الصورة الأخيرة

 الصورة الأخيرة

خرج من العمارة مهرولاً, يتعثّر في خوفه, قلبه عصفور ينقر الأضلاع. يصرخ:

- يا ناس ,يا عالم, امنعوه, امسكوه, يريد قتلي..

والذي يطارده مرّ الملامح, فارع القامة, سريع الخطى, يحمل سكين مطبخ, لما لحق به جذبه بقوة, ثم دفعه بعدة طعنات قاتلة, رمى السكين ونفض يديه, تركه في بركة دم ومشى بهدوء, أشعل سيجارة, أخذ نفساً كبيراً يتلذذ سعادته.

جاءت الشرطة والحماية المدنية, وتجمع الناس.

الضحية تسكن الشقة رقم 91, كان الباب مفتوحاً, دخل المفتش, طاف في الغرف, رفوف من التحف النادرة, ولوحات لرسامين كبار, ومنحوتات مدهشة, وثمة جناح لأوسمة وجوائز وهدايا تحصل عليها, الصالون مخصص لأهم أعماله, توقف المفتش على صورة رجل في منتصف العمر لم تكتمل, اقترب منها منحنياً, مدّ سبّابته مشيراً إلى نقطة حمراء وقال:

- إنه دم.

طلب من معاونه أن يأخذ عينة للتحليل المخبري.. وأمر شرطياً أن يُحضر شاهد عيان شهد الحادث.

دخل شاب فسأله المفتش.

- هل تسكن العمارة?

- نعم.

قالها مذعوراً, وهو ينظر إلى الصورة المحمولة على حصان الرسم.

- صف لي القاتل?

- هذا هو القاتل يا سيدي.. إنها صورة القاتل.

مسك المفتش بأنفه وهو ينظر إلى الصورة.

- حسناً, هل أنت متأكد أنها صورة القاتل?

- نعم, أنا متأكد أنه القاتل.

- وهل تعرف أنه إرهابي?

- كلا, كلا.. كل ما أعرفه أن هذا الشخص ارتكب جريمة منذ أقل من ساعة.

- حسنا, هل تعرف الضحية?

- إنه صديق العمارة.. شاب مرح يحب الجميع والجميع يحبّه.

- هل كان له أصدقاء يزورونه?

- إنه رسام مشهور, نجمه لامع, وأصدقاؤه كثيرون.

- لماذا, في رأيك, يرسم إرهابياً?

- لا أدري يا سيدي.

- لا تخف هذا الإرهابي قتل السنة الماضية!

- صدقني أنا لا أعرفه.

- حسناً يمكنك الانصراف.

أظهرت التحاليل أن قطرة الدم للضحية, وازداد اللغز تعقيداً, كيف وصل الدم إلى الصورة.

في صباح اليوم الثاني, سقطت عجوز من السلالم وتحطم رأسها, في المساء وجد طفل مطعوناً, أصيبت العمارة بالهلع, لم تطفئ الأنوار, باتت على أعصابها, لم يخرج السكان إلى أعمالهم, ولم يلتحق الأطفال بمدارسهم, أطلوا من الشرفات يتبادلون الحديث يناقشون مصيبتهم, تعطلت الحركة في الشارع, زادت الحيرة والقلق, وارتفع الضجيج, حاولت الشرطة طمأنة السكان, فحثتهم على الخروج إلى أعمالهم, لكن السكان أعربوا صراحة عن عدم ثقتهم في الشرطة.

عاد المفتش إلى شقة الرسام الضحية, لاحظ على الصورة بقعة دم جديدة, أظهرت التحاليل أنها لضحية أخرى, حمل المفتش اللوحة وعاد بها إلى مركز الأمن, في مكتبه وعلى بعد مترين من الصورة, جلس يتأمل فيها, يشعل سيجارة بسيجارة, وابريق القهوة بجانبه, فجأة برقت عينا الإرهابي, اضطرب المفتش, ابتلع لعابه, ابتسمت الصورة, مدّ المفتش يده إلى المسدس يتأهب لمكروه, تحرّكت الصورة في إطارها, مسك المفتش بالمسدس بقوة, اتسعت ابتسامة الإرهابي, أخرج المفتش المسدس, خرج الإرهابي من الإطار, أطلق المفتش النار, اقتحم الرجال المسلحون المكتب, الصورة تقطر دمّاً, وقد اخترقتها ست رصاصات.

- أوه, غير معقول شيء لا يصدّق.

 

محمد نويبات