تراث.. السدو إبداع متوارث في بادية الكويت

تراث.. السدو إبداع متوارث في بادية الكويت

السدو هو حكاية المرأة البدوية، وخيط الصوف واللون، وما يتولد من بين أصابعها.

فما هي الحكاية؟

تعتبر حرفة الحياكة «السدو» من أقدم الحرف التقليدية عند أهل البادية في الكويت، وفي شبه الجزيرة العربية. وتطلق كلمة «السدو» على عملية الحياكة، وعلى آلة الحياكة نفسها، وصناعة المنسوجات الصوفية المختلفة. السدو أو السداء هو النسيج الذي يُغزلُ من القطن أو الصوف. وهي بالفصحى السدى وهو ما مُدّ من خيوط النسيج. والسدو، بمعناها اللغوي الواسع، في عرف البدو، هي خيوط الصوف المنسوجة بشكل أفقي، وحياكتها تأتي على صور وأشكال ومعانٍ مستوحاة من البيئة الصحراوية وتراث البادية.

ومن أهم المنسوجات المحيكة بالنسبة للبدو تأتي الخيمة أو بيت الشعر؛ وهو يسمى كذلك باعتباره مصنوعاً من شعر الماعز أو صوف الأغنام. وحياكة السدو من وظائف المرأة الأساسية وهو بذلك فن نسوي بامتياز, عبّرت من خلاله المرأة عن تقاليد فنية عريقة وأبرزت مهارات يدوية فائقة. وتقوم النسوة والفتيات بنسج الصوف باستخدام النول الأرضي لإنجاز المساند وبيوت الشعر والعدول والخروج. وجرى العُرف أن تبدأ الفتاة البدوية بمزاولة الحرفة منذ نعومة أظفارها، فتعمل في مساعدة أمها في الغَزْل والصباغة وحياكة أجزاء بيت الشعر (الفلجان)، ومع بلوغها مرحلة الصبا، تكون قد تعلمت حياكة أغلب النقوش. وتحظى المرأة الماهرة في الحياكة بتقدير وإعجاب من قبل جماعتها وتسمى بـ«الظفرة» أي الفائزة. وجرت العادة أن تقوم النساء بغزل الصوف الذي يجزه الرجال أواخر فصل الربيع. وعند استقرار القبيلة عادة في فصل الصيف، تبدأ النساء بالسدو والحياكة مستخدمات في ذلك نولاً أفقياً بسيطاً يسهل تركيبه ونقله.

وتقوم صناعة السدو عادة عبر مدّ خيوط الصوف حول قطعة خشبية مثبتة من طرفيها، فيمر الصوف المغزول من الجهة اليمنى إلى اليسرى، من فوق وتحت الخيوط، وتدلك الخيوط بقطعة من الخشب أو بقرنِ غزالٍ لإحكام النسيج. ويتم تجديد الخيمة كل سنة حيث يجدد وسط الخيمة بسدو جديد، أما القديم فيوضع في رواق الخيمة. وتستعمل الألوان الصارخة كالأحمر والبرتقالي في هذا النوع من المنسوجات . وقبل شيوع الأصباغ الكيماوية، كانت النساء يستعن ببعض النباتات الصحراوية لتلوين الأصواف مثل العرجون، وهو نبات بري حولي يعطي لوناً برتقالياً مائلاً إلى الأصفر. وكن يستعملن الشبّ (ملح معدني بلوري) والفوه (نبتة) واللومي لتثبيت الألوان. وتضيف المرأة الكثير من اللمسات الجمالية إلى منسوجاتها وتزينها بالدرز والكراكيش والجدائل الملونة أو بالودع والجلود.

وهناك العديد من المنتوجات المحيكة بالإضافة لبيت الشعر مثل: «القاطع» وهو فاصل يستخدم في تقسيم بيت الشعر إلى عدة أماكن. و«الرواق» وهو الحامي لبيت الشعر، ويوضع في الجهة التي يأتي منها الريح. و«العدول»، وهي أكياس لحفظ الطعام. أما «المزاود»، فهي أكياس أصغر حجماً من العدول تستخدم لحفظ الملابس. ومن هذه المنتوجات «السنايف» وهي خيوط محيكة بطريقة جميلة وبألوان زاهية لتزيين الخيل والهجن، و«الزوالي» وهي صنف السجاد ذي الصوف الكثيف.

وتندرج ضمن هذه المنتوجات «البسط» وهي مفارش تصنع عادة بخيوط مبرومة، و«العقل» وهي خيوط تستخدم لربط أيدي الإبل لمنعها من المشي، و«الساحة» وهي قطعة جميلة تشبه البساط، وتوضع على ظهر الجمل، أو تزين الخيمة وتستخدم في الشتاء كغطاء. أما «الخرج» فهو قطعة كبيرة على شكل جيبين كبيرين تضع فيهما النساء ملابسهن وأغراضهن، وتكون عادة منسوجة من ثلاثة ألوان: الأحمر والأسود والأبيض وتحمل أشكالاً هندسية وخطوطاً طويلة. ويعدّ الخرج جزءاً من أجزاء «الفراش» الذي يوضع على ظهور «الركائب» لحمل كل ما يحتاج إليه البدو في تنقلاتهم، ويحاك «البطان» العائد له بألوان جميلة ومتناسقة.

ولكل قبيلة رسومها وزخارفها لذا تنوعت الأشكال والألوان والرسومات كالطيور والصقور والشجر أو الأشكال الهندسية المتداخلة الألوان. وترسم المرأة البدوية من خلال أشكال السدو ورموزه واقعاً للبادية من خلال «المنجرة» و«المقص» و«الأفعى» و«العقرب» وحتى «المشط» و«المكحلة» والأرقام والحروف. ولهذه الرموز معان كثيرة منها مثلاً: الحصان ممثلاً الخير والشهامة والبطولة. وفي حين يرمز الكبش للخصوبة والتضحية والفداء، والجمل يرمز إلى الثراء والصبر. وبمقدور الراصد لهذا النوع من المنسوجات البدوية المميزة أن يلاحظ أن معظم النقوش المستعملة تعتمد على مبدأ التناسب والانتظام وترتكز على أشكال هندسية مبسطة تتجلى في خطوط أفقية متوازية تظهر في صورة مثلثات أو نقاط أو هرميات صغيرة متكررة. فالمثلث وهو من الأشكال المألوفة للترقيم والحماية له معان ورمزية، ويستخدم في تشكيل كثير من النقوش مثل «العويرجان» و«الشنف» و«الرقم». ويعرف الرقم في الكويت بالبساط الحنبلي، وفي الأردن يعرف الشكل المثلث بالرقم أو (الحجاب)، وهو من النقوش المميزة للحياكة البدوية لديهم.

وتعدّ نقشة (الشجرة) من أجمل نقوش منسوجات السدو وأشدها تعقيداً. وهي عبارة عن مساحة بيضاء سداها من خيوط القطن، وتبرز فيها نقوش دقيقة سوداء تأخذ أشكالاً رمزية تختلف عن باقي النقوش البدوية بتلقائيتها وتنوعها.

 

 

هدى طالب سراج