أرقام

أرقام

اختيار المستقبل

أن يزيد متوسط عمر الإنسان عشر سنوات دفعة واحدة فذلك هدف نبيل لابد أن نحني له الراس.

وأن تكون نوعية الحياة مختلفة، فيلقي الإنسان تعليما وثقافة ورعاية صحية أكثر، وأن ينال دخلا مضاعفا ، فذلك هو المطلوب ، لأن إطالة العمر دون تغيير وتحسين نوعية الحياة لا طائل لها .

ولكن، هل نستطيع ذلك؟

السؤال عن الشرق الأوسط، والاقتراح جاء في دراسة أعدها فريق من البنك الدولي.

والشرق الأوسط ، كما تشير الأرقام منطقة استثنائية . تصعد إلى القمة وتسجل أعلى معدل في نمو الدخل ، ثم تهبط إلى القاع فتسجيل أكبر انخفاض في الدخل! ومع الارتفاع والانخفاض تتغير الحياة وتنكسر الآمال ويصبح السؤال: وماذا بعد .. وهل يستطيع الإنسان أو تستطيع الدولة اختيار المستقبل؟ هل نستطيع أن نقول: سوف يكون الإنسان العربي عام "2010" أفضل حظا؟

الإجابة : نعم .. نستطيع ، والفرق بين أن نكون أو لا نكون هو نوع من السياسات ، ونوع من التفكير. إنه الاختيار ضمن واقع يضم الطيب والخبيث ، الإيجابي والسلبي.

صحيفة الماضي

عاش الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التناقض كله خلال الحقبة الأخيرة، وفي دراسة البنك الدوي التي تحمل عنوان " من أجل مستقبل أفضل- اختيار الازدهار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" أن الأداء الاقتصادي في المنطقة خلال ربع قرن يمتد من عام "1960" إلى عام "1985" قد فاق جميع المناطق في العالم عدا شرق آسيا، وذلك من حيث نمو الدخل أو عدالة التوزيع، أو المكاسب الاجتماعية التي تحققت ، وفي التفاصيل فقد انخفضت وفيات الأطفال بأكثر من النصف، وارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة بأكثر من عشر سنوات وقفزت معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية من "61% " عام "65" إلى "98%" عام "91" ، كذلك فقد تحسنت مستويات التعليم بين البالغين من "34%" عام "70" إلى "53" عام "90" .

حدث ذلك خلال ربع قرن، ولكن واعتبارا من عام "86" انخفض متوسط دخل الفرد بمعدل "2%" سنوياً، وهو أكبر انخفاض في أي منطقة نامية ، وشهدت التسعينيات انهيار أسعار النفط وسجلت نهاية "98" أكبر انخفاض في الأسعار خلال اثني عشر عاما! ، وخلال ذلك تحولت بعض دول الفائض إلى دول عجز. اختلت الموازين التجارية الميزانيات العامة واستدان الذين ظن العالم أنهم الأكثر ثراء وأنهم القادرون على تحريك الاستثمارات في العالم وتقديم القروض للمؤسسات الدولية ، وتعثرت خطط الإنماء . ولم يكن انخفاض أسعار النفط النصر السالب الوحيد ، فقط كانت هناك آثار حرب الخليج الثانية ، وآثار الصراع العربي- الصهيوني ، وأعمال العنف التي يقوم بها أصوليون ، ونزاعات طائفية وعرقية وحدودية وبداية انفتاح واسع وغير محدود على الأسواق العالمية طبقا لاتفاقية الجات ، وبما يؤثر في الإنتاج المحلي . ولكن ، ولأن الواقع يضم الإيجابي والسلبي ، فإن درساة البنك الدولي " 98 " ترى أن سياسات أخري وخيارات مختلفة يمكن أن تصنع مستقبلا أفضل عام " 2010 " .

صحيفة المستقبل

يقول البنك الدولي إنه في ذلك التاريخ يمكن زيادة متوسط العمر عند الولادة بمقدار عشر سنوات ، ويمكن مضاعفة متوسط الدخل ، كما أنه يمكن تخفيض وفيات الأطفال إلى النصف .

في دائرة الآمال أيضا : أن يتراجع الفقر وتتراجع البطالة .

ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن ارتفاع معدل النمو السنوي من صفر بالمائة إلى " 1 % " يخفض أعداد الفقراء بحوالي " 8 " ملايين نسمة خلال العقد المقبل ، ودون ذلك- على العكس- فإن عدد الفقراء سوف يزيد بمقدار " 15 " مليون نسمة عام " 2010 " .

وفي نفس الدائرة- دائرة الأمل- أن تبلغ معدلات الالتحاق بالتعليم في جميع بلدان المنطقة مائة بالمائة في التعليم الابتدائي و " 70 % " بالتعليم الثانوي و " 25 % " بالتعليم العالي .

السؤال : كيف يحدث كل ذلك ؟

تضع الدارسة " روشته " للانتقال إلى وضع جديد ، وهي روشتة تحمل عبارات صريحة مثل " استخدام آليات الإشارات الدولية كمنظمة التجارة العالمية لتثبيت الإصلاحات ، وتحرك نحو التجارة الحرة أو الرسوم الجمركية الموحدة والتي لا تتجاوز " 5 % " عام 2010 ، استخدم قواعد بسيطة وشفافة لبيع شركات القطاع العام وتنظيم الاستثمار في النبية الأساسية ، ضع برنامج الخصخصة تحت إدارة مركزية بقيادة أحد أنصار الخصخصة من ذوي المستوى الرفيع ، وفر تحويلات نقدية للفقراء لكن راقبها جيدا " .

والروشتة طويلة تبدأ بتحرير التجارة ، وتوفير بيئة استثمار صالحة ، وإعطاء أولوية للخصخصة ، ثم تمتد لتشجيع المستثمر الأجنبي وتحقيق التكامل بين التعليم والاقتصاد .

والبرنامج المقترح يتوقف أمام العديد من القضايا فالمورد البشري له أهمية قصوى ، وتدريبه وتعليمه وتأهيله مفتاح التقدم ، أما الموارد الطبيعية فللبنك الدولي رأي مهم تبدأ مقدماته من نتيجة مستخلصة من الماضي ، تقول إن دول المنطقة قد أساءت استخدام الموارد الطبيعية ، سواء باستنزافها ، أو بسوء توجيه عوائدها ، لذا فإن النصيحة التي يبديها البنك هي أن ترفع الدولة يدها عن دعم أسعار الموارد الطبيعية مثل الطاقة والمياه ، بل من قطاعات مثل مياه الشرب والصرف الصحي .

كل شئ له ثمن ، هذا هو الانقلاب الذي يستهدفه البنك الدولي ، وكل شيء له عائد ، حتى لو كانت مياه الأنهار ، والتي ترى بعض الجهات أن ترشيد استهلاكها يأتي بتسعير المياه ، كما أن بعض الدول مثل تركيا تريد أن تعامل الماء كثروة طبيعية تستفيد منها دولة المنبع " المالكة " والتي تستطيع وحدها أن تبيع للآخرين .

في كل ذلك ، وطبقا لاقتراحات الجزاء : ترفع الدولة يدها عن النشاط الاقتصادي ، وعن دعم الأسعار ، ولكن وعلى العكس في مشكلة خطيرة هي الفقر فإنه لابد من تدخل الدولة ، والنصائح عديدة : نسبة نمو أعلى ، فرص عمل للفقراء ، دعم مباشر للأرق حالا .

مشكلة الفقراء أصبحت تؤرق العالم ، وعدد الفقراء يتزايد ، فهل تعالج صحيفة المستقبل هذه القضية ؟

يقولون : " الحلال بين .. والحرام بين " ، أى أن الاختيار هو العنصر الحاسم .

أخشى أن تكون سياساتنا : " تابع ما قبله " .. أخشى أن يكون تخطيطنا " محلك سر ". أخشى أن نعامل المستقبل كما عاملنا الماضي : تبديد وسوء تخطيط ونظرة قصيرة ومحدودة .

اختيار المستقبل قضية تستحق منا الاهتمام ، بدايتها : العلوم والمعرفة وأجهزة التخطيط والتنبؤء ، لكن نهايتها : إرادة سياسية ، وقرار مستقل .

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات