مخطوطات البحر الميت.. ماذا تخفي؟

مخطوطات البحر الميت.. ماذا تخفي؟

على الرغم من مرور حوالي 51 عاما على اكتشاف مخطوطات "قمران" على شاطئ البحر الميت فلا يزال هناك جدال حول الاستغلال التجاري والعلمي لها، ولدورها في تفسير نشأة المسيحية.

في عام 1947 عثر عرب التعامرة على لفائف أسطوانية، بعضها من النحاس وأكثرها من الكتان، عليها كتابات من الأسفار التوراتية، ومكان العثور على هذه اللفائف التي لاتقدر بثمن، هو المنطقة الغورية قرب البحر الميت حيث كانت فرقة ـ في عهد المسيح ـ من الأسينيين، المتقشفين المشاعيين، تعيش في كهوف هذه المنطقة. بلغ عددها أحد عشر كهفا، بعضها كهوف طبيعية وبعضها الآخر منحوت في الصخر الرملي.

ومن أهم مواقع هذه الكهوف، عين الفشخة والداليه والمربعات، إضافة إلى قمران.

ولقد عثر هؤلاء البدو عام 1951 على كمية أخرى من الجلود وأوراق البردي. ثم قامت إدارة الآثار في عمان، بعمليات تنقيب نظامية بمساعدة الرعاة والبدو، وكانت المكتشفات مختلفة في أهميتها من كهف إلى آخر.

وأشهر هذه المناطق خربة قمران التي عرفت المكتشفات باسمها. واستمرت الحفريات حتى عام 1956. وخلالها تم اكتشاف فخارية وقطع نقود وقبور ولفائف هي الأكثر أهمية من بين اللقى لمضمونها. على أن أغرب المكتشفات وأكثرها غموضاً هي المخطوطات المنقوشة على النحاس التي عثر عليها عرب التعامرة في خربة قمران، وهي ملف نحاسي كسر إلى قسمين، والملف مؤلف من ثلاث رقاع نحاسية، طول كل منها 80 سم وعرضها 30سم نقشت بكتابات عن طريق الطرق.

ولقد تآكلت هذه الرقاع بفعل الأملاح، ومع ذلك فلقد قامت جامعة مانشستر بتقطيع الملف وتسهيل قراءته. ولقد تبين أنه يحوي معلومات عن كنوز ذهبية وفضية ضخمة حددت أماكنها، فذكر أنه يوجد في الصهريج "هـ" في وسط الدار الخارجية، تسعمائة مثقال من الذهب ويوجد في صهريج آخر عند أسفل الحصن في الجهة الشرقية ستمائة سبيكة من الفضة. وحسب حسابات المختصين، فإن كمية المعدن الثمين المشار إليه في هذه القوائم التي بلغ عددها اثنتي عشرة قائمة في ثلاثة آلاف كلمة، هذه الكمية يصل وزنها إلى 58 طناً أو 174 طنا حسب اختلاف وجهات النظر في معادل وزن المثقال، "فهو يعادل 12.5 كج أو 37.5 كج". هذه الكمية الضخمة من الذهب والفضة والتي أشير إليها في هذه الملفات النحاسية، أثارت الجدل العنيف، هل هي كـمية حقـيقية أم وهـمية؟ ومن الذي أودعها في أماكنها المحددة المنتشرة بشرقي فلسطين من نابلس إلى حيرون في الجنوب، وفي الوادي الممتد من القدس حتى الأردن? ومتى تم ذلك؟

لقد أكد العلماء الذين قرأوا هذه اللفائف، أن المقصود من ذكر هذه الكنوز وأماكنها هو التوثيق الدقيق، وأنها كميات حقيقية وليست وهمية، وأنه من الواجب البحث الدقيق عنها، بعيداً عن فضول البدو وشراهة المنقبين السريين، ولذلك طلبوا بإلحاح تجنب الإعلان عن مضمون هذه اللفائف، وتم ذلك بموافقة إدارة الآثار الأردنية،بل عام 1967م.

ولقد أجمع أكثر الأثريين والمؤرخين على أن هذه الكميات تعود إلى الأسينيين المتقشفين الذين جمعوا هذه الكنوز وأودعوها في أماكن مهينة ازدراءً بالمال والثروة. ولقد أعلن العالم "ميليك" أن هذه الملفات تعود إلى العهد الروماني، وقد رافقت مجموعة من الفضائح هذه الملفات منذ اكتشافها وحتى اليوم، ولقد أثارت مجلة " الملفات الاثارية " التي تصدر في باريس هذه الفضائح مع ذكريات الكشف عن الملفات ومراحلها.

وأولى هذه الفضائح هي الشك والاتهام الموجه للإسرائيليين في محاولة العثور على كنوز الذهب.

تهريب المخطوطات

وثانية هذه الفضائح كانت عمليات التهريب التي اشترك فيها عدد من المسئولين والتجار ورجال الدين، والتي أدت إلى خروج عدد من الملفات إلى أمريكا، ومنها إلى إسرائيل، ولقد تم الكشف عن ذلك مصادفة عندما قامت إدارة الخزانة المالية في الولايات المتحدة بمطالبة المطران اثناسيوس بمبلغ سبعين ألف دولار كضريبة أرباح مقابل بيعه مخطوطات إلى إسرائيل، ومن الواضح أن هذه العملية لم تكن الوحيدة في عمليات التهريب.والفضيحة الثالثة هي محاولة إسرائيل جمع أكبر قدر ممكن من هذه اللفائف عن طريق المؤسسات الأخرى وحجبها، وذلك للتعتيم على مضمونها خشية افتضاح النقص والتناقض الوارد في التوراة المتداولة.

وتبدو أهمية هذه الملفات فيما أعلنه العالم "دوبون سومير" في جريدة الفيجارو الأدبية سنة 1950، من أن السيد المسيح ليس إلا "معلم العدالة" رئيس طائفة الأسينيين. ولقد تابع هذا الرأي العالم "اللغرو" وهو اللغوي الذي ساهم في فك رموز اللفائف وقراءتها، وقال إن التقارب شديد جداً بين أدبيات مخطوطات قمران وبين المسيحية في بداية تكونها.

والقضية التي لابد من إثارتها اليوم في مؤتمرات الصلح مع إسرائيل، هي استرداد هذه الوثائق التي وضعت السلطات الإسرائيلية يدها عليها وعلى محتويات المتحف الفلسطيني في القدس، وعبثت بها وحرفت في نشر محتوياتها. إن استرداد هذه الوثائق هو جزء من الحق الشرعي الفلسطيني، الذي أقرته الشرعية الدولية، ولابد من التذكير أن السلطة الأردنية التي كانت مسئولة عن الضفة والقطاع ومدينة القدس، كانت قد أصدرت منذ عام 1953، قراراً باقتناء وشراء وثائق قمران. ثم صدر قرار بتأميمها وحفظها في دائرة الآثار في عمان سنة 1957 ـ وفي عام 1966 وبضغط صحفي عالمي، قامت السلطات الأردنية بعرض هذه المخطوطات في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، ثم أعيدت إلى فلسطين لكي تحفظ في متحف القدس الذي استولت عليه إسرائيل وعلى محتوياته بعد حرب 1967. ثم نقلته إلى بيت الكتاب التابع لمتحف إسرائيل.

ادعاء الملكية

ترتكب إسرائيل هذه الفضائح التي تعتبر في علم الآثار والتاريخ من الفضائح الجدية والخطيرة، والتي يتوقع المختصون بعد نشر المخطوطات ومتابعة التنقيب عن الكنوز بعد تحرير الأراضي المحتلة في منطقة البحر الميت، تحقيق ثورة عقائدية وتاريخية كبيرة، على المسئولين العرب في الأردن وفلسطين أن ينتبهوا إلى أبعادها وأهميتها.

وحالياً تدعي إسرائيل ملكيتها لمخطوطات البحر الميت. ففي متحف "بيت الكتاب" في القدس التابع لمتحف إسرائيل حفظت المخطوطات الكاملة المكتشفة في قمران، وبخاصة ملف كتاب أشعيا. ومنذ زمن قصير أي في نوفمبر 1993، أعدت إدارة الآثار الإسرائيلية برنامجاً تنقيبياً واسعاً في مناطق الملفات وفي منطقة قمران، ويقوم على تنفيذ هذا البرنامج الواسع ست عشرة مجموعة من المنقبين، مجهزة بوسائل وأدوات جيوفيزيائية متطورة، هدفها البحث عن ملفات أخرى وعن الذهب المذكور في اللفائف النحاسية، وتشمل عمليات المسح الأثري والتنقيب مساحات واسعة تمتد من سيناء المصرية إلى الجولان السورية. ولقد أعطت السلطات أهمية أولية للتنقيب في منطقة أريحا، حيث يقوم المنقبون المغامرون بالتنقيب التعسفي غير المشروع. ويتهافت هؤلاء على نبش المناطق الأثرية، بحثا عن الكنوز. ولكن الصحافة العالمية تتحدث منذ بداية الكشوف عن حفريات سرية قامت بها السلطات الإسرائيلية لاكتشاف الكنوز، ومن المعتقد أن هذه الحفريات أحرزت بعض الكسب الذي بقي سرا.

ولابد من إثارة اهتمام الهيئات الدولية لإدانة هذه المحاولات المخالفة للقوانين الدولية.

إن آخر المكتشفات في موقع ماسادا "أو مسعدة" والتي قدمت مجموعات أخرى من اللفائف قد فضحت حقيقة هذا الموقع الدينـية والتاريخـية، وكان الجـنرال يادين بصفته عالما أثريا، يعتبر هذا الموقع هو الأكثر أهمية نظرا للعثور فيه على آثار كنـيس يهودي هو الوحيد في تاريـخ فلـسطين الـقديم، وفي هذا الكـنيس مازال الضباط المتخرجون من الكلية العسكرية، يقـسمون اليمين على دعم البـحث عن تاريخ إسرائيل.

في هذا الموقع عثر يادين نفسه وعن طريق المصادفة على مخطوطات قديمة تحاكي مخطوطات موقع قمران، هذا الموقع الذي لايبعد عن مسعدة أكثر من 40 كم. لقد بلغ عدد المخطوطات أربعة عشر مخطوطا عثر عليها في أساسات جدران ما سمي بالكنيس، إذ إن هذه المخطوطات تتعلق بأصول المذهب الأسيني، مما يعني أن هذا المعبدلم يكن كنيسا يهوديا، بل كان معبداً للآسينيين، مما صدم يادين ودفعه للبحث عن تأويلات أخرى.

 

عفيف البهنسي

 
  




اللفائف النحاسية ومضمونها معلومات عن كنوز ذهبية وزنها 174 طن