رحلة على الكواكب الغامضة

أطلق علماء الفلك على كوكب الزهرة " الكوكب الغامض " لأنه يدور فى  مداره على بعد نحو مائة وثمانية ملايين كيلومتر من الشمس ، متأثراً برداء كثيف من  السحب الكبريتية ذات اللون الأبيض الضارب إلى الصفرة

          ولكن يبدأ هذا الكوكب الغريب فى الكشف عن أسراره المثيرة أخيراً ،ببراكينه الهائلة وجباله الشاهقة وتصدعاته الأرضية  مما يعنى وجود بيئة فريدة فى صفاتها بين كواكب المنظومة الشمسية.

          كوكب الزهرة هو ثانى الكواكب بعيداً عن الشمس ، ويبلغ قطره نحو 12100 كيلومتر، أى يقترب من قطر كوكب الأرض ، ولهذا يطلق على كوكب الزهرة ( توأم الأرض ) ولكن الشبه يتوقف عند هذا الحد فكوكب الزهرة يدور حول محوره فى الأتجاه العكسى لكل كواكب المنظومة الشمسية ، أى من الشرق إلى الغرب مرة كل 243 يوما  من أيام الأرض، ولهذا تبدو الشمس فوق سطحه وهي تشرق من الغرب وتغرب في الشرق. وتبلغ سرعة كوكب الزهرة في مداره الدائري حول الشمس نحو 35 كيلومترا في الثانية الواحدة.

          كما يحتفظ لنفسه بغلاف جوي، ويتميز سطحه بأنه يعكس من أشعة الشمس الساقطة عليه نسبة كبيرة، تفوق مايعكسه أي كوكب آخر، لهذا فهو يرى بوضوح من كوكب الأرض، ويعتبر بالنسبة إلينا أكثر الأجرام الفضائية بريقاً بعد الشمس والقمر، ويمكن رؤيته بالعين المجردة قبل الفجر أو بعد الغروب مباشرة، بل إننا إذا حددنا بدقة أين ومتى ننظر إلى السماء، لأمكننا أن نشاهد كوكب الزهرة في وضح النهار.

          وقد أطلق الأمريكيون والسوفييت عدة مركبات فضائية منها بيونيرPioneer وفينيرا وVenera   في السبعينيات والثمانينيات من هذا القرن، وكانت تطلق كبسولات إلى سطح كوكب الزهرة، بواسطة مظلات لتتعرف على الظروف الجوية لهذا الكوكب الغريب.

          وقد تعطلت أو تحطمت بعض هذه المركبات أو احترقت في الجو المروع لكوكب الزهرة. ولكن أمكن للبعض منها إرسال معلومات ضئيلة اتضح منها أن سطح كوكب الزهرة قد ألهبته الحرارة اللافحة والرياح المحرقة حيث ترتفع الحرارة إلى مئات الدرجات المئوية، وتظهر الشمس في السماء الغريبة بوهج خافت خلال سحب وطبقات كثيفة من غاز ثاني أكسيد الكربون.

          ويعادل الضغط الجوي فوق سطح كوكب الزهرة، ذلك الضغط الهائل الذي يتعرض له الإنسان على عمق كيلومتر واحد تحت سطح المحيط. وليس لكوكب الزهرة أي أقمار تدور حوله، كما لايحيط به أي مجال مغناطيسي. ويعتقد العلماء أن مركز كوكب الزهرة مكون من النيكل والحديد يحيط به غلاف وقشرة من أملاح مشتقة من ثاني أكسيد السليكون .

قباب الفطائر

          وصلت مركبة الفضاء " ماجلان " Magellan"- أطلق هذا الاسم على مركبة الفضاء تخليدا لذكرى الملاح البرتغالي فرديناند ماجلان الذي برهنت رحلته حول العالم في القرن 16 على كروية الأرض-  إلى مدارها حول كوكب الزهرة في العاشر من شهر أغسطس عام 1990 بهدف توفير صور أفضل عن الكوكب الغامض.

          وبعد عدة محاولات مبدئية للاتصالات ، نجحت المركبة الفضائية في أداء وظيفتها بشكل رائع، وأرسلت صوراً باستخدام رادارها المصور، أدهشت علماء الفلك، واعتبروها من أجهل الصور الفلكية التي حصل عليها الإنسان.

          وكانت ماجلان قد أطلقت من على متن مكوك فضائي واستمرت رحلتها خمسة عشر شهرا قطعت خلالها نحو مليون وخسمائة مليون كيلومتر في الفضاء ( البليون= ألف مليون )  بما فيها مئات الدورات حول كوكب الزهرة.

          وبعد عدة توقفات محبطة للآمال في الاتصالات، بدأت المركبة الفضائية مهمتها في رسم خرائط لكوكب الزهرة بالرادار وتوضح هذه الصور تفاصيل لم يسبق لها مثيل، وكشفت عن أجسام على سطح الكوكب لاتزيد المسافة بينها على مائة وعشرين متراً قط.

          ولعل أكثر الظواهر المثيرة فوق سطح الزهرة، فوهات البراكين التي تبدو حادة وحديثة.

          فقد وجدت أنواع جديدة من البراكين الفريدة، ولأول وهلة تبدو الفوهات البركانية فوق كوكب الزهرة مشابهة للفوهات البركانية الأخرى بأقمار وكواكب المنظومة الشمسية.

          إذ تظهر واضحة تلك الخصائص النمطية، كالقمم الوسطى القوية والجدران المدرجة والأرضيات المغمورة بالحمم البركانية، ومع ذلك فإن الفوهات البركانية بكوكب الزهرة تختلف من حيث إنها لاتصدر عنها أشعة ساطعة نتيجة للتدفقات التي تحدث بصعوبة في جو الزهرة الكثيف.

          وهناك منطقة في سهل مليء بالتصدعات الأرضية، يطلق عليها (  مزرعة فوهات البراكين )   Crater Farm بسبب فوهات البراكين الضخمة العميقة الثلاث وأحزمة الحمم البركانية والرواسب السطحية الخشنة والوعرة وتلك البقع اللامعة الغامضة لمادة تمتد لما بعد الحد الشمالي لأكبر فوهة بركانية، تتخللها ومضات صغيرة خطية. وهذه . رحلة إلى الكوكب الغامض هي نفس الأشكال التي تبدو بها الكثبان الرملية في الرادار عندما تحدث انعكاسات من الأسطح الزلقة المنحدرة.

          فهل هذا يعني وجود كثبان رملية فوق سطح كوكب الزهرة؟!

          وتظهر جميع الفوهات البركانية متشابهة وحديثة التكوين، وفي بعض المناطق في كوكب الزهرة لايبدو أن التغيرات الجيولوجية قد بدلت من سطح الكوكب منذ أكثر من بليون سنة مضت.

          ويطلق على أحد التكوينات البركانية الغريبة فوق كوكب الزهرة، (قباب الفطائر). ويبلغ قطرها نحو ثلاثين كيلومترا ويصل ارتفاعها إلى نحو كيلومترين.

          ويعتقد العلماء أن هذه القباب قد تشكلت نتيجة تدفق حمم بركانية كثيفة عبر السنوات الطويلة، وتحدث هذه الظاهرة الجيولوجية أيضا فوق سطح كوكب الأرض، إلا أنها أصغر كثيرا، وتحدث في فوهات البراكين.

وادي كليوباترة وغرائب أخرى

          ولايهتم العلماء بالفوهات البركانية فحسب، فالصور الرائعة التي أرسلتها مركبة الفضاء ماجلان، تظهر تفاصيل مذهلة لخطوط هائلة من التصدعات الأرضية والثورات البركانية وسلاسل الجبال التي تمتد لمئات الكيلومترات.

          ومن أهم جبال كوكب الزهرة، جبال ماكسويل Maxwell التي ترتفع إلى نحو اثني عشر كيلومتراً، وهي أعلى نقطة فوق سطح الكوكب.

          ومن المعروف أن الزهرة والأرض هما الكوكبان الوحيدان في المنظومة الشمسية اللذان يتميزان بوجود سلاسل الجبال الطويلة.

          ويرجع سبب الارتفاع الشاهق للجبال فوق سطح كوكب الزهرة إلى أنها لم تتآكل كثيرا نتيجة للأمطار والسيول عبر ملايين السنين، كما حدث لجبال كوكب الأرض.

          ويرى العلماء أنه لابد من وجود قوى جيولوجية غامضة في باطن كوكب الزهرة تضغط إلى أعلى، ومن ثم تساعد على بقاء هذه الجبال الشاهقة واقفة، وإلا كانت قد انهارت فوق سطح الكوكب بسبب ثقلها.

          وتعد المنخفضات العميقة التي تغطيها التصدعات الأرضية، من أهم السمات المميزة في منطقة ( لافينيا ) Lavinia بكوكب الزهرة، ولكن أصل هذه المنخفضات التي يبلغ طولها نحو ثمانين كيلومترا، غير معروف حتى الوقت الحاضر.

          وهناك منخفض بعمق نحو ثلاثة كيلومترات يطلق عليه (وادي كليوباترة) Cleopatra  ، يقع على السفوح الشرقية لجبال ماكسويل، ويعتقد العلماء أن ذلك الوادي الغريب الشكل، قد نشأ بسبب سقوط نيزك ضخم أحدث حفرة هائلة بسطح الكوكب ثم تدفقت الحمم من بركان قريب، بحيث أحاطت بجدران الحفرة، وهناك احتمال بأن سقوط النيزك هو الذي أحدث ثورة البركان.

          ولايسمح الجو الكثيف لكوكب الزهرة بسقوط النيازك الصغيرة إذ يحطمها ويفتتها قبل أن تصل إلى السطح، وهكذا لايخترق السحب المتراكمة حول الكوكب إلا النيازك الهائلة التي تحدث آثارا واضحة.

          ولم يتشكل هذا الجو المروع والسام حديثا، ولكنه يعود إلى مابين 400 و 800 مليون سنة مضت، وفي الوقت الحالي تبلغ كثافته تسعين مرة قدر كثافة جو كوكب الأرض.

          ويتكون الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بصورة أساسية من ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى قطرات من حامض الكبريتيك المركز، وهذا يحدث ما أطلق عليه العلماء (ظاهرة البيوت الزجاجية) Greenhouse Effect.

          أي أن السحب في جو الزهرة تسمح لأشعة الشمس باختراقها لتصل إلى سطح الكوكب، وعند ارتدادها يقوم الغلاف الجوي بمنع جزء منها من العودة إلى الفضاء الخارجي، فتحبس داخل الكوكب. وتحدث نفس هذه الظاهرة فوق كوكب الأرض نتيجة لتزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

          وتؤدي ظاهرة البيوت الزجاجية إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الزهرة إلى 450 درجة مئوية وهي كافية لصهر الرصاص، وتعتبر أعلى درجة حرارة في كل كواكب المنظومة الشمسية.

فيضانات من الحمم

          لقد كشفت المركبة الفضائية " ماجلان " المخترقة للسحب الكثيفة لكوكب الزهرة، عالما مثيرا وذلك بواسطة الرادار المصور الملحق بها والذي يتمكن من التطلع الثاقب خلال الغلاف الكثيف من السحب الكبريتية، أثناء دوران مركبة الفضاء حول الكوكب، مرة كل ثلاث ساعات.

          وقد أوضحت الصور التي أرسلتها " ماجلان " أن انفجارات بركانية مروعة قد حدثت فوق كوكب الزهرة، مما تسبب عنه تسرب الصخور المنصهرة بكميات هائلة من الأعماق، خلال العديد من التصدعات الأرضية الموجودة على سطح الكوكب، وأحدث هذا فيضانات غامرة من الحمم غطت جزءا كبيرا من سطح كوكب الزهرة.

          وتمتد قنوات من الحمم في أماكن عديدة بسهول الكوكب، يبلغ طولها مئات الكيلومترات، وبرغم وجود مثل هذه القنوات فوق سطح كوكب الأرض فإنها لاتصل في طولها ولا انتظامها إلى ما هو موجود فوق كوكب الزهرة.

          إن كشف النقاب عن تفاصيل أكثر دقة لطبيعة سطح كوكب الزهرة، توأم الأرض، سوف يصبح التحدي الحقيقي أمام علماء الفلك، وهم يدرسون الصور التي ستستمر في إرسالها المركبة الفضائية " ماجلان " لعدة سنوات قادمة.

          فكوكب الزهرة لايزال يحتفظ بالكثير من الأسرار المثيرة الغامضة






رحلة إلى الكوكب الغامض




جبال شاهقة وجو مروع فوق الزهرة




كوكب الزهرة توأم كوكب الأرض