عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

أهـوية وهـوايات

عزيزي القارئ ..

الآن نوغل في الصيف, وصيفنا العربي في معظم الأرض العربية ـ المحفوفة بالصحراء أو المكتنفة بالصحراء ـ قيظ لافح, يدفع مكابديه نحو ما تيسر من ابتراد الهواء.. في قباء البيوت القديمة, أو ظلال أشجار الحقول والمروج, أو نطاق المبردات والمكيفات, أو شواطئ البحار والمحيطات وهي لدينا عديدة.

هذا الانتقال الهادف للتكيف, بحثا عن مصادر الأهوية المبتردة بعيدا عن القيظ المعطل, ألا يمكن أن يحيلنا إلى التفكير في حل معضلة فكرية عربية مزمنة, خاصة وهي قريبة الجذر اللغوي من كلمة الهواء والأهوية, ألا وهي معضلة (الهوية) العربية بين الأصالة والمعاصرة. وهي في معظمها معضلة لدى النخبة, لكنها لدى البشر العاديين في حياتهم اليومية المعتادة محلولة حلاً تلقائيا على المستوى المعيشي, ومنذ زمن بعيد, إذ لم تكن تنتظر مفكراً عربيا ليبلور مفهوم أن (كل ملائم أصيل) حتى تواصل سعيها على أرض دنيانا المعاصرة, فالحياة لا تنتظر صياغة المفاهيم, وإن كانت تتأثر بصياغة المفاهيم في وقت لاحق.

البشر, كما سائر الأحياء على الأرض, يتحركون من مكان إلى مكان بحثا عما يلائم استمرار الحياة, أي بحثا عن شروط مواتية لمتغيرات جديدة, فالأصل في الإقامة هو الملاءمة, ومن ثم فأصالة الأشياء تكمن في مدى ملاءمتها, وما الحنين ـ الذي هو أحد وجوه الرجوع إلى الهوية ـ إلا تعطش للملاءمة التي اعتادها الكائن المسكون بالحنين. فالقضـية هي بحـث عن الملائم الأفضل للروح وللأوعية الحاوية للروح. هنا تتحول القضية إلى انتـقاء مـن التراثي وانتـقاء مواز من المعاصـر, لملاءمة شروط الحياة الواقعة. وهكذا تصير قضية الهوية تكويناً متكاملاً من جذور وفروع, كل منهما حي وقابل للحياة, وليست ـ الهوية ـ (دوجما) تراثية بغض النظر عن استجابتها لشروط الحياة المعاصرة للكائن الباحث في الهوية.

هذه القضية ـ الهوية ـ أو الهويات, ستجدها عزيزي القارئ محور اتفاق أو اختلاف في كثير من مواد هذا العدد, في شهرنا هذا الذي يدأب الناس خلاله بحثا عن ابتراد الأهوية! فهي محور مداخلة الدكتور رضوان السيد (ثقافة العالم الإسلامي بين التقدم والهوية), وهي فيض مشاعر الاحتفاء الإنساني في موضوع عفراء جلبي (وداع بين الحدود), وهي مدار المناقشة بين الدكتور أحمد أبوزيد وجورج طرابيشي في (وجهاً لوجه), وهي في مخطط مقالة سالم البهنساوي (حوار هادئ مع فكر خاطئ), وهي ـ من قريب أو بعيد ـ في كل ما عدا ذلك من مواد هذا العدد.

وإلى لقاء متجدد.

 

المحرر