هموم عربية دائمة وزيارة للمسجد الأموي وبيروت الناعسة

هموم عربية دائمة وزيارة للمسجد الأموي وبيروت الناعسة

كان الباحث والمؤلف الفلسطيني المعروف «قدري طوقان»، المولود في نابلس عام 1910 والمتوفي إثر نوبة قلبية في بيروت سنة 1971، من أبرز المهتمين بتاريخ التراث العلمي وواقعه وتقدمه في العالم العربي. وقد كان الراحل «طوقان»، عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع العلمي في دمشق والمجلس العلمي العربي للذرة، وعضو مجلس البحث العلمي في الأردن، وعضواً في مجلس جمعيات العلوم الرياضية في إنجلترا وأمريكا ورئيس الجمعية الأردنية للعلوم. كما أنه أصدر العديد من المؤلفات العلمية المعروفة مثل «تراث العرب العلمي» 1941، «والأسلوب العلمي عند العرب»، 1946، «وبين العلم والأدب» 1946. (انظر موسوعة كُتاب فلسطين في القرن العشرين، دمشق 1992).

خصّ «طوقان» العدد الثامن من «العربي» بمقال عن «الفيلسوف» ابن رشد مؤسس الفكر الحر». وقدّمت «العربي» مقاله بعدة عناوين: «اقتبس الغرب فلسفته فحلّت عقال الفكر الغربي»، «قال بوجوب التأويل إذا اختلف ظاهر الشريعة والعقل»، «دعا إلى مشاركة المرأة للرجل في خدمة المجتمع والدولة». يقول «طوقان» عن اهتمام ابن رشد بالمرأة: «فهو يدعو النساء إلى القيام بخدمة المجتمع والدولة قيام الرجل. وهو يرى أن حالة العبودية التي نشأت عليها المرأة قد أتلفت مواهبها وقضت على مقدرتها العقلية، ولهذا قل أن تجد امرأة ذات فضائل أو على خلق عظيم، وهن عالة على أزواجهن كالحيوانات الطفيلية. وعلى ذلك، فهو يرى أن الكثير من الفقر في عصره يرجع إلى أن الرجل يمسك المرأة لنفسه، كأنها نبات أو حيوان أليف، لمجرد متاع فان، يمكن أن توجه إليه جميع المطاعن، بدلاً من أن يمكّنها من المشاركة في إنتاج الثروة المادية والعقلية وفي حفظها».

هاجم ابن رشد تكفير الفلاسفة، وقال: «إن الفلاسفة، وإن كانوا قد أخطأوا أحياناً في التأويل، إلا أنهم كانوا مخلصين في محاولتهم. ولذلك لايجوز تكفيرهم بوجه من الوجوه». ومن الطبيعي أن يصطدم ابن رشد بوجهة نظر بعض رجال الدين في بعض المسائل، فنشأ عداء بينه وبينهم أدى إلى اضطهاده في أواخر أيام حياته. ويحمل ابن رشد على مذهب الفقهاء الذين يقولون إن الخير يكون خيراً لأن الله أمر به فحسب، وإن الشر يكون شراً لأن الله نهى عنه فحسب. ويخالفهم في هذا كله، ويعلن أن العمل يكون خيراً لنفسه، وشراً لنفسه أو ذاته أو بحكم العقل. وكان ابن رشد ينظر إلى الدين بعين الرجل السياسي، كما يقول «دي بور»، ويرى في الدين وسيلة فعّالة للإصلاح لما يهدف إليه من غايات خُلقية سامية.

وقد انشق ابن رشد على مذاهب الزهد والتصوّف، وحارب الغزالي في بعض آرائه الدينية المخالفة للعقل. وكتب الغزالي كتابه «تهافت الفلاسفة» فرد عليه ابن رشد في كتابه «تهافت التهافت».

ولاشك أن قارئ «العربي» قد فوجئ وهو يقرأ في العدد الثامن، أنه عندما اتّهم ابن رشد بالزندقة، أُحرق معظم كتبه، فلم يبق منها إلا القليل. وأهم كتبه التي وصلت إلينا، وصلت عن طريق الترجمة من اللاتينية والعبرية، ومنها «تهافت التهافت»!

وإلى جانب الدين والفلسفة، اشتهر ابن رشد بالطب، فاعتبر من أعظم علماء عصره في هذا الحقل، وله في الطب كتابه المشهور «الكليات»، المترجم إلى اللاتينية، واسم الفيلسوف في هذه اللغة «أفيروس». كان ابن رشد قد ولد في قرطبة عام 1126م، وتوفي في مراكش عام 1198م.

عبقرية عربية أخرى

وضم «العربي» كذلك مقالاً للمفكر القومي المعروف «ساطع الحصري» عن المؤرخ الكبير ابن خلدون، «من أعظم عباقرة الفكر الذين أنجبتهم أمتنا العربية». يقول المؤرخ البريطاني أرنولد تُوينبي: «إن ابن خلدون - في المقدمة التي كتبها لتاريخه العام - قد أدرك وأنشأ فلسفة للتاريخ، وهي - بلاشك - أعظم عمل من نوعه، خلقه أي عقل في أي زمان ومكان».

ومن الحقائق الفكرية المعروفة ذلك التباين العظيم الذي يلاحظ بين مجلدات تاريخ ابن خلدون ومقدمته، بل وبين مختلف فصول المقدمة، من ناحية أسلوب البحث والتفكير وعمق المعالجة.

ويبين الحصري في مقاله أن حياة ابن خلدون تنقسم إلى ثلاثة أدوار رئيسية، كان الأول في بلاد المغرب لمدة تزيد على عقدين من السنين 1352 - 1374، والثاني كان دور الانزواء والتأمل في قلعة «ابن سلامة» بمقاطعة وهران في الجزائر واستمر أربع سنوات فقط، والثالث كان دور العودة إلى الحياة العامة في ميدان جديد، هو ميدان القضاء والتدريس، واستمر هذا الدور أكثر من ربع قرن انتهت بوفاة المؤرخ الكبير عام 1406م.

ويقول الحصري: إن «المقدمة» كانت من إنتاج المرحلة الثانية، «لأن انزواء ابن خلدون في قلعة ابن سلامة كان نقطة تحوّل خطيرة في حياته بوجه عام، وفي حياته الفكرية بوجه خاص. هناك في القلعة المنعزلة، والقصر الذي في داخلها، على حافة طنف مرتفع، يطل على السهول التي تمتد على الآفاق البعيدة، عاش ابن خلدون حياة جديدة، تختلف عن حياته السابقة كل الاختلاف. وقد تجرّد هناك من هموم الحكم والسياسة ومطامعها، وتخلص من مشاكل الحياة ومشاغلها، فانصرف بكليته إلى التفكير والتأمل والتأليف، وصار يستعرض الأحداث والانقلابات التي لاحظها وعاش خلال حياته الصاخبة وتنقلاته المتوالية، وأخذ يستقصي أسباب حدوث الانقلابات ونواميس تعاقبها، وذلك بعيداً عن الناس من ناحية، وعن الكتب التي تدوّن آراء القدماء من ناحية أخرى».

المسجد الأموي

في العدد استطلاع مصوّر عن مسجد دمشق، المسجد الأموي، وآخر عن بيروت. ويقدم كاتب المقال المسجد الأموي ليتحدث عن نفسه عبر التاريخ، وما مرّ به من ظروف وأحوال منذ بداية التاريخ. وقد كتب المقال «صلاح الدين المنجد»، والذي يُفهم من المقال أن موقع المسجد بدأ كمقر للعبادة مع الصابئة قبل نيف وثلاثة آلاف سنة، كمكان لعبادة الكواكب، في مدينة {إرم ذات العماد}، «فبقيتُ معهم مئات السنين».

ثم جاء اليونان، فصار المكان معبداً لإله الصواعق، لمئات السنين، ثم جاء الرومان، فتحوّل المكان إلى معبد للإله جوبيتر. ثم جاءت المسيحية، فأقام الإمبراطور كنيسة أو «بزليقة» Basilica، للنبي يحيى - يوحنا المعمدان، «فغُصّت رحابها بالقسيسين والرهبان، وامتلأت جدرانها بالصور والتماثيل والأيقونات».

وعندما وصل الإسلام إلى الشام، يقول المسجد: «جاءني منهم نفر، دخلوا دمشق فبنوا في صحني مسجداً إلى جانب الكنيسة، ثم قام الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك بضم الكنيسة إلى المسجد، وأعطى أصحاب الكنيسة العوض عنها، وبناني جامعاً كبيراً، وجعل أرضي مرمراً مفروشاً، وجعل محرابي مرصعاً بالجوهر. ومرّ على المسجد عصر العباسيين والفاطميين حيث تدهور وضع الجامع، ليجدده السلاجقة والأيوبيون.

ثم جاء المماليك حيث دخل في زمنهم التتار إلى دمشق، ووضعوا المجانيق في الصحن ليرموا بها قلعة دمشق، ونهبوا الأسواق. وعندما دخل تيمورلنك دمشق، احترقت وسرت النار إلى الجامع فسقطت الأسقف وزالت الأبواب وتفطر الرخام من الجدران، ولم يبق من الجامع إلا حيطان عارية قائمة. وفي أواخر أيام العثمانيين، أصاب الجامع حريق ثانٍ دمّره، ليعاد ترميمه مرة أخرى!

أما استطلاع بيروت، الذي صوّره «أوسكار»، فقد كتبه الكاتب المعروف قدري قلعجي (1917 - 1986).. وقال: «إن سكان بيروت يتمتعون بمرونة فائقة الحدود، لذلك تراهم يكيّفون أنفسهم وفق شتى الحضارات التي تعيش بين جوانبهم، ففي الفندق السياحي الأمثل، مثل «بالم بيتش» أو «سان جورج» أو غيرهما، يستطيع التاجر الحجازي والصيني والكويتي والفرنسي، كما يستطيع الفنان أو الدبلوماسي أو السائح، أن يجد كل متطلبات ظروف حياته. وليس ذلك بالأمر العجيب، ففي لبنان - وهو يكاد يكون فندقاً كبيراً - يجد الزائر آثاراً ومعالم لكل حضارات الشرق من الإغريق إلى الرومان إلى الفرس والعرب، وكلها تقوم جنباً إلى جنب، فالقلعة الواحدة هي خلاصة جميع الفتوحات - وما أكثرها - التي مرت بهذه البلاد، وعندما يغادر الزائر لبنان نحو هذا البلد السياحي أو ذاك، فإنما ينتقل من الخلاصة إلى التفصيل».

بيروت الجميلة

وجاء في الاستطلاع أن اسم «بيروت» قد ظهر في التاريخ القديم، أول ما ظهر، على آثار الفرعون تحتمس الثالث (القرن الخامس عشر قبل الميلاد). ويبدو أن العنف والدمار، كان نصيب بيروت منذ القديم. إذ يضيف الاستطلاع أن المؤرخ «سترابو» ذكر أن «ديمتريوس الثاني»، حاكم أنطاكية، استولى عليها ودمّرها عام 140 ق.م. وأن أحد قواد الرومان أخضعها عام 15 ق.م، وجعلها مستعمرة عسكرية تحت اسم «مستعمرة جوليا أغسطا فليكس بيريتيس»، ومنها اشتق اسمها بيروت».

ويتذكر القارئ كذلك، وهو يتحدث عن لبنان وبيروت، اللغة الفرنسية والفرانكفونية. وقد نشرت «العربي» في زاوية «مرآة الرأي الغربي» اقتباساً عن صحيفة «نيويورك هيرالدتريبيون» بعنوان «اللغة كائن حي»، عن الصراع بين اللغتين الفرنسية والإنجليزية.. في فرنسا نفسها!

معركة الفقر

نعود لـ«العربي»! فحديث رئيس التحرير في العدد الثامن لايزال مؤثراً وذا معنى! فقد قال في عنوان الحديث «معركة الفقر قائمة!»، وأفصح قائلاً: «نحن العرب أولى الناس دخولاً في معركة الفقر، لا بالمذاهب، ولكن بالعمل. بالرسم والتخطيط، بحشد كل مصادر الثروة من ماء، من تربة، من زرع، وحشد كل مصادر الثروة من ركائز أرض، وحشد الكفاءة من الرجال. إن المصانع تُصنَع، ولكن كذلك تُصنع الرجال، والرجال أثقل صنعاً. وما أفقرنا نحن بني العرب في الرجال».

وأضاف رئيس التحرير، أننا بحاجة ماسة إلى أن نخطط للمستقبل، ويجب أن نفعل كل هذا في صمت: «إن إنتاجنا كثير، ولكن أكثره من كلام. ومحصولنا عظيم، ولكن أكثره من هواء، تدفعه إلى الجو حناجر لا أدري كيف لا يصيبها الكلال. ولكم دعوت الله، قبل عشر من السنين فعشر، أن يَمُنّ على بعض هذه الحناجر ببعض راحة. ولكم رجوت الله سبحانه، أن يزيد من حظ الخرس فينا، حتى نقول قليلاً، ونعمل كثيراً».

د. فايز صايغ، مدير مكتب «العربي» بنيويورك، فجّر في العدد نفسه «قنبلة إعلامية»، بمقاييس الفكر السياسي السائد يومذاك، غير أن الإعلام العربي عاد إلى مقدساته الفكرية بعد ذلك سالماً معافى!

قال د. صايغ: «إن ما كنت أحسبه واقعاً، قبل بضع سنوات، قد اتضح لي بعد الخبرة المباشرة أنه كان أسطورة، أقصد بذلك ما كنت أتوهمه سيطرة صهيونية على العقل الأمريكي. ليست هناك سيطرة صهيونية مطلقة، ليس استمرار العرب في الإيمان بأسطورة السيطرة الصهيونية في أمريكا من مصلحة أحد سوى الصهيونية نفسها، لأنه إيمان من شأنه أن يدفع بالعرب إلى اليأس والتخلي عن المعركة الدعاوية..»!

ضياع فلسطين

وتضمن كتاب «النكبة والبناء» للدكتور وليد قمحاوي، والذي عرضه كالعادة د. محمود السمرة في زاوية «مكتبة العربي»، العديد من المعلومات والحقائق المسكوت عنها في المراجع العربية حول القضية الفلسطينية!

يقول د. السمرة: «إن تفكير اليهود في أرض يجتمعون على صعيدها قد ظهرت بوادره حتى قبل عام 1882، حيث عُرضت عليهم سيناء في عهد إبراهيم باشا القائد المصري، ولابأس أيضاً من أن نتذكر أن الصهاينة قد سعوا إلى شراء أرض فلسطين من السلطان عبدالحميد الثاني بمبلغ خمسة ملايين من الجنيهات ولكن المال أعوزهم».

ومن شأن هذه المعلومة أن تبين بوضوح مبالغتنا في قدرة اليهود المالية، وكذلك من الإشادة الدائمة اليوم بالسلطان عبدالحميد الثاني ورفضه «لبيع فلسطين»!

ولاشك أن هذه النقطة بحاجة اليوم إلى بحث تاريخي دقيق نزيه، وبخاصة في الوثائق العثمانية واليهودية.

وسلّط مقال د. السمرة الناقد على جانب آخر بالغ الأهمية من حقائق نكبة 1948 وضياع فلسطين. يقول الكاتب، ولعله د. السمرة نفسه:

«وما حل عام 1948، إلا وقد تمكن اليهود من السيطرة على البلاد - أي فلسطين - اقتصادياً، واشتروا 600 ألف دونم.

ومن حق التاريخ علينا أن نذكر أن جل هذه الدونمات اشتروها من عرب غير فلسطينيين ولامقيمين في فلسطين».

العربي .. تبتسم

ومن نكات «العربي» التي لايزال من الممكن الاستفادة منها «سياحياً»، ما يلي:

«كاد صبر مدير الفندق ينفد لإصرار أحد الأشخاص على المبيت في الفندق بالرغم من عدم وجود مكان لنومه.

قال ذلك الشخص للمدير:

- أظن أنه إذا حضر رئيس الجمهورية الآن فلابد أنك ستجد له غرفة ينام فيها؟

أجاب مدير الفندق: طبعاً.

- إذن أعطني هذه الغرفة.. فإني أؤكد لك أن رئيس الجمهورية لن يحضر إلى فندقك الليلة».

ومن طرائف الفندقة الأخرى في العدد نفسه، أن الدهشة انتابت مدير الفندق الكبير، عندما طلب منه «جون روكفلر» المليونير الأمريكي الشهير أن ينزله في أرخص غرفة في الفندق.

وقال مدير الفندق بعد وجوم:

- ولكن ابنك، يا سيدي، يستأجر أفخر أجنحة الفندق، عندما ينزل عندنا.

فردّ عليه المليونير في ابتسامة هادئة:

- أيها الشاب، إن لابني أباً ثرياً، أما أنا فلا.

كانت سورية - كتب أحمد الجندي في مقال عن «الشعراء السوريين في القرن العشرين» - على صلة وثيقة بمصر، قبل القرن العشرين وبعده. وكان من أبرز شعراء القطرين شوقي وحافظ ومطران، ولكن الشعراء في سورية، - يلاحظ الكاتب -، لم يكونوا روّاد هذا الفن ولا قادته. ففي مصر كان شوقي أبعد الثلاثة أثراً، وكان حافظ ذا أثر وطني رائع في أبناء هذا الجيل من الشعراء. ولكن حافظ لم يكن مجدِّداً. أما خليل مطران (1871 - 1949)، يقول الكاتب، «فقد ضاع صالحه في طالحه، إذ كان رجلاً طيباً محبوباً، وكانت له سبحات شعرية رائعة ولكنها كانت تضيع في الكثير من شعره الذي لم يبلغ مرتبة التفوق والارتفاع، ولذلك، فإن أثره في الناس كان مختصراً، خاصة وأن أسلوبه لم يكن ذلك الأسلوب القوي، وإنما هو أسلوب أقرب إلى الهلهلة والاضطراب منه إلى حسن الوصف وقوة الحبك، ولعل ذلك راجع إلى ثقافته الفرنجية ودراسته الأولى في لبنان، قبل رحيله إلى مصر».

ومما يتصل بالشعر والشعراء، ونحن نعجب من قدرة بعض الشعراء على الارتجال والإتيان بدرر الشعر دون استعداد مسبق، ما نشرته «العربي» في هذا العدد.. يشرح ذلك أحياناً!

«قال أبو المستهل: دخلتُ يوماً على - الشاعر - «سَلَم الخاسر»، وإذا بين يديه قراطيس، فيها أشعار يرثى ببعضها أم جعفر وببعضها جارية مسماة وببعضها أقواماً لم يموتوا. وأم جعفر يومئذ باقية، فقلت له: ويحك ما هذا؟ فقال: تحدث الحادثة فيطالبوننا بأن نقول فيها، ويستعجلوننا ولا يجمل بنا أن نقول غير الجيد، فنعدُّ لهم هذا قبل كونه، فمتى حدث حادث أظهرنا ما قلناه فيه قديماً على أنه قيل في الوقت».

احتفى العدد الثامن من «العربي» بحدث كويتي بالغ الدلالة: فقد «احتُفل في شهر مايو الماضي - 1959 - بوصول أول ناقلة كويتية للنفط، قامت بصنعها شركة «ساسيبو» اليابانية، وصممت بحيث تحمل نحو 46 ألف طن، وقد شهد الاحتفال سمو حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح وأصحاب السعادة شيوخ الكويت، كما شهدها ألوف من أبناء الشعب الكويتي».

وفي مجال الفن والموسيقى، تساءلت «العربي»: هل يمكن أن تتطور موسيقانا مع احتفاظنا بسماتها الشرقية؟ وتساءلت كذلك: متى تكون لنا سيمفونيات عربية؟

العربي والأفيون!

ونقف أخيراً مع رسالة «السيد الأستاذ عبدالهادي التازي» مدير الثقافة بوزارة التربية الوطنية بالدولة الشريفية المغربية، وقد بعث بها إلى «العربي» يقول فيها إن مجلة العربي صارت تباع هناك سراً.. كالأفيون!

يقول الأستاذ التازي في الرسالة:

«.. كنت أبرقت، ثم كتبت إليكم، متأسفاً على عدم وصول العدد الثالث من مجلة العربي، ورجوتكم إزاء الرغبات المتوالية من لدن الأصدقاء والرفاق، أن تفكروا في وسيلة تضمن وصول المجلة إلى أيدي قرّائها. والواقع أيها الأخ الكريم أنني خجلت عندما علمت أن العدد الثالث وصل بالفعل منذ قرابة شهر. وأن العددين الرابع والخامس ينعمان الآن بقرائهما، والحق أن حرص الباعة الشديد على إحاطة أوقات وصول «العربي» بسياج سميك من الكتمان كان بالغاً درجته القصوى، فإنهم يخشون أن ينهال عليهم الناس، ولذلك فقد أبرموا أشباه «عقود» مع قرّاء معينين، يتسلمون المجلة فور وصولها فتختفي. وحيث إنني مرهق الكاهل لكثرة مشاغلي بالوزارة، فقد كنت أقول إن «العربي» لامحالة ستصل، وستُستقبل وقت وصولها بعشرين طلقة وطلقة! لكنها كما ترى تنفذ إلى الكُتُبيين ليبيعوها كأنما يبيعون أفيوناً مهرباً!

وأغرب من هذا وأمتع كذلك، أن الطائفة من الأدباء الذين يحظون بقراءتها، يبخلون على أصدقائهم بإعارتها لهم، ولذلك فهم لا يتحدثون عنها خوفاً من أن تُقترض منهم!! وكان أقصى ما استطعتُه، أن أحصل على «عقد» من تلك العقود مع أحد الباعة الفضلاء بمدينة «سلا»، إذ إن أحد قرّاء «العربي» الدائمين قضت عليه ظروفه بأن يغادر بلاد المغرب!».

 

 

خليل علي حيدر 





 





المسجد الأموي كما بدا في إحدى صور استطلاع العدد الثامن من «العربي»