العلاج الهرموني لسن اليأس لؤي خدام

العلاج الهرموني لسن اليأس

حثت الإختلاطات التي ترافق سن اليأس العلماء والأطباء على مدى العقدين الماضيين على تطوير العلاجات الهرمونية بغية تعويض المرأة عن الهرمونات التي حرمت منها، وفيما يخص الآثار الجلدية للعلاج الهرموني المعوض، فمن المعروف أن المرأة بعد سن اليأس تعاني نقصا في إنتاج مادة الكولاجين فيفقد جلدها بشكل تدريجي نعومته ويصبح رقيقا ويتجعد، وثبت أن العلاج الهرموني المعوض يتمتع بآثار إيجابية على محتوى الجلد من الكولاجين فيحافظ على سماكة جيدة، مما يؤخر من حدوث ظاهرة التجعد ويسمح للجلد بأن يحافظ على نضارته لفترة أطول.

أما فيما يخص آثار العلاج الهرموني المعوض على العظام والمفاصل فلا شك أن الأستروجين وهو أحد مقومات هذا العلاج، يشكل العلاج الوقائي الأساسي من تخلخل العظام الناجم عن فقدانها لمادة الكالسيوم الذي تعاني منه النساء بعد سن اليأس والذي يسبب الآلام العظمية والكسور التي يستحيل التحامها. كما أن عددا كبيرا من الأدوية الحاوية على البروجسترون والذي يشكل المقومة الأخرى لهذا العلاج له دور متمم وأساسي في الوقاية من فقدان العظام لأساسها المعتمد على مادة الكالسيوم. هذه الفائدة العلاجية يمكن الحصول عليها عند النساء المعمرات وحتى لواستقرت عندهن ظاهرة تخلخل العظام. من الوسائل الأخرى التي تفيد أيضا بالوقاية من هذه الظاهرة، الإكثار من تناول الأغذية الحاوية على منتجات الحليب، ولكن العلاج الهرموني المعوض يبقى في المرتبة الأولى في فعاليته. كما أشار قسم من الباحثين إلى آثار هذا العلاج في تسكين الآلام العضلية والمفصلية المرافقة للروماتيزم الذي تعانيه النساء في سن اليأس.

القلب والأو رام

يوجد حاليا ما يكفي من الأدلة حتى يعتبر العلاج الهرموني إحدى الوسائل الأساسية للوقاية من الإصابات القلبية الشريانية، هذه الأمراض تعود بشكل أساسي للتغيرات الإستقلابية التي تظهر بعد سن اليأس والتي تخص الشحوم والأنسولين في الدم، فسوء استقلاب هذه الشحوم يؤدي لتراكمها في جدار الشرايين وخاصة شرايين القلب مما يؤدي لانسدادها، وبإمكان العلاج الهرموني المعوض أن يصحح هذه التغيرات الإستقلابية مقللا من احتمال ظهو ر هذه الحوادث إلى النصف. حتى أن بعض الفرق الطبية تقوم بدراسة الأستروجين كمادة مساعدة على فتح الشرايين القلبية المسدودة.

أما السرطانات النسائية، فيحفل الأدب الطبي بعديد من الدراسات الوبائية حول سرطان الثدي، الهدف الرئيسي لهذه الدراسات، هو تحديد مختلف العوامل التي تلعب دورا مؤهبا لظهو ر هذا السرطان، ولم يخف على هذه الدراسات أن العلاج الهرموني المعوض قد يكون عاملا مسببا لهذا المرض، لكونه ذا منشأ هرموني، وتوصلت إحدى هذه الدراسات إلى نتيجة مفادها أن احتمال ظهوره عند النساء اللواتي خضعن لهذا العلاج ولفترة تفوق السنوات العشر يزيد بشكل طفيف على احتمال ظهوره عند النساء اللواتي لم يتمتعن بالعلاج، علما بأن معدل الوفيات بسبب كسور العظام المحرومة من العلاج الهرموني وبسبب انسداد شرايين القلب يفوق معدل الوفيات من سرطان الثدي، وبذلك تبقى المحصلة النهائية لصالح العلاج الهرموني المعوض. وبما أن الأمر يخص مرض السرطان فقد أعطيت هذه الدراسة من الأهمية أكثر مما تستحق وأثارت الكثير من الاستفسارات وتعرضت للكثير من الانتقادات أولها أن هذه الزيادة ليست سوى زيادة طفيفة، وحتى يتفهم القراء حقيقة الأمر لا بد من أن نشرح كيف أجريت هذه الدراسة. فقد قام فريق من الباحثين من ولاية مدينة بوسطن الأمريكية باستجواب عدة آلاف من النساء، بواسطة المراسلة البريدية، وقارن عدد حالات سرطان الثدي بين فئتين من النساء، الأولى استفادت من العلاج الهرموني المعوض بينما الثانية لم تستفد منه، فلوحظ أن عدد حالات هذا المرض هي أكثر بقليل عند فئة النساء اللواتي استعملن العلاج.

وفيما يخص سرطانات باطن الرحم، فإن حدوثها يترافق مع العلاج الذي يتألف فقط من الأستروجين، وينعدم خطر حدوث هذا المرض عندما يضاف دواء البروجسترون إلى الأستروجين، ومن هنا نستخلص أهمية إعطاء علاج متوازن وتحت إشراف طبي.

ومن السرطانات الأخرى المرتبطة بالنشاط الهرموني، سرطان المبيض، ولا يتوافر حاليا ما يكفي من الدراسات بما يسمح باستخلاص أي نتيجة عنه. أما فيما يخص سرطان الأمعاء الغليظة فبإمكان العلاج الهرموني المعوض أن يحمي منه.

النفس والجسد

وفيما يخص الناحية النفسانية والجنسية فإن الاضطرابات العاطفية والقلق النفسي لا تنجم بشكل مباشر عن نقص الهرمونات، ولهذا فهي تحدث قبل وبعد سن اليأس، ولكن الأستروجين يتمتع بآثار مباشرة في الأعصاب، فقد ظهر أنه يحرض العناصر المسئولة عن نمو الخلايا العصبية، مما يزيد من درجة الوعي وبذلك فقد يؤخر من تراجع القوة العقلية الشيخوخي أو ما يسمى مرض الزهايمر.

أما عن الجهاز البولي والتناسلي فتساعد الأستروجينات - حتى لوأعطيت بجرعات ضئيلة - على تحسين حالات سلس البول وتخفف من الاضطرابات التناسلية الناجمة عن الضمور الذي يرافق سن اليأس، حتى أنها تقلل من احتمال حدوث الأنتانات الجرثومية في جهاز البول، كما يمكن الحصول على هذه الفائدة لدى تناول الأستروجين بشكل موضعي.

هذه الفوائد الثابتة علميا تفوق بكثير الأخطار النظرية والتي تبقى نادرة إن احترمت شروط إعطاء هذا الدواء، مما يبرز أهمية المراقبة الطبية المنتظمة الواجب اتباعها لدى تناول هذا العلاج، مثله مثل أي دواء آخر.

العلاج الهرموني المعوض، كما ذكرنا يتألف من عنصرين أساسيين بحيث يشابه إلى حد ما الإفرازات الهرمونية الطبيعية - أي الأستروجين والبروجسترون - ويتوافر في الأسواق الصيدلانية عدد لا يحصى من المركبات الدوائية الهادفة لتأمين الآثار الفسيولوجية لهذين الهرمونين. ونعيد تأكيد أهمية مشاركة المقومين الأساسيين لهذا العلاج مع احترام مضادات الإستطباب المعروفة من قبل الأطباء.

طبيب سوري يعمل بدار التوليد بمستشفى بيتيه - باريس.

 

لؤي خدام

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات