البدانة وجراحة التجميل ريم حمامي

البدانة وجراحة التجميل

هناك أشكال من البدانة تنغلق في وجهها كل الأبواب المعروفة للتخسيس، ولا يبقى أمامها إلا باب جراح التجميل.

كثيرون هم المرضى الذين يراجعون أطباء جراحة التجميل من أجل عدم تناسب في القوام يتجلى بشكل بدانة موضعة في مناطق معينة من الجسم. هذه التركزات الشحمية الموضعة تفرض عليهم طريقة لباس معينة وتحرمهم من مواكبة عالم الأزياء والتصاميم.

من خلال استجواب هؤلاء المرضى نرى أنهم لم يدعوا وسيلة إلا وجربوها للتخلص من هذه التوضعات بدءا من أنواع الريجيم المختلفة والرياضة والتدليك حتى بعض المراهم والوصفات الشعبية أو الشعوذات التي قد تكون خطيرة في بعض الأحيان. هؤلاء المرضى يذكرون أنهم رغم حالة فقدان الوزن التي يصلون إليها تبقى كثير من الشحوم في مناطق عديدة من أجسامهم لا تتغير بل وتزداد أحيانا. فما هو السبب يا ترى ؟ وهل هناك حل لهذه المشكلة ؟

الإجابة باختصار أن هذه التركزات الشحمية الموضعة عبارة عن شحم عميق مخزون يختلف عن الشحم السطحي الإستقلابي المتوزع في مختلف أنحاء الجسم والذي يمكن فقده بسهولة. أما هذا الشحم فهو شحم مقاوم للاحتراق، لا يتأثر بأي ريجيم، لذلك لا بد من تحطيمه جراحيا بعملية شفط الدهون Lipoaspiration أوLiposuccion التي وحدها تستطيع تحطيم هذه التركزات الشحمية نهائيا وتحقيق التناسب في القوام. ولكن من أين يأتي هذا الشحم المخزون ؟ وهل هناك سبيل للوقاية من تشكله ؟

مصادر الشحم المخزون

العضوية البشرية تضع الغذاء الزائد وتخزنه على شكل كتل شحمية موضعة، شأنها شأن بقية الحيوانات كالجمل في الحدبات والسنجاب في الخدين وغيره.

الإنسان الحجري كان يتبع هذه الطريقة ليتمكن من البقاء على قيد الحياة في الظروف الصعبة التي كان يعيشها، ومن الممكن تفسير وجود التركزات الشحمية الموضعة لدى الإنسان العصري اليوم على أنها صفات ورثها عن أجداده. لذلك تتركز في البطن والأوراك والأرداف والفخذين لدى المرأة وفي البطن والأوراك لدى الرجل.

هذا الشحم المخزون يتأثر بعوامل يمكن تعدادها:

1 - الوراثة:

كما نعلم منذ أبقراط أن البدانة غالبا عائلية. والإحصاءات أظهرت أنه:

حين يكون الأبوان بدينين يصبح 80% من الأطفال بدينين.

وعندما يكون أحدهما بدينا، يكون 40% من الأطفال بدينين.

وعندما لا يكون أي منهم بدينا، يكون 15% من الأطفال بدينين.

التركزات الشحمية الموضعة تنتقل من الوالدة إلى الابنة أو من الجدة إلى الحفيدة بشكل ثابت، وهكذا ينتقل عدم التناسب في القوام في ذات العائلة على مدى الأجيال وإن استثني جيل أحيانا.

2 - المنشأ العرقي :

البدانة المتناسبة نجدها في كل مكان، في حين أن البدانة غير المتناسبة لها مواصفات مختلفة حسب الشعوب وعليه نصنف:

- الشعوب اللاتينية وشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط (النساء العربيات): يمكن تشبيه عدم التناسب لديهن بما يسمى التشوه بشكل آلة الكمان: خصر نحيل يتبعه امتلاء بشكل كتل حول الأوراك والأرداف والفخذين.

- الشعوب الشمالية: تشوه بشكل دولاب النجاة في صورة كتل محيطية حول البطن والخصر.

- الشعوب الآسيوية : تشوه بما يشبه ثوب الكيمونو : توضعات شحمية حول الذراعين والجذع والخصر.

- الزنوج : توضعات متركزة خاصة في الإليتين.

من خلال هذه الملاحظات ومقارنتها بطريقة لباس نساء هذه الشعوب وهي الثوب الضيق في الأعلى الواسع من تحت الخصر عند نساء البحر الأبيض المتوسط والنساء العربيات، والقميص العريض لدى الشماليات والكيمونو لدى الآسيويات والثوب الإفريقي على شكل تنورة عريضة جدا (bou-bou) البوبو نستنتج اهتمام جميع نساء العالم في كل العصور بإظهار جمال أجسامهن ونحافتهن وسعيهن لإخفاء عيوبهن.

3 - العامل الهرموني:

الذي يفسر الاستعداد الأقوى للتشحم عند النساء، واختلاف توزع الشحوم بين المرأة والرجل. هذه التأثيرات الهرمونية درست سريريا أثناء المعالجة المديدة لسرطان البروستاتا بالهرمونات المؤنثة لدى الذكر، ولسرطان الثدي بالهرمونات المذكرة.

4 - عوامل أخرى:

العادات الغذائية في مرحلة الطفولة خاصة، حيث البدانة في الصغر تؤدي إلى تضاعف عدد الخلايا الشحمية وتوضعها في المستقبل في مخازن الشحم. لقد أظهرت دراسات العالم Bjorntorp أن عدد الخلايا الشحمية محدد منذ الولادة ثم يأخذ في التضاعف والتطور في مرحلة الطفولة وحتى البلوغ، حيث يثبت عددها، أما عند البالغ فإن هذه الخلايا الشحمية لا يمكن أن يعاد تشكلها ولذلك نلجأ إلى تحطيمها بالشفط والنتائج ثابتة.

نستنتج إذن أن الوالدين هما اللذان يخلقان حالة البدانة عند أولادهما في المستقبل، حيث المورثات تعطي احتمال حدوث التركزات الشحمية، التغذية الزائدة في الطفولة، تضاعف عدد الخلايا الشحمية، ثم استمرار العادات الغذائية السيئة بعد البلوغ تملأ هذه المخازن وتظهرها بشكل عيوب موضعة.

- إلى جانب ذلك فإن شكل الجسم يلعب دورا مساعدا في إظهار التوضعات الشحمية، كالفخذين القصيرين وروح الورك، وفرط تقعر العمود الفقري.

- وكذلك الملابس: حيث عادة لبس المشدات الضيقة جدا يمكن أن تخلق كتلا شحمية في المناطق المجاورة لمنطقة الشد.

لقد رأينا أن التركزات الشحمية الموضعة عبارة عن نسيج شحمي محتبس Bloquee. المريضة التي تنحل تشهد ذوبان الشحم في كل جسمها عدا هذه المناطق وهكذا يزداد ظهور عدم التناسب. لقد أظهرت الدراسات الإحصائية الدقيقة أنه من أجل إزالة كيلو جرام واحد من منطقة الحوض على المرأة أن تفقد أولا ستة كيلو جرامات من بقية جسمها. هذه العلاقة 1 إلى 6 علاقة مذهلة وسببها احتباس النسج الشحمية ومقاومتها العالية للاحتراق بآليات خاصة معروفة (حيث من المعروف أن الخلايا الشحمية في هذه المناطق غنية بمستقبلات ألفا - 2 - النشيطة، وهي مستقبلات وظيفتها منع احتراق الخلايا الشحمية).

النتيجة هي فقدان المرأة امتلاء وجهها وثدييها وتصل إلى مظهر مأساوي في الجزء العلوي من جسمها حتى الخصر بينما يبقى الشحم في منطقة الحوض مزدهرا في مكانه دون تأثر.

هكذا تبدأ بداية الحلقة المعيبة وتعيش المرأة في حلقة مفرغة، حيث أمام هذه النتيجة المخيبة للأمل تعود المرأة للطعام، وزيادة الوزن تظهر أولا في مناطق التركزات الشحمية، حيث أظهرت الدراسات أن شراهة الخلايا الشحمية للسكاكر (الجلوكوز) في هذه المناطق تعادل ضعفي شراهة بقية الخلايا الشحمية في الجسم. وزيادة كيلو جرام واحد فقط كافية لإعادة التشوه إلى وضعه السابق للريجيم. وما يحدث أن زيادة الوزن هذه غالبا ما تتعدى الوزن السابق للريجيم، تتبعه محاولة لتخفيف الوزن ثم زيادة للوزن أكثر من الوزن السابق وفي النهاية المريضة لديها ربح زائد لبعض الكيلو جرامات بشكل يتعدى الوزن البدائي. وتصل المريضة حتما إلى أمرين :

- توالي التمطط والارتخاء الجلدي بما يشبه آلة الأوكورديون ينتج عنه تحطيم لصفة المطاطية الجلدية المهمة Elasticite بشكل كامل أو جزئي.

- الوصول إلى حالة البدانة غير المتناسبة والتركزات الشحمية المضرة التي ليس لها علاج دوائي معروف حتى الآن.

هؤلاء المرضى هم ضحايا أنفسهم ويدورون في حلقة معيبة لا يمكن عكسها، هذه الحلقة المعيبة يمكن أن تسوء أيضا بوجود عامل نفسي مرافق من نوع الاكتئاب الذي يخلق بحد ذاته حلقة معيبة موازية للحلقة الأولى يعززها الشعور بالفشل وقد يؤدي بالمريض إلى تعاطي المهدئات والانطواء الذاتي ثم زيادة الوزن بسبب فرط تعاطي الطعام بهدف التعويض أو بهدف معاقبة الجسد، هذا الجسد الذي يرفضه المريض وينكره. الإحساس بالفشل يزداد والحلقة المعيبة تأخذ أبشع أشكالها.

عودة الأمل

من الممكن اليوم وبفضل جراحة التجميل أن نعيد الأمل والبسمة، حيث تسعى جراحة شفط الدهون التي تحطم الخلايا الشحمية في هذه التركزات مع مستقبلاتها ألفا - 2 -، وبذلك يتم تحطيم العائق الأساسي أمام ذوبان الشحوم فيستطيع المريض أن ينحل دون أي عودة للبدانة.

ويعود الفضل إلى مخترع هذه الطريقة جراح التجميل الفرنسي y.g.illouz في عام 1977 والذي طور هذه الجراحة ونشرها في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأوربا وأستراليا، بحيث أصبحت اليوم العملية الأكثر إجراء في مجال الجراحة التجميلية في الولايات المتحدة (140 ألف جراحة في السنة بحسب الإحصاءات).

 

ريم حمامي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات