تجارب إبداعية في أفق مفتوح مغامرة النص في السينما المغربية

تجارب إبداعية في أفق مفتوح مغامرة النص في السينما المغربية

قطعت التجارب الإبداعية في السينما المغربية شوطا مهما في التعامل مع لغة السرد, استفادت خلاله من أحدث مدارس صناعة السينما في العالم.

بستاني يسقي النباتات. صبي يضع رجله على أنبوب السقي في بستان. سيل الماء ينقطع: البستاني يندهش. ينظر في فتحة الأنبوب باحثا عن مصدر انقطاع الماء. في هذه اللحظة يرفع الصبي رجله عن الأنبوب ويتدفق الماء في وجه البستاني. يتوجه الطفل نحو يسار الشاشة خارجا من حقل الصورة يجذبه البستاني إليه ويعاقبه.

هذه حكاية تدخل في النسق المتعارف عليه أدبيا والذي يبدأ بالوضع الأصلي حيث الأمور على ما يرام.. يظهر المعتدي ثم تأتي الإساءة وبعد الإساءة يأتي العقاب لتعود الأمور إلى نصابها.

والأمر يتعلق بشريط صامت للأخوين لوميير صور كله في لقطة واحدة وعملية تصوير واحدة. أي أن زمن الإنجاز كان متصلا, والمكان لم يتغير. ومع ذلك تطورت الحكاية بالشكل الذي ستحتفظ به السينما في أغلب إنتاجاتها إلى اليوم. هذا الشريط أنجز سنة 1896 أي في مهد الفن السابع وعنوانه Iصarroseur arrose.

وهو أول شريط روائي في تاريخ السينما, وأول شريط ينبني على سيناريو فيه من المواصفات الأدبية ما سار عليه الإبداع السردي منذ أن عرف الإنسان الحكاية.

هذه السينما التي بدأت بالقص مبكرا ولاتزال تقص أجابت عن أسئلة بديهية يطرحها المتلقي وهو يشاهد شريطا يتساءل: من يتكلم? من يحرك الشخصيات ومن يتحكم في مسار الحكاية التي تدور أحداثها هنا والآن? وهو يعلم أن خلف الصورة شخصا يسعى إلى التعبير عن شيء ما بطريقة ما. بل أكثر من ذلك, هذا الذي يتحدث إلى المتلقي يريد أن يبلغه رسالة وحلمه أن تصل رسالته. طبعا الآن تجاوز المتفرج مرحلة الدهشة الأولى.. دهشة من رأى المذياع فبدأ يبحث خلفـه عـن مصدر الصوت. وأصبح يعي أن الصور تتحرك أمامه بطريقة تلقائية.

وما يهم في عملية الحكاية بالصورة أولا هو من يتكلم. معرفة هذا المتكلم تساعد كثيرا على إدراك الخطاب. والخطاب قبل أن يدرك لابد أن يرسل ولكي يرسل الخطاب لابد أن يكتب أي لابد من لغة. وككل خطاب في اللغة ثمة متكلم ومخاطب وموضوع خطاب. ومن هنا ينفتح مجال الاجتهاد على مصراعيه وتتوالى التيارات والمدارس السردية.

والعلاقة بين السينما كفن من فنون السرد تتوثق كلما ازداد وعي المتلقي بوجود شخص يبذل جهدا كبيرا لكي يبلغ رسالة. هذا لا يعني أن السينما خالية من الأعمال التي تنتج بضاعة للاستهلاك السريع خالية من أي بصمة شخصية وتلبي نزوات السوق. كثيرة هي الأشرطة التي لا تقول شيئا والتي لا يوحي حديثها بأن ثمة شخصا يحمل هما ما يسعى إلى تبليغنا إياه وإشعارنا. وكثيرة هي الأشرطة التي تبقى مجرد فرجة بصرية مصحوبة بضجيج ما ولا تهدف إلا إلى تبديد ملل المتلقي.

السرد هو المؤلف

وعندما نسأل من يتكلم في الشريط? نجد أنفسنا ننتقل إلى الحقل الأدبي وندرك أن الشريط السينمائي يتمحور حول وعبر خطاب لساني مصدره خارج الشاشة. إذن فالمتحدث إلينا هو شخص يقص علينا ما نراه, وهو شخص لا نرى سوى بصماته.

هناك من يقول إنها الكاميرا..في حين أن الكاميرا ليست سوى آلة تشتغل حسب إرادة شخص أو مجموعة أشخاص.. هناك من يقول إنه السارد, هذه الشخصية الخفية التي تقودنا داخل دهاليز الفيلم وتوجه انتباهنا إلى بعض الجزئيات العامة وتزحف بنا نحو نقطة النهاية.

شريط مغربي يكاد يقول لنا صراحة إن السرد هو المؤلف عندما يستبدل لفظ (نهاية) بعبارة و(تستمر الحياة) على غرار وعاشا في (تبات ونبات إلى أن أتاهما هازم اللذات ومفرق الجماعات). حدث هذا مرة واحدة في فيلم (الحياة كفاح) لمحمد التازي وأحمد المسناوي سنة 1968.

وثمة من اختار أن ينهج نهجا آخر وأن يجعل السارد شخصية من شخصيات الشريط كما فعل حكيم نوري في شريط (عبروا في صمت) 1995 وجعل الأحداث تروى على لسان شخصية صديق (البطل).. واختار أن يكون الحديث يتوجه مباشرة إلى المتلقي حيث تصوب الشخصية نظرها إلى العدسة.. أي إلينا.

نفس المنحى نحاه حسن بنجلون في شريط (أصدقاء الأمس) لكن بشكل مغاير. فقد بدأ يسرد الحكاية بعين الكاميرا ثم جعل شخصية (حسن الصقلي) تحكي لشخصية (آمال عيوش) وفي ختام الشريط ينصرف حسن الصقلي عن مخاطبة آمال عيوش ويخاطب الجمهور العريض لكن دون أن يصوب بصره إلى الكاميرا. وانتقل السارد من شخصية داخل الشريط تسرد لشخصية داخل الشريط إلى سارد يوجه سرده إلى المتلقي.. وهنا يطرح منطق الحكاية نفسه ويأتي التساؤل عن تبرير هذا الانتقال.

والسرد السينمائي سرد مركب يتكون من المكتوب والمشهدي. في البدء كانت الكتابة.. بعدها جاء التمازج بين الجهاز أي الكاميرا التي هي قلم السينمائي وبين عمليات تتضافر لتجعل من الشريط وحدة متكاملة.. وأهمها المونتاج.. وذلك تحت ضغط التطور. في البدء كان الشريط يصور في لقطة واحدة يفكر المؤلف في ضبط مكوناتها ليعطينا قصة نتفاعل معها كما حدث في شريط Iصarroseur arrose الذي ورد الحديث عنه من قبل.. ثم أطلت مرحلة الشريط بأكثر من لقطة لتأتي عملية المونتاج وتضبط إيقاع الفيلم. حتى سنة 1902 كانت السينما لا تتعدى القصة/اللقطة, وابتداء من سنة 1903 بدأت السينما تعرف أفلاما تصل إلى عشر لقطات, وابتداء من 1910 تطورت السينما وتطور الحكي.. ودخل التسلسل الزمني الذي تعرفه الرواية مجال الصورة ونشط المونتاج لتتجلى صعوبة عملية الربط بين اللقطات وهي عملية عانت منها السينما المغربية طويلا. إذ في عدد من الأفلام نجد الربط بين شخصيتين في مكان وزمان محددين وفجأة نكتشف أن شخصا يطرح سؤالا وهو يحمل نظارتين ويصبح من دونهما وهو يسمع الرد على سؤاله. مثال آخر لغرفة تضم ثلاث شخصيات وتخرج منها أربع شخصيات.

عندما نرى أخطاء من هذه الفصيلة, يتبين لنا أن نظرية السرد وضبط مكوناته أمر يتجاوز السينمائي, وبالتالي يجد نفسه ضحية الصدفة. قد تبدو له حكايته متماسكة ويكفي أن يتمعنها ليكتشف ثغراتها ويدخل في التبرير.

ولعل السبب في ذلك هو إصرار المخرج على كتابة سيناريوهاته بنفسه وانتاج (سينما المؤلف مكرهة).. وسينما المؤلف كما يعلم الجميع هي سينما الاجتهاد. سينما يمارسها أشخاص لهم تصورهم ولهم فلسفتهم لا في الفن وحسب بل في الحياة أيضـا.

في بدايات السينما كانت القصص تسير على المنوال المتعارف عليه والذي لا يزال سائدا. إلا أن مجموعة من السينمائيين رفضت الامتثال للنمط السائد وأسست سنة 1908 (شركة للأفلام الفنية) هدفها الخروج بالسينما من النمطية.. وبدأت هذه المؤسسة عملها بالتعاقد مع فنانين مسرحيين ليقوموا باقتباس روايات أدبية إلى السينما. وهكذا قدمت إلى الشاشة أعمالا (كغادة الكاميليا) وعودة عوليس.

إذن بدأت هذه الموجة معتمدة على الرواية. أي على عمل مكتوب حسب مواصفات تحفظ للرواية منطقها, ثم تطورت حتى سينما الطليعة وهي سينما لا تريد لنفسها أن تكون سينما ساردة.

لكن المتفرج اعتاد على مشاهدة قصة وحتى وهو في حضرة شريط من هذه الفصيلة, يبحث بطريقة تلقائية عن الخيط الرابط وينسج حكاية.. من هذا النوع في المغرب نذكر محمد أبوالوقار الذي أخرج شريطا سنة 1984 تحت عنوان (حادة) يكاد يختفي فيه الخيط الرابط لأن العمل أولا لوحة. وذلك راجع لكون أبو الوقار رجل تشكيل.

حاز هذا الشريط على جل جوائز المهرجان الثاني للفيلم المغربي. لم تفده هذه الجوائز في استقطاب الجمهور, لأن الشريط يدخل في خانة سينما المؤلف. ثم لأنه شريط يكسر النسق السردي المتداول.

كذلك فعل التيجاني الشريكي في شريط (إمير) شريط حافل بالدلالات لكنه يبقى شريطا يرفض الدخول في السياق النمطي وبالتالي ظل بدوره بعيدا عن أفق المتفرج. وفي هذا النسق تدخل سينما مصطفى الدرقاوي.

حكاية السينمائي المغربي مع القصة تبدأ من التصور التالي: إنه يريد أن تكون سينماه سينما المؤلف دون أرضية تذكر.. إن من يمارس هذا النوع من السينما مبدع مطلع على تطور فن الرواية حتى أصحبت لديه رؤى خاصة به وشيد قناعته على أساس معرفي معين. وعندما يقبل على القصة يقبل عليها عارفا لدواليبها.. عندما كان تشارلي شابلن يكتب سيناريوهاته لم يكن يسقط في أخطاء الربط ولا في ثغرات منطق الحكاية. وعندما قرر ألفريد هيتشكوك أن يكتب قصة (الحبل) ويدخل في رهان تصوير شريط ساعة ونصف داخل لقطة واحدة فعل ذلك محترما قواعد السرد وتمكن من شد انتباه المتلقي داخل لقطة واحدة. ذلك لأن الرجل قرأ كثيرا من الروايات وتمرن كثيرا قبل أن يبادر ويتحدى الزمن ليجعل منه زمن الحكي وزمن القصة في ذات الوقت تماما كما حدث سنة 1896 حـين صـور الأخوان لوميير Iص arroseur arrose لكن في دقيقة واحدة.

مغامرة الحكاية

الحكاية في السينما تغامر لأن عليها أن تشد إليها المتفرج. لأنها ليست كالرواية المكتوبة حيث يستطيع القاريء إذا أصابه الملل أن يغلق الكتاب ويعود إليه في وقت لاحق أو أن يقفز على بعض الصفات ليختصر الوصول إلى النهاية.

ثمة طريقة اتبعها ألفريد هتشكوك في الكتابة منذ بدايته وكشف عنها في محاضرة ألقاها سنة 1939 وبالضبط يوم 30 مارس براديو موزيك هول بنيويورك وظل وفيا لها حتى آخر أفلامه.

يبدأ هذا الرجل بكتابة الفكرة على ورقة واحدة بحروف كبيرة. يكتفي ببسط هيكل الحكاية باختزال وبعد ذلك يبدأ في تطوير معالجة الحكاية شخصيات وحبكة وتفاصيل, عندئذ يصل إلى مائة صفحة تقريباً دون حوار ودون زوائد.

أي أن المعالجة يجب أن تخلو من كل مالا تمكن مشاهدته.

وعندما يصبح الشريط على الورق موصوفاً حركة حركة يدخل في المرحلة الثانية. يناقش المخرج وكاتب السيناريو المشهد, وعندما يتفقان عليه بصفة نهائية يسلّمانه لكاتب الحوار ثم ينتقلان إلى مناقشة المشهد اللاحق, وهكذا إلى أن تنتهي العملية.

بعدها تبدأ عملية التحرير النهائي للسيناريو حكاية وحواراً وبطبيعة الحال كلما بدت فكرة تغني الشريط تضاف إليه, إلى أن يحصل على سيناريو جاهز للتصوير.

كيف يصل هتشكوك إلى النص المكتوب قبل أن يحوّله إلى شريط, إنه يختار إطاراً أو أحداثاً تستطيع أن تكون مادة لشريط ثم يختار جملة أخرى من الأحداث تبدو له مفيدة وبعد ذلك يبدأ في حبكها, وهنا مربط الفرس, هتشكوك لم يكن يخلق شخصية أو مجموعة من الشخصيات ويدعها تحدد مسار الحكاية وإطارها. يقول هتشكوك في محاضرته (قلت في نفسي وأنا أفكر في إنجاز شريط الرجل الذي كان يعرف أكثر من اللازم) أود أن أصنع شريطاً يبدأ في محطة للرياضات الشتوية وأريد أن أصل إلى لندن وأريد أن أذهب إلى معبدوأريد أن أنهي الشريط في آلبرت هول بلندن).

أنت تخلق مشكلا مذهلاً ثم تقول (كيف سأفعل لأنجح في حشر كل ذلك في حكايتي? ثم تبدأ, وقد تتخلى عن حدث أو حدثين, تحاول أن تربط بين الشخصيات قدر الإمكان ليبدو الأمر طبيعياً ولتأخذ الأحداث مكانها في إطار ما داخل منطق الحكاية.

انتهى قول هتشكوك.

وهتشكوك كان دائماً يضع المتلقي في اعتباره, فيقول أعتقد أنه من الضروري تعذيب الجمهور, يجب أن يتساءل دائماً (كيف ستخرج هذه الشخصية من هذا المأزق?

وهو ما يسمّيه هتشكوك بالحافز الدرامي, ويفضل هتشكوك أن نتقاسم السر مع المتفرّج. اعرضوا - يقول - أكبر عدد من الوقائع إذا تعلق الأمر بلغز.

فهل تجد مثل هذا في سينمانا? بالتأكيد لا.

فضاء نفسي

السينما عندنا بدأت بالسيناريو المكتوب خصيصاً للتصوير. وكاتب السيناريو من خلال ما نشاهد من أفلام يعتمد على الفطرة في الكتابة وعلى مشاهدة الأشرطة وعلى محاولة الاستفادة مما يشاهده.

قليلون هم السينمائيون الذين يطلعون على نظرية القصة مثلاً وتطوّرها.

إنهم يكتفون بالمتداول ويقلّدون. يقلّدون السينما التي تبدو لهم ناجحة,في حين أن للقصة ضوابطها ومكوّناتها. فهل احترمت السينما هذه الضوابط والمكوّنات?

ذاك هو السؤال?

لو أخذنا مثلا شريط (وشمة) لحميد بناني وهو شريط أقام الدنيا ولم يقعدها, نجد أن حكايته خطية تبدأ من نقطة بداية وتزحف إلى نقطة نهاية مع توظيف عدد من الصور البلاغية أعطت للفيلم تميّزاً وكانت بمنزلة توابل أخرجت حكاية الشريط من منعطف النمطية المتعارف عليها.

وإذا ألقينا نظرة على شريط ألف يد ويد, نجد أن المتلقي يواجه صعوبة ما في الربط بين أحداث الشريط مع وضوح الحكاية, لأن سهيل بن بركة أضاف مشاهد لتأسيس الفضاء النفسي لشخوصه رغم انفصال هذه المشاهد عن المسار الحكائي التقليدي المتعارف عليه. ذلك لأن هذا المخرج وباعترافه يكتب شريطاً ويصوّر شريطاً آخر وبعد عملية التوليف (المونتاج) يجد نفسه أمام شريط ثالث مختلف.

لذا يمكن أن نقول إن نجاح شريط وشمة لدى النقد يعود إلى كتابته السينمائية ويعود نجاح شريط (ألف يد ويد) أولاً إلى موضوعه لا إلى قصته, إضافة إلى طابع الريادة الذي طبع الشريط حين صدوره قبل ما يقرب من ثلاثين سنة.

ونجد مصطفى الدرقاوي يحاول تكسير النسق وتوقيع أشرطة تكاد تكون غير حكائية, طبعها باجتهاد ذاتي وإضافة رتوشات دلالية تجعل المتلقي عاجزاً عن التقاطها.

مثلاً في شريط (عنوان مؤقت) ثمة صوت واحد لثلاث شخصيات, ليس ذلك نقصاً في الأصوات التي تقوم بعملية الدبلجة ولكن الغرض كان دلالياً ومصطفى الدرقاوي قصد إلى ذلك قصدا.

إلا أن السؤال المطروح: مَن سينتبه إلى هذا الصوت الواحد الذي تتداوله ثلاث شخصيات?

تبقى أفلام المرحلة الأولى في جزء منها مطبوعة ببصمات المؤلف لدرجة يخرج منها الشريط عن سكة الحكاية المتسلسلة المترابطة. وكثيراً ما رأى المشاهد نفسه أمام لقطات ووحدات فيلمية تثير استغرابه وتساؤله. لأنها تدخل الشريط دون أن يقبلها منطق التلقي, حدث ذلك عند الراحل محمد الكتاني والمخرج عبدالكريم الدرقاوي في شريط (الناعورة) وحدث في شريط (جرح في الحائط) للجيلالي فرحاتي. وقد يشفع للجيلالي فرحاتي أنه في هذا الشريط منح دور البطولة لمدينة طنجة. فكان الفضاء هو الشخصية الرئيسية وهنا يغيب المعيار ويحضر التساؤل.

أفلام المرحلة الثانية وأعني بها ما أنتجته السينما الوطنية في فترة التسعينيات, بدأت تخرج من ذاتيات المخرج وتدخل في الحكاية كما يعرفها الخاص والعام. ولذلك بدأ المخرج يتحرر من عقدة وجهة النظر الشمولية أي تلك الرغبة الدفينة التي تحث المخرج على الإدلاء برأيه في كل ما تعرفه البلاد من مشاكل كما حدث مثلاً في شريط (الزفت) للطيب الصديقي وأصبح المخرج يكتفي بموضوع واحد.

قواعد اللعبة

هذا الاختيار يسهل عملية الحكي على كاتب السيناريو وعملية التلقي على المتفرج, وهو ما أصبحنا نراه على امتداد عقد التسعينيات مع إصرار مصطفى الدرقاوي على الوفاء للنهج الذي اختاره, الشيء الذي جعل من سينماه تيّاراً خاصاً يتميّز عمّا عداه, وهكذا بدأ سينمائيون يحترمون قواعد لعبة الحكي.

ومع ذلك...

نجد أن النص الفيلمي يعاني من انفصام, فهو يكتب كسيناريو باللغة الفرنسية والحوار أيضاً يكتب بالفرنسية وعند بداية عملية التصوير تبدأ ترجمة الحوار.

وهذا راجع لتكوين المخرجين المؤلفين.

تأثير هذا السلوك يتجلى بوضوح في شريط (وشمة) حيث الحوار القليل يرد بلغة لا يتعرّف عليها المتفرّج بالسهولة المنتظرة من شريط مغربي. وتبدو بوضوح أكثر في شريط (ألف يد ويد) حيث يكون الحوار الوارد بالفرنسية مقنعاً في حين يتبدّى الحوار العربي مفكـّكاً وغير مقنع. حدث هذا أيضاً في شريط (حرب البترول لن تقع) وفي شريط (عرس الدم) لعل سهيل بن بركة فطن لذلك فاستغنى عن العربية في أفلامه اللاحقة.

لننظر الآن إلى السينما المغربية عندما تتعامل مع الأدب, أول مَن بادر إلى طرق باب الأدب هو لطيف لحلو عندما استعان بالأستاذ عبدالكريم غلاب في فيلم (شمس الربيع) فكانت الحكاية متناسقة وسعى لطيف لحلو إلى توظيف ما تلقّنه وما تأثر به حيث كانت الموجة الجديدة الفرنسية في عز عطائها فرأيناها في شريط لطيف لحلو. ولطيف لحلو سيستعين في شريطه الثاني (غراميات) برشيد بوجدرة في السيناريو والطاهر بن جلون في الحوار.

المرحوم محمد الركاب لجأ إلى يوسف فاضل في إنجازه لـ(حلاق درب الفقراء) والنتيجة أن الشريط لقي إقبالاً يليق به.

وإدريس المريني نقل رواية بامو لأحمد زياد إلى الشاشة, لعل حظ الشريط العاثر يكمن في المرحلة التي أنتج فيها.

ثم استعان أخيراً داود أولاد السيد بيوسف فاضل في الحوار, وأحمد البوعناني في السيناريو, والنتيجة كانت شريطاً حاز على جوائز في داخل البلاد وخارجها.

والأمر يتعلق بشريط (باي باي السويرتي) وعاد حميد بناني إلى السينما بكتابته التي تحمل بصماته بعمل الطاهر بن جلون (صلاة الغائب) فإذا بالشريط يعاني من اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الأصل ونتجت عنها نسخة عربية لم تستطع أن تثير تآلف المتلقي.

هل يمكن اعتبار عدم التواصل بين الكاتب المغربي والسينمائي المغربي عائقاً في تطوّر النص السينمائي المغربي?

الواضح أن الزمن يلعب لعبته بحذق ومهارة, فالشريط الذي كان لا يتكلم في البدء أصبح مع مرور الزمن يتلكأ في الحديث, ثم ها هو التلكؤ يختفي تدريجياً, وهاهو الانفتاح على الأدب أيضاً آت ببطء شديد.ففي الفترة الأخيرة دخل الروائي أحمد التوفيق والسينمائي محمد عبدالرحمن التازي في عملية شراكة إبداعية حيث سيتم نقل رواية (جارات أبي موسى) إلى السينما وهي - لعمري - مغامرة نظراً لقوة الرواية ولغضاضة التجربة السينمائية المغربية في تعاملها مع الإبداع

 

 

محمد صوف

 
 




الفيلم المغربي "كيد النساء" المشارك في المهرجان





 





"على ربيعة والآخرون" - المغرب