عينٌ على اليمن.. أشرف أبو اليزيد

عينٌ على اليمن.. أشرف أبو اليزيد

من لمْ يزرْ اليمن، سيكتفي بتصفح هذا الألبوم المصوَّر، ومن زاره، سيسعد باستعادة الرحلة إليه، لأن الصفحات فيه تعيد رواية رحلة الإنسان والمكان والزمان، في ربوع اليمن.

المتصفح لموقع (سكيرا)، www.skira.net ؛ ناشر هذا المجلد في إيطاليا؛ يدرك أنه في قلب فردوس الفنون، لأنه يقدم بين دفتي كل كتاب عوالم مترامية الأطراف من فنون الشرق والغرب. هذه المرة يقدم أعمال الشيخ حسن آل ثاني المصورة والتي التقطها الفنان في ربوع صنعاء وعدن وجاراتهما، وجعل لها عنوانا: نظرة لليمن، بمقدمة لنيكول دي بونشارا، باللغتين الإنجليزية والفرنسية، في 22 صفحة من القطع الكبير (28 × 28 سم)، ليشكل - بحق - معرضا بين دفتي كتاب.

بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في التاريخ، سعى المصور - والرسام وجامع الأعمال الفنية - الشيخ حسن آل ثاني إلى قناص للصور بين السفاري الإفريقية وصحراء الربع الخالي في الجزيرة العربية؛ التي تغطي مساحة 650 ألف كيلومتر مربع في عُمان والسعودية. هناك اتسعت عيناه على فضاءات شاسعة علمته كيف يوثق المدى عبر العدسة، وتقوده التجربة - لاحقا في ثمانينيات القرن الماضي - إلى السودان والصومال وكينيا، ليؤكد انحيازه للصورة، وهو ما جعله يتعمَّق في أسرار هذا الفن مع محترفيه في وطنه؛ قطر.

زار الفنان حسن آل ثاني اليمن للمرة الأولى في 1977، كان عمره حينها 17 عامًا فقط، لكن الألوان البكر والثرية أيقظت حواسه جميعها. استطاع - بعد هدوء سياسي في اليمن السعيد - أن يزور مناطقه ثماني مرَّاتٍ بين عامي 2004 و 2006، ليحقق مشروعه بتصوير اليمن، بالتوازي مع مشروع آخر باقتناء آلات تصوير تاريخية، تعود إحداها إلى العام 1840، وهي المجموعة التي عرضها للمرة الأولى في الدوحة سنة 2001.

رغم شهرته مقتنيا للأعمال الفنية، ومتحفه الذي أصبح مزاراً ثقافياً، فإن عشقه للتصوير لم يخفت أبدًا، وهو ما جعل من أعماله في التصوير الفوتوغرافي ذاته مادة للاقتناء في متاحف قطر والعالم.

مؤرخ بالصور

نقرأ في المقدمة كيف أن الشيخ حسن آل ثاني يضع نفسه - بهذا الألبوم - في مصاف المؤرخين، الذين يقدمون شهادات حية على أصول اليمن. «بالنظر إلى صوره، أشعر بخفق متسارع ينبض به اهتمامه بالأماكن والمواقف، وكيف يلقي الضوء على مكامن المعرفة لهذا البلد، ولا يكتفي بصور تمس سطح الأشياء، مثل تلك الصور الخاوية التي تطالعنا بها المجلات السياحية ونراها في مكاتب شركات السفر، والتي تسقط بعيدًا عن غموض وخصب واقع هذه البلاد».

وتشبِّهُ كلمات نيكول دي بونشارا حرفية المصور حسن آل ثاني، بما أنجزه الرحالة والفيلسوف الفنان تيودور مونود، الذي كاد أن يتخطى المائة من عمره، بأنه يريد أن يبلغنا - من الوهلة الأولى وحتى الرمق الأخير - ومن وجهة نظر العدسة بالطبع بإجابة عن سؤال وحيد، هو الاحتفاظ بالذاكرة، والحفاظ على الأثر، عبر اقتفاء ذكي له، سواء كان ذلك في واحة نائية، أو قرية نائمة. «إنه يجعل من نفسه نسراً طرائده أبراج صنعاء. تكتشف عدساته المرتفعات الصخرية للأعالي الحجرية، وهي تشرف على الوديان الخضراء. فمن هذه الأعالي القاصية، يمكنه أن يحدد كيف تحافظ هذه التكوينات على المناطق أدناها، حيث نشأت وتطورت حضارة سبأ الموفورة الغنى. وهو بذلك المشهد الموثق يمنحنا معنى ومغزى خلود هذه التكوينات الصخرية».

قراءة المستقبل

لا يستطيع المسافر في ربوع اليمن، مؤرخاً أو فناناً أو رحالة، إلا أن يحلم. يقف أمام الشواهد ويصل بين العلامات، ليقرأ المستقبل. يسبقه في الحلم الشاعر الفرنسي أنطونين رامبو، الذي سكبت حضرموت الأحلام في مناماته ويقظته، كإحدى المدن الأسطورية حيث أراد أن يبرد حرقة العينين اللتين التهبتا في خليج عدن. في عدن نفسها، التي كانت مرفأ للقاعدة العسكرية البريطانية، ينجح الشيخ حسن آل ثاني، كمصور، في كشف كل مخابئ جمالها، لتنهض طبيعتها فتتحدث.

تقول نيكول: اليمن التي يقدمها لنا الشيخ حسن آل ثاني لا تزال هي البلد الصموت التي تحس - من خلال صمته - بأصداء الأزمنة التي عبرته.

وفي هذه المجموعة المختارة من صور (نظر لليمن)، تختفي التعليقات، لتحضر التفاصيل بألف كلمة وكلمة. فالألوان تعبر عن نفسها بجرأة أقوى من اللغة، والوجوه تعيد اكتشاف ذواتها على الصفحات، أما الأماكن فهي الشواهد السرمدية، ويبقى الفن إطارًا لذلك كله، في الصور التي تنوعت بين الملونة، والأسود والأبيض.

 

 

أشرف أبو اليزيد 




الصورة لغلاف ألبوم (عين على اليمن)، باللغتين الإنجليزية والفرنسية





نظرة فضولية، من صبي يمني (من صنعاء) لعدسة المصور الشيخ حسن آل ثاني





عمارة فريدة، وحجر وبشر، ثلاثية قطباها الفن والحياة، وشواهدها كثيرة في اليمن والصور





نظرة دافئة في قلب الشتاء وعيون بريئة تحتالُ على الفقر ببيع الورد (جبل صابر، تعز)





نظرة ثقة في عيني طبيب شعبي على الرصيف، لديه علاج لكل شيء، وحوله جذبت الكاميرا أطفالا وشيوخًا! الصورة من إب





على الساحلين العُماني، والإفريقي الشرقي، ستجد مثيلا لعمارة هذا المسجد اليمني، هنا يحضر دور العلاقات والرحلات في تأثيرها على العمارة والعلاقات البصرية، وهنا أيضا توثق الصورة ذلك الحضور (الصورة من اللهية)





من مأرب، سلاح في الطريق، وقاتٌ في الفم، متى تختفي الصورتان؟