبية.

يستمر نشاط هذا العقار لفترة قصيرة فقط بعد الحقن ، إذ توجد بالدم جزيئات تثبطه وتوقف عمله. ولقد أمكن هندسة جزئ جديد محور قليلا يذيب جلطات الدم ويبقى أثره فترة أطول. وكما أمكن دمج الجين في المادة الوراثية للبكتيريا ، أمكن أيضا دمجه في الجهاز الوراثي لعنزة ، بعد أن عدل بحيث ينشط أثناء الحليب فيفرز إنتاجه في اللبن ، ليستخلص منه العقار للتسويق. أمكن بالبيولوجيا الجزيئية إجراء الاختبار الوراثي لعدد من الأمراض الوراثية للإنسان يمكن به كشف المرض في الجنين. سلحتنا البيولوجيا الجزيئية بإمكان كشف الاستعداد الوراثي للإصابة بأمراض القلب أو السرطان أو الزهايمر أو حتى الحساسية ، بل إن بحثا نشر حديثا يقول إن الشذوذ له أساس وراثي في منطقة ما على كروموزوم الجنس. ولقد بدئ من سنين معدودة في مشروع هائل - من مشاريع "العلم الكبير" - للفحص الكامل للطاقم الوراثي البشري بأكمله (مشروع الجينوم البشري) لن يتكلف أقل من ثلاثة آلاف مليون دولار. قال نيلز بوهر يوما : "إن من لم تصدمه نظرية الكم لم يفهمها". وكذا ، فإن من لا تصدمه البيولوجيا الجزيئية (وتقنية الهندسة الوراثية) لم يدرك بعد أبعادها الحقيقية ، ومثلما أدت نظرية الكم إلى الأسلحة الذرية ، والمفاعلات الذرية ، والتلفزيون ، والكمبيوتر ، والهندسة الوراثية ، فإن الآفاق أمام البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية أبعد من أن نتخيلها.

 

أحمد مستجير

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات