القيصرية.. هل هي ضرورية؟ محمد مصطفى مروان

القيصرية.. هل هي ضرورية؟

انتشرت الولادات بإجراء جراحات قيصرية،برغم عدم ضرورة ذلك في كثير من الحالات.

تشير الإحصاءات في الولايات المتحدة وكندا إلى أن جراحة فتح البطن لإخراج الجنين أثناء الولادة - والتي تسمى بالقيصرية - تجرى حاليا عند ولادة طفل واحد من كل أربعة أطفال تقريبا. وقد أظهرت الجماعات الطبية تخوفها من الزيادة غير العادية في أعداد هذا النوع من الجراحة. ومع هذا فإن العديد من الأسر ما زالت تعتقد أن القيصرية هي أسلوب طبيعي للولادة. بعض الأمهات غير الخبيرات يطلبن إجراءها هربا من آلام الولادة. فهل هذا التوجه المستحدث نحو الجراحة شيء عادي ؟ وما المخاطر التي تترتب عنه ؟ لقد حان الوقت لتدقيق النظر في الحقائق المحيطة بجراحة القيصرية.

عدد الباحثون أسبابا مختلفة لإجراء القيصرية منها : طول فترة الوضع وصعوبتها، وإرهاق الجنين، واحتمال ولادته عن طريق المقعدة قبل الرأس، وكذا وجود مشاكل بالمشيمة أو أمراض لدى الأم مثل : تسمم الحمل (ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل) - داء السكري - النزف الشديد، أو وجود تاريخ لجراحات قيصرية سابقة، كذلك تعود بعض الأسباب لفرط استخدام التقنيات الطبية الحديثة مثل أجهزة تتبع العلامات الحيوية لدى الجنين.

وهناك أيضا أسباب غير واضحة منها على سبيل المثال: تفضيل بعض الأطباء الجراحة على الولادة الطبيعية، كذلك أسلوب إيصال المعلومات والتوصية بالجراحة لكل من الأم والأب كي يتخذا قرارهما بالموافقة على إجرائها، وتعود بعض الأسباب إلى تخوف الأم والأب من الولادة الطبيعية، وكذلك سهولة تحديد جدول زمني للولادة من قبل الأطباء عن طريق الجراحة.

أحيانا يدفع تخوف الأطباء من شكاوى الأمهات والآباء بسبب طول الولادة إلى تفضيل القيصرية، تصل بعض هذه الشكاوى إلى حد رفع قضايا تعويضية مبالغ فيها وذلك في بعض المناطق الشائع فيها هذا السلوك القضائي. على الجانب الآخر فإن الخطأ قد يعود أحيانا على الأطباء، فالكسب المالي والأدبي من وراء الجراحة قد يدفع ضعاف النفوس منهم إلى تفضيلها عن سواها.

ويتضح مما سبق أن بعض الدواعي المذكورة ضروري، والبعض الآخر ليس ضروريا ولا نفع من ورائه.

القيصرية مفيدة، ولكن..!

عندما يكون الداعي لإجراء القيصرية ضروريا تكون الجراحة مفيدة وتنقذ الأرواح - بأمر الله - ليس هناك شك في ذلك، عدا ذلك تكون الجراحة خطرا يهدد الأم وطفلها، كما أنها تؤثر سلبا في العلاقة التي تجمع بين أفراد الأسرة نتيجة للضغط والإرهاق النفسي والجسدي الذي تتسبب فيه.

لكن هل القيصرية تريح الأم من آلام الولادة الطبيعية ؟

هذه فكرة غير صحيحة وجديرة بالتفكير، والحقيقة أن الأم تعاني الألم من جراء القيصرية فترة أطول، وتحتاج إلى البقاء أياما وأحيانا أسابيع في المستشفى. فالقيصرية جراحة كبرى يتم فيها شق طبقات متعددة من جدار البطن، هذا بلا شك يترك الأم عاجزة عن خدمة نفسها ورعاية طفلها.

بعد القيصرية تعاني الأم أنواعا مختلفة من الألم مثل الشعور بالانتفاخ والإرهاق، وأن الأحشاء تكاد تسقط خارج جسدها، أيضا الشعور بالحكة ووجود إفرازات موضع الشق الجراحي، وتحتاج الأم إلى أدوية كي تتغلب على هذه الآلام المستمرة التي تعقب الجراحة. والقيصرية لها نفس المخاطر التي تحدث مع أي جراحة أخرى مثل: تلوث موضع الجرح والتهاب الرحم والمثانة البولية والتصاقات الأحشاء وإصابة الأعضاء المجاورة وكذا إصابة الطفل، والنزف وفقدان الدم وتجلطه، عدم توافق الدم المنقول والعدوى بالأمراض الناتجة عن تلوثه، والالتهاب الرئوي والموت - لا قدر الله. وعلى الرغم من أن مضاعفات القيصرية الخطيرة تكون قليلة الحدوث، فإن بعضها شائع مثل حدوث الالتهابات.

عندما تكون القيصرية محلا للاختيار ينبغي تعريف الأم والأب بهذه المخاطر، والمخاطر طويلة الأمد المحتمل حدوثها مثل العقم الذي قد ينتج عن التصاقات الجراحة.. وفي أحسن الاحتمالات تستغرق القيصرية وقتا تعاني الأم فيه من الألم والإرهاق فترة أطول، وتحتاج إلى دعم نفسي ومساعدة جسمانية أكبر مما تحتاج إليه بعد الولادة الطبيعية.

أيهما أفضل للطفل؟

مرة أخرى قد تكون القيصرية أفضل في حالات قليلة عندما يكون الداعي لإجرائها صحيحا، في هذه الحالة يكون الخطر المحتمل من الجراحة أقل من خطر ترك الطفل أو الأم. أحيانا تجرى القيصرية قبل ميعاد الولادة الطبيعي، وهنا يكون الخطر من حدوث اضطرابات بالتنفس أكبر مما لو تركت الولادة تبدأ من تلقاء نفسها، وذلك على الرغم من التقنيات الطبية المتقدمة المستخدمة في هذا المجال، مثل الأشعة فوق الصوتية وتحليل السائل الأمنويني.. الأطفال الذين يولدون قبل موعدهم الطبيعي - سواء بالقيصرية أو عن طريق المهبل - يتعرضون لمخاطر متعددة نتيجة نقص الوزن ومشاكل التنفس، بالإضافة إلى ذلك يتعرض المولودون منهم بالقيصرية إلى مشاكل ومضاعفات التخدير، وتكون حركتهم ونشاطهم أقل ويتأخر بدء التنفس لديهم، وقد يعانون من مشاكل عصبية.

هذا كله يؤثر سلبا على العلاقة التي تربط بين الأم وطفلها، كما أنه يعيق نجاح واستمرار الرضاعة الطبيعية من الثدي.

والعلاقة الفورية التي تنشأ بين الأم وطفلها بعد الولادة تكون مفقودة لدى الأمهات اللاتي يتعرضن للقيصرية.. بعد الجراحة تفقد الأم وعيها، ويتم فصل الطفل عنها في غرفة خاصة بالمستشفى لفحصه، ويترك حتى تسترد الأم وعيها وقوتها.. هنا يفقد الطفل اللحظات الأولى المهمة في حياته التي ينبغي أن يتعرف فيها والديه، والتي يجب أن يقضيها ملامسا لجسد أمه وبالقرب من كنف أبيه يستمع إليهما ويشاهدهما بجواره يداعبانه ويتحدثان إليه.

بعد القيصرية تدور داخل الأم مشاعر مختلفة بعضها إيجابي وبعضها سلبي.. على سبيل المثال : تشعر الأم بالغضب والإحباط لتأثر رشاقتها وجمالها، وهذا يفقدها الإحساس بالأمان والطمأنينة والحب، لكنها تشعر أيضا بالسرور والغبطة لولادة طفلها.. هذه المشاعر المتباينة تؤدي إلى بداية متوترة لعلاقة الأمومة أو الأبوة، ويزداد هذا التوتر مع شعور الأم بالضعف والإعياء بعد الجراحة.. إن من الصعب العناية بالطفل في وقت تحتاج الأم نفسها فيه إلى عناية خاصة من جراء الجراحة.

الفترة التي تعقب الولادة تكون بصفة عامة مرهقة ومتعبة.. يتأثر نمط الحياة التقليدية للأسرة وتختلف مواعيد النوم تبعا للظروف الجديدة.. تضيف القيصرية متطلبات أخرى لرعاية الأم وتزيد العبء على جميع أفراد الأسرة.. أحيانا يشعر الأقارب بالإحباط بسبب فرط الإرهاق المبذول.. يحدث هذا خاصة في الأسر التي تفتقر إلى العلاقات الطيبة التي تجمع أفرادها.. ويكون العبء الملقى على كاهل الأم عظيما.. فعليها أن ترعى نفسها.. وترعى طفلها وباقي الأطفال.. وهي ما زالت تعاني من ألم الجراحة.

لقد أصبحت القيصرية شائعة ومنتشرة، وبفضل التقدم الطبي أصبحت المخاطر التي تنجم عنها أقل.. هذان السببان دفعا غالبية الأمهات إلى تقبل الجراحة والاعتياد عليها، والاقتناع الخاطئ أن القيصرية تدخل جراحي بسيط، لكن تظل الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي : أن القيصرية جراحة كبرى، ولا يمكننا اعتبارها تدخلا جراحيا بسيطا بأي حال من الأحوال، وأن لها مخاطر عديدة خاصة إذا أجريت دون ضرورة.

تجنب الجراحة ما أمكن

مع الانتشار الهائل لجراحة القيصرية تتضح صعوبة مواجهة المشكلة، لكن الأمل ما زال موجودا كي نعيد الأمور إلى سابق مجراها الطبيعي.

المعرفة والثقافة الصحية السليمة هما محور النجاح والعامل الرئيس في منع إجراء قيصريات غير ضرورية.. كي تحمي نفسك، حاولي تعرف أساليب الولادة المتبعة في المنطقة التي تعيشين فيها. ما الدواعي التي تدفع المختصين بالولادة إلى التوصية بإجراء القيصرية ؟ كم متوسط جراحات القيصرية التي يجريها المستشفى التي ترغبين الولادة به؟ اختاري مختصا أو مختصة الولادة الذي تثقين به - سواء كان رجلا أو امرأة - والذي يجري الجراحة بأقل معدل ممكن وعند الضرورة، قد يساعدك في هذا سؤال الأمهات من الأقارب والجيران اللاتي ولدن أخيرا، لكن احذري الآراء الخاطئة من بعضهن. حاولي الاتصال بجماعات رعاية الأم والطفل وتشجيع الرضاعة الطبيعية - إن توافرت بمنطقتك - وذلك للحصول على المعلومات اللازمة. الطبيبة العامة والقابلة العاملتان بالمركز الصحي القريب لهما دور كبير في المساعدة ومد يد العون. حاولي القراءة والاطلاع على النشرات الصحية والمجلات الطبية كي تتعرفي الوسائل التي تساعد في الحصول على حمل وولادة طبيعية، مثل هذه المعلومات ينبغي نشرها على السيدات والفتيات في مراحل مبكرة من الأفضل قبل حدوث الحمل أو حتى قبل الزواج.

إن كنت قد مررت بولادة متعثرة سابقا - سواء كانت قيصرية أم لا - فأنت تحتاجين إلى التفكير في الأسباب وراء حدوث ذلك. ما الأحداث التي غيرت مجرى الولادة الطبيعية لديك ؟ كثرة التدخلات الطبية غير الضرورية قد تكون أحد الأسباب. هذه التجربة المؤلمة تدفع بعض الأمهات إلى عدم الرغبة في تكرار الحمل والولادة، وتترك انطباعات وذكرى سيئة.

من الأهمية أن تنمي الأم الثقة بنفسها.. وللأب دور فاعل في هذا المجال... القيصرية ضرورة عندما يكون الداعي لها ضروريا.. والاقتناع بأن الولادة حدث طبيعي آمن يتم - بأمر الله - دون تدخلات خارجية يمنح المقدرة على التحمل. كي تفوزي في النهاية بولادة سعيدة مثمرة تترك لك ذكرى طيبة وعلاقة أمومة موفقة.

 

محمد مصطفى مروان

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات