قصص عالمية

قصص عالمية

شجرة الرمان
قصة: ياسوناري كاواباتا
ترجمة: صبري الفضل

قصة من اليابان

في الريح العاتية تلك الليلة تجردت شجرة الرمان من أوراقها. ورقدت الأوراق الساقطة في حلقة حول القاعدة. وجفلت "كيميكو" عندما رأتها عارية في الصباح، وتعجبت لثبات الحلقة في تناسق لا يشوبه خلل. إذ كانت تتوقع من الريح أن تبعثرها. وكانت توجد ثمرة رمان واحدة، غاية في الجمال، ظلت في الخلف من الشجرة. فنادت على أمها قائلة:

- تعالي فقط لتنظري إليها.

- فقالت أمها: - لقد نسيتها!

وتطلعت إلى الشجرة وعادت إلى المطبخ.

جعل ذلك "كيميكو" تفكر في وحدتهما. فالرمانة فوق الشرفة تبدو أيضا وحيدة منسية.

ومنذ أسبوعين أو أكثر، جاء لزيارتهما ابن أخيها ذو السنوات السبع ولاحظ ثمرات الرمان في الحال. وشب متسلقا الشجرة. وأحسّت "كيميكو" أنها في حضرة الحياة. فنادت عليه من الشرفة قائلة:

- هناك واحدة أخرى كبيرة فوق.

فرد عليها قائلاً:

- ولكن إذا قطفتها لن أستطيع النزول.

حقا، كان النزول بثمرات الرمان في كلتا اليدين ليس بالأمر السهل. وابتسمت "كيميكو"، فهو عزيز عليها.

وإلى أن جاء نسي أهل المنزل الرمان. وها قد نسياه ثانية. ثم اختفت الثمرة في الأوراق. والآن انتصبت ترنو إلى السماء.

كانت توجد قوة في الثمرة وفي حلقة الأوراق عند القاعدة. وذهبت "كيميكو" واسقطتها بعود من الخيزران.

وكانت ريانة ناضجة لدرجة أن حباتها أجبرتها على الانفتاح. وأخذت تلمع كاللؤلؤ في ضوء الشمس عندما وضعتها في الشرفة، وبدت الشمس تسري من خلالها، وشعرت بشيء من الأسى. ومع انشغالها بالحياكة في الطابق العلوي عند العاشرة تقريبا سمعت صوت "كيكيتشي". وبالرغم من أن الباب لم يكن موصدا. فإنه سار حول البيت إلى الحديقة. وكانت توجد نبرة استعجال في صوته ونادت عليها أمها:

كيميكو، كيميكو! إن كيكيتشي هنا.

انتزعت "كيميكو" الخيط من إبرتها، ودستها في وسادة الدبابيس.

وأردفت الأم قائلة:

- كانت كيميكو تردد كم تريد أن تراك ثانية قبل أن تغادر - كان كيكيتشي ذاهبا للحرب - لكننا لا نستطيع الذهاب لرؤيتك من غير دعوة، وأنت لم تأت ولم تأت. إنه كرم منك أن تأتي اليوم.

وطلبت منه أن يبقى للغداء، لكنه كان في عجلة من أمره. ونادت على "كيميكو" ثانية، وهي تقول:

- إذن خذ رمانة على الأقل. إننا نزرعها بأنفسنا. وحياها بعينيه، وكأن الأمر فوق طاقته لكي ينتظرها لتنزل. وتوقفت هي على الدرج.

وبدأ شيء دافئ يأتي لعينيه، وسقطت الرمانة من يديه. وتبادلا النظرات وابتسما. وعندما أدركت أنها كانت تبتسم توردت خجلاً. ونزل "كيكيتشي" من الشرفة، وقال:

- اهتمي بنفسك يا كيميكو.

فردت عليه قائلة:

- وأنت

وكان قد أدبر مبتعدا بالفعل وهو يقول لأمها: وداعا. وتعلق نظر "كيميكو" ببوابة الحديقة بعد مغادرته.

وقالت أمها:

- كان في عجلة من أمره، وترك الرمانة الجميلة.

من الواضح أنه قد تركها عندما هل هذا الشيء الدافئ في عينيه، وكان يحاول فتحها . ولم يكن قد شقها تماما إلى نصفين. وها هي قابعة وحباتها مشرئبة إلى أعلى.

أخذتها أمها إلى المطبخ وغسلتها، وناولتها لكيميكو. فعبست "كيميكو" متراجعة، ثم توردت خجلا مرة أخرى، وأخذتها في شيء من الارتباك.

يبدو أن "كيكيتشي" قد أخذ بضع حبات من الحافة. ومع انتباه أمها لها كانت "كيميكو" ستبدو في وضع غريب إذا رفضت أن تأكل. وعضت علية بأسنانها بلا اكتراث، فملأت فمها. وأخست بنوع من السعادة الحزينة، وكأنها تتغلغل هابطة في جوفها.

بلا اهتمام نهضتت أمها. وذهبت إلى المرآة وجلست قائلة:

- فقط انظري إلى شعري، انظري. لقد قمت بتوديع "كيكيتشي" بهذا الشعر الذي يشبه الممسحة المهترئة.

واستطاعت "كيميكو" أن تسمع صوت المشط. وقالت أمها بنعومة:

- عندما توفي والدك، كنت خائفة أن أمشط شعري. وعندما مشطت شعري كنت أنسى ما أفعله. وعندما كنت أعود إلى نفسي كنت أشعر وكأن والدك ينتظر انتهائى منه.

وتذكرت "كيميكو" عادة أمها في أكل ما يتركه والدها في صحنه. وأحست بشيء ما يجذبها، سعاده جعلتها ترغب في البكاء. لعل أمها قد أعطتها الرمانة لنفورها داخلياً من رميها، فقط بسبب ذلك. لقد أصبحت عادة عدم رمي الأشياء متأصلة .

وبوحدتها مع سعاتها الخاصة، شعرت "كيميكو" بالخجل أمام أمها . وخطر لها أنه كان وداعاً أفضل مما يعي به "كيكيتشي" وأنها تقدر على انتظار عودته لأي فترة من الوقت. ونظرت تجاه أمها، والشمس تسقط على الأبواب الورقية التي تجلس من خلفها أمام مرآتها. وكانت خائفة بعض الشيء أن تعض بأسنانها على الرمانة التي على ركبتيها.

هناك من يبعثر هذا الورد
قصة: جابريل جارثيا ماركيث
محجوب دويدار

بما أنه يوم واحد وقد توقف هطول الأمطار فقد تبادر إلى ذهني حمل باقة من الورد إلى مقبرتي. سأحمل وردا أحمر وأبيض من هذا الذي تزرعة لتزيين المذبح وعمل الأكاليل. لقد ذكرني هذا الشتاء المكفهر المباغت الذي طلا الصباح بالحزن بتلك الربوة حيث يترك أهل القرية موتاهم، تلك الربوة حيث يترك أهل القرية موتاهم، تلك الربوة الجرداء الخالية من الأشجار ومن كل شيء فيما عدا هذا النزر القليل منى الفضلات التي تعود بها العناية الإلهية بعد رحيل الرياح. وأما الآن فبعد أن توقف المطر وقامت شمس الظهيرة بتخفيف المطلع المتزحلق سيكون من الممكن أن أصل إلى تراب مقبرتي بحيث يؤقد جسدي الطفل في أعماقها، هذا الجسد الحائر المتفتت الآن بين القواقع وجذور الأشجار.

أما هي فتركع أمام قديسيها، منهمكة في التأمل منذ أن أقلعت عن التحرك داخل الغرفة بعد فشلي في محاولتي الأولى للوصول إلى المذبح لقطف أكثر الورد تفتحا ونضارة. وربما استطعت فعل ذلك اليوم، غير أن ارتجاف ضوء المصباح قد جعلها تعود من غيبوبتها وتلتفت نحو زاوية الغرفة حيث يوجد المقعد. لعله قد تبادر إلى ذهنها: "هي الرياح مرة أخرى"، لأنه بالفعل قد سمع صرير أحد الأشياء بجوار المذبح. وارتجفت الغرفة خلال لحظات كما لو كان قد اهتز بداخلها خط الذكريات المتراكمة منذ وقت طويل مضى. وعندئذ أدركت ضرورة تحين فرصة أخرى كي أقطف الورد لأنها كانت متيقظة وتمعن النظر في المقعد كما لو كانت قد أحسست بحركة يدي أمام جبهتها.

سأضطر للانتظار الآن حتى تغادر الغرفة خلال لحظات كي تتوجه إلى الغرفة المجاورة لتنام القيلولة المحسوبة والمعتادة خلال أيام الأحد وحينئذ سيكون من الممكن أن أخرج بالورد للعودة قبل أن ترجع هي إلى هذه الغرفة وتمعن النظر في المقعد.

لقد كان ذلك صعبا للغاية يوم الأحد الماضي حيث اضطرت اللانتظار ساعتين تقريبا حتى تتهاوى في غيبوبتها، كانت تبدو مضطربة وقلقة كما لو كانت قد أفزعتها حيرتها الناجمة عن شعورها المفاجيء بأن وحدتها داخل المنزل قد صارت أقل ثقلا.

تجولت عدة مرات داخل الغرفة وبيدها طاقة الورد قبل أن تتركها فوق المذبح، خلاجت بعد ذلك والتفتت بداخلها، وتوجهت نحو الغرفة المجاورة وكما توقعت فقد كانت تبحث عن الصباح. ورايتها بعد ذلك في ضوء الممر وعندما عادت لتمر أمام الباب بثوبها القاتم اللون وجوربها الوردي وقد بدت كتلك الطفلة التي انحنت فوق سريري منذ أربعين عاما وفي نفس هذه الغرفة وقالت:. " الآن وقد وضعوا في عينيه المساويك، تبدوان مفتوحتين، جامدتين". وبدت كمثل هذه الطفلة كما لو أن الزمان لم يمض منذ هذه الأمسية البعيدة من شهر أغسطس عندما حملتها النساء إلى غلافتي وكشفن لها عن جسدي وقلن لهل: "ابكي، فقد كان بمثابة أخ لك"، فاستندت على الحائط مجهشة بالبكاء، مطيعة وهي لاتزال مبتلة بمياة المطر. منذ ثلاثة أو أربعة أيام أحد من كل أسبوع ,انا أحاول الوصول إلى الورد غير أنها قد مكثت متربصة أمام المذبح تراقبة باعتناء وتلهف بدرجة لم أعتدها منذ أن قدمت للعيش بالمنزل قبل عشرين عاما مضت.

لقد استطعت يوم الأحد الماضي تشكيل طاقة من أجمل الورد عندما خرجت للبحث عن المصباح حيث لم أقترب في أي وقت سابق من تحقيق رغبتي، غير أنني عندما كنت استعد للعودة إلى المقعد سمعت من جديد وقع قدميها بالممر فقمت بتنظيم الورد بإيجاز فوق المذبح وحينئذ رأيتها تقف على عتبة الباب وقد رفعت المصباح عاليا كانت ترتدي ثوبها القاتم اللون وجوربها الوردي غير أنه قد بدا على جبهتها شيء ما يشبه ضياء الصفاء الروحي. ولم تبد حينئذ كهذه المرأة التي تزرع الورد بالحديقة بل كتلك الطفلة التي حملوها في هذه الأمسية من شهر أغسطس إلى الغرفة المجاورة كي تغير ملابسها لتعود الأن وبع مرور أربعين عاما بصحبة مصباح وقد صارت ممتلئة الجسم، عجوزا.

من الممكن ان تخفض رأسها الآن واستطيع الاقتراب من الورد. وإذا تمكنت من ذلك فساذهب إلى الربوة العالية لأضع الورد فوق تراب مقبرتي ثم اعود إلى مقعدي كي انتظر هذا اليوم الذي ستكف فيه عن المجيء إلى الغرفة وتتوقف الضوضاء بالغرفة المجاورة. سيتغير كل شيء في هذا اليوم لأنني سأضطر لمغادرة المنزل كي أخطر شخصا ما بان السيدة التي تبيع الورد وتعيش في المنزل المجهور تحتاج إلى أربعة أشخاص كي يحملوها إلى الربوة. وحينئذ سأبقى بالغرفة وحيدا الى الابد ةلكنها على العكس ستكون راضية النفس لأنها ستدرك في هذا أنه لم تكن الرياح الخفية هي التي كانت تصل الى المذبح وتبعثر الورد

الخروف الأسود
قصة: إيتالو كالفينو
ترجمة : كامل يوسف حسسين

في سالف العصر والأوان، كانت هناك بلاد كل من فيها لصوص. وتحت جنح الليل، كان كل ساكن من سكانها يخرج وقد تسلح بعتلة، وتزود بمصباح، يقتحم دار جار له. ولدى عودته عند الفجر، يكون مثقلاً بالغنيمة، كان يجد داره قد تعرضت للاقتحام كذلك.

وهكذا عاش الجميع في تآلف، ولم ينحدر المال بأحد، فكل منهم يسطو على الآخر، وذلك يسطو على من يليه، وهكذا دواليك، إلى أن تصل إلى آخر شخص، والذي يسطو على الأول. وفي هذه البلاد كان العمل مرادفاً للغش، سواء أكنت تبيع أم تشتري. كانت الحكومة منظمة إجرامية شكلت للسرقة من الناس، بينما يمضون كل وقتهم في خداع الحكومة. وعلى هذا النحو واصلت الحياة مسيراتها التي لا يعوقها عائق، لم يكن السكان أغنياء، ولا فقراء.

وذات يوم ـ وما من أحد يعرف كيف وقع ذلك ـ ظهر رجل شريف. وتحت جنح الليل، وبلاً من الخروج بكيسه ومصباحه للسرقة، مكث في الدار، وعكف على التدخين وقراءة الرويات. وعندما أقبل اللصوص، شاهدوا الضوء في داره، وهكذا انصرفوا مبتعدين.

ولم ندم هذه الحال طويلاً، فقد قيل للرجل الشريف إنه أمر لا بأس به بالمرة إن يحيا حياة الدعة، لكنه لا حق له في حرمان الآخرين من العمل، وذلك أنه في كل ليلة يمكثها في الدار، تحرم عائلة من قوتها.

ولم يستطع الرجل الشريف طرح أي دفاع، فشرع بدوره في قضاء الليل خارج داره حتى الفجر، ولكنه لم يستطع إجبار نفسه على السرقة، فهو رجل شريف، ولا مناص له من أن يبقي كذلك. كان يمضي حتى الجسر، ويرقب الماء وهو يتدفق تحته، ثم يعود إلى الدار، ليجد أن داره تم اقتحامها وسرقتها.

وفي غضون أقل من أسبوع، وجد الرجل الشريف نفسه بلا نقود ولا غذاء في داره التى تم تجريدها من كل شيء ولكن اللوم وقع عليه وحده، فقد كانت المشكلة تكمن في أنه رجل شريف، الأمر الذي قلب النظام بأسره رأساً على عقب، لقد ترك نفسه يتعرض للسطو دون أن يسطو بالمقابل على أحد، وهكذا كان هناك على الدوام شخص يعود إلى الدار التي كان ينبغي على الرجل الشريف أن يسطو عليها البارحة. وسرعان ما وجد من لم تتعرض دورهم للسطو، بالطبع ، أنهم أغنى من الآخرين، وبالتالي لم يعودوا يرغبون في السرقة بعد الآن، بينما أولئك الذين أقبلوا للسطو على دار الرجل الشريف عادوا بوفاض خال، وبالتالي غدوا فقراء.

وفي هذه الأثناء، اعتاد أولئك الذين أصبحو أثرياء الانضمام إلى الرجل الشريف عند الجسر، ومراقبة أثرياء الانضمام إلى الرجل الشريف عند الجسر، ومراقبه الماء وهو ينساب تحته، ولم بزد هذا الأمور إلا اضطراباً، حيث إنه أفضى إلى أن يصبح المزيد من الناس أثرياء، ويغدوالكثير من الآخرين فقراء.

الآن أدرك الأثرياء أنهم إذا أمضوا لياليهم واقفين عند الجسر فإنهم سرعان ما سيصبحون فقراء، وحدثواأنفسهم قائلين."لم لا ندفع أجراً لبعض الفقراء مقابل أن يمضوا يسرقوا لحسابنا؟ وأبرمت العقود، وتم الاتفاق على الأجور والنسب المئوية ( مع الكثير من الغش من جانب الطرفين، فقد كانوا لا يزالون لصوصا) . ولكن النتيجة النهائية كانت أن الأثرياء أصبحوا أكثر ثراء، والفقراء غدوا أشد فقراً "

وبلغ الغنى مبلغه ببعض الأثرياء إلى حد أنهم لم يعودوا بحاجة إلى السرقة أو إلى دفع الأجور إلى الآخرين ليسرقوا لحسابهم، ولكنهم إذا كقوا عن السرقة فإنهم سرعان ما سيصبحون فقراء. وسوف يحرص الفقراء على أن يتحقق ذلك، وهكذا فقد دفعوا أجراً

ورقة المائة روبية
قصة: فيكام محمد بشير
ترجمة: في . ايه . كبير أي ظلم؟

ورقة مائة روبية هذه! البارحة لم أنم حتى منتصف الليل - استلقيت على الفراش وأنا أفكر في معنى الحياة والكون .. قلبي غير مطمئن .. كانت اللمبة لا تزال تضئ الغرفة، قمت من الفراش .. أردت مطالعة كتاب ما .. الرفوف المرتبة فيها الكتب كانت لم تغلق بعد، فتحت الرفوف وجدت فيها كثيرا من الكتب ... ترجمة الحياة. كتب الرحلات والفلسفة، أشعار وقصص، ضمن هذه الكتب وجدت كتاب "بها جافت جيثا" والإنجيل والقرآن الكريم. أخذت منها القرآن، كان ترجمة معاني القرآن في اللغتين الهندية والإنجليزية معا، كنت لا أزال طريح الفراش والقرآن على صدري، قد توجد ترجمة معاني القرآن في جميع اللغات. إنه كلام الله. كثير من الناس يؤمنون بذلك. أوحي بواسطة الملك جبريل إلى محمد الذي ولد في جزيرة العرب. كان محمد أميا. فكرت: هل الله موجود؟ هل هناك وجود يسمى بمسبب الأسباب؟ يقولون إن كل العالم خلقه الله، هل يكون العالم قد أتى إلى حيز الوجود تلقائيا؟ فتحت القرآن مرة أخرى. أنا ... ماذا أقول ... انتابني خوف ما ... وجدت داخل صفحات القرآن ورقة مائة روبية مطوية أربع طيات، أنت والجميع في البيت كانوا غارقين في النوم أخذت العملة ووضعتها في جيبي ثم أرجعت القرآن إلى مكانه في الرفوف، أطفأت النور واضطجعت في الصباح بعد الغسل وتناول القهوة استودعتني بكل سرور. الخوف ما زال في داخلي .. سارق أنا .. خرجت من البيت .. ودعتني قائلا: الله معك ومعنا جميعا.

سامحني .. عملة المائة روبية هذه حقك، تسلمها مني لو سمحت.

لماذا يخدع الإنسان؟ لماذا يكيد وهو على علم به؟ المؤمن والمدعي بالإيمان يعمل السيئات. السيئة لها عقوبة. ينسى الإنسان هذه الحقيقة، ولكن هل هذا مجرد نسيان؟ هناك سيئات تعمل عمدا وعلى علم بها. لما أخذت تلك العملة ارتكبت ذنبا. اختلاس شئ من الغير حرام. هذا أمر قديم قدم الزمان .. ووخز ضميرك منعك من ارتكاب هذا الذنب .. عدم راحة في أعماق النفس.. فأرجعت إلى العملة. لماذا امتنع ضميرك من هذه الفعلة؟ كيف وجدت ورقة مائة روبية هذه؟ تلقائيا أتت إلى حيز الوجود؟ كيف دخلت في القرآن؟ قلت لك أنا الذي وضعتها داخل صفحات القرآن .. كيف أتيت أنا إلى الوجود؟ وأنت كيف؟ والكون؟ فلندع هذه الأمور .. استرح .. سأروي لك قصة تلك العملة كيف وصلت إلى:

كان رجلا متدينا يخاف الله .. كان له ثلاثة أولاد، لم يكن غنيا .. يعيش ببساطة ويعيل أسرته بقدر ما. يوزع الجرائد والمجلات والكتب في البيوت، إنسان وديع أرسل أولاده إلى المدرسة، تحمل مصاريف تربيتهم بصعوبة، حصل الولدان الكبيران على شهادتي بكالوريوس.

وبدآ يمارسان الوظيفة .. توفي الرجل وكان ولده الصغير يدرس في الثانوية. فتوقفت دراسته.

كان هذا الولد يبدو كريم الأخلاق .. ماذا نعرف عن الذين نتعامل معهم يوميا! كلما تحدث معي كان وجهه يشرق بالابتسام .. يحضر لدي تقريبا كل يوم. فأتحدث معه عن صفات والده المرحوم. أقول له: عليك أن تذكر دائما حسنات والدك الحميدة .. كان إنسانا اهتم بتربية أولاده على أحسن وجه. عليك أن تتدثر بأخلاق كريمة، وأن تصبح إنسانا طيبا، أنت شاب، لا تتعرض للإغراءات، هناك خير وهناك شر وحسنات وسيئات.

ابعد نفسك عن الشرور والذنوب .. بعد فترة أصبح هذا الشاب نشيطا في الشئون العامة ثم انتمى إلى حزب سياسي. يجئ عندي ويتحدث معي عن القضايا السياسية. وفي غضون هذا طلب مني خمس روبيات. فأعطيته إياها. وردها خلال المهلة المحددة، ثم استدان مني عشر روبيات .. ثم خمسين .. ردها كلها خلال المهلة المحددة بالضبط.

وأخيرا طلب مني مائة روبية لم أكن في حالة يتيسر معها هذا الأمر، بالرغم من ذلك وفرت له المبلغ. لكن لم يرده خلال المهلة التي التزم بها. بل توقف حضوره إلى بعد ذلك. وإذا قابلني مصادفة حينا، يعرض عني ويتجاهلني كأنه شخص مهم. وتذكرت ذلك الوالد الذي ربى أولاده بالكد والجهد، ذات يوم لما التقيته في الشارع أوقفته وقلت له: دع ذلك الدين الذي أخذته مني وانسه وأنا أيضا أنساه. فلنتصافح، المفاجأة تأتي بعد ذلك.

أتعجب لماذا يتصرف الإنسان هكذا؟ وبعد فترة من الشهور جاءني ذلك الشاب وأعطاني ورقة مائة روبية وتسلم مني إيصال ذلك المبلغ بينما أنا لم أتسلم أية أوراق ثبوتية حين أعطيته الدين .. تلك كانت ورقة المائة روبية التي أخذتها من القرآن ثم رددتها" أما فهمت؟ سأل رب البيت واستطرد قائلا "كانت عملة مزورة"!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات