وداعًا خالد النفيسي فنان بيته المسرح

وداعًا خالد النفيسي فنان بيته المسرح

في الوقت الذي كانت تستعد فيه الكويت للاحتفال بيوم المسرح العالمي, يغيّب الموت الفنان القدير خالد النفيسي (ابن المسرح) أحد أعمدة الفن الكويتي ومن أبرز رواد ومؤسسي الحركة الفنية في منطقة الخليج بعد عطاء تجاوز أربعة عقود, تاركا تاريخا فنيا مسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا تزخر به المكتبة الفنية الكويتية والخليجية والعربية.

يعتبر الفنان خالد النفيسي من أكثر نجوم الكويت إثارة للجدل,فمنذ ظهوره عرف بحدة طبعه ورفضه لكل ما يحد من الإبداع الفني, فانتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع الخليجي والكويتي بشكل خاص, بجرأه مغلفة باحترام لعقل المشاهد وكوميديا راقية بعيدة عن التكلف والإسفاف, مطعمة بالمفردة الكويتية الدارجة مما قربه من جمهوره الخليجي وخلق له العديد من المعجبين في الوطن العربي كافة.

ولد الراحل عام 1937في الكويت شغوفا بالفن ومحبا له في الوقت الذي كان المجتمع ينظر فيه للفن نظره متحفظة, وفي مجتمع خليجي تقليدي استطاع أن يوثق أولى خطواته الفنية على المسرح المدرسي,ثم تمكن من تقديم أول عمل مسرحي مع فرقة المسرح الشعبي بمسرحية (ضاع الأمل) عام 1956مع المخرج الكويتي محمد النشمي, متميزا عن فناني جيله أسلوبًا وأداء, مثبتًا بذلك قدرته الفنية على تقديم مختلف الأدوار البسيطة والمركبة, الكوميدية والتراجيدية, باحثا عن كل ماهو جديد في الفن والإبداع, ثم صقل موهبتة الفنية بخبرة المخرج المصري (زكي طليمات) الذي أسند له دورًا في مسرحية (صقر قريش) والتي تعد أول نتاجات فرقة المسرح العربي التي انضم لها فيما بعد 6914.

إن بدايات النفيسي المسرحية وأداءه الفطري للفن جعلاه متمرسا في مخاطبة جمهوره بسهوله فشارك في العديد من المسرحيات الناجحة التى لاتزال عالقة بأذهان جمهوره, فمنها التي تحمل مضمونا اجتماعيا مثل (بيت بوصالح) و(الكويت سنة 2000) و(حرم سعادة الوزير) والعديد غيرها, ومسرحيات أخرى ذات بعد سياسي تطرح التوجهات الفكرية والمتغيرات السياسية التي يعيشها المجتمع الكويتي, فشارك في (حامي الديار) عام 1986التي طرحت التيارات السياسية السائده ومدى تأثيرها في الصحف المحلية والتشريعات القانونية وجسدت أخطر الأحداث الإرهابية التي شهدتها الكويت, وأبدع في (ممثل الشعب) حيث أعطى تصورًا للعملية الانتخابية في الكويت مستقبلا واشتهر فيها بأنه نصير المرأة, ودق أجراس الخطر في (دقت الساعة) حيث تناولت هذه المسرحية دور الأفكار الأيديولوجية المتطرفة في نشأة جيل سوف يكون مستقبل الوطن فيما بعد, وقوبلت هذه المسرحية في بداية عرضها بالرفض من قبل بعض الجهات, وحرصا على الأوضاع فقد تم منعها لفترة, خاصة أن تلك المرحلة شهدت تعطيلاً للحياة البرلمانية في الكويت, مما أثار الفنان خالد النفيسي وقرر مغادرة البلاد لفترة معللا السبب بتصريح يبين حبه لوطنه وفنه: (أسباب المنع تعود إلى الخوف والهلع الذي أصبح يحاصرنا حين يأتي الحديث عن مشاكلنا أو قضايانا أوحين نتناول وننتقد عيوبا أو سلبيات في بنائنا السياسي أو الاجتماعي), وغادرنا لمدة سنتين إلى المغرب الشقيق البلد الذي عشقه وأحب أهله وأحبوه ومات في ربوعه, كان المسرح هو البيت الأول للنفيسي, وقد تم تكريمه ومنحه العديد من الجوائز أبرزها جائزة فنان المسرح الأول عام 1977, تلتها الجائزه الذهبية عن دوره في مسرحية (حرم سعادة الوزير), ثم تكريمه في يوم المسرح العالمي عام 1980, ويرجع الحضور الطاغي للنفيسي على المسرح إلى أن خشبة المسرح كانت في تلك الفترة هي المتنفس الوحيد للفنان في إبراز مواهبه وإبداعاته الفنية ورؤيته الاجتماعية والسياسية رغم الصعوبة في الوقوف على المسرح والتعامل المباشر مع الجمهور, فمن يبدع مسرحيًا لابد أن يبدع تلفزيونيا وسينمائيا وكذلك كان الفنان خالد النفيسي.

وبعد انتشار الشاشة الصغيرة (التلفزيون) قدم الراحل أشهر التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية التي كان لها صدى إيجابي في الخليج,فشارك في مسلسل (درب الزلق) الذي صور البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع في مرحلة بداية ظهور النفط وماصاحبها من تغييرات مست الفرد والمجتمع,وبهذا المسلسل استطاع النفيسي, وكل من أسهم بهذا العمل, توثيق حقبة زمنية مهمة شملت دول الخليج كافة في إطار فني كوميدي راق لايزال يشاهد ويطلب عرضه حتى يومنا هذا.

اهتمام الراحل بمجتمعه وقضاياه دفعه إلى الاشتراك بالمسلسل التربوي الهادف (إلى أبي وأمي مع التحية) وهو المسلسل الذي يطرح ويعالج قضايا تربوية أسرية تؤكد على دور الأسرة كخلية أساسية أولى في البناء الاجتماعي, وعلى الرغم من مرور السنين على هذا العمل التلفزيوني فإنه يعتبر مرجعًا لكل من يرغب في تقديم عمل تربوي تلفزيوني هادف.

إن الأوضاع الاجتماعية والسياسية هي الهاجس الأساسي لدى النفيسي حتى وهو في مرضه, فقبل أن يغادرنا قدم آخر عملين على الشاشة الصغيرة (عديل الروح) للكاتبة فجر السعيد حيث تناول المسلسل الحياة الأسرية الخاصة والحياة الوظيفية العامة لشخصية وزير أداها النفيسي بتمكن وقدرة أظهرا خبرته الفنية رغم مرضه وأطلقت عليه الصحافة بعد هذا العمل لقب (الوزير العاشق) ويذكر أن هذا المسلسل شوهد في العديد من الدول العربية مما وسع جماهيرية النفيسي قبل رحيله

كما شارك في مسلسل (فريج صويلح) بدور يؤكد فيه على ضرورة التواصل مع القيم الأصيلة وإحداث التوازن بين التطور الاقتصادي والتماسك الاجتماعي في مجتمع عربي خليجي ينمو بسرعة شديدة.

الفنان الشامل يسعى إلى الكمال, وكذلك كان النفيسي, ففي الوقت الذي كانت السينما الخليجية حلمًا يراود الفنانين في المنطقة أقدم على التمثيل في أول فيلم كويتي ناطق (العاصفة) عام 1965مع المخرج محمد السنعوسي, وقادته رغبته لجعل السينما الكويتية رائدة في المنطقة إلى أن يكرر التجربة في أول فيلم كويتي ملون (الصمت) من إخراج هاشم محمد, وبهذه البدايات السينمائية المتواضعة يضع النفيسي اللبنات الأولى في السينما الخليجية تاركا الطريق مفتوحا لتشييد بناء سينمائي متين.

إن ماتمتع به الفنان خالد النفيسي من حس مرهف وأسلوب ساخر راق قربه من الملايين من معجبيه الذين كرموه قبل وفاته وبعد كل عمل فني قدمه تكلم بحال لسانهم.

لقد غادرنا (أبوصالح) فارس المفردة الكويتية مترجلاً عن فنه وتاركًا مدرسة فنية متميزة بأخلاقه والتزامه وقدسية الفن لديه, فأعطى دون مقابل ونقد دون تجريح وأضحك دون ابتذال وتهريج, غادرنا محدثًا فراغًا يمكن تلاشيه مع مرور الزمن ولكن يصعب نسيانه.





خالد النفيسي: غاب الجسد وبقيت الابتسامة





لقاء فني ثلاثي: الفقيد الراحل مع نجمي الكوميديا العرب عادل إمام وعبد الحسين عبد الرضا





في باكورة الشباب كان المسرح هو البيت الذي خرج منه ممثلا عملاقا