كأس قياصرة العالم أشرف أبو اليزيد عدسة: أشرف أبو اليزيد

كأس قياصرة العالم

حمَّى كرةِ القدَم تجتاحُك تحتَ سَمَاءِ المُدُن الألمانية; الوجوهُ الرقميَّة الباسِمة لشعار كأس العالم تداعبُ العيون أينما تُوَلَّى الوجوه, سواء حين نُطالع واجهاتِ المحلاتِ أو عندما نتابع جدران الحافلاتِ, أم حيث تتوزَّعُ صورُ اللاعبين في كل مكان, بين البطاقاتِ البريدية, والإعلاناتِ التجارية, والحملات الإعلامية. كل شيء هنا له علاقة بكأس العالم: تمائم المنتخبات, قمصان النجوم, أعلام للدول. السياسة والثقافة والاقتصاد كلها أصبحت في خدمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, إمبراطورية كرة القدم, وساحرتها المستديرة, فأهلا بكم في كأس العالم 2006.

كرة القدم هنا تغطي كل شيء: المظلات الواقية من المطر, حقائب السفر, بل وكلَّ منتج صغر أم كَبُر. يتأرجح البصر حين يتابع رحلة الكرة وهي مرسومة حول برج التلفزيون في برلين, وعلى مقدمة الطائرات في فرانكفورت, كرة وراء أخرى تقذفها الأقدام إلى مرمى بلا حدود.

ألمانيا كرة عملاقة

منذ إعلان اختيار ألمانيا لاستضافة بطولة كأس العالم الثامنة عشرة, والأفكار الكروية تشبه نهرًا يتدفق في كل اتجاه. تميمة الدورة تنتشر مثل ندف الثلج في يوم شتوي عاصف. التميمة تمثل أسدًا يرتدي قميص المنتخب الألماني ويحمل الرقم (6) رمز القيصر العتيد فرانز بكنباور, رئيس اللجنة المنظّمة لبطولة كأس العالم, والذي كان يستضيف أسطورة كرة القدم البرازيلي (بيليه) حين أزاحا معًا الستار عن (جوليو 6), الدمية الأسد وبجواره صديقته الكرة واسمها (بيل).

هنا تظهر التميمة على أطباق البورسلين وكئوس الزجاج وملاعق الفضة في المطاعم, وتطبع على حقائب الأطفال المدرسية, وعلاّقات مفاتيح البيوت, ووسائد الأرائك والنوم, بل وتحولت البيئة الألمانية إلى كرة عملاقة, تكبر كلما انتقلت من مدينة إلى أخرى, كما تكبر كرة الثلج وهي تهبط من مركزها إلى السفح عابرة جبل المونديال, حتى أن الألمان صنعوا كرة عملاقة وزنها 60 طنا وارتفاعها 20 مترًا صممها آندريه هيللر, بداخلها مرصاد وعروض مصورة, وأخذت هذه الكرة تطوف المقاطعات الألمانية في رحلة بدأت من بوابة براندبورج في 12 سبتمبر 2003 وتختتم رحلة الكرة مع انطلاقة البطولة لتكمل ألف يوم ويوم, بعد أن زارها أكثر من 600 ألف شخص. وخارج التميمة, والكرة العملاقة, كان يمكن لنا أن نرى روح كرة القدم وملاعبها الخضراء تحلق فوق كل شيء: مقاعد, محارم, عصائر, أقلام, كتب, حتى تحولت بعض المراحيض إلى تصميم يشبه المرمى, ورسمت كرة القدم على شفاه الطائرات وهي تبتسم, وتحولت ألمانيا إلى كرة عملاقة مكونة من فسيفساء ملايين الكرات الصغيرة. ويمكن أن نتحدث عن ذلك دون توقف, لكن الصور المختارة هنا أصدق إنباء من الكتب!

طريقها أخضر!

في سنة 1994, جاءت أنجيلا ميركل وزيرة للبيئة في ألمانيا الاتحادية, مختارة من المستشار الأسبق هيلموت كول. أدركت الوزيرة ميركل ـ من الوهلةِ الأولى ـ كيف يشكِّل لوبي شركات الطاقة الألمانية طوقا خانقا حول وزارتها, مثل صناعة الفحم التي كانت تريد استمرار الدعم الحكومي. نحن الآن بعد 12 سنة, وها هي ميركل تجلس على مقعد المستشار, فكيف وصلت الحال في الطاقة?

استمر دعم الحكومة لصناعة الفحم حتى اليوم, ليصل ـ سنويًا ـ إلى مليارين وثلاثمائة ألف يورو, كما أن ميركل نفسها تتحالف مع الشركات الألمانية للكهرباء والغاز لتجعلها تصمدُ بعد فتح السوق الألمانية أمام الشركات الأوربية المنافسة, لأنها تعتقد أن (مستقبل بلادنا يعتمد على وجود سياسة آمنة للطاقة), ولهذا تريد تخطيطا للطاقة المتجددة يخدم ألمانيا حتى سنة 2020 ميلادية. ماذا يعني ذلك كله: نهجٌ جديد لاستخدام الطاقة, وعهد جديد لترشيدها, فكيف ستساهم بطولة كأس العالم في ذلك? ربما يكمن السر في (الهدف الأخضر)!

ففي بطولة كأس العالم 2006, وبفضل تجهيزات اللجنة المنظمة لملاعب البطولة, سيتم تخفيض استهلاك مختلف الطاقات بنسبة 20%, سواء كانت طاقة استخدام المياه, وطاقة استغلال الكهرباء وطاقة استهلاك النفايات, وحتى تقليل العوادم الناتجة من النقل الخاص باستخدام وسائل النقل العامة بديلا (بنسبة النصف)! وبهذا تصبح دورة هذه السنة أول بطولة لمشروع متكامل لحماية البيئة, يتحقق حلم وزيرة البيئة سابقا ومستشارة ألمانيا حاليا, ولكن كيف سيحدث ذلك أيضا?

بالنسبة للاقتصاد في المياه سيتم الاستفادة من ماء المطر بنسبة 20%, أما إعادة تدوير النفايات فسيتم تقليص المخلفات بتوزيعها على حاويات لإعادة الاستخدام المنوَّع (زجاج, بلاستيك, ورق, فضلات عضوية كالأطعمة, مخلفات ضارة كالبطاريات.. إلخ), كما تم إجبار شركات المياه الغازية الراعية للبطولة على توفير عبوات لا تُرمى, بل يُدفع مقابلها, لإعادة الاستفادة منها.

أما الكهرباء فقد تم توفير نسبة العشرين في المائة بواسطة استخدام مصابيح خاصة لإضاءة الملاعب, واستخدام خلايا الطاقة الشمسية.

ربما استعادت المستشارة أنجيلا ميركل ذكرى مكتبها الصغير في بون بالقسم الغربي من ألمانيا وهي وزيرة للبيئة, حين تتأمل في هذا المشروع الذي يصلح للتصدير, وخاصة في منطقتنا العربية التي تشكو من هدر الطاقة, وتنتظر من (يفكر) لغدها. يقول متأملون بمشروع (الهدف الأخضر), إن ألمانيا التي تخشى ألا تفوز بكأس العالم, تفكر في أن تفوز بالهدف الأخضر, وأن تجد تطبيقاته أكثر من مرمى في العالم. ساهمت الفيفا بمبلغ 400 ألف يورو لتطبيق هذا المشروع, وسيطبع في الخريف القادم تقريرٌ عن منجز هذا المشروع, كما عرفت من كرستين هوت مسئولة العلاقات العامة بالوزارة الاتحادية للبيئة والحفاظ على الطبيعة.

بلدُ الأفكار

ليس (الهدف الأخضرُ) وحده هو الابتكار الألماني الذي يروِّجُ له البلد المنظم لبطولة كأس العالم 2006. تقول الإعلامية ناتالي تيمان ـ هوجيه: خلال هذا العام يستطيع زوَّار برلين أن يسيروا في (ممشى الأفكار), وهو معرض موزع على أكثر من مضمار يضم منحوتاتٍ عملاقة تُجسِّدُ رحلة الاكتشافات الألمانية التي أضاءت طريق البشرية, من اختراع الطباعة المعاصرة, وابتكار السيارات الحديثة, واكتشاف نظرية النسبية, وصولا إلى مسمار الحذاء الرياضي الدليل العصري على الروح الألمانية المبتكرة!

قدمت معاهد الابتكار الألمانية 1200 فكرة تطبيقية اختير منها 365 فكرة مختلفة ستعرض بولايات ألمانيا في 365 بقعة على أرض الأفكار (من هذه الأماكن: معهد اللغة الألمانية في مونهايم, ومبنى أوركسترا برلين الفيلهارموني, ومعهد تصميم وإنشاء الأوزان الخفيفة, ومكتب التبادل الدولي السياحي في برلين, والمعرض الدولي للحرف اليدوية) وهذه الأفكار ستجسد ابتكار الطباعة الحديثة, وصناعة السيارات المتطورة, وتدوين الموسيقات العالمية واكتشاف نظرية النسبية, وغيرها, بواقع فكرة ألمانية جديدة لكل يوم من أيام السنة, كلٌّ منها على شكل منحوتة عملاقة بارتفاع 12 مترا ويصل وزن كل منها 20 طنا, مثل الحذائين الرياضيين العملاقين اللذين يجسدان الاختراع الألماني (مسمار الحذاء), وهما مصنوعان من مادة بلاستيكية تسمى نيوبور, المطلية بدهان خاص, وترعى هذا المشروع أكثر من 22 شركة ألمانية عالمية, يقصُّون كيف يكونُ التطور بفضل التكنولوجيا, في بلد الشعراء العظام, والموسيقيين الكبار, والفلاسفة الخالدين.

في الفيلم الذي يوجزُ المشروع ومدته عشر دقائق وتحت عنوان (مرحبا بكم في ألمانيا بلد الأفكار), شاهدتُ سيدة اقتصاد وعازفة كمان جنبًا إلى جنب مع عالم فضاء ومدير تصوير ومدرب كرة قدم, وهم يعرضون صورة ألمانيا التي تقول إنها قد لا تمتلك موارد طبيعية تصدِّرُها, لكنها ـ عوضًا عن ذلك ـ تصدّرُ الأفكار.

يُختتمُ الفيلم الذي أنتج بحرفية بالغة, وموسيقى خالصة, وصورة مذهلة بباقةٍ, من اللقطات السريعة للنسيج الكوزموبوليتاني لسكان ألمانيا من دول العالم (في مدينة مثل فرانكفورت يوجد 180 جنسية, ومن بين كل خمسة منهم يوجد واحد على الأقل لا يحمل جواز سفر ألمانيا).

لدهشتي لم يكن بين هذه الوجوه التي عبرت المشاهد الأخيرة في الفيلم من يطلق لحيته أو من تلبس وشاحًا, أو من يوحي بأنه مسلمٌ تركي أو مهاجر إيراني أو مقيم عربي أو مستعرب ألماني, على الرغم من أن عدد المسلمين في برلين وحدها 200ألف, وعلى الرغم من أنني شاهدت العديدين منهم على دروب بون وفي سكك كولن ومحطات برلين وأمام محلات فرانكفورت وداخل مقاهي ميونخ, لكن تبقى هناك ـ دائمًا ـ مسافةٌ بين الصورة والأصل, بين خيال الشاشة, وواقع الحياة. تتأكد شكوكي حين أزور مركز المعارض في ميونخ, حيث سيقام أضخم مركز صحفي وإعلامي للجرائد والإذاعات والقنوات التليفزيونية, حيث كانت الحقيبة التي ترحب بالزائرين, وتضم أوراق وبيانات المركز, تحمل عبارات الترحيب بكل اللغات ـ حتى العبرية التي لم يدخل لاعب ناطق بها تاريخ كأس العالم أبدًا ـ بينما تناسى المصمم, أو أغفل, اللغة العربية التي يلعب بها فريقان في الدورة الحالية!

وبعد برلين وميونخ, وفي فرانكفورت, رأيت دليل الطائرات الذي تصدره شركة مطار فرانكفورت, وبه نماذج لكافة أنواع الطائرات وعليها شعار شركات من العالم كله - حتى إسرائيل - ولكن ليس هناك شعار واحد لشركة عربية!

استاد برلين في عيد ميلاده السبعين

ليس هناك أجمل من مناسبة استضافة نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم ليحتفل خلالها استاد برلين الأولمبي بعيد ميلاده السبعين. 74 ألفا و220 سيكونون تحت سقف الاستاد, في ليلة التاسع من شهر يوليو القادم حين نحتفل ببطل كأس العالم لأربع سنوات قادمة.

الألمان يصرّون على تناسي آلام الماضي, إنهم لا يطمسونها, ولا يدفنونها, حتى لا تطردها أرض الآلام مرة أخرى, لكنهم يداوون جراحها, لتندمل, وتتحول مرارتها إلى مذاق طيب.

نتجاوز بوابة الاستاد الخارجية فنعبر بين القائمين العملاقين اللذين يحملان الدوائر الأولمبية الخمس, لندخل إلى ملعب برلين الأولمبي الذي شيده النازيون في عهد أدولف هتلر لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية في العام 1936 ميلادية.

تم ترميم هذا الأثر التاريخي كإرث معماري حضاري, لذلك تكلف مبلغًا أكبر من المبالغ التي تنفق على بناء استاد جديد, وبقيمة 242 مليون يورو (295 مليون دولار) وكانت تكلفة البناء الأصلية في الثلاثينيات 42 مليون رايخ مارك, أي نحو 17 مليون دولار في ذلك الحين. لن تتجنب ألمانيا التاريخ الهتلري للاستاد, وسيقام خلال أيام البطولة متحف عند المدخل الرئيسي وستوضع 35 لوحة في أرجاء الاستاد تشرح تاريخ الملعب في العهد النازي.

نصعد المدرجات لنطل على زوايا الملعب الآسر الذي يذكرني بتصميم الكوليسيوم الإيطالي في روما. وكما كان لكل مدينة قيصرها, كان لكل عهد فتوته, وفتوة ذلك العصر الذي بني فيه استاد برلين الأولمبي كان (الفوهرر) هتلر, الذي نصل إلى مقصورته التي تعرف الآن باسم (مقصورة الشخصيات المهمة) التي وقف فيها الزعيم النازي يومًا يشاهدُ أبطال العالم, ويرفض ـ باسم العنصرية ـ مصافحة البطل الأسود جيسي أونز الفائز بأربع ميداليات ذهبية, ولعل هتلر لو كان حيا اليوم لما جاء لمباراة الختام, ففي أي فريق فائز لهذا العام بكأس العالم سيكون هناك لاعب أسود على الأقل!

لا تزال المقاعد باللون الرمادي الداكن الأصلي نفسه, بينما أصبح مضمار الجري أزرق اللون, ويبدو الاستاد في صورة أفضل بفضل سقف يغطي مقاعد المتفرجين مزود بكشافات بقوة أكثر من 312 ألف واط تحيل الليل إلى نهار. استغرقت أعمال التجديد ضعف المدة المعتادة, لأن الاستاد لم يغلق وظل يعمل بسعة 55 ألف مقعد على الأقل, حيث كانت تقام عليه مباريات فريق هيرتا برلين لكرة القدم إلى جانب حفلات موسيقية ومسابقات في ألعاب القوى, بعد تقسيم العمل إلى مراحل بحيث كان نحو ألف من عمال البناء يعملون في قطاع طوله 60 مترا فيما يظل باقي الاستاد مفتوحًا ثم ينتقلون إلى قطاع آخر. قرب المكان الذي وقفنا به طويلا عرفنا أنه قبل أربع سنوات أبطل خبراء المفرقعات مفعول قنبلة من مخلفات الحرب العالمية الثانية تزن 227 كيلو جرامًا, على بعد نحو 50 مترا من مقصورة الفوهرر)!

في وزارة الداخلية, المنوط بها قطاع الرياضة في ألمانيا, نسأل عن الإجراءات الأمنية المتخذة خلال البطولة لحماية اللاعبين والجمهور, فيجيبنا توماس كاستنز, مسئول مكتب كأس العالم بوزارة الداخلية الاتحادية في الحكومة الفيدرالية, أن أسلوب الإعلام عن إجراءاتنا الأمنية ليس محبذًا, فلا نريد لأحد أن يعرف عن قدراتنا, لكن ذلك لا ينفي أن استعدادنا الكامل لتأمين حضور البطولة من اللاعبين والجماهير والمواطنين يجري وفق إجراءات لا تقبل أنصاف الحلول.

الحديث عن الجماهير يطول, فبالإضافة إلى آلاف المشاهدين على مقاعد استاد مدينة برلين, التي تستضيف أربع مباريات تمهيدية ومباراة في ربع النهائي ومباراة النهائي, سيتمكن مليون آخرون من متابعة المباريات على الهواء بفضل الشاشات العملاقة المنصوبة بين قوس النصر وبوابة براندنبورج, وفي ساحة بوتسدام, وفي المنتدى الثقافي, ومواقع أخرى أطرفها الملعب الأولمبي المصغر, وهو نموذج مماثل للملعب الكبير بحجم العُشر, مقامٌ أمام مبنى الرايخستاج, عدا الشاشات التي تقدمها شركات تجارية كثيرة على جدران وتحت سماء المدينة. وقد طبعت ثلاثة ملايين تذكرة لحضور المباريات بالملاعب بيعت بالكامل, لكن مشاهدة المباريات بالساحات مجانية, والمشكلة التي ستواجه جماهير فريقي السعودية وتونس وغيرهما من الدول التي يتطلب لمواطنيها الحصول على تأشيرات لدول الاتحاد الأوربي ومنها ألمانيا, هو ضيق الوقت المتاح بعد التأهل للدور الثاني, لاستخراج تأشيرة, فقد يصعد الفريقان ولا يتأهل الجمهور!

ذكريات عُمدة فرانكفورت

هي عاصمة المال في ألمانيا, فلا تتعجب إن رأيت رمز اليورو يزين الطريق أمام بوابات شركاتها العملاقة, ولا يدهشك أن ترعى المؤسسات الاقتصادية الرياضة وملاعبها, فهكذا هو الملعب الذي نزوره الآن. أنشيء استاد (كومرس بانك فرانكفورت) قبل 81 سنة, ولقب بأنه أكبر سيارة مكشوفة في العالم, بفضل غطاء متحرك مشيد على شكل خيمة, لكنها سيارة عملاقة تتسع لجلوس 48132 متفرجًا, امتلأت بهم المقاعد قبل أربعين سنة وهم يشاهدون إحدى مباريات الملاكم الأشهر محمد علي كلاي.

خارج الاستاد, وفي مبنى المحافظة (الرومر) العتيق ورمز المدينة, حيث كان الأمراء الألمان يجتمعون, وقرب صالة القياصرة, وحيث يستقبل الأبطال الرياضيون, كان لقائي بالسيد يواخيم فاندريكه عمدة المدينة, استمعتُ إليهِ وهو يعدد الجديد في عالم الأفكار التي ستضيء سماء المدينة: ربما ليس لدينا مباراة الافتتاح, أو الختام, لكن جمهور فرانكفورت سيستمتع بخمس مباريات مثيرة, منها المبارة الأخيرة في ربع النهائي.يستطرد فاندريكه: (سنضع شاشة عملاقة بمساحة مائة متر مربع في منتصف النهر ليتمكن المشجعون من متابع المباريات حية من على ضفتي النهر. وفوق البنايات سنضع لوحات عملاقة لأبطال كرة القدم, وهي فكرة قد تقلدها مدنٌ أخرى, لكن تلك المدن ليس عندها ناطحات سحاب مثل فرانكفورت).

سحبتُ كرة قدم من دولاب مقتنيات العمدة الذي يضم كئوسا رياضية وميداليات تذكارية وكرات جلدية, فقال لي وهو يستعيد الذكريات: (فلتصورني مع الكرة التاريخية التي فزنا بها بكأس العالم 1954). قدَّمها لي فصوَّرْتُه, وأنا أتساءلُ: هل سيحتفظ العمدة بكرة 2006?

بوابة كأس العالم

مليون ونصف المليون زائر سيأتون إلى ألمانيا خلال كأس العالم, لمشاهدة المباريات التي تشارك فيها 32 دولة, وسينفق عشاق الكرة خلال هذه الرحلة مليار يورو خلال هذه الرحلة تكاليف سفر وسياحة, طبقا لما تقوله السيدة بيترا هيدورفر رئيس مجلس إدارة مكتب السياحة الوطنية الألمانية. ستصبح ألمانيا قرية كبيرة أهلها وزوارها من عشاق الكرة, تحت شعار البطولة (العالم في ضيافة أصدقائه). فرانكفورت ومطارها سيكونان بوابة الفرق, والفيفا, والشخصيات المهمة والمشجعين من كل أنحاء العالم. فكيف استعدت بوابة كأس العالم لذلك الحدث?

قال لي روبرت إيه. باين مدير قسم الصحافة الدولية والاتصالات والعلاقات العامة بالشركة المالكة للمطار: (سوف نزيِّن كل الممرات ليصبح مطار كأس العالم عن جدارة, وسنخصص مدرجًا منفصلا لكأس العالم (كان فيما مضى قاعدة أمريكية جوية أعيد تجهيزه وإضافته للمطار الأساسي ليستقبل الفرق ومشجعيها), وشركات النقل البري الأوربية ستستخدم 300 ألف سيارة لنقل المسافرين إلى مقار إقاماتهم. أما القطارات فهناك 205 قطارات سريعة وإقليمية, و164 للمسافات الأطول, منها 43 قطارا دوليا. وإذا كان عام 2005 قد شهد مرور 52 مليونا و219 ألفا و412 مسافرًا عبر بوابة مطار فرانكفورت, فإن هذا الرقم مرشح للزيادة هذا العام بفضل البطولة العالمية. كما يؤكد البروفسور ديتر فيريتشه, رئيس دائرة الاتصال: (مرمانا ومرامنا كل العالم, وأن يتحول المطار إلى ملعب كبير, دون أن يؤثر ذلك على كفاءة تشغيله).

تأهُّبٌ لأجمل المعارك

ألمانيا تحاول أن تتفوق على نفسها, لتثبت في كأس 2006, أن ألمانيا الموحدة أفضل ـ كثيرًا ـ من ألمانيا المقسَّمة, التي استضافت بطولة كأس العالم سنة 1974, وهي تعدُّ هذه البطولة, الأكثر أهمية, بعد الحدث الذي وحدها حين سقط جدار برلين في 1989. كان انهيار الجدار بعد حرب سلمية ضد الأنظمة القديمة, لكن البلد يستعد اليوم لأجمل المعارك.

تأهلت ألمانيا لخوض نهائيات كأس العالم تلقائيا بصفتها البلد المضيف للبطولة, وقد انعكس ذلك سلبا في نتائج متذبذبة لمبارياتها الودية, مثلما كان سببا في الهجوم على المدرب يورجين كلينسمان (الذي يقضي معظم وقته في بيت الزوجية بكاليفورنيا), وإذا كان الألمان قد رضوا بالمرتبة الثالثة في كأس القارات التي نظموها في صيف عام 2005, فإن ذلك المركز سيكون ضئيلا مقابل طموحهم الحذر. وسيتركز إنجاز ألمانيا ـ إن تحقق ـ على قائد المنتخب الألماني ونجم فريق بايرن ميونخ ميشائيل بالاك الذي يُعتبر واحداً من أخطر لاعبي خط الوسط في العالم.

تولى يورجين كلينسمان (أحرز 11 هدفا في كأس العالم كلاعب في أعوام 1974, و1978, و1982) مهمة تدريب الفريق الألماني بعد خروجه المبكر من نهائيات بطولة الأمم الأوربية عام 2004. المهاجم السابق كلينسمان لجأ إلى وسائل غير تقليدية في طريقة تدريبه, مثل تعيين مدرب متخصص للياقة البدنية, والسعي إلى طرق جديدة في التواصل مع اللاعبين. لكن بعض قرارات كلينسمان المتعلقة باختيار اللاعبين أثارت جدلا واسعا في الشارع الرياضي, كقراره استبعاد المدافع المخضرم كريستيان فورنس من تشكيلة الفريق بسبب تهجّمه على المدرب في وسائل الإعلام. لكن القرار الذي كان ينتظره الألمان - أكثر من ترقبهم لاختيار مستشارة ألمانيا - اتخذه كلينسمان خلال رحلة (العربي) إلى مدن كأس العالم, حيث جعل من ليمان حارسا أول للمرمى الألماني. وأثارت زوبعة استبعاد الأسد العجوز (أوليفر كان) من عرينه موجة من ردود الفعل لن تهدأ إذا لم يكن ليمان على قدر المسئولية, ليقود منتخبه ليحصل على بطولته الرابعة, (الأولى 1954 والثانية 1974 والثالثة, 1990).

قياصرة العالم

قبل التاسع من هذا الشهر, يونيو 2006, كان هناك في ألمانيا قيصر واحد, هو فرانز بكنباور, لكن قياصرة العالم كُثُرٌ على الأرض الألمانية هذه الأيام, ولهم أكثر من لسان يتحدثون به, وأكثر من قميص يرتدون أرقامه, وأكثر من لون واحد لبشرات وجوههم. ففي خلال شهر البطولة ـ من 9 يونيو حتى 9 يوليو ـ ستتشدقُ الأفواه وتهتف بأسماء كثيرة, وستتذوق العيون عصائر فواكه اللعبة الطازجة.

يأتيك بقميص في لون الموز اللاعب الشقي رونالدينيو, الممثل الرسمي لعائلة السامبا البرازيلية, ويأتيك بلون نبتة الكولا المتمرد تيري هنري ملك الديوك الفرنسية ورافع عُرْفِهم الأحمر وقميصهم الأزرق, وبلونه الأناناسي سيطل عليك أمير الغابةِ الألمانية ودبها الشرس مايكل بالاك.. وغير هؤلاء كثيرون, فما الفرق المشاركة, وما حظوظها?

مع ألمانيا التي قدمنا لها, ينضم إلى فرسان المائدة المستديرة نجوم المنصة في بطولات الكأس, الذين فازوا بها قبل ذلك وعلى رأسهم فريق البرازيل, بطل العالم خمس مرات (رقم قياسي), والذي كان عليه وللمرة الأولى خوض تصفيات مجموعة أمريكا الجنوبية, لكنه أنهاها بسهولة ليتأهل ثانيا خلف الأرجنتين, بفضل كوكبة نجومه: رونالدو وروبرتو كارلوس (ريال مدريد) وأفضل لاعب في أوربا والعالم رونالدينيو (برشلونه), وترسانة دفاع قوامها جوان وروكي جونيور المحترفان في فريق باير ليفركوزن الألماني, وتسي روبرتو ولوسيو اللذان يلعبان في صفوف بطل الدوري الألماني بايرن ميونيخ, وجيلبرتو الذي يلعب لصالح فريق العاصمة الألمانية هيرتا برلين. لا يحلم المدرب الشهير كارلوس ألبيرتو باريرا إلا بتكرار إنجازه حين قاد الفريق إلى الفوز بلقب بطولة العالم لكرة القدم عام 1994 في الولايات المتحدة, والبرازيل تشارك للمرة الثامنة عشرة في نهائيات كأس العالم. ويعد الفريق البرازيلي المرشح الأكبر للظفر بكأس العالم.

سنضيف إلى هذين المنتخبين ـ المضيف وحامل الكأس ـ المنتخب الإيطالي الذي يرشح الخبير الرياضي أسامة الشيخ حارسَه العملاق (جيانلويجي بوفون) ليكون أفضل حارس مرمى في هذه البطولة, وقد يأتي بعده ديدا البرازيلي أو كاسياس الإسباني. ويملك الفريق الإيطالي حفنة من النجوم كالمدافعين اليساندرو نيستا وفابيو كانافيرو, ورجلي خط الوسط فرانسيسكو توتي واندريا بيرلو, ومعهم المهاجم اليساندرو ديل بيرو. البعض أيضا يحكي عن فرنسا وديوكها الهرمين كزيدان وسيسيه, وإنجلترا ولاعبيها المتأنقين والشرسين كدايفيد باكهام وستيفن جيرار وفرانك لامبرت, ومايكل اوين وروني, والأرجنتين بطل العالم مرتين (1978 و1986), وممثليها الموهوبين مثل كارلوس تيفيز وهيرنان كريسبو, وأندريس أليساندرو وفاسوندو كويروجا. فمن يكسب?

العرب.. ضيوف للشرف?

السعودية وتونس, عنوان للمشاركة العربية الحَيية في كأس العالم, لم تستطع الدول العربية في إفريقيا وآسيا صاحبة المشاركات السابقة في ذلك المحفل الدولي ـ كمصر والمغرب والإمارات والكويت ـ حجز بطاقات تأهل. لكن السؤال الذي نوجهه للمتأهلين: هل يستطيعان التأهل للدور الثاني, وخاصة بعد أن وضعتهما القرعة في مجموعة واحدة?

تأهل المنتخب السعودي إلى مونديال ألمانيا بعد فوزه الكبيرعلى ضيفه منتخب أوزباكستان بثلاثية نظيفة, في اللقاء الذي جمع الفريقين في الثامن من يونيو 2005 على ملعب الملك فهد في العاصمة السعودية الرياض, ضمن منافسات المرحلة الخامسة وقبل الأخيرة من تصفيات المجموعة الأولى, بقيادة نجمه المخضرم سامي الجابر, وليلعب المنتخب السعودي في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الرابعة على التوالي (رقم قياسي عربي).

السعودية التي تبدِّل مدربيها بشكل متواتر (15 مدربا في 12 سنة!) تحتفظ بالمدرب باكيتا لبطولة كأس العالم, وبقاؤه مرهون باستمرار المنتخب في البطولة, وتحقيق حلم مشجعيه, وأملهم في ألا يتكرر المشهد الذي ضمخته آلام الهزائم في المونديال الماضي, وخاصة أمام البلد المضيف بثمانية أهداف نظيفة.

يعسكر المنتخب السعودي أثناء البطولة في مدينة باد ناوهايم الواقعة بولاية هيسن الألمانية. وأولى مباريات المنتخب يلتقي فيها زميله العربي الوحيد تونس على استادآليانز آرينا, في ميونخ. وقد نجح المنتخب التونسي في حجز إحدى البطاقات الخمس عن القارة السمراء على حساب منافسه التقليدي الفريق المغربي, وأن يحقق الفوز في ست مباريات والتعادل في ثلاث بينما لم يخسر سوى مرة واحدة فقط. ويضم الفريق التونسي اللاعب المخضرم حاتم طرابلسي والنجم الصاعد هيكل قماميه, الذي يعول عليه المنتحب التونسي الكثير في نهائيات بطولة كأس العالم 2006.

الحصان الأسود

المتأهلون لخوض بطولة كأس العالم للمرة الأولى في تاريخهم ثماني دول: ترينداد وتوباجو, أوكرانيا, غانا, توجو, أنجولا ساحل العاج, التشيك (بعد انفصالهم عن سولوفاكيا), وصربيا وبعد رفع الحظر عنها للعب دوليا, وفي حين لا يتوقع من هذه الفرق أية مفاجآت, فإن المفاجأة قد تكمن في تأهل بعضها للدور الثاني, وخاصة أنها تواجه أبطال كأس العالم المتوجين, والحاضرين جميعًا في هذه البطولة.

المفاجآت قد نتوقعها من الأفارقة, حيث يمكن لأحد هذه الفرق أن ينضم إلى الجياد السمراء, التي قد تفجر مفاجآت خارج الإطار بفضل نجومها المحترفين في الدوري الأوربي, لكن يجب أن نضم الهولنديين لفرق الحصان الأسود, فلديهم حارس مرمى قدير هو إدفين فان داسار, وخط هجوم قوي مثل آرين روبين ورود فان نيستروي وروي ماكاي. وأضم كذلك الفريق الاسكندنافي; السويد بنجومه في خط الوسط فريدريك ليونج (أرسينال), والمهاجمين هينريك لارسون (برشلونة), وزلاتان إبراهيموفيش (يوفينتوس), وماركوس الباك (كوبنهاجن). وأخيرا نضم المنتخب التشيكي الذي أحرز 35 هدفاً في 12 مباراة, ويضم بافل نيدفيد وميلام باروس وتوماس روسيكي ويان كولر والحارس بيتر تشيش.

عصر الثقافة الكروية

ليس غريبا أن تكون (العربي) في قلب هذا الحدث المهم, تزور خمس مدن تقام فيها مباريات البطولة, وتزور سبعة ملاعب تستضيف الفرق, بما فيها ملعبا مباراتي الافتتاح والختام, وتلتقي مسئولي وزارتي الداخلية والخارجية, واللجان المنظمة والراعية, حتى الفندق الذي يحتفل بمئويته وهو يستضيف الفيفا رسميا (فندق آدلون كيمبنسكي في برلين, المطل على بوابة براندنبورج وبه ثلاثة أجنحة رئاسية, كلفة الليلة الواحدة في أحدها8500 يورو, وبه سكن أينشتين وشارلي شابلن وتوماس مان وجريتا جاربو), أقول ليس ذلك كله غريبًا فنحن نعيش عصر الثقافة الكروية. فلماذا?

لأن نصف الجماهير يرى في كرة القدم تعويضا عن خيباتٍ كثيرة, فاللعب يجري وفق (قانون) يفتقده كثيرون في بلادهم, والحكم ـ من المفترض ـ أن يحكم وفق القانون المعلن, والأحكام تطبق على الجميع, دون رشاو أو واسطة, واللعب يتم بالتعاون وباسم الفريق ولصالح الفريق, دون أنانية أو تحيز أو استئثار. إنها لعبة ديمقراطية إن جرَتْ بما تشتهي السفن. أما نصف الجماهير الآخر فيتابع المتعة المتقنة, من تمرير الكرة إلى تصوير المباراة, ويرى في نجوم الرياضة المحبوبين بديلا موضوعيا للساسة المغضوب عليهم.لهذا لم يكن غريبًا أن تهتم المعاهد الثقافية بالرياضة, أو أن تهتم النوادي الرياضية بالثقافة. في معرض طاف العالم, وشاهدتُه في معرض المترو بدار أوبرا القاهرة قبل شهور, عرض معرض جوته أكثر من خمسين لوحة مصورة تمثل حصادًا مصورًّا للممارسة الشعبية, كرة القدم في العالم, من بندر عباس في إيران, إلى شواطيء نيجيريا في إفريقيا. إنها لغة تتحدث بها الأقدام بطلاقة فتعبر آذان الشباك في كل أنحاء العالم. في معرض آخر رعى بايرن ميونخ, نادي المدينة الأشهر, معرضا للصور الصحفية ـ بكل فئاتها الفنية والثقافية والرياضية والسياسية ـ أقيم في مطار المدينة. ناهيك عن معرض GLOBAL PLAYERS الذي زرته في مدينة كولون وهو مكرس لأبطال ألمانيا ـ لاعبين ومدربين ـ الذين برزوا خارج بلدهم. والمعرض المقام في متحف الرياضة يأتي تصميمه ابتكاريا, فهو عبارة عن صناديق ضخمة تشبه صناديق الشحن (أي أن رياضيي ألمانيا كانوا للتصدير), وفي كل صندوق مقتنيات من البلد تنقلك إلى أجوائه, مع صور اللاعب أو المدرب, وفيلم مصور عن إنجازاته, ولوحة بالألمانية والإنجليزية لمسيرته, مع قميصه وميدالياته وكئوسه.

أحد عشر كوكبًا للصداقة

أزور مقر مجلة أحد عشر صديقا 11 FREUNDE, وهي مجلة شهرية لكرة القدم, صدرت قبل أربع سنوات, أصبح فيليب كوستر رئيس تحريرها نجمًا بلا منازع, تستضيفه البرامج التليفزيونية والصفحات الرياضية, بعد أن جعل من المجلة - التي تدار من شقة بسيطة في دور أرضي وببضعة أفراد فقط - نموذجًا للنجاح. وضعت أحد الأعداد على شجرة صبار والتقطت للغلاف صورة تذكارية لمسيرة مجلة صمدت وصعدت وسط الأشواك. لا شك أن هذه المجلة جاءت وسط تيار نهر الكرة الذي تدفق كالراين القوي بين ولايات ألمانيا التي تعيش حمى المونديال.المؤسسات الرياضية لا تقف عند مدرجات الرياضة, هاهي جمعية (الخبز والرياضة) التي تأسست سنة 2003 تأخذ على عاتقها دعم ثقافة الكرة في برلين, بأعضائها الاثني عشر. ألتقي مع المتحدث باسمها بيرجر شميدت, فيقول لي: (سواء بالمعارض أو مهرجانات الأفلام أو القراءات أو دورات كرة القدم والحفلات, ستجدنا نبحث عن مرح جماعي يؤسس لثقافة كرة القدم في برلين). وتنظم الجمعية مهرجانا سنويا, شهد شهر مارس الماضي دورته الثالثة, عن الأفلام الروائية والوثائقية التي تتناول كرة القدم ولاعبيها, وقد أسست شبكة الليبرو (المركز الذي لعب به بيكنباور) للمعاهد الثقافية في يوليو 2005.

أطالع مجلة تمثل الوثيقة الرسمية للبرنامج الفني والرياضي لكأس العالم. المجلة التي تسمى ANSTOS وتعني (ضربة البداية) تصدر فصليا باللغتين الإنجليزية والألمانية تعد وجها ثقافيا لمعشوقة الجماهير الأولى في العالم. تصوير بالأبيض والأسود وبزوايا نافذة البصيرة لمباني الملاعب التي ستستضيف البطولة, وحوارات ناقدة, وإضاءات كثيرة, وتختتم المجلة (نحو مائتي صفحة من القطع الكبير) بقصيدة لأيقونة الشعر الإسباني رافائيل ألبرتي عن حارس المرمى المجري فراز بلاتكو, بعد أن زاد عن مرمى فريقه برشلونة ببسالة, مثلما صمد أمام منافسي فريقه من الجماهير واللاعبين, يقول فيها : (السماء, والبحر, والمطر, كلها تذكرك, فأي بحر لن يبكي من أجلك?) ترى أي الشعراء سيغني في هذه الكأس? وأي حارس مرمى سيستحق القصائد?

حروب المونديال الاقتصادية

نجحت اللجنة المنظمة العليا لمونديال 2006 في فض الاشتباك بين إحدى الشركات الراعية للمونديال والأخرى الراعية للبطولة حول الملاعب الإثني عشر التي ستقام عليها المباريات بسبب أجهزة التليفزيون المنتشرة في جميع أروقة مباني الملاعب, ومنها غرف ملابس اللاعبين والحكام لبث المباريات, (يبلغ عددها من 600 إلى 1000 تليفزيون بالاستاد الواحد). وهذا يتعارض مع الاتفاقية المبرمة مع إحدى الشركات الرئيسية الراعية لبطولة المونديال مما جعلها تهدد بالانسحاب, وأوقعت الفيفا في موقف حرج لذلك كانت مطالبة جوزيف بلاتر (صورته إلى اليسار مع كأس العالم) بتغيير هذه الأجهزة الأمر الذي يكلف الأندية الكثير ويعرضها لخسائر فادحة وتوصلت اللجنة المنظمة إلى حل يرضي جميع الأطراف ولا يكلف الأندية سنتًا واحدا ألا وهو وضع شريط لاصق على ماركة هذه الأجهزة.

وتأتي أرباح كأس العالم من بيع حق البث التلفزيوني للشركات العالمية, والمبالغ التي يدفعها الوكلاء الرعاة لتنظيم البطولة, والتعاقدات التي تقدمها شركات الدعاية للإعلان عن منتجاتها خلال المباريات, وارتفاع نسبة الإشغال الفندقي ورفع معدلات الازدهار السياحي, وتذاكر المباريات التي تتعدى في بعض الأحيان حاجز الألف دولار.

وبعد أن انتهت حرب الرُّعاة, اشتعلت معركة أخرى حول تذاكر المباريات, التي افتتحت في مارس الماضي بورصة خاصة بتبادلها, حيث يستطيع مشجعو كرة القدم الذين حصلوا على التذاكر بيع بطاقاتهم, أو تحويلها لصالح أشخاص آخرين, وذلك عبر موقع الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم), بحيث لا تتجاوز القيمة الإضافيةü15 بالمائة من القيمة الأساسية.

مكسب تنظيم كأس العالم يأتي مباشرة من الأرباح الصافية التي تجنيها الدولة من جراء الإنفاق على البطولة, أما النوع الثاني فهو المكاسب غير المباشرة على المدى الطويل التي قد تصل لأضعاف المكاسب المباشرة, وتتمثل في تنشيط قطاعات اقتصادية أخرى داخل الدولة, مثل السياحة, وقطاع الغذاء, وقد حققت كوريا واليابان اللتان نظمتا كأس العالم عام 2002 نحو 4 مليارات دولار كمكاسب مباشرة. هناك تقديرات غير رسمية تشير إلى حجم الاستفادة (غير المباشرة) للاقتصاد الألماني من تنظيم بطولة كأس العالم 2006 ستصل إلى حوالي 5 مليارات دولار, مقابل ميزانية متوقعة أثناء البطولة في حدود ستمائة مليون دولار.

وقد أصبحت كرة القدم صناعة اقتصادية رابحة, تتهافت عليها الدول وكبرى المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال, من خلال تبني فريق كروي أو تنظيم بطولة دولية, مثل كأس العالم, أو كأس الأمم الأوربية أو رعاية مسابقة محلية. وتخطت أسعار اللاعبين أرقاما فلكية حطمت حاجز الخمسين مليون دولار, يتعدى سعر اللاعبين المليار دولار, في فرق (ريال مدريد) بإسبانيا, و(مانشيستر يونايتد) بإنجلترا, و(بايرن ميونيخ) بألمانيا.

 

أشرف أبو اليزيد 




صورة الغلاف





 





القيصر العتيد فرانز بكنباور, رئيس اللجنة المنظّمة لبطولة كأس العالم ومعه أسطورة كرة القدم, البرازيلي (بيليه) يزيحان الستار عن (جوليو 6), الدمية الأسد وبجواره صديقته الكرة واسمها (بيل)





 





الترميم الأثري لاستاد مدينة برلين الأوليمبي ـ الذي نراه من الخارج والداخل هنا, بلغت كلفته 242 مليون يورو, وقد زادت سعة مدرجاته وتم الحفاظ علي أعمدته الرخامية وطابعها الأثري. أضيف سقف للملعب بوزن 3500 طن ويحمله 20 عموداً





في بطولة كأس العالم 2006, وبفضل تجهيزات اللجنة المنظمة لملاعب البطولة, هناك مشروع لتخفيض استهلاك مختلف الطاقات بنسبة 20%, سواء كان في استخدام المياه, أو استغلال الكهرباء أو استهلاك النفايات





يستطيع زوَّار برلين أن يسيروا في (ممشى الأفكار), وهو معرض موزع على أكثر من مضمار يضم منحوتاتٍ عملاقة تُجسِّدُ رحلة الاكتشافات الألمانية التي أضاءت طريق البشرية, من اختراع الطباعة المعاصرة, وابتكار السيارات الحديثة, واكتشاف نظرية النسبية





كرة الانتصارات وملعبها. عمدة فرانكفورت يمسك الكرة التي لعب بها المنتخب الألماني المباراة النهائية في المونديال السويسري عام 1954 أمام سحرة الكرة المجريين: بوشكاش وساندور وكوتشيش وتسيبور وجروشيش





 





ستتحول ناطحات السماء في فرانكفورت إلى لاعبين عمالقة, يضيئون ليل المدينة, بفضل الملصقات غير التقليدية, بينما ستقام على صفحة نهر (الماين) شاشة عملاقة بمساحة مائة متر مربع ليتمكن المشجعون على الضفتين من متابعة المباريات على الهواء





يتم إخراج أرضية الملعب المغطى لاستاد نادي شالكه في مدينة جلزنكيرشن بعد كل مباراة, على أن تقوم آلات خاصة بنقل الأرضية صباح يوم المباراة. وتستغل إدارة النادي الفترات التي لا يوجد فيها نجيل بأرضية الملعب لإقامة حفلات كبيرة دعمًا لاقتصاده





 





قبيل المباراة سيجد المشجعون - صغارًا وكبارًا - فتيات يقمن بتلوين الوجوه بأعلام المنتخبات المشاركة في بطولة كأس العالم, وفي المتاجر منتجات تستفيد اقتصاديًا من هذه البطولة ببيع تمائم المنتخبات





سيتركز إنجاز ألمانيا ـ إن تحقق ـ على قائد المنتخب الألماني ونجم فريق بايرن ميونخ بلونه الأناناسي أمير الغابةِ الألمانية ودبها الشرس مايكل بالاك, الذي يُعتبر واحداً من أخطر لاعبي خط الوسط في العالم





 





سيتركز إنجاز ألمانيا ـ إن تحقق ـ على قائد المنتخب الألماني ونجم فريق بايرن ميونخ بلونه الأناناسي أمير الغابةِ الألمانية ودبها الشرس مايكل بالاك, الذي يُعتبر واحداً من أخطر لاعبي خط الوسط في العالم





اللاعب الشقي رونالدينيو بقميص لون الموز, ممثلا رسميا لعائلة السامبا البرازيلية ويهل عليك بطلعته وبلون نبتة الكولا المتمرد تيري هنري ملك الديوك الفرنسية وقميصِهم الأزرق, أما الذئب الناعم أليساندرو ديل بييرو فهو ربان السفينة الإيطالية





تونس والسعودية, عنوان للمشاركة العربية الخجول في كأس العالم, السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع المنتخبان التأهل للدور الثاني, خاصة بعد أن وضعتهما القرعة في مجموعة واحدة? سيلتقي الفريقان معا في أولى مبارياتهما يوم 14 يونيو على ستاد مدينة ميونخ





تونس والسعودية, عنوان للمشاركة العربية الخجول في كأس العالم, السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع المنتخبان التأهل للدور الثاني, خاصة بعد أن وضعتهما القرعة في مجموعة واحدة? سيلتقي الفريقان معا في أولى مبارياتهما يوم 14 يونيو على ستاد مدينة ميونخ





تم تغطية برج التلفزيون في برلين بكرة قدم ماردة, أما الكرة العملاقة التي صنعها الألمان وبلغ وزنها 60 طنًا, وارتفاعها 20مترًا, وصممها أندريه هيللر, بداخلها مرصاد وعروض مصورة





(لكل ملاعب البطولة شكل مبتكر, واستاد فرانكفورت سيكون أكبر سيارة مكشوفة في العالم, بفضل غطاء متحرك مشيد على شكل خيمة يجلس به 48132 راكبًا!!). ديانا بيركل, المركز الإعلامي, استاد كومرس بانك فرانكفورت





(عرض معهد جوته المتجول في قارات الدنيا أكثر من خمسين صورة تمثل حصادًا للممارسة الشعبية كرة القدم في العالم) سايمون حاج, معهد جوتة, برلين





(ستصبح ألمانيا قرية كبيرة أهلها وزوارها من عشاق الكرة تحت شعار البطولة (العالم في ضيافة أصدقائه). إيبرهارد شانسه, رئيس قسم العلاقات الديبلوماسية في العالم الإسلامي, وزارة الخارجية الألمانية, برلين





(لن يرى زوار ألمانيا وجهها الكروي فقط, بل عظمة مفكريها, وبراعة موسيقييها, وتفرُّد أدبائها في كل زاوية وشارع). مايكل شونمان, برنامج زوار الحكومة الاتحادية, بون





(مجلتنا ولدت وسط تيار نهر الكرة الذي تدفق كالراين القوي بين ولايات ألمانيا وهي تعيش حُمَّى المونديال). فيليب كوستر, رئيس تحرير مجلة الثقافة الكروية (أحد عشر صديقًا), برلين





(في جمعية ليبرو نبحث عن مرح جماعي يؤسس لثقافة كرة القدم في برلين). كريستوف جابلر, مدير مهرجان سينما كرة القدم, برلين





(يستطيع زوار برلين أن يسيروا في (ممشى الأفكار), وسط 365 منحوتة عملاقة تُجسِّدُ رحلة الاكتشافات الألمانية). ناتالي تيمان ـ هوجيه, مسئولة الصحافة الدولية, مشروع ألمانيا أرض الأفكار, برلين





(يستطيع كل إعلامي أن يشعر أنه في الملعب, حتى إذا بقي بين جدران المركز الصحفي, بفضل 25 كاميرا أساسية, عدا الفرعية)! مسئولة المركز الصحفي الرئيسي لبطولة كأس العالم, ميونخ





(خلال البطولة سيتم تخفيض استهلاك المياه, واستغلال الكهرباء واستهلاك النفايات بنسبة 20%). كرستين هوت, الوزارة الاتحادية للبيئة والحفاظ على الطبيعة, برلين





(توجد في ملعب بروسيا دورتموند وملاعب الفيفا المعتمدة الأخرى, زنازين للجمهور المشاغب!). فريتز لانشرمان, نادي دورتموند, مدينة دورتموند





(ستستخدم ألمانيا أساليب غير مسبوقة لتأمين المنتخبات والجماهير, ومنها استخدام الإنسان الآلي للكشف عن الأسلحة في المدرجات). توماس كاستنز, مسئول الاتصال للجنة المنظمة لكأس العالم 2006, بوزارة الداخلية (المسئولة عن الرياضة الألمانية), برلين





أنشطة الثقافة الكروية تزدهر في ألمانيا, وجمعية (الخبز والرياضة) ـ التي تأسست سنة 2003 ـ تأخذ على عاتقها دعم ثقافة الكرة في برلين, وتنظم الجمعية مهرجانا سنويا, شهد شهر مارس الماضي دورته الثالثة





في معرض طاف العالم - وشاهدتُه في معرض مترو الأنفاق بدار أوبرا القاهرة قبل شهور - عرض معهد جوته أكثر من خمسين صورة تمثل حصادًا للممارسة الشعبية لكرة القدم في العالم, من بندر عباس في إيران, إلى شواطئ الكاميرون في إفريقيا





 





آليانز آرينا, الملعب الرسمي لناديي بايرن ميونخ وميونخ 1860 الذي بني بتكلفة 280 مليون يورو, وعدد مقاعده 66.016 . جسد الملعب الخارجي عبارة عن نوافذ بيضاوية هندسية, تضيئها باستخدام الكمبيوتر لمبات ملونة طولية قوية. يتغير لون الهيكل الشفاف بتغير صاحب الملعب





استاد آرينا حيث تنطلق بعد ايام المباراة الاولى في بطولة كأس العالم الثامنة عشر بانتظار الجمهور