إلى أن نلتقي
إلى أن نلتقي
زهرة الشباب الزرقاء في الأسطورة يغوص جلجامش تحت مياه الخليج بحثا عن زهرة الشباب الدائم. وعندما يحصل عليها ويخرج إلى الشاطىء ينام من شدة التعب وتنتهز "الحية" هذه الفرصة- كما يحدث غالبا- وتأكل الزهرة وتكتسب هي سر الشباب فهي تبدل جلدها القديم وتخرج منه حية جديدة كل فترة من الزمن. زهرة الشباب الدائم الأسطورية تحولت إلى حبة صغيرة زرقاء. ولم تعد توجد في قاع الخليج، ولكن على أرفف مخازن السوداء. إنها حبة "الفياجرا" التي تحولت بقدرة قادر إلى قضية تشغل العالم كله. ورغم أنها ليست هي المرة الأولى التي يصدر فيها دواء من هذا النوع- تذكروا هـ3 على سبيل المثال- فإن ضجة الفياجرا تجاوزت كل الحدود. وإذا كان لكل حضارة رموزها الخاصة للإخصاب فهل يمكن أن تصبح الفياجرا هي الرمز لحضارتنا الجديدة؟ إنها حلم العجائز والشباب وحلم الرجال والنساء أيضا. ومنذ أبريل الماضي وحمى "الفياجرا" تتصاعد مبشرة بكل الوعود، فالعجائز سوف يستعيدون النشاط المفقود. والشباب سوف يتحولون إلى ماكينة لا تهدأ، والنساء سيكتسبن المتعة التي فقدنها مع سن اليأس. وبلغ الزحام حول الأطباء في أمريكا حدا كبيرا حتى أنهم وضعوا الوصفة الخاصة بها على أختام من المطاط يختمون بها كل الوصفات، لأن الأعراض التي يشكو منها المرضى لا تتغير ومطلبهم للعلاج لا يتغير أبداً. ولكن المشكلة كانت هي كلفة هذا الدواء الذي تبلغ سعر الحبة منه حوالي عشرة دولارات أمريكية. وكان سؤال شركات التأمين الصحي: هل يتم الإنفاق على المتعة الجنسية من أموال التأمين؟ وكيف يمكن تحديد من يحتاج إلى العلاج؟ وإذا كان الأمر كذلك فكم قرصا يكفيه؟ مرة في الأسبوع.. مرتان؟ أسئلة كثيرة وخطورتها أن الذين يعانون في أمريكا من مرض العجز الجنسي هذا يبلغ عددهم 30 مليونا ولو تناولت نصف عددهم قرصا واحدا كل أسبوع لبلغت كلفة الفياجرا وحدها 8 بلايين دولار، وهي كارثة تهدد بعدم الإنفاق على الأمراض الأخرى. حلا لهذه المشكلة تقول بعض الشركات إن احتياج أي مريض في الشهر يجب ألا يتجاوز الحبات الست. وعلى شريطة أن يقدم شهادة صحية تثبت أنه بالفعل يعاني العجز الجنسي. ولكن الأطباء يردون على ذلك في حيرة. كيف نؤكد ذلك؟! لا يوجد فحص دم ولا قياسات موضوعية تثبت ذلك. المسألة شخصية بحتة. وعلينا أن نتقبلها كما يقولها المريض. الأخطر أن الشباب بدأوا في السعي خلف الفياجرا، وبأنه الدواء الذي يمكن أن يحقق كل خيالات الديسكو. وهي لا تعد مجرد خيالات، فالفياجرا بالتحديد لا يعالج إلا أمراض العجز الجنسي المزمن ولا يوجد أي دليل على أنه يحسن حالة الأشخاص الأصحاء. كما أن الإفراط فيه أو أخذه دون وصفة طبية يمكن أن يكون له أوخم العواقب وعلى الجميع الانتظار حتى لا تتحول فرحة وجود الدواء إلى مأتم، كما حدث في حالة دواء الميلاتونين الشهير. إن حلم الشباب الدائم هو حلم مشروع، رغم أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ويوجد بين الرغبة العارمة في الحياة والانتحار خيط رفيع علينا جميعا أن ننتبه إليه.!
|
|