إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

صفقة البابا

كان بابا الفاتيكان يختتم عظته بالصلوات المعتادة "أعطنا خبزنا كفاف يومنا" عندما تقدم منه شخص أنيق وهو يقول: " أنا مندوب شركة كنتاكي للدجاج المقلي ونحن على استعداد لمنح الكنائس الكاثوليكية مبلغ 10 ملايين دولار إذا وضعت كلمة دجاجنا بدلا من خبزنا في نهاية العظة" وفكر البابا قليلا ثم رفض العرض . وبعد أسبوعين عاد الرجل يكرر العرض بعد أن رفع الرقم إلى 50 مليون دولار وفكر البابا أكثر هذه المرة، ولكنه رفض مرة أخرى. وبعد شهر عاد الرجل وقد رفع الرقم إلى 100 مليون دولار وهنا لم يفكر البابا وقبل العرض على الفور. وعقد اجتماعا مع الكرادلة وقال لهم عندي أنباء طيبة وأخرى سيئة، الأنباء الطيبة أننا سوف نكسب 100 مليون دولار والسيئة هي أننا سوف نخسر عقدنا مع شركة "وندر" لتوزيع الخبز.

هذه الطرفة اختارتها شبكة "الإنترنت" العالمية كأفضل طرفة لعام 1995 وهي إن لم تكن تثير القهقهة حسب ذوقنا العربي في التنكيت فإنها لاذعة، خاصة وهي تكشف عن ذلك الحلف غير المقدس الذي يقيمه البعض أحيانا بين الدين والتجارة وكيف أن الاقتصاد أصبح العصب المحرك خلف كل شيء حتى العظات الربانية، كما تبين الحرب التجارية الشرسة التي أصبحت تدور بين الشركات العملاقة والدول التي تساندها وقد أصبحت هذه الحرب هي البديل للحرب الباردة. لم تتغير درجة الشراسة فيها وإن أصبحت تدور بين حلفاء الأمس.

وبعيدا عن التخريجات السياسية فالطرفة جريئة، وهي تستمد هذه الجرأة من حس النقد الديني الذي ساد أوربا منذ عصر النهضة، حيث لا يوجد مقدس في كل ما هو بشري. ولا يعني هذا أن أوربا قد أصبحت أقل تدينا، ولكنها تحاول أن تكون أقل تعصبا وأن ترى الأمور بعيون مفتوحة، فهي لا تلقي بعبء كل شيء على السماء ولكنها تحاسب البشر.

ترى هل نملك نحن الحس النقدي والقدرة على الفصل بين ماهية الدين وبين تصرفات القائمين عليه؟ . أو أن الخوف من النقد سوف ينشف روح الفكاهة في عروقنا؟!.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات