عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

درس التقدم

تستبق (العربي) الأحداث في هذا العدد وترحل إلى ملاعب كرة القدم في ألمانيا, قبل أن تفتح أبوابها أمام واحدة من أكبر المسابقات الرياضية, وهي تقدم لقرائها استطلاعًا مفصلاً, حول الاستعدادات التي أقامتها ألمانيا, من أجل استقبال كأس العالم. وبالرغم من أن البطولة سوف تبدأ بعد أيام قلائل من هذا الشهر, فإن الاستعدادات من أجلها قد استغرقت ما يزيد على ثمانية أعوام. وهي تعطي لنا درسًا مفيدًا لكل من يعتقدون أن إقامة مثل هذه البطولات الكبرى نوع من الهذر أو الدعاية السياسية السطحية, فهي هنا ـ وكما يوضح الاستطلاع ـ انعكاس لتطور الدولة , وتسخير لقدراتها المتقدمة, وفرصة لوضع الأفكار الجديدة موضع التنفيذ, وقد تعاملت ألمانيا مع هذا الحدث بجدية الدول المتقدمة, فالرياضة عمل جاد, ومسابقة كأس العالم ليست مجرد هدف يسجل وحكم يصفر وجماهير تصرخ, ولكنه عمل يشمل مرافق الدولة كلها, مصادر الطاقة التي يجب عدم الإفراط في استهلاكها, والمحافظة على البيئة بالرغم من عشوائية الزحام, والمخلفات التي يجب تدويرها. ويكفي أن نشير إلى ما ذكره الاستطلاع أن ألمانيا قد استخدمت 365 فكرة جديدة سوف تطبقها في مدنها أثناء الدورة من أصل 1200 فكرة تقدمت بها مراكز الأبحاث المختلفة هناك بهذه المناسبة. وهذا وحده سبب كافٍ ليبين مدى جديتها.

وبعيدًا عن كرة القدم, تمتلئ صفحات (العربي) بقضايا مثيرة للمناقشة , ولعل من أهمها ذلك السؤال الذي يطرحه رئيس التحرير في افتتاحيته لهذا الشهر: هل نتقدم للخلف?! وهو سؤال محزن ومثير للشجن العربي , فالمشكلة التي تواجه التقدم في العالم العربي تكمن في ثقافته, وخاصة عندما يتم النقل من الماضي إلى الحاضر, فآلية هذا النقل تقطع الطريق أمام أي اجتهاد, وبذلك تصبح ثقافتنا واحدة من الثقافات المستضعفة في هذا الزمان, لأنها لا تحظى إلا بأقل القليل من النقد وإعمال التفكير.

وترحل (العربي) أيضًا في وجدان واحد من رواد كتابها, وهو يكتب عن مدينته التي ضاعت منه وأضعناها نحن, والكاتب هو المؤرخ اللبناني المعروف د.نقولا زيادة, الذي أوشك أن يتم المائة الأولى من عمره المديد - أطال الله في عمره ومتّعه بالصحة للمائة القادمة. وأما المدينة فهي القدس التي كانت قبلة للعرب والإسلام منذ أكثر من ألف عام من الزمان, ولكنها تتسرب الآن من أيدينا كالماء, وتتهود أمام أنظارنا دون أن نفعل شيئًا, فلا نامت أعين الجبناء.

وتمتلئ (العربي) - غير ذلك - بالعديد من قضايا كثيرة ومتنوعة, وهي تثبت أنها ليست مجلة كل العرب فقط , ولكنها أيضا أكثر من مجلة داخل غلاف واحد.

 

المحرر