2009 العام الدولي للفلك.. 400 سنة تلسكوب وثلاث ثورات علمية

2009 العام الدولي للفلك.. 400 سنة تلسكوب وثلاث ثورات علمية

يعتبر علم الفلك من أقدم العلوم التي تعامل معها الإنسان. والذي لعب دورا مهما في كل الثقافات والحضارات التي مرت على كوكب الأرض ولايزال كذلك إلى يومنا هذا.

قدم علماء من مختلف الحضارات مساهماتهم في هذا العلم مما يجعلنا نقف إجلالا واحتراما، لهم ولا ننسى دور علماء المسلمين إبان العصور السابقة، وإننا نأسف لما وصلنا إليه من الناحية العلمية الآن. وقد عقدت في مبنى اليونسكو حفل افتتاح لحدث علمي عالمي وهو السنة الدولية لعلم الفلك. سنة دولية لعلم الفلك (International Year Astronomy) تحت شعار «الكون لك لتكتشفه». لقد تم اختيار 2009 سنة دولية للفلك بسبب مرور 400 سنة على أول استخدام للتلسكوب في دراسة السماء على يد الفيزيائي جاليليو ومساهمات الفلكي كيبلر Kepler وهيجنزHuygens وسيكون عام 2009 هو عام الاحتفال على مستوى عالمي لعلم الفلك، وستكون هناك ندوات ومناقشات عن هذا العلم ودوره في المجتمع، وسيستغل هذا الحدث العالمي للتركيز على التعليم والاهتمام بنشر الثقافة العلمية، خاصة بين جيل الشباب. ستجري أحداث في جميع دول العالم حسب اهتمام كل دولة بهذا الموضوع. المجتمعات الفلكية حول العالم سواء كانوا هواة أو محترفين سيكون لهم فعالياتهم في هذه السنة، وسيتم التعاون بين المؤسسات الفلكية المختلفة في العالم. ستقوم وسائل الإعلام المختلفة في السنة الفلكية الدولية ببث برامج عن الفلك والتعليم والتوعية. كذلك للإنترنت دور مهم في هذا المجال، وسيكون على مستوى العالم دور للقباب الفلكية لعرض التكنولوجيا في علم الفلك وسيعرف الإنسان المعاصر نشأة التلسكوب من البداية وإلى أحدث ما وصل إليه من وجود التلسكوب الفضائي الذي يجوب الفضاء وينقل صوراً، وهو مالم يكن وارداً تخيل حدوثه قبل سنوات غير بعيدة، وهذا يدل على النقلة الكبيرة في مجال التطور العلمي في ميدان دراسة الكون.

مشروع 100 ساعة فلك في الفترة من 2 - 5 أبريل سنة 2009 سيكون جزءاً من النشاط العالمي للاحتفال بالسنة الدولية للفلك وأهم هدف لهذه الفترة هو تجميع أكبر عدد ممكن من الأفراد للنظر من خلال التلسكوب كما فعل ذلك جاليليو قبل 400 سنة، وهذا يشمل الطلبة والمدرسين، وبنشاط خاص في المدارس، وكذلك في المراكز العلمية والقباب الفلكية والمتاحف العلمية.

وسيتم في هذا العام التركيز على العالم جاليليو لما له من أثر كبير في تغيير الأفكار واستخدامه التلسكوب في الفلك. العالم الثاني الذي يذكر في هذه السنة هو الفلكي كيبلر Kepler وذلك لأهمية كتاب كتبه في علم الفلك في القرن السابع عشر باسم Astronomia Nova (علم الفلك الجديد) وهذا الكتاب فيه شرح لقوانينه التي اكتشفها والتي تحسب حساب حركة الكواكب - تم طبعه سنة 1609.

تاريخ التلسكوب

يعتبر هانس ليبريشيHans Lippershey أحد صناع العدسات للنظارات من هولندا مخترع التلسكوب سنة 1608، وكان الهدف من اختراع التلسكوب عسكريا وتجاريا. فمن الناحية العسكرية يمكن تحديد سفينة العدو والتي تبعد 20 كيلومتراً وكأنها على بعد كيلومترين، أما من الناحية التجارية فقد استعمل التجار التلسكوب لرؤية سفنهم المحملة بالبضائع قبل وصولها للميناء! وقد انتشر خبر اختراع التسكوب في أوربا سريعا إلى درجة أنه في سنة 1609 كان بالإمكان شراء التلسكوب من المحلات التي تبيع العدسات في باريس وبعدها بأشهر في إيطاليا.

جاليليو والتلسكوب

كان التلسكوب بالنسبة لجاليليو وسيلة لكشف المجهول وما أكثره في عالمنا!! فلقد بنى تلسكوبه الخاص ووجهه إلى السماء، وكانت هذه بداية كشف المجهول للوصول إلى معرفة الحقيقة. ومع هذه البداية بدأت المتاعب لجاليليو، فلقد كلفه ذاك الشغف بحب المعرفة الكثير من المتاعب.

ثلاث ثورات بفضل التلسكوب

كان لجهود العلماء المخلصين من تخصصات مختلفة مع تطور التلسكوب الأثر الكبير في إعطائنا الصورة الحقيقية لما لا يمكن للعين المجردة أن تراه. لقد غير التلسكوب نظرتنا للكون، وهذا دليل قوي على تأثير التطور العلمي والتكنولوجي على نظرتنا للكون والحياة. في ثلاث ثورات كان للتلسكوب الأثر الكبير في تغيير نظرتنا للكون وسأبدؤها من عهد جاليليو في القرن السابع عشر.

الثورة الأولى:
تأكيد نظرة كوبرنيكوس
وعدم مثالية الأجرام السماوية

وجه جاليليو (1564 - 1642) تلسكوبه الكاسر (يعتمد على العدسات) والذي صنعه بنفسه مع إدخال التحسينات عليه إلى القمر وكان المتوقع أن يشاهد سطحا أملس للقمر حسب المعتقدات الموروثة والتي كانت سائدة في زمنه، ولكن كانت المفاجأة عندما رأى جاليليو الحفر والجبال على سطحه! كما اكتشف البقع الشمسية مما يعني وجود عيوب في القمر والشمس أي أن الأجسام السماوية ليست مثالية كاملة نقية، والشواهد كثيرة من القمر والشمس! الثورة حصلت من هذا المنطلق، الأجرام السماوية ليست مختلفة عن مادة الأرض! لقد احتاج جاليلو إلى جهد كبير لكي يغير النظرة الموروثة عن الأجرام السماوية بأنها نقية وخالية من أية عيوب!. كذلك وجه تلسكوبه إلى المشتري واكتشف الأقمار الأربعة التي تذكر باسمه وراقب زحل والزهرة وأثبت بهذا أن نظام كوبرنيكوس (مركزية الشمس) هو الصحيح. بهذه المشاهدات من التلسكوب انهارت النظرة القديمة للمادة (النار، الهواء، الماء، التراب، الأثير) وتعززت نظرة كوبرنيكوس مما أثار الكنيسة وأدى ذلك إلى إثارة الناس ضد جاليليو!

نتيجة لهذه الثورة الفكرية العلمية حكمت المحكمة على جاليليو بالسجن وطلبت منه على سبيل التكفير أن يتلو مزامير الندامة مرة كل أسبوع في السنوات الثلاث القادمة! نتيجة لهذه المحاكمة اختفى النشاط العلمي من إيطاليا وانتقل إلى هولندا بسبب جو الحريات الموجودة فيها!. ظلت أعمال جاليليو حتى عام 1832 مدرجة ضمن الكتب التي تعرض أرواح قرائها إلى العذاب والعقاب! ولم تصفح الكنيسة عن جاليليو إلا في سنة 1992! وقال البابا يوحنا بولس الثاني في خطبته بالمناسبة: "إن خطأ رجال اللاهوت في ذلك العصر عندما أكدوا مركزية الأرض كان يكمن في اعتقادهم أن فهم البنية المادية للعالم يفرضها بشكل ما المعنى الحرفي للكتاب المقدس. لقد جاء اعتراف البابا متأخرا جدا والسؤال: كم كلف خطأ رجال اللاهوت من أرواح وضحايا وتعذيب وسجون وتأخر للمجتمع؟ يمكننا أن نسأل السؤال نفسه الآن عن مجتمعاتنا المعاصرة والتي كثرت فيها الفتاوى من كل جهة، ومنها ما خلق العداوات والسؤال مرة أخرى: من الذي يقرر صواب هذه الفتاوى من خطئها؟ هل سننتظر مئات السنوات وبعد فوات الأوان لنكتشف الخطأ، كما حدث للغرب، ليقال لنا إن هذه الفتاوى كانت خاطئة!! فمن للضحايا ومن السبب في كل هذا التخلف عن الركب الإنساني في الحياة الكريمة؟

اختراع التلسكوب العاكس

دخل التلسكوب منعطفا مهما إذ حلت المرآة العاكسة بدلا من العدسات وتسمى بالتلسكوبات العاكسة ومنها أنواع، ولقد بنى العالم نيوتن في سنة 1671 تلسكوبا من هذا النوع. من مميزات التلسكوب العاكس عدم وجود مشكلة بالنسبة لوضوح الصورة بسبب التداخل في الألوان، لأن جميع الموجات تنعكس من سطح المرآة بالدرجة نفسها، بالإضافة إلى أن التلسكوب العاكس أقل تكلفة في الصناعة لنفس الحجم وميزات أخرى.

التطور في التلسكوبات العاكسة بعد تلسكوب نيوتن، ظهرت تلسكوبات كبيرة وصلت إلى 10 أمتار في عصرنا الحاضر والمشهور باسم تلسكوب كيك Keck والمستقبل يبشر بأكبر من هذا وقد يصل إلى أضعاف ذلك.

الثورة الثانية:
إثبات أن أندروميدا هي مجرة مستقلة

كان الاعتقاد السائد أن الكون هو مجرتنا ولكن الفلكي هابل (1889 - 1953) Hubble باستخدامه التلسكوب الضخم المتوافر آنذاك برهن في سنة 1923 على أن الكون يتكون من أكثر من مجرة. كانت المعلومات مما يعرف الآن بمجرة أندروميدا أنها سديم، وكان أغلب العلماء يعتقدون أنها سحابة من الغاز وتجمع من نجوم كجزء من مجرتنا. لكن هابل تمكن من حساب المسافة إلى هذا السديم وتبين أنها أكبر من قطر مجرتنا، مما يعني أنها مجرة منفصلة عن مجرتنا. بهذا الكشف فتح الباب أمام اكتشاف المزيد من المجرات، مما أدى إلى تغيير صورة الكون عما كان سائدا، وأثبت هابل أن اندروميدا مجرة أخرى. إنها ثورة أخرى في معرفة الكون وتغيير نظرة الإنسان من أن الكون عبارة عن مجرة واحدة إلى كون يتألف من 100 بليون مجرة أو أكثر! فكم تغيرت الصورة عما كان يعتقد الإنسان طوال حياته على هذه الأرض!

اندروميدا مجرة تبعد 2.2 مليون سنة ضوئية وهي المجرة التي أثبت هابل أنها مجرة وليست سديما كما كان يُعتقد. لقد فتح اكتشاف هذه المجرة الباب للكشف عن مجرات عديدة في الكون.

الثورة الثالثة:
اكتشاف هابل للتمدد في الكون

فاجأ الفلكي هابل مرة أخرى العالم باكتشاف جديد مثير وكان له التأثير الكبير على الأفكار ولايزال، فلقد أثبت في سنة 1929 وبعد مراقبته للمجرات قرابة ربع قرن أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض مما يعني أن الكون في حالة تمدد!

إثبات تمدد الكون ليس بالأمر الهين ولكن مع الأيام تبنى أكثر العلماء هذا الاكتشاف وأصبح الآن جزءاً من الحقائق العلمية إلى أن يثبت العكس. هذا الكشف أدى إلى تبين نظرية الانفجار العظيم مما أدى إلى تغيير النظرة إلى الكون من كون ساكن أبدي إلى كون بدأ خلقه من زمن معين.

لقد وقع هذا الكشف مثل الصاعقة على علماء الفلك خاصة من كان متشبثا منهم بالرأي القائل بالكون المستقر الساكن والذي كان أكبر معين للفكر الإلحادي!! لكن هذا السند للإلحاد سقط بهذا الاكتشاف.

نستطيع أن نلخص الثورات الثلاث أن جاليليو وهابل باستخدام التلسكوب ساهما بتغيير نظرة الإنسان إلى الكون مما أنتج تغييرا في الأفكار، فجاليليو كان في صراع ضد الانحراف الديني، وهابل اكتشف كم هو الكون واسع ويتسع!! وفكرة اتساع الكون كانت ضربة قوية للفكر الإلحادي... هذه هي الثورات الثلاث كما أسميتها ولعل هناك تأثيرات أخرى ولكني وجدت أن هذه الأمور الثلاث أكثر وضوحا.

بعض تلسكوبات المستقبل

ماذا يخبئ لنا المستقبل حيث إننا مقبلون على التوسع في قدرات التلسلكوبات في المستقبل المنظور بطريقة لم يعرفها الإنسان أبدا. كمثال على ذلك نأخذ فكرة سريعة عن بعض تلسكوبات المستقبل. تلسكوب بقطر 30 متراً. تقول دراسة إن هذا التلسكوب سيكون جاهزا سنة 2012، ويقول العلماء إن هذا التلسكوب يساعد على معرفة التفاصيل الدقيقة للمجرات والنجوم البعيدة جدا والمساعدة في الكشف عن كواكب خارج المجموعة الشمسية. باستخدام هذا التلسكوب وتكنولوجيا خاصة لتصحيح الصور يمكن الحصول على صورة أدق 12 مرة في تفاصيلها من التلسكوب الفضائي هابل وبهذا التلسكوب يتمكن العلماء من دراسة المجرات عند بدء تكوينها بعد الانفجار العظيم.

تلسكوب بقطر 100 متر!!

أما الخبر المثير جدا فهو ما يراه العلماء الحلم الكبير والذي يتمناه كل من عمل في الفلك، ألا وهو الاقتراح بإنشاء تلسكوب بقطر 100 متر!

ومن الأمور المتوقعة أن يتمكن هذا التلسكوب من القيام به هي:

1 - من الممكن تصوير كواكب شبيهة بالأرض خارج المجموعة الشمسية تبعد 75 سنة ضوئية أو أكثر ودراسة غلافها الجوي للكشف عن إمكان وجود الحياة عليها.

2 - اكتشاف نجوم تبعد اكثر من 12 بليون سنة ضوئية أي على الحدود الخارجية للكون.

3 - مراقبة ولادة مجرات تبعد عنا حوالي 10 بلايين سنة ضوئية أي على الحدود الخارجية للكون، هذا بعض المتوقع. ولا نعلم إلى ماذا تؤدي هذه النوعية من الدراسات، وكم ستفتح للبشرية من أبواب المعرفة عندما يتم تحقيق هذا الحلم. هل التلسكوبات القادمة ستؤدي إلى ثورة رابعة؟! شخصيا أرجو ذلك لأنه ما من ثورة علمية صحيحة إلا وتفتح الباب على أن يعرف الإنسان نفسه أكثر وسط هذا الكون الواسع، ومن ثم يعرف ربه أكثر!!.

 

 

 

علي حسين عبد الله 





ملصق العام الدولي للفلك





«كيك» التلسكوب العملاق الذي يبلغ ارتفاعه ثلاثين مترا ويعمل بنظام الفوتون حيث يستطيع أن يحصل على صورة واضحة لأي جسم مهما بلغت سرعته وهو موجود في هاواي





جاليليو سيكون واحداً من العلماء الذين يحتفى بهم في هذا العام لأنه أول من استخدم التلسكوب منذ 400 عام وكانت قوة تكبيره 23 مره





الألماني يوهانس كيبلر من أهم الفلكيين في القرن السابع عشر (1571 - 1630)





التلسكوب هابل الذي أخذ اسمه من عالم الفلك الشهير وقد استطاع ان يصور ميلاد المجرات البعيدة وقد تم إطلاقه عام 1990 وقام بتصوير أجزاء كثيرة من كوكب المريخ