رحلة في أعماق التاريخ عزة بدر

رحلة في أعماق التاريخ

167 عاما على رحلة شامبليون إلى مصر

167 عاما مرت على رحلة شامبليون إلى مصر. العالم الفرنسي الذي نجح في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية فاستطاع أن يكشف النقاب عن حضارة يعود تاريخها إلى سبعة آلاف سنة. ومن شواطئ الإسكندرية وحتى وادي حلفا أخذ شامبليون يرتقي عتمة القرون، راح يدون ويصف ويحلل وثائق مهمة عن الحضارة واللغة والتاريخ والديانة المصرية القديمة. إن شامبليون الذي عشق تاريخ الفراعنة عالم التزم بقضايا عصره على عكس صورة العالم المنطوي على معارفه. ولكن الذي لا يعرفه البعض عن شامبليون هو أنه أديب يتميز أسلوبه بالشاعرية وروح الدعابة والسخرية، وأنه قد صور رحلته إلى مصر في عدد من الرسائل الأدبية الراقية، والتي أرسلها إلى أخيه جان جاك شامبليون وإلى بعض أصدقائه. لقد رسم شامبليون في رسائله صورة للعالم الذي يتفاعل مع عصره، ويخرج على العالم بأسرار حضارة كاملة، واستطاع من خلال رسائله أن يرسم صورة حية وصادقة للوضع الذي كان سائدا في مصر خلال القرن التاسع عشر، بل إن هذه الرسائل تعطينا وصفا تفصيليا لأكثر من خمسين موقعا أثريا قام فريق شامبليون بعمل مسح لنصوصها ونقوشها، ويعد ذلك شهادة لا تقدر بثمن نظرا لاندثار العديد من تلك الآثار والمعابد.

في مثل هذه الأيام!

قد يمر عام دون أن يشعر المرء، ولكن السنة عند شامبليون كانت تعني رحلة إلى المجهول، رحلة لاكتشاف الأسرار، وتأسيس علم جديد هو علم "المصريات". لقد بدأ شامبليون رحلته إلى مصر من شهر أغسطس 1828 إلى شهر ديسمبر 1829 وشامبليون حسب هويته الشخصية هو جان فرانسوا شامبليون، ولد في فيجاك بفرنسا، في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر عام 1790، أي قبل نحو عشرة أعوام من قيام نابليون بونابرت بحملته على مصر. وإن كانت حملة نابليون قد أخفقت من الناحية العسكرية فإن أهميتها تكمن فيما أحرزته من نتائج علمية، من خلال الرسوم وعمليات المسح التي أجراها علماء الحملة الفرنسية، وما سجلوه في موسوعة وصف مصر. حتى أنه يصعب تحديد تاريخ مصر القديمة قبل التدخل الحاسم لشامبليون وفكه لرموز الكتابة الهيروغليفية. كان الباحثون قبل شامبليون يؤمنون بأن الإشارات الهيروغليفية تعبر مباشرة عن الأفكار وليست حروفا صوتية، لذلك فإن أحد دلائل نبوغ شامبليون يتمثل في تمكنه من عدم الانصياع لهذه الفكرة، كان شامبليون الوحيد الذي تتجمع فيه كل الشروط الواجب توافرها من أجل نجاح فك الرموز، إذ كان يجيد اللغة القبطية علاوة على إلمامه باللغات السامية، والسريانية والعربية والعبرية على وجه الخصوص. وفي عام 1810 كشف شامبليون - ولم يكن قد تعدى العشرين ربيعا - أن الكتابة الهيروغليفية لها خاصية إصدار أصوات، كان شامبليون ملتزما بمنهج الشك المنهجي فيقول: "لقد ألزمت نفسي بعدم الإقدام على شيء دون إثباته بالبراهين المتعددة والواضحة والبدهية التي تمت ملاحظتها بعناية ومقارنتها بصرامة". وفي عام 1822 استطاع شامبليون أن يكتشف أن أسس الكتابة الهيروغليفية هي تصويرية ورمزية وصوتية في نفس الوقت، وكل إشارة يمكن أن تمثل إما صوتا بسيطا أو حرفين صامتين أو فكرة.

شامبليون أديبا!

إن هذا المنهج العلمي الصارم الذي اتبعه شامبليون في أبحاثه، والنتائج العلمية التي وصل إليها، هو في ذاته منهج الأديب الذي لا يعتمد فقط على الورقة والقلم والخيال في كتابة رحلته، إن شامبليون من خلال رسائله نموذج للأديب الذي لا يقع أسير حبائله وخياله فقط، إنه يخضع الذات المبدعة للتجربة الواقعية، إنه لم يستدع مصر من كتابات علماء الحملة الفرنسية، ومن مجلدات "وصف مصر" التي سجلوا فيها رؤاهم ووصفهم لمصر شعبا وحياة، بل آثر أن تكون له تجربته الخاصة. لقد آمن شامبليون بأن مصاعب الرحلة هي البوتقة التي تنصهر فيها تجربته العلمية، فانصهرت فيها تجربته الأدبية أيضا، ربما لم يتوقع ذلك العالم الفرنسي البارع أن نتحدث الآن عن رسائله كنموذج لأدب الرحلات، إلى جانب كونها قد سجلت كشفا علميا هائلا.. فإن المغامرة والمجهول هما سبيل العالم وطريق الأديب.

الضمير الشاعر

تكشف رسائل شامبليون إلى أخيه أن الذائقة الأدبية لدى شامبليون والتي شكلت جوهر إحساسه بالجمال، قد صقلتها ذاكرة شعرية يجلوها التطلع نحو المثل العليا، فنراه يستند إلى ضميره الشاعر فيرسل للمجلة الفرنسية ( La Reuue Encyclopedique ) التي كانت ستزف إلى الباريسيين نبأ وصول الأبراج السماوية لمعبد"دندرة" من ضفاف النيل إلى شواطئ نهر "السين" في فرنسا. فيقول شامبليون في رسالته إلى المجلة: "لا يسعنا إلا الإعراب عن بعض الأسف لتجريد ذلك المعبدمن أجمل القطع التي تزينه، بل يساورنا التساؤل حول ما إذا كان إخوان من الوطن قد تدبروا كل نتائج وتبعات هذا المشروع؟، وهم مندفعون بتأثير الرغبة في رفع رأس الوطن، هل فكروا في القدوة السيئة التي يعطونها الآن لجميع الشعوب؟، فالأمر لا يتعلق هنا بتماثيل وأحجار منفصلة، ولا حتى بالمسلات والعديد من الكتل الحجرية التي نهبها الغزاة والرحالة من مصر على امتداد ثلاثة وعشرين قرنا من الزمان، بل إننا بصدد بناء رائع في حالة جيدة من الحفظ . وإذا كنا لا نغفر أبدا للفرس واليونانيين والرومانيين ما أنزلوه بمعابد مصر من تخريب ودمار، وإذا أشرنا بإصبع الاتهام إلى التعصب الديني أو إلى ويلات الحروب التي عاصروها، فلماذا نقلدهم الآن ونحن في أوج السلام ؟ ضاربين عرض الحائط بقول الشاعر :

وإذا كنا بأعدائنا نود الاقتداء

فعلينا أن نحاكيهم في خصالهم الحميدة

هكذا حمل شامبليون بيتا من الشعر يذود به ضد أطماع الذين حاولوا نقل الأبراج السماوية لمعابد "دندرة" المصرية إلى باريس . لقد حملت رسالة شامبليون إلى المجلة الفرنسية أجنحة هذا الضمير الشاعر، الذي دافع عن أبراج "دندرة" قائلا: "إن احتفاظ عمائر مصر القديمة بأسقفها كان العامل الرئيسي في حمايتها والحفاظ عليها بهذه الصورة المدهشة، إذ إنه فور خلع هذا السقف الواقي ما من شيء يحفظ الجدران والأعمدة والدعائم، تماما . كما لو أن الحلفاء قاموا بانتزاع جزء من سقف الرواق الكبير في قصر "فرساي" لا لشيء إلا للاحتفاظ ببعض نقوشه، فماذا يكون مصير باقي السقف والرواق نفسه في هذه الحالة؟ ".

