طرائف عربية

طرائف عربية

شعراء وأدباء وموسيقى
عبدالوهاب في عرين الأسود

رحم الله شوقي بك أمير الشعراء, احتـضن عبد الوهاب منذ طفولته ورعاه بالعلم والثقافة, وفتح أمامه أبواب المجد والشهرة, وعرفه على بيوت الذوات من الأغنياء.

في هذا الوقت كان المازني والعقاد يتزعمان حملة ضارية للنيل من شوقي وشعره, وأصاب رذاذ هذه المعارك محمد عبدالوهاب بسبب احتضان شوقي له, أرادت السيدة روز اليوسف والدة الكاتب إحسان عبد القدوس أن تعرف هذا البلبل الجديد لهؤلاء حتى يكفوا أذاهم عنه.

أقامت حفلة دعت إليها إبراهيم المازني وأحمد رامي وعباس العقاد ومحمد التابعي ومحمد حسين هيكل وفكري أباظة وطلبت من عبد الوهاب أن يغني, أمسك المطرب الشاب بالعود وبدأ يداعب الأوتار وقد رفع هامته, وانبعث النغم في صالة البيت الواسعة, شرقيا بهيجا, وبدأ الصوت يعلو في المساء: (غاير من اللي هواك قبلي) كان الصوت شجيا رائعا فيه حالة من حالات الحزن الشفيف, ينساب بين هؤلاء الجبابرة كالنسيم مثل روح تعلو وتسمو وتحلق فوق أجواء المكان.

حين انتهى عبد الوهاب من غنائه سألوا جميعا العقاد :

ـ إيه رأيك?

أجاب:

ـ صوت جميل وشجي لكن عيبه الوحيد إعجاب شوقي به.

في اليوم التالي طالعوا في الجريدة تلك الأبيات الشعرية من تأليف العقاد:

إيه عبد الوهاب إنك شاد

 

يطرب السمع والحجا والفؤادا

قد سمعناك ليلة فعلمنا

 

كيف يهوى المعذبون السهادا

ونفينا الرقاد عنا لأنا

 

قد حلمنا وماغشينا الرقادا

بارك الله في حياتك للفن

 

وأبقاك للمحبين زادا

الزوج يصادر شعر شوقي

سافر شوقي بك إلى لبنان, وكان لبنان في العشرينيات مصيف العرب, ومشهد الجبل وأشجار الأرز متعة الأغنياء في ذلك الزمان. كانت الطبقة المصرية الغنية يربطها بلبنان وشائج من عشق الجمال, ومودة ونسب.

في إحدى ليالي لبنان الجميلة قالوا لشوقي بك الشاعر: ثمة مغنية حسنة الصوت والأداء, سوف تغني هذا المساء في حفلة خاصة على الجبل. حضر الضيوف إلى بيت وسط الأشجار, وحضرت المغنية وكان اسمها (روز), وبدأ زوجها, وكان ثرثارا مدعيـا, وبلا مواهب يحكي كيف خطف (روز) من بيت أهلها ليتزوجها برغم أنف الجميع, ولم ينقذ الضيوف إلا عندما بدأت الزوجة المطربة في الغناء وكانت قصيدة (مضناك جفاه مرقده) وهي من تأليف شوقي وتلحين عبدالوهاب. وفجأة أراد أحد الضيوف أن يضفي على المكان بهجة ومرحا فسأل زوج المطربة عمن يكون ذلك المؤلف الكبير الذي ألف هذه القصيدة, انتفخ الزوج عن آخره, وغلظ صوته قائلا:

ـ الشعر إلي خيو. (أي القصيدة من تأليفي)

وهنا انفجر شوقي في الضحك قائلا: معلوم.. إذا كنت خطفت المدام.. مش راح تخطف قصيدة?!

الطفل والفتوة

يذكر تارخ الغناء أن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب, غنى طفلا صغيرا في سن العاشرة بعد أن هجر كتاب حارة الشعراني, كان يقطع المسافة من هذا الحي حتى يصل الأزبكية بمغانيه ومسارحه, وعماد الدين بأضوائه وملاهيه ليرى الكبار من الفنانين. عبده الحامولي والشيخ أبو العلا محمد ومنيرة المهدية وطيب الذكر سيد درويش ومطرب الأمراء صالح عبدالحي.

وكان يعود ليلا وقد امتلأ رعباً وخوفا من أخيه الشيخ حسن الذي كان يضربه بلا رحمة بسبب تلك الهواية اللعينة التي حرمته من التعليم في كتاب سيدنا. مرة رجع متأخرا وفي مقهى الحارة قابله الفتوة (أحمد نبلة) وكان أفاقا ولصا ويفرض الإتاوة على عباد الله الفقراء.

قبض على عنق عبد الوهاب وشخط فيه:

ـ أنت بقي ياسيدي المغنواتي بتاع الحارة?

انقطع نفس عبد الوهاب ولم ينبس بحرف.

ـ طيب غنى لنا أي حاجة.

خاف عبدالوهاب أن يتحدر بوله فتماسك, زغده في جنبه بأصبع مثل الحديد.

ـ ياواد غني لأخطف روحك.

عبد الوهاب في يد الفتوة مثل عصفور صغير ينتفض, ويصرخ, حتى توسط له بعض الطيبين فأطلقه الفتوة فأطلق ساقيه للريح.

الغريب في الأمر أن هذا الفتوة (أحمد نبلة) تسلل في نفس الليلة إلى أحد السطوح حيث حجرة طالب علم في الأزهر, قادم من الأرياف ليسطو عليها, فأمسك به الطالب وضربه علقة ساخنة أضاعت كرامته في الحي, وكان نبلة.. يصرخ في يده بأعلى صوته:

ـ ياشاويش, الحقني ياشـاويش. الغريب في الأمر أيضـا أن عبد الوهاب وبعد أن كبر في العمر والمقام كان يروي هذه الطرفة ضاحكا:

ـ أول مرة في حياتي أشوف حرامي يستنجد بالبوليس.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات