يوم التفتيش

يوم التفتيش

"قد تكون ساعة الموت مؤلمة ومخيفة لكن انتظارها أشد إيلاما وتخويفا".

جهاز المناداة "البيجر" يلح في طلبه، وكلما نظر إلى رقم الهاتف الذي يظهر على شاشة البيجر تزداد حيرته وحرجه. إنه صاحب دار النشر الذي اتفق معه علي نشر كتابه والذي أعده للنشر قبل الاحتلال العراقي للكويت. المشكلة تكمن في فقدان جزء مهم من الكتاب. لقد قلب الدنيا عليه ولم يجد له أثراً. لايدري ماذا يفعل لاوقت لديه لإعادة كتابة ذلك الجزء ولارغبة له أيضا في ذلك. فعادته إذا كتب شيئا ألا يغيره فهو يعبر لديه عن حالة نفسية كان يعيشها أثناء كتابته وليس من السهل عليه أن يعايشها في وقت آخر. ظل في حيرته وضيقه ووضع رأسه بين كفيه وأسند مرفقيه على مكتبه، وأغمض عينيه وكأنه أراد أن يحصر تفكيره في محاولة تذكر أي شيء يساعده في بحثه عن ذلك الجزء المفقود.

وغاب عما حوله برهة من الزمن، وفجأة فتح عينيه وأطلق رأسه من كفيه وهو يصرخ: نعم.. نعم إنه خلف المكتبة لقد تذكرت.. لقد رميته مع شريط الفيديو وبعض الكتب التي تنتقد حزب البعث العراقي وتناقش جرائمه ضد الأكراد في الشمال. لقد خشيت أن يعثر عليها العراقيون أثناء مداهماتهم المفاجئة لبيوت الصامدين فتكون فيها نهايتي ونهاية أولادي، كما فعلوا في صديقنا غازي الذي وجدوا في بيته أثناء تفتيشهم له علم الكويت وصورة الأمير في كتاب مدرسي فأخذوه معهم ولم يعد إلى منزله إلا جثة هامدة اختفت منها بعض الأصابع، واختفت معالم الوجه فيها ولولا بعض العلامات المميزة فيه لما تعرف أهله عليه عندما فوجئوا بجثته ملقاة أمام بيتهم.

المشكلة أننا لانعرف ما الذي يشكل جريمة في عرف نظام الاحتلال، وما الذي لايشكل جريمة. مصدر معلوماتنا الوحيد هو إخواننا الذين انتهى العراقيون من تفتيش بيوتهم. لكن الذي يزيد المشكلة تعقيدا هو أن قائمة المحرمات لديهم تتغير كل يوم وتزداد كل ساعة حتى أصبحت تشمل أشياء كثيرة جدا لايكاد بيت من بيوت الكويتيين يخلو منها، فقد شملت إضافة إلى علم الكويت وصورة الأمير وولي العهد أي كتاب أو خريطة تشير إلى الكويت كدولة مستقلة. كما شملت أيضا النقود الكويتية، وآلات التصوير وأجهزة الفاكسميلي، والصحف الكويتية القديمة، وآلات الطباعة وآلات الحاسب الآلي.

كنا ننظر إلى يوم التفتيش كأنه يوم الحساب، إما نجاة وإما ممات، وليس هناك احتمال ثالث. كنا نخشاه كثيراً ولكننا في بعض الأحيان نتمنى أن يأتي سريعا كي نتخلص من قلقنا الذي يكاد أن يقتلنا. كنا نبارك لأقاربنا وأصدقائنا الذين مر عليهم يوم التفتيش بسلام، وكنا نغبطهم على ذلك.

كان انتظار التفتيش معاناة شديدة علينا وكابوسا نعايشه في ليلنا ونهارنا. تزيده هولا وشدة الأخبار التي نسمعها من هنا وهناك عن الأحداث التي تصاحبه في المناطق التي تم تفتيشها. أحدهم طرقوا باب بيته فجرا فلم يسمع طرقهم ولم يشعر بهم، إلا ورشاشاتهم فوق رأسه وهم يصيحون به: قم يا ابن الكلب.. لماذا لم تفتح لأسيادك الباب? وأخذوه من فراشه أمام امرأته بين لاكم له ورافس وشاتم ولم يره أهله أو يسمعوا عنه خبرا منذ ذلك اليوم. وآخر وجدوا أثناء تفتيشهم لمنزله هاتفاً نقالاً، فاتهموه بأنه أحد الذين يتصلون بالحكومة الكويتية في الطائف، وأخذوا يضربونه أمام أعين أطفاله الذين كانوا يبكون ويصرخون دون أن يحركوا في قلوب الظلمة ساكنا. ثم أخذوا الهاتف النقال وتركوه بعد أن أغمي عليه من شدة الضرب. وثالث وجدوا عنده سلاح صيد أخفاه في خزان الماء في سطح المنزل فسحبوه إلى خارج منزله وعلى مرأى من الجيران وأهل الحي الذين تجمعوا للتوسط له أطلقوا عليه النار بدم بارد وتركوه غارقا في دمائه أربع ساعات لايستطيع أحد أن يقترب منه حتى انتهوا من تفتيش بيوت الحي كلها.

أخبار لايمكن إلا أن تزيدك خوفا ورعبا من يوم التفتيش، كنا نعيش وكأن الانتهاء من عملية التفتيش يعني انتهاء معاناتنا وخوفنا رغم علمنا الأكيد بأن هذا ليس صحيحا. فنحن ننام في بيوتنا ولاندري هل سنصبح أحياء أم سيداهمنا بعض العسكر منهم بقصد السرقة أو يسقط علينا صاروخ حامل لرءوس كيماوية. وحين نخرج من بيوتنا لقضاء حوائجنا الضرورية لاندري هل نرجع إليها سالمين أو نعتقل عند أي حاجز للتفتيش والتي ملأت مداخل ومخارج المناطق السكنية والشوارع والطرق الرئيسة في البلاد.

كنا في سجن كبير، لكن يوم التفتيش كان هاجسنا الأكبر، وكان مدار حديثنا في اجتماعاتنا اليومية في الخيمة التي نصبناها على ناصية الشارع والتي كنا نقضي فيها معظم ساعات اليوم. صباحا حتى صلاة الظهر وبعد صلاة العصر حتى الساعة الحادية عشرة مساء. نستعملها كنقطة مراقبة وحراسة للحي من عصابات اللصوص الذين جاءوا من العراق والذين كنا نسمع عن غاراتهم الليلية على المنازل. وكانت تمثل لنا أيضا مكانا للتشاور وتبادل الأخبار والمعلومات وتنظيم عملية توزيع الأموال على أهل الحي.

كنا نتساءل عن سبب تأخرهم في تفتيش منطقتنا دون أن نصل إلى سبب معقول. هل يعود ذلك إلى كثافة وجودهم في مدارس المنطقة والتي أصبحت معسكرات وثكنات عسكرية لجنودهم? أم استغنوا عن التفتيش بدورياتهم الراجلة في فترات الصباح ودوريات سياراتهم في المساء في شوارع الحي? أم استبدلوا به نقاط المراقبة التي وضعوها فوق أسطح بعض المنازل التي احتلوها لأهمية مواقعها أو لوجود أهلها خارج الكويت? كلها أسباب ممكنة استعرضناها وتداولناها كثيرا في نقاشاتنا الصباحية والمسائية لكنها لم تقنعنا لأنها متكررة في كل مناطق الكويت ومع ذلك تم تفتيشها.

الأمر لايخلو من سر لكننا لم نستطع كشفه.

من الأمور التي كانت تهوّن علينا وتسري عنا بعض الشيء أن جنود الغزو إذا أرادوا تفتيش منطقة ما فإنهم لايحاصرونها كلها بل يبدأون بمحاصرة قطعة "حي" واحدة حتى إذا ما انتهوا من كل بيوتهم انتقلوا إلى القطعة الأخرى، وهكذا. ولم يستعملوا قطع خطوط الهاتف فكان أهل البيوت التي تم تفتيشها يتصلون بأقربائهم ومعارفهم في القطع الأخرى من المنطقة نفسها ليبلغوهم عن طريقة التفتيش ويحذروهم من بعض الأمور وينصحوهم في كيفية التعامل مع العراقيين. كما أن عملية التفتيش العام تتم دائما في النهار وأنهم قد يتركون بعض البيوت دون دخولها وتفتيشها.

مر علينا أسبوع دون أن نسمع خبرا عن تفتيش جديد. ومر أسبوع ثان وتبعه ثالث دون أن نسمع شيئا. فقلنا الحمد لله لقد اكتفى المحتلون بالمناطق التي تم تفتيشها. ورفع السيف عن رقابنا. وفرجت إحدى الكرب العظيمة عنا. وبدأت نفسياتنا تتغير بعض الشيء. وبدأنا ننسى قضية التفتيش ونلغيها من قائمة أحاديثنا الصباحية والمسائىة وأخذنا نشعر ببعض الطمأنينة، لكنها لم تدم طويلا.

كنا ثلاثة نجلس في الخيمة، لم يكتمل جمع أصحابنا فالساعة لم تتجاوز التاسعة صباحا. كل واحد منا قد أتى بما تيسر له لنأكل طعام الإفطار معا كما اعتدنا في كل يوم. أبومحمد جاء بخبز تخبزه زوجته وأولاده في تنور اشتراه وأخذ يزود جيرانه حسب طاقة أهله وإمكاناتهم، وكنا نجده لذيذا جدا بل كنا نقول عنه في تلك الأيام: إنه أطيب خبز طعمناه في حياتنا، كما جاء معه بقطعة من الجبن الأبيض، وأبو مشاري جاء بالحليب الساخن "والبقصم" وهو نوع من أنواع البسكويت الشعبي يؤكل عادة مع الحليب الساخن، أما أنا فقد جئت ببعض البيض المقلي. وهكذا اكتملت سفرة الإفطار أمامنا. وأثناء انشغالنا بهذه النعمة العظيمة وقفت سيارة جيب عسكرية ونزل منها ملازم في الجيش العراقي ومعه رجل آخر بلباس مدني مسلح برشاش.

فقمنا وجلين وقلنا لهما: تفضلا شاركانا طعامنا. فقال الملازم بنبرة حادة جادة: لكم ساعتان فقط، وبعدها لانريد أن نرى لهذه الخيمة أثراً وإلا حرقناها على من فيها.. مفهوم? وقبل أن نتكلم بكلمة واحدة لنبين له أهمية وجود هذه الخيمة بالنسبة لنا كانا قد استدارا وركبا سيارتهما ومضيا إلى حي آخر ليبلغاه الرسالة المختصرة والتهديد والوعيد.

ـ لا حول ولاقوة إلا بالله.. قالها أبومحمد متحسراً محزوناً وهو يهز رأسه.

ما الذي يضيرهم من بقائها، إنها سلوتنا في يومنا وليلنا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

قلت مواسياً: يكفي يا أبا مشاري إن ربك لبالمرصاد ولن يضيع عباده.. لنعمل الآن على إزالتها ولانضيع الوقت.

وافقاني على ما قلت، وانشغلنا في فك الخيمة دون أن يكلم أحدنا الآخر.. فقد ألجمنا الحزن ومنعنا القهر من أن ننطق بكلمة.

ـ ما الذي تفعلونه يا جماعة؟ عسى ما شر؟

ـ إنها أوامر الغازي يا أبا عثمان ولامفر لنا من تنفيذها.. أجابه أبو محمد بألم.

ـ طيب لماذا استعجلتم؟ هلا انتظرتم بقية إخواننا حتى نتشاور ونتبادل الرأي؟

ـ قلت له: لقد أمهلونا ساعتين فقط وإلا فسيحرقونها على من فيها.

وقبل أن يرد محاججاً كان أبوصالح وأبوأحمد قد وصلا وأخبرانا أن الأمر عام لجميع الأحياء وأنهما يوافقاننا على عملنا.

كان يوماً حزيناً على جميع أبناء الحي، مر علينا ثقيلاً فقد حرمنا من مقر تجمعنا وتشاورنا وتسامرنا، وفي الصباح الباكر من يوم الغد وجدنا أنفسنا نتجمع على الرصيف في نفس مكان الخيمة. جئنا بدافع لا إرادي فقد غلبتنا عادتنا وساقت أقدامنا إليه.

ـ ما رأيكم يا جماعة؟ لابد أن نجد مكاناً بديلاً لتجمعنا.

ـ أنا أثني على كلامك يا أبا محمد، ولكن أين؟

وفي هذه الأثناء أقبل أبو أحمد وهو يبتسم ويشير بيديه:

ـ هيا يا جماعة.. تفضلوا عندي فطعام الإفطار ينتظركم.. هيا فستكون ديوانيتي مقر تجمعنا منذ اليوم.

ـ بارك الله لك.. أحسنت يا أبا أحمد.. كثر الله من أمثالك، وردد الجميع هذه العبارة ودعوا لأبي أحمد بالخير والبركة.

وانطلقوا إلى مقرهم الجديد.

ـ أظن أن الجماعة "يقصد العراقيين" بدأوا في سرقة أجهزة سنترال هواتف المنطقة، لذلك لا أظن أن الحرارة سترجع إلى هواتفنا أبداً، كان هذا رأي أبي أحمد.

ـ لا أظن ذلك بل أعتقد أنها إجراءات أمنية بعد اشتداد حركة المقاومة وكثرة هجماتها الليلية.

ـ كلامك معقول يا أبا صالح وأضيف عليه أنها مؤشرات على قرب الضربة الجوية للحلفاء وأنهم بدأوا بإجراء بعض التجارب الاحترازية وهذا يفسر عدم إضاءة أنوار الشوارع.

وهكذا قضينا ليلتنا تلك في حوار طويل وتحليل لتلك الإجراءات الغريبة، وبدأنا ننسحب إلى منازلنا واحداً تلو الآخر.

وألقيت بنفسي على فراشي وأسلمت نفسي لبارئها داعياً الله عز وجل أن يكفلنا برعايته وأن يحفظنا بحفظه.

صحونا فزعين من نومنا أنا وزوجتي على صوت جرس الباب الخارجي لمنزلنا والذي كان يدق بشكل متواصل. نظرت على عجل إلى الساعة التي كانت تجاوز رأسي فإذا بها تشير إلى السابعة والربع صباحاً. أسرعت إلى الباب فإذا ببعض الجنود قد تسوروا السور وفتحوا لقائدهم الباب فالتقيت به في فناء المنزل.

ـ خيراً إن شاء الله. قلتها بارتباك شديد.

ـ نريد تفتيش المنزل. قالها بكل برود.

قلت: لحظة واحدة من فضلك لأبلغ زوجتي.

أسرعت إلى داخل المنزل وانطلقت إلى غرفة المكتبة، وخطفت شريط الفيديو الذي كان يحوي لقطات لقوات الغزو في أيامها الأولى، ولقطات للدبابة المحروقة أمام "سنترال مشرف" والتي أحرقها بعض شباب المقاومة.

وأخذت بعض الأوراق وبعض الكتب التي تنتقد حزب البعث العراقي وألقيت بها خلف المكتبة، وأبلغت زوجتي وطلبت منها ارتداء حجابها، ولم يمهلني العسكر حتى أذن لهم بالدخول فقد بادروا بذلك وتوزعوا على حجرات المنزل وصالاته وفنائه وسطحه كالفئران الجائعة التي تبحث عن كل ما يمكن أكله. كان عددهم يقارب العشرين بين عسكري ومدني مدججين بالسلاح. مرت لحظات فقدنا فيها توازننا فقد فوجئنا بهذه الزيارة الجبرية ولم نكن مهيئين نفسياً لاستقبال أصحابها. سألني أحدهم عن اسمي ووظيفتي وعدد أطفالي وهل يشاركنا أحد آخر في السكن في منزلنا.. فأجبته عن أسئلته وأعطيته بطاقتي المدنية المزورة والتي استخرجتها خلال الغزو عن طريق مجموعة من الأخوة الذين كانوا يبدلون هويات وبطاقات المواطنين الذين كانوا في مواقع المسئولية أو وظائف عسكرية أو حساسة.

كانت عملية التفتيش عادية لكننا أحسسنا خلالها بالمرارة وبالمهانة، فهؤلاء الناس دخلوا علينا منزلنا عنوة دون استئذان أو ضيافة، وكنا نشعر بأنهم كانوا يدوسون على كرامتنا كلما داسوا على سجاد بيتنا.

كان أخشى ما خشيت أن أتعرض إلى الإهانة أو السباب من أحدهم أمام زوجتي وأطفالي وهم الذين لم يروا أباهم إلا في أكرم صورة وأحسن منزلة. لذلك حرصت على ألا أتكلم معهم وقصرت حديثي معهم على الرد على أسئلتهم، كان قائد المجموعة يعاود سؤاله لي عن اسمي ووظيفتي وكأنه يريدني أن أخطئ في إجابتي أو أنه ظل متشككاً في صحة المعلومات التي حوتها بطاقتي التي مازال ممسكاً بها في يده.

كادت عملية التفتيش تنتهي بسلام، لكني سمعت زوجتي تناديني:

ـ أبا عبدالله.. تعال إلى هنا.

كانت تقف في الممر الذي تطل عليه غرف النوم جميعها، توجهت إليها وكان يقف أمامها اثنان من المجموعة وكانا يشيران إلى كرتون ملقى في الممر.

ـ يا إلهي كيف غاب عني إخفاء هذا الكرتون؟ قلت محدثاً نفسي.

ـ ما هذه الأجهزة؟ سألني أحد الرجلين.

لم استطع أن أكذب ولا أدري ماذا قالت زوجتي لهم عنها.

ـ هذه أجهزة تركب على جهاز الفاكسميلي لتميز بين مكالمة الهاتف ورسالة الفاكس.

ـ عندكم جهاز فاكس في البيت؟

ـ نعم لدينا جهاز فاكس.

وما أن أتممت جوابي حتى تغير وجه زوجتي واصفر حتى كأنما لم يبق فيه قطرة دم واحدة.

كنت أظن أن جهاز الفاكس تحت السرير في غرفة نومنا فطلبت من زوجتي إحضاره.

ـ ليس لدينا جهاز فاكس، قالتها بصوت اضعفه الخوف.

قلت: ماذا؟

قال: لا تتلكأ.. أحضر الجهاز حالاً.

وشعرت بأننا في ورطة كبيرة، وأنني المتسبب في ذلك، لقد تذكرت الآن.. والآن فقط أن زوجتي قد خبأت جهاز الفاكس وآلة التصوير في مكان لايمكن أن يعثروا عليهما، وكان علي أن أناور للتخلص من هذا الموقف الخطر.. فقلت لها شاخطاً:

ـ ماذا فعلت به؟ هل يمكن أن تكوني رميته مع الآلة الكاتبة؟

ـ نعم، لقد فعلت ذلك، لما علمت بأنها من الأجهزة الممنوعة.

لكنه أصر على إعادة الأمر بإحضار جهاز الفاكس.

ـ قلت لك أريد جهاز الفاكس حالاً.. ألا تسمع؟

لم تستطع زوجتي تحمل الموقف ولم تقو رجلاها على حملها، سقطت مغشياً عليها وكانت ابنتي ذات السنوات السبع قد استيقظت على أصوات التفتيش وشهدت الحوار الأخير الذي دار بيننا وبين قائد المجموعة.

انشغلت بزوجتي وانشغل القائد ومساعده في حمل تلك الأجهزة واكتفيا بها كغنيمة لهما ولم ينسيا قبل انسحابهما من المنزل أن يوجها تهديدهما لي بأنهما سيرجعان قريباً وأن علي إحضار جهاز الفاكس، خرجوا جميعاً وتركونا في حالة من الحزن والأسى والألم والقهر، جاءتني ابنتي وأنا جالس اضمد جراحات نفسي وألملم بقايا عزمي. ضممتها إلى صدري وقبلت رأسها وأخذت أمسح عليه بيدي.. فقالت: بابا هذا أتعس يوم في حياتي.

ـ يا إلهي ما هذا الصوت؟ هل عادوا مرة أخرى؟ قلت لنفسي متسائلا:

آه إنه صوت البيجر.. إنه صاحب دار النشر مرة أخرى.

 

شريدة المعوشرجي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات