مساحة ود أمينة شفيق
مساحة ود
أخيرا.. انتصرت على هذا الرجل دخلت مسرعة إلى أبي وهجمت عليه قائلة، " أبي.. لقد حصلت على الليسانس اليوم." قام أبي يصافحني ويضمني إلى صدره قائلا، " ألف مبروك " ثم توجه إلى أمي سائلا إياها عن إمكان دعوتي مع زوجي وأولادي إلى الغداء. أجابته أمي بابتسامه عريضة محببة إلينا: "طبعا". قام إبي واتصل بزوجي في المكتب وطلب منه المرور على أبنائي في المنزل لإحضارهم لتناول الغداء بمناسبة نجاحي في السنة النهائية بكلية الآداب قسم الاجتماع. كان يوما لطيفا للغاية، تخففت فيه من أعباء البيت وفرحت فيه لتحقيق هدفي الكبير، وهو أن أنهي دراستي الجامعية وأنتصر على والدي الذي وقف دون ذلك منذ عشر سنوات. منذ عشر سنوات حصلت على الشهادة الثانوية وكنت مصممة على دراسة علم الاجتماع وإنهاء دراستي الجامعية. كنت مقتنعة بأن دراستي لهذا العلم ستقودني إلى التخصص فيه، وربما إلى الصعود إلى مرحلة الدراسات العليا. لكن جاء إلي والدي ليخبرني أن مهندسا مجتهدا في عمله، أمامه مستقبل معقول ويتمتع بصفات متزنة تقدم للزواج مني. رفضت، وعبرت له عن تخطيطى لمستقبلى. فى الحقيقة لم يكن اعتراضى على الشخص ذاته بقدر ما كان على فكرة الزواج في هذه المرحلة. صمم والدي وأجبرني على القبول، بمنطق أن فرصة الزواج من رجل يملك هذه الصفات قد لا تتوافر مرتين وأن بإمكاني إكمال دراستي بعد الزواج. بعد ضغوط قوية، وافقت وفي قناعاتي أن أبي قد وقف ضد أبسط حقوقي الإنسانية، الحق في أن أكمل تعليمي وأن يكون لي كيان مهني مستقل. تزوجت وأنجبت طلفين، بعد ذلك فاتحت زوجي في أمر التحاقي بالجامعة. سألني، " هل تستطيعين القيام بالمهمتين معا؟" أجبته بإصرار: " نعم". فلم يمانع. فطللبت منع عدم إخبار والدى بالأمر. فربما حرض زوجى على منعى من تحقيق هذا الهدف. بدأت الدراسة، ربة بيت وأما وطالبة. لم يكن الأمر سهلا. كنت أحاول أن أعطى كل مهمة حقها الكامل، بحيث لا يقدم زوجى أى نقد، أو يبدى أى تذمر. تعبت وأجهدت، لكنى كنت أشعر بسعادة داخلية عارمة، خاصة عندما تظهر نتائج آخر العام الدراسى ويسجل اسمى على قائمة الناجحين. مرت السنوات الأربع على كأنى أعبر فى كل عام حاجزا عاليا فى سباق دولى تتجه إليه أنظار العالم كله. لم يكن يعنينى منها إلا نظرات ذلك الرجل الذى استمر يعاملنى بهدوء تام. كأن الأمور أكثر من طب يعية أو عادية، والدى. هذا الرجل! واليوم أذهب إليه وقد انتصرت عليه. فلم يستطع حرمانى من تحقيق هذا الهدف وتلك الرغبة الملحة التى عايشتنى طوال هذه السنوات الطويلة. وكعادته قابلنى بهدوء تام. كل الذى.. فعله أنه قام ليصافحنى ويضمنى إلى صدره، ثم يقدم دعوة الغداء التى خصنى بها مع أسرتى. غادرت شقة والدى وبدأت أهبط درجات السلم بنفس القفزات التى تعودت عليها فى طفولتى.هرول ورائى ابنى الأكبر طالبا منى انتظاره. وعندما دخلنا السيارة، أمسك زوجى بعجلة القيادة وقال " طلب منى والداك إلا أعترض على إكمال دراساتك العليا. إذا رغبت فى ذلك ". سألته بتعجب " والدى. أنا ؟ أجاب، " نعم والدك أنت، لقد كان يتصل بى ليطمئن عليك بين كل حين وآخر " فور وصولى إلى منزلى اتصلت به. سمعت صوته، قلت على الفور: " لقد قررت أن أتقدم للدراسات العليا ". قال " ألف مبروك مقدما، أنا متأكد من أنك ستحصلين على درجة الدكتوراة. " سألت ه:" هل تحبنى ؟ " أجاب: " يا ساذجة.. أكثر من الدنيا كلها ".
|
|