إلي أن نلتقي

إلى أن نلتقي

القتل للقتل أم للأكل؟

" السباق إلى جاوة "هو عنوان حرب ضروس تدور بين جمعيات البيئة وحقوق الإنسان من ناحية، ومئات الجمعيات الخيرية والتبشيرية والاجتماعية من ناحية أخرى. فقد حملت الأنباء من جاكرتا، عاصمة أندونيسيا، قبل أسابيع، أنه تم اكتشاف قبيلة بدائية في جزيرة جاوة، أفرادها مازالوا عراة ربي كما خلقتني وهم يعيشون فوق ذرى الأشجار... والأهم من ذلك أنهم يأكلون لحوم خصومهم، يعني من أكلة لحوم البشر

وبعد إذاعة النبأ، استنفرت الجمعيات الخيرية والتبشيرية والاجتماعية أعضاءها، وقررت أن تكون السباقة لوقف المجزرة، إذ ليس من المعقول أن يأكل الإنسان في القرن العشرين لحم أخيه نيئا،بل وحتى لو كان مشويا، فالحضارة تمنع هذه الوحشية، والقيم الإنسانية لا بد أن تسترد تلك القبيلة الضائعة في مجاهل الغابات، وأن تعلم أبناءها كيف يأكلون بالشوكة والسكين، وأن يرتدوا بيير كاردان كي يغطوا عورات نسائهم ورجالهم وأطفالهم.

جمعيات المحافظة على البيئة وحقوق الإنسان هبت لمواجهة العاصفة، قالت إن القبيلة المنسية تعيش في بيئتها الطبيعية، وبالتالي تخترع القوانين التي تتوافق مع تلك البيئة من دون أن تدمرها، وهذه القبيلة محبة للبيئة في حد أنها تسكن الأشجار بدل أن تقطعها وتحولها إلى مساكن جاهزة.

منظمات حقوق الإنسان رفعت شعار حقوق الأقليات، وكشفت أن من حق تلك القبيلة أن تعيش ثقافتها الخاصة، وأن تمارس طقوس آبائها وأجدادها، وأن تحكي لغتها، وحتى أن ترفض إخفاء عورات أعضائها، عملا بشواطئ العراة التي تغطي بقعا واسعة من بحار أوربا وأمريكا في العصر الحاضر.

والسباق إلى جاوة مستمر بين الفريقين، واحد للوصول والثاني لمنع الأول من الدخول إذا وصل، أما عن موقفي الشخصي، فإنني أعلن أنني منحاز وبشدة إلى جمعيات البيئة وحقوق الإنسان، بما فيها الموافقة على وجبة القبيلة من لحوم البشر. وهذا الانحياز ليس نتيجة لحالة نفسية أو مزاجية تراودني، كما تراود آخرين لانتهاش بعض الناس، ما دمنا لا نستطيع إلقاءهم للوحوش. وصدام حسين وولداه هم نموذج فحسب، بل إن هذا الانحياز للقبيلة البدائية،هو نتيجة حسابات باردة تهتم بمصير الإنسان وحياته ومستقبله، إذ أن القبيلة، إذا قررت أن تأكل خصومها فإنها في أحسن الحالات لن تتناول من لحوم هؤلاء الخصوم أكثر مما يشبع البطن وهو قليل، خاصة أن أبناء تلك القبيلة لا يعرفون الثلاجات ولا البرادات لحفظ لحوم أعدائهم، أما فيما لو تم استعادة تلك القبيلة للحضارة فإنها بالتأكيد لن تعود تهتم "بالقتل للأكل" بل بالقتل للقتل، وسوف تعمل على إبادة خصومها وتركهم في البراري طعاما للوحوش، كما يحدث في البوسنة والهرسك وبعض إفريقيا، وبالتالي فان عدد القتلى سوف يزداد على أيدي أفراد القبيلة، من درن أن يكون لهؤلاء القتلى أي قيمة غذائية...

وفي هذا تبذير شديد!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات