حدث في رمضان

 حدث في رمضان

كان رمضان دائماً هو شهر الوقائع المهمة التي هزت العالم
الإسلامي وأحدثت فيه كثيراً من التحولات.

منذ كلمات الوحي الأولى, حتى آخر طلقة في حرب تحرير الأرض, كان رمضان شاهداً وحاضراً على مر العصور حتى أنه يمكن تلخيص التاريخ الإسلامي الذي شهد كل أنواع التقلّبات من خلال أحداث هذا الشهر, وكأن الله لم يميّزه عن بقية شهور السنة باختبار الإرادة والصبر, ولكنه جعل أيامه فاصلاً بين عهود وعهود, وسوف يستعرض هذا المقال بعض الوقائع المهمة التي جرت في هذا الشهر الفضيل وفقاً لتسلسل الزمن.

- في شهر رمضان, كان نزول الوحي على النبي (صلى الله عليه وسلم ), وكان أول ما نزل به جبريل عليه السلام من القرآن الكريم على النبي (صلى الله عليه وسلم ), وهو يتحنث بغار حراء, هو صدر سورة العلق:سورة العلق الآيات 1-5اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. (سورة العلق, مكية: 96: (1-5)), وكان الوحي بداية الدعوة الإسلامية وإيذاناً ببداية تاريخ جديد لا بالنسبة إلى العرب فحسب, وإنما بالنسبة إلى الإنسانية جمعاء.

- في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة (622م), كانت سرية حمزة بن عبدالمطلب, وهي أول سرية عُقد لواؤها في الإسلام, وكانت بعد سبعة أشهر من هجرة النبي(صلى الله عليه وسلم )من مكة إلى المدينة, وقد استهدفت اعتراض عير لقريش, واشترك فيها ثلاثون رجلاً, وكانوا جميعهم من المهاجرين, ولم يحدث في هذه السرية قتال.

كـُتب عليكم القتال

- في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (623م), وقعت غزوة بدر الكبرى, وكان عدد المسلمين الذين شاركوا فيها نحو 314 رجلاً, في حين كان عدد رجالات قريش ما بين 900-1000. انتصر المسلمون فيها انتصاراً عظيماً, وقُتل فيها من قريش نحو السبعين, وأُسر نحو السبعين, وكان من بينهم عدد من صناديد قريش, كان انتصار المسلمين في هذه الغزوة بداية صفحة جديدة من الجهاد في سبيل الدعوة الإسلامية, حيث تعززت مكانة المسلمين, الأدبية والسياسية في الجزيرة, وكانت برهاناً على شجاعتهم وعمق إيمانهم بعقيدتهم, في حين كانت كارثة بالنسبة إلى قريش التي أخذت تستعد للانتقام من المسلمين في المعركة المقبلة.

- في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة (629م), فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم ) مكة, وكان السبب المباشر للفتح هو نقض قريش صلح الحديبية الذي عُقد بينها وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في السنة السادسة للهجرة, فمن المعروف أن قبيلة خزاعة قد دخلت في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) بعد الصلح, في حين دخل بنو بكر في عهد قريش, واستغل بنو بكر هذا الصلح وهاجموا بني خزاعة, ورفدت قريش بني بكر بالسلاح والرجال, فاستغاث بنو خزاعة بالرسول (صلى الله عليه وسلم ) فوعدهم بالنصرة, وفي العاشر من رمضان, سار الرسول (صلى الله عليه وسلم ) إلى مكة في عشرة آلاف من المسلمين, وعندما علم أهل مكة بقدومه, خرج قادتها خاضعين, وفي مقدمتهم كان أبوسفيان, فأكرمه الرسول (صلى الله عليه وسلم ), ودخل المسلمون مكة, واتجه الرسول (صلى الله عليه وسلم ) إلى الكعبة, وطاف بها سبع مرات, وأمر بتحطيم الأصنام وهو يقول:سورة الإسراء آية 81قل جاء الحق وزهق الباطل, إن الباطل كان زهوقا. (سورة الإسراء, مكية: 17:(81)). كان فتح مكة بداية مرحلة جديدة في تاريخ الدعوة الإسلامية, حيث سارعت القبائل العربية في الجزيرة للدخول في الإسلام أفواجاً.

- وفي رمضان في سنة 40 هـ (660م) اغتيل الإمام علي بن أبي طـالب كـرّم الله وجـهه, على يـد أحـد الخـوارج, وهـو عبدالرحمن بن ملجم, الذي تربّص به في مسجد الكوفة, وطعنه بسيف مسموم وهو يستعد لصلاة الفجر, وقُبض على ابن ملجم وقُتل وأحرق, وكانت مدة خلافة الإمام خمس سنوات إلا عدة أشهر ومناقب الإمام علي أكثر من أن تحصى, وقد ترك تراثاً ضخماً في الآداب والعلوم والفقه والقضاء والأخلاق والشجاعة, وباغتيال الإمام انتهى عصر الخلفاء الراشدين, وبدأت مرحلة من الصراع داخل المجتمع العربي الإسلامي.

- وفي رمضان من سنة 65هـ (685م) توفي مروان بن الحكم واعتلى الخلافة ابنه عبدالملك بن مروان, ويُعد عبدالملك المؤسس الثاني للدولة الأموية, وامتاز برجاحة العقل والفصاحة والشجاعة والمهارة في شئون السياسة والإدارة, استطاع أن يقضي على الثورات التي كثرت في عهده, وأن ينشر السلام والأمن, وأن يُعيد الوحدة إلى البلاد العربية الإسلامية, وأن يتابع سير الفتوحات في المشرق والمغرب, كما أن إصلاحاته الداخلية كانت بالغة الأهمية: فقد قام بتعريب الدواوين في الشام والعراق, كما أسس دواوين جديدة, وقام بتعريب النقد وسك الدينار الذهبي الإسلامي, وحقق بذلك الاستقلال الإداري والمالي للدولة العربية الإسلامية, توفي في دمشق ودُفن فيها عام 86 هـ (705م).

أين المفر?

- وفي رمضان من سنة 92 هـ (711م), انتصر طارق بن زياد على حاكم الأندلس لذريق, وكان طارق قد عبر المضيق, ومعه نحو سبعة آلاف من المسلمين, ونزل بهم عند صخرة, قبالة الجزيرة الخضراء, سميت فيما بعد باسم (جبل طارق), وقبل أن يلتقي الطرفان, ألقى طارق خطبته المشهورة: (أيها الناس: أين المفر? البحر من ورائكم والعدو أمامكم...), دارت المعركة في منطقة شذونه, وانتصر فيها المسلمون, وسقط لذريق نفسه في ساحة المعركة, وقد فتح هذا الانتصار أبواب الأندلس كلها أمام الفاتحين العرب المسلمين.

- وفي رمضان من سنة 114هـ (732م), وقعت معركة بلاط الشهداء, فمن المعروف أن عبدالرحمن الغافقي, والي الأندلس, كان قد عبر بقواته جبال البرانس (البيرنسيه), وهاجم منطقة إكيتانيا, واستولى على مدينة بوردو, استنجد دوق إكيتانيا, واسمه أودو, برئيس البلاط الفرنجي, واسمه شارل مارتل, ولبى الأخير النداء, والتقى الجيشان العربي الإسلامي بقيادة الغافقي, والفرنجي بقيادة شارل, في منطقة ما بين ثور وبواتييه, ودارت معركة طاحنة انتهت بهزيمة العرب المسلمين, واستشهاد الغافقي, عُرفت بمعركة بلاط الشهداء, وتُعد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ, حيث وضعت حدّاً للفتوحات العربية الإسلامية خلف البرانس.

- وفي رمضان من سنة 223هـ (838م), وقعت معركة عمورية بين العرب المسلمين والبيزنطيين, وكان أن هاجم الإمبراطور البيزنطي تيوفيل مدينة زبطرة, وهي أقرب الثغور الإسلامية إلى البيزنطيين ومسقط رأس والدة المعتصم, ودمّرها وأشعل النار فيها وقتل وأسر مَن فيها من المسلمين, وما كاد يفرغ المعتصم من حربه ضد بابك الخرمي حتى انطلق بقواته إلى مدينة عمورية البيزنطية, وهي مسقط رأس والد الإمبراطور تيوفيل نفسه, وفتح المعتصم المدينة وانتقم لما فعله البيزنطيون في زبطرة, وعاد بعد ذلك إلى سامراء, وامتدح أبو تمام شجاعة المعتصم في قصيدته المشهورة, التي أولها:

السيف أصدق أنباء من الكتب

 

في حدّه الحد بين الجد واللعب

- وفي رمضان من سنة 447هـ (1055م) دخل السلطان السلجوقي طغرلبك بغداد, بطلب من الخليفة العباسي القائم بأمر الله (ت 467هـ/1075م), وقد استقبله الخليفة وأطلق عليه لقب (ملك المشرق والمغرب), وكان دخول طغرلبك بغداد إىذاناً بانتهاء دولة بني بويه وحلول السلاجقة محلهم في الوصاية على الخلافة العباسية والسيطرة على الخلفاء العباسيين, الذين تحوّلوا إلى مجرد رموز دينية تعيش تحت حماية السلاطين السلاجقة, وتوفي طغرلبك أيضاً في شهر رمضان من سنة 455هـ/1063م.

- وفي رمضان من سنة 485هـ (1092م) قُتل الوزير السلجوقي المشهور نظام الملك, ولد الأخير بطوس, وتفوق في العلم, وبرع في الإدارة, اتصل بالسلطان السلجوقي ألب أرسلان, وأصبح وزيراً له, وعهد إليه بتربية ابنه ملكشاه, وعندما اعتلى الأخير السلطنة, أصبح نظام الملك وزيراً له, ودبّر مملكته أحسن تدبير حتى صار الأمر كله لنظام الملك, أسس نظام الملك المدارس النظامية في عدد من المدن الإسلامية, وألّف كتابه (سياسة نامة), وقدمه لملكشاه, ذهب نظام الملك وأولاده ضحية الدسائس والمؤامرات, حيث قُتل في شهر رمضان, وتضاربت الآراء حول مقتله, ومات ملكشاه بعده بنحو شهر تقريباً.

المغول يتراجعون

- وفي شهر رمضان من سنة 658هـ (1260م), وقعت معركة عين جالوت بين المماليك بقيادة السلطان قطز والمغول بقيادة كتبغا, دارت المعركة في موقع (عين جالوت) قرب بيسان بفلسطين, وكانت المعركة طاحنة, وأبلى فيها قطز بلاء حسناً وانتهت بانتصار المماليك, وقتل أعداد كبيرة من المغول وعلى رأسهم كتبغا نفسه, وكان لهذه المعركة نتائج بالغة الأهمية, حيث قضت على خرافة أن المغول لا يُهزمون, وأنقذت مصر والمغرب العربي من الخطر المغولي, وأعادت الوحدة بين مصر والشام.

- وفي شهر رمضان من سنة 666هـ (1268م) فتح السلطان المملوكي الظاهر بيبرس إمارة أنطاكية الصليبية, وكانت هذه الإمارة قد أقامها الأمير النورماني بوهيموند, في الحملة الصليبية الأولى, عام 1098م, وكان فتح بيبرس لهذه الإمارة أعظم فتح حققه العرب المسلمون منذ أيام حطين (1187م).

وكان أيضاً خسارة كبرى بالنسبة إلى الصليبيين, وإيذاناً بانهيار بقايا الدولة الصليبية في الشام, ولاسيما أنه لم يبق للصليبيين بعد أنطاكية من المدن الكبرى, سوى طرابلس وعكا.

- وفي رمضان من سنة 922 هـ (1516م) اعتلى طومان باي السلطنة المملوكية في مصر, وكان طومان باي نائباً للغوري في مصر, عندما توجه الأخير لمواجهة السلطان سليم العثماني في مرج دابق (922هـ/ 1516م).وبعد مقتل الغوري في المعركة, اعتلى طومان باي السلطنة بدعم من الشعب في مصر, وتصدى للعثمانيين في معركة الريدانية (923/1517), وأظهر بطولات خارقة, ومع أن طومان باي هُزم فيها, فإنه تابع قتال العثمانيين في شوارع القاهرة وحاراتها, ولم يستقر للعثمانيين المقام في مصر إلا بعد أن تم القبض على طومان باي وشنقه بالقاهرة في العام نفسه, وبموت هذا السلطان, انتهت دولة المماليك, وبدأ العصر العثماني في تاريخ العرب الحديث.ويضيق بنا المقام أن نستمر في عرض أهم الوقائع والأحداث التي وقعت في شهر رمضان في تاريخ العرب الحديث والمعاصر, ولكن مما لاشك فيه أن انتطار القوات المصرية والسورية, في شهر رمضان سنة 1393هـ (أكتوبر 1973), يُعد من أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ العرب المعاصر في الثلث الأخير من القرن العشرين, حيث تمكنت هذه القوات, بدعم اقتصادي وسياسي وعسكري, من البلاد العربية, من الانتصار على القوات الإسرائيلية, وقد برهن هذا الانتصار على مدى فعالية التضامن العربي الحقيقي في بناء حاضر العرب ومستقبلهم, كما شكّل, في الوقت نفسه, بداية مرحلة جديدة في الصراع العربي - الإسرائيلي.

 

عادل زيتون