الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 - 1970 طارق البشري

عرض: سعيد الكفراوي

هذا الشهر، تمر أربعون سنة على الحدث الكبير الذي وقع في مصر صبيحة الثالث والعشرين من يوليو سنة 1952، وكانت له تفاعلات متسلسلة وواسعة الانتشار، مكانا وزمانا. وكان للحدث وتفاعلاته ما يحسب له، وما يحسب عليه. تختلف فيه وجهات النظر، لكنه يظل جديرا بالتذكر وهذا الكتاب تذكرة، ووجهة نظر.

الكتاب بحث أعده الأستاذ " طارق البشري " عن " الديموقراطية ونظام 23 يوليو " ليقدمه لجامعة الأمم المتحدة محاولا فيه إعمال أدوات بحثه، ونظرته التحليلية، ورصده لتجربة تاريخية مازلنا نعيش آثارها في حياتنا، وتكملة لكتابه المهم والمؤسس " الحركة السياسية في مصر 1945 إلى 1952 ".

والبحث / الكتاب ينقسم إلى خمسة فصول:

(1) الأوضاع السابقة على 23 يوليو

بدءا من نشوء الحركة الحزبية أوائل القرن العشرين تميز النظام السياسي بوجود السلطة " الشرعية " للخديو، والسلطة الفعلية للإنجليز وفق نظام تحدد سلفا أواخر عهد " إسماعيل " ومنذ إنشاء صندوق الدين، وتدخل المحتل في شئون البلاد، وتحديده لعدد أفراد الجيش، وتحويل مصر من ولاية عثمانية إلى تابع لبريطانيا العظمى، إلا أنه كان بجوار الخديو " عباس " فئة من الوطنيين تطالب بالدستور، وبحرية تكوين الأحزاب التي بدأت في الظهور منذ عام 1907، وتجلت فاعلية الحركة الحزبية في المظاهرات التي قادها الحزب الوطني مطالبا بحرية الصحافة والدستور عامي 1909، 1910.

بعد ثورة 1919 ونتائجها الباهرة، كان النظام السياسي آنذاك قد بني على ثلاثة قوائم:

أولا: نشأة الوفد المصري كتنظيم سياسي شعبي.

ثانيا: تصريح 28 فبراير.

ثالثا: دستور 1923 الذي رسم لحكم مصر نظامه ومؤسساته.

رابعا: الوجود الفعلي لعدد من الأحزاب هي " الحزب الوطني " واستمر حتى عام 1952. كما وجد حزبان مع ثورة 1919 " الوفد " مع التوكيلات، و " الأحرار الدستوريين " عام 1922 كانشقاق على الوفد. ثم أوائل الثلاثينيات " الإخوان المسلمين " عام 1928، و " مصر الفتاة " عام 1933 وفي الأربعينيات ظهر عدد من التنظيمات الشيوعية بين الشباب.

اتسمت هذه المرحلة كنظام سياسي، وفي ظل دستور 1923 الذي رسم لحكم مصر نظامه ومؤسساته، بأنها كانت تسعى من خلال الديمقراطية لتحقيق الأهداف الوطنية. لقد كان الوفد هو الممثل الشرعي، والشعبي للحركة الوطنية المصرية، وبرغم أن الوفد لم يتول الحكم طوال تاريخه إلا ست مرات ( 1924، 1928، 1930، 1936، 1942، 1950 ) فإن " الوفد " ظل يمثل قيمة ( مدى ارتباط الديمقراطية بالمسألة الوطنية ).

وبرغم الأزمات السياسية والاجتماعية التي اتسمت بها الحركة الوطنية بعد عام 1945، مثل فشل المفاوضات السلمية مع الإنجليز باستثناء المعاهدة التي عقدت عام 1936، وانكسار الثقة الكاملة بحزب الوفد بعد حادث 4 فبراير 1942، وانحسار الإجماع الشعبي ونشوء حركات وطنية بديلة، واستغلال النمط الغالب اجتماعيا وهو كبار الملاك لعموم فلاحي مصر الذين يقومون بالنشاط الزراعي الذي كان يقوم على التناقض بين صغار المزارعين وكبارهم في ظروف تغيب فيها النقابات العمالية، في ذلك الزمن ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتبلور الكيان اليهودي في فلسطين، وبداية نشوء الملامح الأساسية للمشروع الصهيوني، ونمو الاهتمام المصري بفلسطين، وبروز ذلك الاهتمام بجانب قضايا أخرى مثل مسألة الجلاء، ووحدة مصر والسودان، في ظل كل هذه الظروف ونتيجة لانكسار الآمال في حرب 1948 وإحساس الجيش المصرى بالهوان، كانت كل الظروف العامة بعد إلغاء المعاهدة، وهزيمة فلسطين التي قادت لحريق القاهرة تقود للبحث عن " المخلص ".. " الزعيم ".

(2) تشكل ملامح حركة الضباط الأحرار

تعتبر حركة الضباط الأحرار انعطافة رابعة من انعطافات الجيش المصري. فمنذ اعتلاء " محمد علي " عرش مصر 1805، والثورة العرابية 1881، وثورة 1919 نرى للجيش ثلاثة انعطافات مهمة:

كان الجيش في عهد " محمد علي " وبانتصاراته الكبيرة على الجيش العثماني يقوم بعمل ثوري بواسطة المؤسسة العسكرية. وفي عهد " سعيد " باشا تم تصعيد المصريين في سلك الضباط مما خلق الصراع بينهم وبين الترك والشركس. وبعد هزيمة الجيش المصري في الحبشة أحس المصريون بالظلم والهزيمة مما حدا ببعضهم لتكوين " مصر الفتاة " في عام 1876 وكان من مؤسسيها " عرابي " و " الروبي "، ثم حدثت مظاهرة 1879 التي شارك فيها ألفان وخمسمائة من الضباط المصريين بقيادة " أحمد عرابي " التي أسفرت حركته عن انسجام مطالبه مع المطالب الشعبية.

في عام 1882 سرح الخديو " توفيق " الجيش وأنشأ جيشا محدودا يتولاه الإنجليز الذين احتلوا مصر ليكون أداة للقتال وتحت قيادة " كيتشنر "، وتم إرساله للسودان حتى أنه عند قيام ثورة 1919 لم يكن الجيش بمصر، وظل هناك ما يقارب من عشرين عاما.

أوائل الأربعينيات تكونت المجموعة الأولى للضباط الأحرار تحمل أهدافا عامة عن العداء للاستعمار. بدأت تلتقي في " منقباد " عام 1938 ومنهم " جمال عبد الناصر " ومجموعة " البغدادي ". وكان ثمة تصنيف يتم على أساس السلاح فكانت مجموعة "سلاح الطيران " و" سلاح الفرسان " و" سلاح المدفعية " إلخ.. وبعد هزيمة الألمان 1945 زال حلم الاعتماد عليهم وتم تشكيل " اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار " ومثل " عزيز المصري " الأب الروحي للجماعة.

برز دور " جمال عبد الناصر " في تنظيم الجماعات المتنافرة في تنظيم واحد يعبر بالضرورة عن انتماء سياسي للمؤسسة العسكرية في الأساس برغم الخلافات السياسية الفردية بينهم، وهو ما يفسر وجود " يوسف صديق " و " عبدالمنعم عبدالرءوف " و " خالد محيي الدين " في تنظيم واحد.

في عام 1952 جرت أول مواجهة علنية مع الملك في انتخابات نادي الضباط وانتهت بنجاح مرشحيهم مما لفت نظر الملك وعجل بقيام الثورة التي كان مقررا لها تاريخ عام 1955 حيث اجتمعت اللجنة التأسيسية وقرر " عبد الناصر " القيام بالثورة في 23 يوليه 1952.

لهذا تحركت هذه القوة الممثلة للمؤسسة العسكرية التي شكلها الضباط الأحرار والتي قامت بالأساس على العمل السياسي بواسطة أجهزة الدولة الإدارية والتنفيذية، وبالولاء الكامل لهذه الدولة والمجتمع بدون إعادة طرح الأهداف السياسية التي تساهم الجماهير في صنعها.

(3) ملامح النظام السياسي

إن شرط أي عملية جديدة تطيح بنظام قديم هو تخطي جميع " صيغ التوازن القائم " وأن يكون نجاحها " منوطا بتعديل صيغ التوازن في العلاقات القائمة التي كانت تنبني عليها هياكل النظام القائم ومؤسساته ". وثورة 23 يوليو عاشت هذه المواجهة، وبرغم تميزها بأن جهازها السياسي كان من ضباطها الأحرار إلا أنه استطاع خلال ساعات أن يضرب ضربته الحاسمة ويفجر الصراع السياسي والاجتماعي. كانت القوى القديمة قد أرسلت راياتها وتجلى ذلك في الوهن في المواجهة سواء من وزير الداخلية أو رئيس الوزراء أو قيادة الجيش. لقد تبوأت حركة الجيش الحكم، وتكونت وزارة جديدة برئاسة " علي ماهر" وخلع الملك بعد أربعة أيام، وتم الإجهاز على مؤسسة السراي.

كانت حركة الجيش في ذلك الوقت جزءا أساسيا من القوى الشعبية التي تكونت منذ الثلاثينيات، وبالتالي فإن القوى السياسية والاجتماعية للنظام القديم لم يكن لها في الحقيقة أي رد فعل يقاوم النظام الجديد باستثناء الوفد.

بعد سيطرة النظام الجديد وإعلانه عن أهدافه بدت زعامتان تسيطران على الحكم في النظام الجديد، " محمد نجيب " بحكم شعبيته التي اكتسبها إبان قيام الثورة، و " جمال عبد الناصر " القائد الفعلي لها، والذي ازدادت سيطرته الفعلية بعد إقصاء " محمد نجيب " وضعف مجلس قيادة الثورة الذي أصابه ما أصاب الأحزاب الأخرى مما جعل " عبد الناصر " ينفرد بالسلطة، وتم ذلك خلال ثلاثة تواريخ:

19 يناير 1953 عين نائبا للرئيس.

18 يونية 1954 صار وزيرا للداخلية.

فبراير ومارس 1954 كان المحرك الفعلي للأحداث والمسيطر على الأجهزة التنفيذية وأصبح " عبد الناصر " هو بالفعل المجلس كما قال ذلك " البغدادي ".

وهكذا بعد عام 1954 لم يكن أمام الحركة بديل إلا ظهور الزعامة الفردية، والتمترس خلف صيغ وقوانين تتمكن بواسطتها من الحكم وإحداث التغيير السياسي والاجتماعي وتمثل ذلك في:

1- طرح الأهداف الستة للثورة وهي القضاء على الاستعمار وأعوانه وعلى الإقطاع والاحتكار، وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة العدالة الاجتماعية والجيش الوطني القوي، والحياة الديموقراطية السليمة.

2 - صدور قوانين الإصلاح الزراعي، وكان لتنفيذ هذا المشروع لا بد أن تتوافر الأجهزة التي لها الصلاحية للتنفيذ.

3 - معالجة المسألة الوطنية والدخول في المفاوضات مع الإنجليز.

4 - نظرا لوجود الفعل ورد الفعل في النشاط السياسي للثورة، وإمعانا في دعم السلطة السياسية الجديدة، وفي الإصرار على مقاومة التيارات السياسية الأخرى صدرت القوانين والإجراءات المختلفة، والمهيمنة على الإدارة وأجهزة الأمن لتأكيد أوضاع النظام الثوري الجديد.

(4) نظام الحكم

في يناير 1953 أعلن سقوط دستور 1923 وتم تشكيل لجنة من خمسين عضوا لإعداد مشروع دستور جديد، وتم إصدار الدستور المؤقت ليجري العمل به ثلاث سنوات، خلالها أجهضت لجنة الخمسين التي كانت تسير في عملها على قدر من التراخي، حيث لم تنجز سوى مسودة مشروع تبنى مبدأ الجمهورية البرلمانية ثم بعض المواد الخاصة بالحريات العامة وضمانات الأفراد وركز على سلطات الحكم، كما نص المشروع على أن رئيس الجمهورية رئيس برلماني تختاره هيئة من أعضاء البرلمان لخمس سنوات لا تتكرر أكثر من مرة، كما أكد استقلال السلطة القضائية، ونظم المجلس الأعلى للقضاء. ولقد هيمن على لجنة الخمسين جملة من الاعتبارات التاريخية السابقة ( سياسية واجتماعية ) جعلت من المشروع إطار، ليبراليا صرفا لا يدع لرجال 23 يوليو أي دور يؤدونه في بنية الحكم الدستوري.

وفي 10 فبراير 1953 تم الإعلان عن الدستور المؤقت الذي تكونت مواده من إحدى عشرة مادة منها ست عن المبادئ الدستورية التي تتعلق بأن: الأمة مصدر السلطات، ومساواة المصريين أمام القانون، وكفالة الحرية الشخصية - وحرية الرأي، وحرمة المنازل، وإطلاق حرية العقائد، وحماية الدولة في إطار النظام العام والآداب، وعدم تسليم اللاجئين السياسين، وعدم إنشاء الضريبة أو الإعفاء منها إلا بقانون. أما المواد الخمس الأخرى فقد اختص بها تنظيم السلطة في الدولة، واحدة منها تطلق يد قائد الثورة في اتخاذ ما يراه من تدابير لحمية الثورة والنظام القائم، وتخوله تعيين الوزراء وعزلهم، ومادتان تخولان مجلس الوزراء السلطة التشريعية، وأعمال السلطة التنفيذية. والرابعة تقيم من مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة مؤتمرا عاما ينظر في السياسة العامة للدولة، والمادة الخامسة تقرر أن القضاء مستقل ولا سلطان لأحد عليه بغير قانون.

لم يعمر هذا الدستور إلا عشرين شهرا، وتم إلغاؤه بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية، ثم أصدر الرئيس بقرار منه دستورا مؤقتا للجمهورية العربية المتحدة يتولى السلطة التشريعية فيه مجلس الأمة.

" وفي مارس 1964 أصدر رئيس الجمهورية دستورا مؤقتا بقرار منه تحقق فيه دمج السلطات من خلال سلطة الرئيس ".

ومن خلال تأمل نهج هذه الحركة ونظام حكمها يرى الأستاذ " طارق البشري " " أن واحدا من الأصول العامة في بناء الدولة كان الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية "، ويرى " أن السمة الثانية في نظام يوليو هي المركزية الشديدة في بناء أجهزة الدولة " مما حدا بالقائم على شئون الحكم أن يجمع سلطات تقرير السياسات وتشريعها وتنفيذها (..) " مما جعل هذا الدمج للسلطات مع قيام السلطة الفردية في أعلى المستويات يتجه بالدولة إلى مركزية بالغة الشدة".

ثم جاءت هزيمة يونيه 1967 م فأصابت هيبة الدولة بصدع عظيم، حاول النظام السياسي ابتعاث فكرة نظام جديد إلا أن السلطة فيه عارضت ذلك واستثبتوا السلطة السياسية كما كانت في السابق في يد رئيس الدولة.

وفي هذا الفصل يخلص الأستاذ الباحث: إلى أن رئيس الدولة لم يعد ( حاكما فردا فقط إنما صار يحمل على كتفيه أمة بحالها ) وتوحدت في شخصه السياسة والإدارة، حتى أننا لا يمكن أن نعرف ما نيط به من اختصاصات تبدأ من رسم الخطط والأهداف العليا، وتنتهي بتوسيع ترعة أو رصف طريق.

(5) أزمة النظام

تمثلت أزمة النظام الكبرى ومنذ بداية الستينيات - وبعد أن أعطت الثورة منجزها الحقيقي حتى أوائل هذا العقد - في النظر إلى أن " قيام أي نوع من أنواع المعارضة السياسية المنظمة يهدد أمن السياسات الوطنية، ويهدد بقاءها ويؤذي فعاليتها سواء من جوانبها السياسية أو الاقتصادية ".

بالتالي ظلت حالة دمج السلطات، والبناء الهرمي للنظام في ظل القيادة الفردية، والتنظيم السياسي الوحيد. هذا الشكل من الحكم لكي ينتشر شعبيا ويحقق فاعلياته في الواقع اعتمد بوعي شديد القسوة على ظاهرتي " الإعلام والأمن ".

فهذا الكيان قد أنشأ الكثير من التناقضات التي تراكمت في بنيته السياسية وحتى يستمر في إخفاء هذه التناقضات اعتمد على " الإعلام " صحافة وإذاعة ولاحقا تليفزيونا واستخدمها بديلا عن تنظيم سياسي حقيقي حيث وفرت الوسيلة لإذاعة المنجزات التي لم تكن في حقيقة جوهرها متحققة فعلا، بل كانت في أغلبها مؤطرة بشعارات المرحلة السياسية الزاعقة.

ثم يأتي الأمن الذي تمثل في الأجهزة المتعددة: المباحث العامة، والمباحث الجنائية العسكرية، وجهاز المخابرات العامة، وأجهزة الأمن السياسي، ومكتب الرئيس لشئون المعلومات، وأجهزة الرقابة المختلفة والذي كان لكل منها مهامه المحددة الواضحة، وقد كان يحلو للرئيس " أن يكلف بعض هذه الأجهزة بمهام خارجة عن اختصاصه بأن يشجع التنافس بينها مما سبب إخفاقا في الكثير من العمليات ".

وبالتالي أصبحت النتيجة الفعلية لهيمنة النظام السياسي على سائر الأنشطة الاجتماعية مع السلطة الفردية أن تم إنتاج التعدد في أجهزة الأمن.

وفي تصور الأستاذ " طارق البشري " أن إشكالية النظام وهو يبحث عن حماية لنفسه - أنه لا يطرح الشرعي المتمثل في الحريات الخاصة، وحقوق الأفراد والجماعات لكنه اعتمد على أجهزة الأمن، وفي رأيه ( أن الأمن السياسي لا يتأتى من محض وجود أجهزة الضبط وانتشارها وتقويتها، إنما تقوم به في الأساس التنظيمات السياسية التي تتكشف حركة الجماعات المختلفة وتقيس أحجامها المتغيرة ومصادر قوتها، وأسباب انتشارها في كل ظرف سياسي خاص (..) وأجهزة الأمن بما تضم من كوادر مدربة في الأساس على النشاط الضبطي وحده، وبما تصاغ به علاقتها التنظيمية من انصياع عسكري لا تستطيع أن تتولى هذه المهام السياسية (..)، ويمكن لمن يطالع وقائع هذه الفترة أن يلمح عجزا واضحا في تصنيف القوى السياسية المختلفة حتى من زاوية مصلحة النظام القائم، وهؤلاء الذين بقوا في مناصب الدولة العليا وفي مناصب التنفيذ والتخصيص من صاروا عند أول انعطافة سياسية في السبعينيات من قيادات التغيير والتعديل الذي أدى إلى تصفية سياساتا الخمسينيات والستينيات.

ويؤكد الأستاذ الباحث أنه نتيجة لاعتماد الثورة على الإعلام والأمن لتأمين نظامها السياسي حدث الكثير من التجاوزات الإنسانية ظهرت فيما يلي:

1 - وجود الآثار السلبية في التكوين الجمعي للشعب المصري ( وذلك من حيث قدرة الأفراد والجماعات على المقاومة وعلى المبادرة، وعلى النقد الطليق، غير الحذر، غير المتوجس، غير الوجل، وعلى المشاركة الإيجابية في الشئون العامة ).

2 - الصدام الهائل بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية وتشكيل سلطتين: سلطة دستورية تتمثل في رئيس الدولة، وسلطة فعلية تتمثل في رئاسة القوات المسلحة ).

3 - نتيجة لكل هذا حدثت هزيمة النظام في يونيه 67، واهتز وزن مصر الإقليمي، وانكسر مشروع الاستقلال والنهوض.

هذه قراءة متواضعة للكتاب / البحث لا أدعي لنفسي فضل اكتشاف معنى أو أي إضافة لهذا الجهد الكبير، وقد تكون القراءة قاصرة بحكم المساحة، بالذات، لأن الأستاذ " البشري " يسعى لتأكيد قيم كبرى في حياتنا السياسية والفكرية، دافعا بالبحث العلمي إلى حده الأقصى من المعرفة ليستفز داخلنا فنتأمل تاريخنا المعمر، وننظر إليه على أنه سلسلة مترابطة من الأحداث، ويعطينا الأسباب لنطرح الأسئلة على هذا التاريخ، باحثين عن إجابات لها. تلك مهمة ليست سهلة يقوم بها الأستاذ " طارق البشري " ليعلمنا في كل الأحوال: النظر لتاريخنا نظرة موضوعية تعرفنا معنى ما يحدث في الكون.

وهل نحن نسير للخلف أم للأمام ؟.