تليفون

تليفون

ـ 1 ـ

عاد ثروت من عمله متعبا جدا، واتجه فورا إلى الحمام: فتح صنبور البانيو الساخن، ثم فتح الصنبور البارد، وما إن وجد حرارة الماء محتملة، حتى عاد إلى غرفة النوم، وخلع ملابسه، وعاد ليلقي بكل ما خلعه في سلة الغسيل، وكان البانيو قد امتلأ تقريبا، فغطس في الماء الدافئ، وأغمض عينيه، وعلى الرغم من أن ضوء الحمام كان خفيفا جدا، فإنه أراد أن يتخلص من كل إزعاج عاشه في يومه الطويل، الذي يبدأ في العاشرة صباحا، ولاينتهي إلا في العاشرة ليلا، يقضيه في عمله الممل الذي لم يكن قد عمل به من قبل، لكنه اضطر لأن يعمل به، لأنه لم يكن أمامه إلا هذا العمل، الأمر الذي جرده من روح الدعابة التي كانت تنتابه كل يوم تقريبا، قبل التحاقه بهذا العمل الذي بدأ يحس، بعد مرور عام، أنه قد أخذ ينهش نفسه، خاصة وأنه كان يرى أن الجميع لايفعلون شيئا، إلا هو، وشخص هنا أو هناك، يعملون في صمت ودون كلل، بعضهم لأنه يحب عمله، وبعضهم لأنه يدعي أنه يحب عمله، وشخص آخر مثله، عرف بعد عدة أشهر أن اسمه ثروت أيضا، ولايحب عمله، لكنه لايجد حلا آخر.

ـ 2 ـ

حاول ثروت، وهو غارق في الماء الفاتر، أن يجري تمارين التنفس لكي يسترد ما راح، لكنه، بعد نصف محاولة، توقف، وحاول أن يكف عن التفكير ليقلل من ضغط التداعيات في رأسه، لكنه فشل، وحاول أن يصرف نفسه بعيدا، إلى شيء مختلف، لكنه لم يجد ذلك الشيء المختلف، وأحس وكأن ماسا كهربائيا سرى في جسده، وجعله ينتفض، خارجا من البانيو الذي فاض بمائه الفاتر على جانب وأغرق أرض الحمام.

انزلقت قدما ثروت، وسقط، فارتطمت رأسه بحافة الحوض نصف الممتلئ بالماء المختلط بالصابون الذي فقد رائحته.

ـ 3 ـ

وقف ثروت والألم يكاد ينفجر من جبهته التي سرعان ما ورمت وبدت محمرة.

قال ثروت: سرعان ما تزرق الآن.

لكنه تحامل على نفسه، وأمسك بالمنشفة، وأخذ يحسس بها على وجهه، وشعره، وبقدر الإمكان أحس أنه تخلص من أكبر قدر من البلل، فعاد إلى غرفة نومه، واستلقى على الفراش.

ـ 4 ـ

حاول ثروت أن يغلق عينيه لكي ينام، لكنه لم يستطع، وحاول أن يصرف النظر عن تلك الأفكار المزعجة التي أراد مرارا وتكرارا أن يصرف نظره عنها، لكنه عجز عن ذلك.

قام ثروت لأنه لم يستطع أن يطيل البقاء في الفراش، وارتدى ملابسه الداخلية، ثم نثر تحت إبطيه قليلا من العطر، لعل وعسى، وخرج من الصالة، وفتح التلفزيون، وأخذ يبدل ويغير في القنوات، لكنه لم يجد شيئا يجذبه للفرجة عليه.

قال ثروت: ربما أنا الآن غير قابل للفرجة.

وأغلق الجهاز، وجلس على مقعد غير مريح ليتحدث في التليفون.

ـ 5 ـ

طلب ثروت رقم والدته، لكن يبدو أنها لم تكن هناك، أو أنها كانت نائمة، أو ربما...

قال ثروت: هي مريضة على أية حال.

وضع السماعة، وأعاد طلب سلوى التي لم يكن قد تحدث معها سوى مرة واحدة منذ أعطته صورتها ورقم تليفونها قبل شهر، لكنه وضع السماعة لأنها كانت قد حذرته:

ـ لا ترد إذا سمعت صوت أبي.

ـ 6 ـ

عاد ثروت إلى غرفة النوم وأمسك بالكتاب الذي كان مفتوحا على الصفحة السابعة منذ عدة أسابيع، لكنه لم يستطع قراءة الكتاب، أمسك بالصحيفة لكنه اكتشف أنه كان قد قرأها في الصباح.

عاد ثروت إلى الحمام، ونظر إلى المكان الذي كان قد سقط فيه.

وجد صورة سلوى غارقة في الدم.

قال ثروت: ما الذي سأفعله الآن؟

 

عبده جبير

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات