مساحة ود

مساحة ود

أفراح

لم أستطع أن أمنعها عن النزول، دمعتي، وهي أمامي تجهش بسعال حاد كالهدير، فيستقر جهاز الأوكسجين على فمها وأنفها. وعيناها تطفران بدموع حارة خوفاً من الإبرة التي ستنغرز في يدها الصغيرة. إحساس غريب يلفني وأنا أجوب أروقة المشفى الموغلة في الهدوء. أتبعها على كرسيها المتحرك، إحساس بالرهبة والتوتر والمرض، يجعلك تنسلخ عن الحياة كأنك تدخل قوقعة مظلمة.

سكنت بأمان على سريرها وأغمضت عينيها بعد حقنة المهدئ.

ومضى من النافذة برق قوي، فأجهشت السماء بالمطر، وزاد إحساسي بالوحدة والألم، لم أنتبه إلى المرأة الجالسة في ركن الغرفة بجانب ابنتها المريضة إلا حين أتاني صوتها يدندن "ياماما.. يا حنونة" أغنية عذبة يغنيها كل الأطفال.

التفت إليها.. رأيتها تحضن ابنتها ذات الأشهر بحنان غريب، تغني لها وتداعبها تقبلها، وتناغيها، تكاد أن تطير فرحا بها وسألتها: ما اسمها؟

أجابتني بعفوية: أفراح.

سألتني: وابنتك ما بها؟

قلت: التهاب رئوي حاد.

تمتمت: بسيطة.. خيرإن شاء الله.

بسيطة.. لؤلؤتي الصغيرة ذات البراعم الخمسة، تنام كالملائكة.. ورئتاها الصغيرتان تتألمان وتقول.. بسيطة

جاء الليل.. وحين يجئ الليل، كل شيء يزداد رعونة، حرارة الأطفال، السعال، الألم وحزن الأمهات.

لكن ألم أفراح كان لا مثيل له.. كانت تختنق بسعالها حتى تغشى وينطلق من صدرها صفير.. أرتعش حين أسمعه، ويكتسي وجهها زرقة الموت.

وأفزع من نومي إلى الأم الملهوفة تحضن ابنتها، أساعدها.. أطلب لها الممرضة، أنقذها، بجهاز الأوكسجين، نسيت ابنتي النائمة.. الهادئة تماماً.

نظرت إلى عيني "أفراح " رأيت حدقتيها لا تستقران.. منظرهما غريب.

سألت أمها: مم تشكو أفراح؟

قالت: أزمة ربو حادة.. ثقب خلقي في القلب.. وعمياء.

يا إلهي.. أية قوة جبارة تجعلك تغنين وتدندنين وتضحكين لطفلتك أيتها الأم الرائعة.

حين هدأت الأزمة، رأيتها تلثم ابنتها، تمسح شعرها، تبتسم: قالت لي:

- انظري ما أجملها.

- ونظرت إلى ابنتي رأيتها نائمة.. معافاة.. جميلة.

ولأول مرة.. ابتسمت وهمست: نعم إنها جميلة.. وأنت أجمل يا أم أفراح.

 

لينة الدسوقي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات