مساحة ود

 مساحة ود
        

المقاومة بالضحك

          أخشى ما أخشاه أن يأتي يوم لا نُمارس فيه التنفس إلا بعد تسلم نشرة ما وربما حبة دواء. من منا لم يُطلق زفيرا طويلا له مفعول التهدئة. هذا ماعرفناه بالفطرة. ولكن قليلا من التمهل أقول لذاتي, فالأمر أصعب مما تتوقعين ليأتي الحديث النبوي الشريف (تفاءلوا بالخير تجدوه) تلك إشارة حقيقية لنا بأننا نحن الذين نمتلك الإرادة بإيجاد الخير, نخلق التفاؤل بامتلاك طاقة مزح. شجرة التفاؤل جذورها ممتدة مترامية عبر الإيمان... القناعة... الرضى. أما ثمارها فهي الفرح.. الفرح الحقيقي الذي يزهر ابتسامات ثم المقدرة على الضحك والإضحاك. لا أنكر ما أصابني من هوس متابعة الابتسامات أولا ثم عدم المقدرة على الضحك ثانيا, لأرى أن الابتسامة هي قرار نابع من ذات راضية فائقة محبة, لا نتيجة للظروف الخارجية. هذا الصباح الحار جدا تعطلت فيه الإشارات الضوئية المتقاطعة, لتمتزج السيارات بائعو الجرائد, الورود, الألعاب البلاستيكية... كانوا هم الذين يحاولون تهدئة أصحاب السيارات المكيفة بابتساماتهم بالقيام بمحاولات تنظيم السير. لم يحاول أي منهم عرض بضاعته, أما أغلب وجوه أصحاب السيارات فهي متقلصة مشدودة ما من امكانية حتى لمشروع ابتسامة?! ولكن لم أكن أعلم أن الإمتحان الحقيقي كان بالجوار منتظرا.. هاهي صديقتي رفيقة عمري حبيبة قلبي تصاب بمرض السرطان (تفاءلوا بالخير تجدوه) يتجسد التفاؤل أمامها أمامي يطل عليها يوما ليسألها: أما زال موجودا? نعم تقول له فانظر إن باقات المحبة المحيطة بي إلى العناية التي أتلقاها, ماذا أريد أكثر! صباحي يمسك بي في لحظة من لحظات قلقي وخوفي وحزني... ماذا عنك? نعم يا صديقي لسوف نضحك ونضحك عاليا رغم كل ما يتبدى لك. تمر السنوات, وصديقتي من انتقال من مرحلة صعبة إلى المراحل الأصعب. تهمس لي يوما: ألا تزالين تجدين الصعوبات نفسها من الدعوة للضحك, ثم تهمس بصوت أخفض لو يعلمون كم هي الدنيا جميلة. ما استطعت إعطاءها جوابا. فلقد غادرت بعد فترة ٍوجيزة. أنا لا أنكر حزني, أنا لا أنكر شوقي لها... إلى أن انبثق نور ساطع باهر بداخلي. أي أن علي أن أعاود مرة أخرى الدعوة لـ (يوجا الضحك). من (مركز الأمل للسرطان). دعاني المكان فاتحا ذراعيه لاستقبالي, وأنا أيضا لا أنكر خوفي مع اقتراب اليوم المحدد. لا أنكر مع اقتراب الساعة المحددة. أحاول تهدئة نفسي فأقول: هذا خوف إيجابي. لتأت اللحظة التي أقف فيها أمام هذا العدد الكبير من الحضور نساء, أطفال, رجال البعض لاتزال آثار الجرعات الكيماوية بادية عليه. البعض يمسك بدوائه.... إلى أن سمعت استعجالا: لنبدأ لنبدأ... قلت لنبدأ شهيق زفير شهيق زفير... تصفيق تصفيق... ثم ابتدأنا بأداء الحركات معا ليكون ضحكا إيجابيا مرتبطا بالحضور حضور اللحظة الراهنة التي نعيشها معا. لم أسمع ألا سؤالا واحدا (متى ستكون المعركة القادمة?).

          ولكن معذرة أريد العودة مجددا للنقطة المركزية التي أحاول أن أشرحها : بأنه لدينا الإرارة التي تُمكننا من خلق مخزون فرح نفرح به في أوقات الفرح, نستعين به في أوقات الحزن, هذا المخزون هو الذي يُساعدنا على المقاومة التي نحتاج إليها كل لحظة سواء لأنفسنا أو لغيرنا, هذا المخزون له ينابيع شتى فاغرفوا منه كما تشاءون... ولكن مهلا.. كلمة صغيرة للمؤمنين بالتقارير والنشرات. نعم الضحك يرفع جهاز المناعة... جهاز المناعة هو المسئول الحقيقي عن كل مرض يُصيبنا. الضحك يزيد إفراز هرمون الأندروفين في المخ. هذا الهرمون هو المسئول عن مقاومة الألم والتوتر. ثم ماذا? أيا كان اتصلوا بي, أعينوني على أن نضحك معا.

 

نجوى الزهار