في هذه الرسالة يبلغ وعي شامبليون الجمالي درجة عالية يسمو به إلى آفاق العدالة، فإحساسه بالجمال ورغبته في الحفاظ عليه يجعلانه يقرب قضيته الجمالية إلى نفوس الفرنسيين ومنطقهم فيقول: "إن الأبراج السماوية لمعبد"دندرة" مثل سقف قصر "فرساي" لا يمكن حتى ولا للغازي أن يهدمه أو يشوهه ليحتفظ ببعض نقوشه" . هذا التشبيه بالغ التأثير يعكس إحساس شامبليون بمواطن التأثير الحقيقية في النفس والعقل الفرنسيين، فيتحدث من خلال أدلته المنطقية كعالم، ومن خلال حبه للجمال كأديب فيقول: "إن آثار وادي النيل تتكون من أحجار لن يتعذر علينا نقلها واحدا تلو الآخر إلى فرنسا أو غيرها مهما بلغت أحجامها، ولكن ماذا سنكسب من وراء ذلك؟، إن هذا الفعل سيفقد الأثر قدرا عظيما من قيمته وأهميته، ومن يدرينا لعل العلماء سيتجادلون في المستقبل حول المكان الذي كان يشغله في الأثر الكبير قبل اقتلاعه منه، أو حول النقوش التي كانت تحيط به". إن أهم ما يميز رسائل شامبليون وانطباعاته عن آثار مصر هو كم الصدق ومشاعر الدهشة التي استولت على قلب هذا العالم الفرنسي، فهو لا يستطيع إلا أن يقوم بإرسال نفسه على سجيتها، أمام التجربة الكشفية أو الإبداعية، فيدخلها بكامل وعيه، متخلصا من أي تأثيرات أو أفكار مسبقة، فيقف مسلما بروعة التجربة قائلا في إحدى رسائله: "ما من شعب قديما كان أو حديثا بلغ في فهم وتصور فن العمارة بمثل هذه الدرجة الرفيعة والعظيمة التي بلغها المصريون القدماء، لقد كانوا عمالقة يتجاوزون المائة قدم في تصميماتهم، بينما نحن لا نكاد نتجاوز خمسة أقدام وثماني بوصات . إن الإبداع الأوربي الذي يحلق خفاقا في أروقتنا ينقلب خاسئا وهو حسير أسفل المائة وأربعين عمودا التي يتكون منها بهو أساطين الكرنك".

بل يؤكد شامبليون قائلا: " وأنا مقتنع مثل جميع الرحالة الذين زاروا مصر جيدا، والذين ألموا إلماما حقيقيا بالآثار المنتشرة في أوربا بأن الفنون قد بدأت في اليونان بتقليد الفنون المصرية تقليدا أعمى .

عاشق الموال!

إن شامبليون وهو يجري حفائره تنقيبا عن الآثار المصرية وبرغم اهتمامه الأساسي بقراءة نقوش هذه الآثار، وإعادة تسلسل ترتيب الأسرات الفرعونية، فإنه في رسائله ينم عن أديب عاشق للتفاصيل، فهو لم يدع شيئا من فن القول لكي يفوته وهو شارد اللب أو مرهق من عمله العلمي، لقد احتفى شامبليون بوصف تفاصيل رحلته، فعرض لنماذج من الشخصيات التي قابلها في رحلته ومنها "الراوي" الذي ينشد مواله متغنيا بالبطولات، ثم لا ينسى تحية الجالسين من المستمعين واحدا واحدا، كل فرد بصفته، كما درج على ذلك الرواة الشعبيون حتى الآن، فنرى شامبليون يصف في إحدى رسائله (بتاريخ 7 يناير 1829) ذلك الراوي فيقول: "وبينما كنت ألعب الشطرنج في المساء دخل خيمتنا رجل نوبي ذو وجه جميل وشعر مصفوف ومجدول إلى عدد لا يحصى من الضفائر الملولبة التي تشبه تماما تسريحات فراعنة مصر القديمة، أما قسمات وجهه التي تغلب عليها العذوبة والأصالة والنبل فكانت تذكرنا بقسمات وجه "رمسيس الأكبر" المنحوتة على الآثار المجاورة، كان هذا الراوي يمسك في يده بقيثارة ذات شكل عتيق تشبه درع السلحفاة! (ويقصد الربابة) التي يقال إن الإله "تحوت هرمس" استخدمها في عمل أول قيثارة في التاريخ، وقد أفسحنا له مكانا في وسطنا، وفور أن شد أوتار آلته الموسيقية عزف عليها بعض نغمات بدائية سريعة الإيقاع ثم شرع في إنشاد قصيدة طويلة تمجيدا لغزوات إسماعيل باشا وإبراهيم باشا في "السنار"، و"شاجي" و"الكردفان"، وأخيرا ختم الراوي وصلته الغنائية بارتجال أنشودة طويلة تكريما لي، حيث ذكر أنني جئت من بلاد الروم "أوربا" فيقول: "جاي من الشلال الكبير/ جنرالنا الكبير/ وكيل سلطان كبير/ راسي تحت جبيل أبو سمبل / لابس فرو السمور / لافف الشال الكشمير / جنرالنا الكبير/ وكيل سلطان كبير". إن شامبليون يستخدم رموز وتشبيهات تجربته الفرعونية أو مع الفراعنة، فهو لم يصطنع ذلك الفاصل الذي قد يحجب عنه الاندماج الكامل في التجربة، إنه مصري فرعوني في نفس اللحظة التي أراد فيها ذلك، إلى درجة أنه كان يمهر بعض رسائله بتوقيع "المصري"، لقد كان يرى في نفسه مصريا عاشقا للفراعنة، ها هو العالم الفرنسي يندمج في الرسالة الاتصالية (الموال)، يفك (كود) ا لاتصال (رموز الموال)، حيث كان شامبليون يستقبل كلمات الراوي فيدركها . وكما طرب شامبليون من موال الراوي الشعبي، اهتز طربا لأغاني النوتية، والملاحين، هذه الأغنيات ذات الإيقاع السريع التي لا تخلو من الفرح والبهجة، والتي تجعل النوتية و "المراكبية" يتمكنون من مواصلة العمل والتجديف بنشاط وهمة، فيقول: "يتوقف عدد مقاطع هذه الأغنيات الشائعة بين بحارة مصر والنوبة على إبداع الذين يرددونها وقدرتهم على تأليف مقطع عن كل المدن والقرى المصرية، وعادة ما تنتهي تلك الأغنية بمقطع غنائي حول مسقط رأس "ريس" المركب ومدحه بلباقة شديدة". كأن ينشد النوتية فيقولون :

"قوم بنا جرجا

قوم بنا إسنا

ما حاجة جرجا

ما حاجة إسنا

فاتتنا يا خي

قوم منها يا خي"!

جحيم دانتي وجحيم شامبليون!

إن الموهبة الأدبية التي أرى أن شامبليون يتمتع بها، تجلوها لنا تصوراته للعالم الآخر عند الفراعنة من خلال ما كتبه في رسائله، مما قرأه من نقوش الفراعنة، ففي وصفه لمقبرة الفرعون "رمسيس" ابن "ميامون" وخليفته على العرش، يصور العالم الآخر في معتقدات الفراعنة فيقول عن جنة الصالحين التي صوروها "في جنة الصالحين التي تسكنها الأرواح البررة، حيث تستريح من مشقة عمليات التناسخ الأرضية، التي مرت بها، تزدان رءوسها بريشة النعام التي ترمز إلى سلوكها القويم والعفيف أثناء الحياة، ونرى تلك الأرواح تقدم القرابين إلى الآلهة وتقطف فاكهة الأشجار السماوية في جنة الفردوس تحت إشراف رب سعادة القلب، وعلى مبعدة تمسك الأرواح التي تزرع حقول الحقيقة بالمناجل في أيديها ونقرأ في النص: "إنها تصب الماء الطهور، وتقدم حبوب حقول المجد قربانا وتحمل المناجل وتحصد الحقول التي من نصيبها، ويقول لها الإله الشمس: امسكوا مناجكم واحصدوا حبوبكم، وانقلوها إلى مساكنكم، وانعموا بها ثم قدموها قربانا طاهرا للآلهة". وكما وصف شامبليون الجنة التي تخيلها الفراعنة، وصف الجحيم! كما تصوره الفراعنة، فيقول شامبليون في رسالته التي كتبها من "وادي الملوك" (بتاريخ 26 مايو 1829):

"صورت تلك الأرواح الشريرة التي دأبت على ارتكاب المعاصي والآثام في هيئة آدمية في معظم الأحيان، كما لونت كلها باللون الأسود الذي يشير في نفس الوقت إلى طبيعتها الفاسدة وإلى إقامتها في بحر الظلمات، وقيدت بعض تلك الأرواح بإحكام إلى أعمدة بينما راح حراس المنطقة شاهرين سيوفهم يلومونها ويؤنبونها على ما ارتكبته من موبقات خلال حياتها على الأرض، وعلقت أرواح أخرى من أقدامها كما نرى أرواحا مقطوعة الرأس، ومكتوفة اليدين خلف الظهر تجر على الأرض قلبها وقد تدلى من صدرها، كما نرى مراجل ضخمة تغلي بداخلها أرواح حية على هيئة آدمية أو على شكل الطير، أو رءوسها وقلوبها فقط ، كما تقذف أرواح أخرى داخل المراجل ومعها شعار السعادة والراحة السماوية الآثار المصرية القديمة لا تزال بالكثير من الأسرار (مروحة) الذي لم يعد من حقها على الإطلاق!، وتقترن دائما صور المعذبين في كل منطقة بنص إدانتهم والعقوبة المفروضة عليهم، هذه الأرواح العدوة لا ترى إلهها عندما يطلق أشعة الشمس، ولم تعد تسكن العالم الأرضي، ولم تعد تسمع صوت الإله العظيم عندما يمر بها" . بينما يصور شامبليون في رسائله تصوير الفراعنة للأرواح السعيدة فيقول: "لقد حظيت برعاية الإله العظيم وتقطن مساكن المجد حيث تنعم بالحياة السماوية، وسترقد أجسادهم التي فارقوها داخل مقابرهم إلى الأبد، بينما ستنعم أرواحهم في حضرة الإله الأسمي". ويعلق شامبليون على هذه النصوص فيقول : "تجسد هاتان المجموعتان من المناظر نظرية علم النفس المصري في أكثر المبادئ الأخلاقية أهمية ألا وهما مبدآ الثوب والعقاب، كما يبرهن على كل ما ذكره الأقدمون حول عقيدة المصريين القدماء في خلود الروح والهدف ا‎لإيجابي من وراء الحياة الإنسانية، ومن هنا تنبع الفكرة العظيمة في تشبيه المصرين اللذين ينتظران الروح في الآخرة برحلتي الشمس الليلية والنهارية". ويرى شامبليون أن هذا الجحيم الذي صوره الفراعنة على مقابرهم هو في جوهره الجحيم كما تخيله الشاعر الإيطالي "دانتي" ولكن عند الفراعنة فإن تنوع أشكال العقاب فيه ما يكفي لإذهالنا!.

شامبليون ومحمد علي

لم يغب عن شامبليون أن يسجل في رسائله انطباعاته عن الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، فقد وصف محمد علي باشا بشكل ساخر فيقول: "إنه رجل عظيم في حقيقة الأمر، ليس له من مأرب سوى ابتزاز أكبر قدر ممكن من أموال الدولة، ولما كان يعلم بأن أسلافه الأقدمين كانوا يصورون مصر على هيئة بقرة، فإن محمد علي لا يتورع عن حلبها وإنهاكها ليل نهار انتظار لشق بطنها ونحرها في وقت قريب". كما سجل شامبليون في رسائلة ذلك الظلم الاجتماعي الذي كان يقع على الفلاح المصري في عهد محمد علي فيسجل كم الضرائب الباهظة التي كانت تفرض على، ويعلق على قيمة الضرائب بأنها باهظة تتسبب في بؤس الفلاحين. كما استطاع من خلال وعيه وضميره الشاعر أن يرصد جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية المصرية، تحدوه في رسائله مثل عليا وقيم تعلي من شأن الجمال وترفعه بحاسة التذوق، كما استطاع أن يصور بقلم بارع- يهتم بالتفاصيل - حياة الفراعنة. تلك التفاصيل التي لم تغب عن عين العالم كما أنها لا تخفي حس الأديب، إذ يشتركان معا في الإحساس بالتجربة الإبداعية الكشفية التي لا تقنع بأجنحة الخيال وإنما تصر على ملامسة الواقع.

 

عزة بدر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




شامبليون.. العالم والاديب





شامبليون الذي عشق مصر





توت عنخ آمون أحد ملوك الفراعنة





الآثار المصرية لا تزال تنطق بالكثير من الأسرار