إلي أن نلتقي

إلى أن نلتقي

في انتظار كأس العالم

ينتظر العالم كله ـ وأنا معه ـ انطلاق مباريات كأس العالم في التاسع من هذا الشهر, واعتقد أن الشغف كبير في هذا العام بالذات, خاصة في عالمنا العربي, فلم تكن الأخبار سيئة كما كانت في هذا العام, ولم تكن انتصاراتنا معدومة في كل الميادين كما هي في هذا العام, ولم يكن في انتظارنا على شاشات التلفزيون عندما نعود إلى بيوتنا إلا صور الجثث العربية المتفحمة, التي تتزايد كل يوم, لذا فنحن في حاجة إلى جرعة قوية من النسيان ولن يتأتى ذلك إلا من خلال هذه المباريات الأربع والستين التي سوف تلعب على مدى شهر كامل, وبالطبع لن يتوقف نزف الدماء, ولا سقوط الجثث, فقد عودتنا إسرائيل ـ على سبيل المثال ـ أنه لايوجد لديها حدث أهم ولا مناسبة أعظم من قتل الفلسطينيين العزل, واتهامهم بأنهم كانوا (نشطين), ولا أدري كيف يصدق العالم هذه التهمة الغريبة, من عدو لا يريد من الشعب المحتل أن يبدي أي نوع من النشاط.

كل ما أتمناه ألا يحدث في كأس العالم ما حدث في الدورة الأفريقية الأخيرة التي أقيمت في القاهرة والتي فاز المنتخب المصري ببطولتها, أعنى أن نشاهد مباريات حقيقية وليست تمثيليات متقنة كما حدث, فقد أطلق النقاد على هذه الدورة الأخيرة بطولة النجوم, لأن معظم الفرق المشاركة فيها, حتى من أفقر الدول الأفريقية, كانت تضم نجوما شهيرة لاتني تصول وتجول على الملاعب الخضراء في أوربا, وكانت هناك أكثر من فرقة كل لاعبيها الاساسيين والاحتياطيين من النجوم والأسماء الكبيرة, ولكننا في أول الأمر فوجئنا بهم جميعا وهم يتشاجرون مع حكوماتهم لأنهم لم يأخذوا النقود الكافية حتى قبل أن يبدأوا اللعب, وعندما تمت ترضيتهم بالوعود كما يحدث عادة في العالم الثالث, هبطوا إلى الملعب وهم خائفون على أقدامهم, أكثر من خوفهم على سمعتهم, وسمعة البلد الذي يمثلونه, كل واحد يلعب وعينه على الدوري الأوربي الذي هو مصدر دخله الحقيقي, ولأن المدربين هناك بالغوا في تحذيرهم من العودة مصابين وإلا كان مصيرهم الإهمال التام خاصة أن شركات التأمين لن تدفع أي تعويضات لمن لم يصب منهم داخل ملاعب أوربا, وكانت النتيجة تلك المسرحيات التي عرضت على ملاعب القاهرة والإسكندرية وبور سعيد على مدى 90 دقيقة لكل واحدة, ومن يشاهد مباريات الكاميرون وساحل العاج ونيجيريا سيكتشف كم كانت التمثيلية متقنة, وكيف أنه لم يحدث أي لعب حقيقي, ولا صراع, ولا ندية, ولا رغبة في الفوز, كان الهدف فقط هو خروج المحترفين بأقدام سليمة وبأقل مجهود يذكر, وحتى الفرق الأفريقية التي وصلت إلى نهائيات كأس العالم, سارعت من الخروج من هذه الدورة مبكرا, لأن لديها ما هو أهم على ملاعب ألمانيا, ولم يكن المنتخب المصري يختلف عن هذا كثيرا بالرغم من أنه لايضم إلا عددًا قليلاً من المحترفين, فلم يلعب محترفه الشهير (ميدو) إلا نصف الوقت, وقضى النصف الآخر في الشجار مع الجميع حتى مع مدربه, وعندما وصل الفريق إلى المراحل الأخيرة واكتشف أن الفرق الأخرى لا تلعب ولكن تمثل, وصل الاهتمام بالفوز إلى أقصى درجته, وكان الرهان الوحيد هو أن يطغى صراخ المائة ألف الذين يمتلئ بهم ستاد القاهرة في المباراة النهائية على أصوات بكاء وعويل مئات الأسر التي كانت واقفة في ميناء (سفاجا) على شاطئ البحر الاحمر تترقب ظهور المزيد من جثث الغرقى الذين افترسهم الموت والإهمال على مدى أكثر من ثلاثين ساعة, أجل كان لابد للفريق المصري أن ينتصر من أجل حفظ ماء الوجه, بعد أن أغرق الموت المالح أحلام مئات الذين ذهبوا بلا ثمن لأن أرواحهم كانت من دون قيمة, من أجل هذا ننتظر كأس العالم لعل كأسه الحلو يذهب بطعم النسيان المر.

 

محمد المنسي قنديل