ابنة الجنوب حياة مارجريت ميتشل سماء المحاسني

ابنة الجنوب حياة مارجريت ميتشل


بقلم: داردن اسبوري بيرون

لعل الدافع الأساسي للمؤلف "بيرون" لإعداده هذه الدراسة الشاملة عن حياة الروائية الأمريكية الشهيرة مارجريت ميتشل هو أنه اكتشف بعد انتهائه من قراءة روايتها "ذهب مع الريح" عدم توفر أي دراسة أدبية أو أكاديمية وافية عنها قبل عام 1980 فيما عدا بعض المقالات في الصحف والمجلات. وقد استطاع من خلال تتبعه لحياة هذه الكاتبة الموهوبة وأدبها أن يلقي كثيرا من الضوء على جوانب مهمة لم يتحدث عنها الدارسون بمثل هذا التفصيل وتلك الدقة.

والمؤلف أستاذ جامعي كان في فترة السبعينيات رئيسا لقسم التاريخ في جامعة فلوريدا ويهتم بالدراسات النسائية وبالتاريخ الأدبي، وله عناية خاصة بدراسة أدب وثقافة الجنوب الأمريكي. وجاء كتابه نتيجة جهود مضنية في البحث والتنقيب في أقسام الأرشيف والمحفوظات والوثائق التاريخية، وأهمها الرسائل الشخصية بين مارجريت ميتشل وأصدقائها وأقاربها، بعضها حفظ في قسم الأرشيف بجامعة جيورجيا، ومجموعة الجمعية التاريخية بأتلانتا وقسم المحفوظات والكتب النادرة في مكتبة نيويورك العامة، ومكتبة أتلانتا العامة.

ومن خلال قراءة هذه الرسائل العديدة بتمعن عرف الكثير عن حياتها وأثر قراءاتها فقد كانت قارئة ممتازة، وكشف عن إعجابها بكتاب كبار مثل "وليام فوكنر" و"فيتز جيرالد" وغيرهما. استغرق هذا العمل الشاق من المؤلف عدة سنوات، لكنه في النهاية قدم لنا كتابا يحيط بكل صغيرة وكبيرة في حياة مؤلفة أشهر رواية في القرن العشرين "ذهب مع الريح". ( Gone With The Wind ).

موهبة مبكرة

وتمثل أسرة ميتشل تاريخ ثلاثة أجيال قبل مولدها عام 1900، في أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية، أي تاريخ هذه البقعة الأمريكية لمدة مائة عام. وقد أتيح للمؤلف أن يتحاور مع بعض خلفاء هذا الجيل مما فتح أمامه آفاقا واسعة لمزيد من الدراسة الدقيقة لحياة مارجريت.

استهل المؤلف كتابه بالحديث عن ولادة مارجريت وذلك عام 1900، والدها "يوجين ميتشل"، وهي أصغر الأولاد نشأت في بيت الأسرة في أتلانتا وظهرت موهبتها في الكتابة في سن مبكرة، كانت تكتب القصص وتقرأ كثيرا من الكتب، كما كانت تكتب المسرحيات وتخرجها وتمثلها في المنزل.

التحقت بالجامعة لإتمام دراستها لكن وفاة والدتها دفعتها للعودة إلى البيت للعناية بوالدها وشقيقها في عام 1918.

فكرت مارجريت ميتشل بكتابة رواية عن الحرب الأهلية في الجنوب الأمريكي في عام 1926، ولم يخطر ببالها حينئذ أن روايتها ستكون من روائع الأدب العالمي.

قالت "مارجريت" في إحدى رسائلها: "لا أذكر كيف كتبت الرواية لكنني كتبتها لأشغل وقت الفراغ فقد تركت العمل في بداية عام 1928، وكان لدي في المنزل بعض من يساعدني في شئون المنزل، كما أنني كنت أشكو من إصابة في ركبتي بحيث لم أعد قادرة على السير بسهولة، مما اضطرني لملازمة المنزل فترة طويلة وهكذا استطاع المؤلف من خلال أوراق "مارجريت ميتشل" الخاصة ومذكراتها اليومية أن يعرف كيف كتبت الرواية ومتى، بل إنه اكتشف أيضا أنها بدأت بكتابة الفصل الأخير ثم الفصل الذي يسبقه، وانتهت بكتابة الفصل الأول وكان الفصل الأخير انعكاسا لحالتها المأساوية، فقد اشتمل على مآس وأحزان، ففيه تموت "ميلاني ويلكز"، ويذهل "ريت بتلر" بطل الرواية لدى سماعه النبأ من زوجته "سكارلت"، فيقول: "لقد كانت سيدة عظيمة لم أعرف امرأة بمثل طيبتها". وفي الوقت نفسه تكتشف "سكارلت" أن حبها لـ "آشلي" كان وهما وتدرك أنها لم تحب سوى شخص واحد هو "ريت بتلر"، لكن هذا يأتي بعد فوات الأوان، يهجرها "ريت بتلر" غير أنها لا تفقد الأمل في رجوعه وينتهي الفصل الأخير من الرواية بعبارتها الشهيرة: "لن أفكر في هذا اليوم، فغدا يوم آخر".

ويمضي مؤلف الكتاب في حديثه الشائق عن كتابة الرواية فيقول إن "مارجريت" كتبتها في بضع سنوات وكانت من أجل استقصاء الوقائع التاريخية الحقيقية تقضي ساعات وساعات في أرشيف صحيفة "جورنال" بل إنها توجهت إلى الأماكن التي دارت فيها أحداث الحرب الأهلية الأمريكية، وكانت ترمي إلى الإشادة بحب الأرض والوطن والتضحية من أجلهما، وذلك من خلال اعتزاز البطلة "سكارلت" بأرضها وبذلها لكثير من الجهد والكفاح من أجل استعادتها.

ويقول المؤلف في هذا القسم من كتابه إن "مارجريت ميتشل" قدمت لنا حكايتين كبيرتين الأولى قصة بدء وانتهاء الثورة الاستقلالية للجنوب الأمريكي من خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ووصفت لنا التغيرات التي حدثت ثم السعي لإعادة البناء ومعنى ذلك أن أحداث الرواية تبدأ بعام 1861 وتنتهي بعام 1874 أما القصة الثانية فتروي قصة أشخاص والعلاقات فيما بينهم.

وقد حاول المؤلف الربط بين بعض هذه الشخصيات وبين شخصيات حقيقية في حياة "مارجريت ميتشل".

الشهرة منذ البداية

عندما أتمت "مارجريت ميتشل" روايتها الطويلة التي تجاوزت الألف صفحة أحست بالفخر لأنها استطاعت أن تنجز هذا العمل الضخم، فراجعت الرواية ووضعت اللمسات الأخيرة فيها عام 1933 وأخذت فكرة نشر الرواية تسيطر على تفكيرها، وجاءت الفرصة السانحة في عام 1934 لوضع عملها الإبداعي بين أيدي القراء، وذلك عندما عرضت عليها دار نشر "ماكميلان" القيام بطبع ونشر كتابها. وهنا يتابع المؤلف ظروف نشر الكتاب والمناقشات التي تمت بين الناشر ومارجريت إلى أن صدرت الطبعة الأولى منه، فقد عبر الناشر ويدعى "لاثام" عن إعجابه بالرواية فقال:

"لا أملك سوى الإعجاب باسلوبك وبالنزعة الإنسانية التي تبدو في كتاباتك، وأشكر لك ثقتك بنا وتكليفك لنا بمهمة نشر هذا العمل الرائع ونرجو من الله ان نقوم بهذا على أكمل وجه".

وعندما ظهر الكتاب تنازع الناس للحصول على نسخة منه وأطرى النقاد الرواية فكتب أحدهما في صحيفة "نيويورك هيرالد تربيون": أنها رواية رومانسية وعاطفية كما أنها تحوي كل مقومات الرواية التاريخية أيضا. أنها تفاعل دراماتيكي مع الحياة.

ولقي الكتاب تقديرا فائقا من قبل هيئات ثقافية كبيرة، ففي أبريل من عام 1936، اختير الكتاب من قبل نادي الكتاب الشهري ككتاب الشهر المفضل لدى القراء.

ويروي المؤلف قصة وصول الرواية إلى السينما وتصوير أحداثها في فيلم من إخراج دافيد سلزنيك.

وكان بيع الرواية بمبلغ خمسين ألف دولار، وتم ترشيح عدد من الممثلات الشهيرات في ذلك الحين للقيام بدور بطلة الرواية "سكارلت أوهارا" ومنهن كاترين هيبورن وبيتي ديفز ونورما شيرر، إلى أن التقى المخرج الممثلة البريطانية "فيفيان لي" فقامت بدور سكارلت بكل جدارة وبراعة.

وقد نال الفيلم شعبية فائقة، ومنح سبع جوائز أكاديمية في احتفالات الأوسكار عام 1940.

ولم تقتصر شهرة الرواية على الولايات المتحدة ولكنها ذهبت مع الريح إلى بلدان أخرى وتمت ترجمتها إلى لغات متعددة ، ففي ألمانيا طبعت الرواية في ترجمتها الألمانية من قبل دار "هـ. جوفرتس" في هامبورج ووصلت مبيعاتها إلى مائتين وخمسين ألف نسخة ونشرت ترجماتها إلى اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبولونية والعربية وغيرها في الفترة ما بين عامي 1945 - 1948.

موجز للرواية

ينتقل المؤلف فيما بعد إلى تقييم هذا العمل ويستعرض بإيجاز أحداث الرواية فسكارلت الفتاة الشابة تدرك أن حبيبها "آشلي" سيتزوج من قريبته الطيبة "ميلاني" وهنا تحقد سكارلت عليها لأنها أخذت منها محبوبها في حين أن "ميلاني" لا تكن لها إلا كل عطف ومحبة، وتدور أحداث الرواية فتنشب الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب، وعندما يحل السلام يجلب معه المتاعب، فهناك الآثار الاقتصادية للحرب على الجنوب المتضرر، فمثلا بيت "سكارلت" تهدم وتضرر من الحرب والأرض أصبحت مجدبة، فتصمم على الكفاح بكل وسيلة من أجل إعادة البناء فتتزوج من خطيب شقيقتها الذي يملك متجرا للاستعانة بماله في إصلاح أحوال أسرتها وتعيد زراعة الأرض بنفسها، ونجد أن "سكارلت" تتخذ مثلا لتبرير تصرفاتها وهو أن الغاية تبرر الوسيلة.

وعندما يموت زوجها تعود للالتفاف نحو "ريت بتلر" الذي أحبها بصدق، لكنها طمعت في ثرائه فتزوجته وأنجبت طفلتهما الجميلة "بوني" التي تعلق بها والدها بشدة، ولما وقعت من على ظهر مهرها الصغير وماتت لم يصدق ذلك وظل فترة طويلة في ذهول.

وتدور الأحداث لنصل إلى الفصل الأخير من الرواية عندما يفقد "ريت بتلر" الزوج رغبته في الاحتفاظ بزوجته التي لم تحبه في يوم من الأيام، وفي الوقت نفسه تدرك "سكارلت" أنها كانت ضحية أوهام حبها القديم. وتتذكر كلام والدها "جيرالد أوهارا": الأرض هي التي يجب المكافحة من أجلها أرض تارا، أرضنا. فتعود للتصميم على استعادة زوجها والمضي في حياتها في أرض أجدادها.

يقول المؤلف: لقد استطاعت "مارجريت ميتشل" أن تستمد من بعض الأحداث والوقائع التاريخية في بلادها مادة فنية حبكت داخلها قصة صورت فيها القيم السائدة في عصرها وهذا ما رفع من مكانتها وميزها في الثقافة الأمريكية والجنوبية.

ويبين المؤلف أن الاهتمام بالرواية قد خمد قليلا ثم عاد فتجدد في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، إذ بدأ الباحثون والدارسون يقيمون أدبها على مستوى البحث الأكاديمي فلم يحدث من قبل أن يستمر إعجاب القراء برواية ما كل هذه السنين إذ بعد خمسين عاما من ظهورها لأول مرة مازالت الرواية المفضلة لدى القراء.

وقد تميز عام 1987 بكثير من التقدير والتكريم لأدب "مارجريت ميتشل" إذ صدر طابع تذكاري عليه صورتها ونشرت الصحف والمجلات مقالات عديدة عن الرواية ومؤلفتها، كما أذيعت برامج في التلفزة والإذاعة بهذه المناسبة.

مارجريت والفصل الأخير

اختتم المؤلف دراسته القيمة بالفصل الأخير ويتحدث فيه عن نهاية حياة هذه الكاتبة الموهوبة، ووفاتها المأساوية ففي ذات مساء من عام 1949 توجهت مع زوجها جون مارش لحضور عرض إحدى المسرحيات، وذهبا بسيارتهما وعندما وصلا إلى مكان المسرح وبينما هما يعبران الشارع إلى الجانب الآخر إذ بسيارة مسرعة بشكل هائل تتجه نحوهما وتمكن الزوج من الإسراع في العبور أما "مارجريت" فقد حال ألم قدمها دون إسراعها فصدمتها السيارة ونقلت بسيارة الإسعاف إلى مستشفى "جرادي" ولم تتوقف الاتصالات الهاتفية والتلغرافات التي تواردت من كل الأنحاء للسؤال عن صحتها، على أن إصابة الدماغ كانت خطيرة بحيث أدت إلى وفاتها في السادس عشر من شهر أغسطس سنة 1949.

التقى المؤلف بمعارفها وبشقيقها ستيفن ميتشل الذي اعتنى بنشر الكثير عن شقيقته على هيئة مذكرات، وكتاب آخر بعنوان "مارجريت ميتشل وأهلها" ونص آخر لم ينشر بعنوان "الطريق إلى تارا، حياة مارجريت ميتشل مؤلفة "ذهب مع الريح" نيو هافن 1983.

ولم يكن هذا الكتاب هو المحاولة الأولى للكتابة عن "مارجريت ميتشل" وحياتها فقد سبقته عدة محالات على هيئة مقالات في مجلة "الثقافة الأمريكية" ، لما لحياة الكاتب من تأثير في كتابته.

 

سماء المحاسني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مارجريت ميتشل





مارغريت ميتشل من ذروة الإبداع إلى عظمة الخلود





غلاف الكتاب